#اكرم زاده الكوردي#
المقدمة
يعتبر مجلس الأمن من أهم أجهزة الأمم المتحدة وذلك لأن مهمة تحقيق الهدف الرئيسي الذي من أجله تم تأسيس هذه المنظمة والذي هو حفظ السلم والأمن الدوليين من أعمالها الحصرية، ولكي يستطيع هذا الجهاز القيام بأعماله هذا،سمح ميثاق الأمم المتحدة له بحق إصدار القرارات الملزمة وسلطة التدخل في المنازعات الدولية، سواء وافق عليه الدول المتنازعة أم لا وأن اهتمام المجتمع الدولي بهذا الجهاز لم يأتي إلاّ لأن الحرب كانت الوسيلة الوحيدة التي تلجأ إليها الدول المتنازعة لحل منازعاتهم، ولهذا فإن البشرية أصابت من الحرب هلاكاً ودماراً وعلى الرغم من أن الميثاق قد حرّم استخدام القوة في العلاقات الدولية إلاّ في حالة الدفاع الشرعي أي عندما تتعرض الدولة لعدوان خارجي، إلا أن الدول تستخدم القوة لحل منازعاتها لحد الآن.
يهدف هذا البحث إلى بيان الطرق غير العسكرية لحل المنازعات الدولية التي يستطيع أن تلجأ إليها مجلس الأمن لتسوية المنازعات هذه. وتجدر الإشارة، بأن التسوية السلمية للمنازعات هي الخطوة الأولى لحل المنازعات وهذا يتبين لنا واضحاً عند مراجعة ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي العام. يتألف هذه البحث من ثلاث مباحث، يتعلق الأول بسلطة مجلس الأمن في فحص أي نزاع أو موقف قد يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، أما المبحث الثاني فيتعلق بسلطة مجلس الأمن في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية وهذا يتضمن ثلاثة مطالب، الأول يتناول الوسائل الدبلوماسية أما الثاني فيتناول التسوية السياسية أو اللجوء إلى المنظمات الإقليمية، أما الثالث فيتناول التسوية القضائية للمنازعات، أما المبحث الثالث فإنه يتعلق بسلطة مجلس الأمن في اتخاذ التدابير المؤقتة والإجراءات التي لا تتطلب استخدام القوة العسكرية وهذا المبحث بدوره يتضمن مطلبين، الأول يتناول التدابير المؤقتة والثاني يتناول التدابير غير المؤقتة.
المبحث الأول: سلطة مجلس الأمن في فحص أي نزاع أو موقف قد يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.
إذا كانت الفقرة الأولى من المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة قد آلت إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ الأمن والسلم الدوليين، فإنه لا يستطيع القيام بمهمته هذا ما لم يكن هناك تهديد لهما، إذ يجب البت أولاً بوجود التهديد. وعليه، فإن هذه السلطات تعتبر المدخل الأساسي لبقية السلطات الإجرائية. وبالرجوع إلى المادة 34 من الميثاق والتي تعتبر من القواعد العامة فإنها نصت على لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي وعلى ذلك فإن لمجلس الأمن وفقاً لهذه المادة:
1. أن يفحص أي نزاع أو موقف، قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً (1). وبالرغم من أن الميثاق قد ميّز بين النزاع والموقف إلاّ أنه جاء خالياً من أي معيار للتميز. ولكن يمكن القول بأن (النزاع) يمثل مرحلة متقدمة أو خطيرة على (الموقف)، فهذا الأخير يمثل حالة عامة تنطوي على مشكلات سياسية تتعلق بمصالح عدة دول أو بالمجتمع الدولي ككل، أكثر من اتصالها بأطراف معينة بالذات، في حين يجسد النزاع مرحلة تختلف فيها الآراء وتتباين بشأنها مصالح الدول المتنازعة، أو كما قالت محكمة العدل الدولية الدائمة، فان النزاع يتمثل في خلاف حول نقطة أو واقعة، فهو إذن تناقض أو تعارض بين الآراء القانونية أو المصالح لشخصين قانونيين(2).
ويعرّف الدكتور عصام العطية النزاع الدولي بأنهالخلاف الذي ينشأ بين دولتين على موضوع قانوني، أو حادث معين، أو بسبب وجود تعارض في مصالحهما الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية وتباين حججهما القانونية بشأنها(3). ويلاحظ بأن العبارة (لمجلس الأمن أن يفحص) الواردة في المادة 34 من الميثاق جاءت بصيغة الجواز، وعليه فإن للمجلس أن يبحث في النزاع أو الموقف وفق سلطته التقديرية أو لا يبحث، ولا يؤثر في هذه السلطة التقديرية ما أوردته المادة 35 والتي تنص على أنه:
أولاً: لكل عضو في الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة 34.
ثانياً: لكل دولة ليست عضواً في الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفاً فيه إذا كانت تقبل مقدماً في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق(4).
وكذلك ما أوردته الفقرة 3 من المادة 11 التي تنص على للجمعية العامة أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرض السلم والأمن الدولي للخطر، وما نصت عليها المادة 99: للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي(5). والجدير بالذكر، فإن كلمتيالتنبيه و تسترعي لاينطويان على معنى الالتزام لكي يجبر مجلس الأمن على الاستجابة لهذا التنبيه أو الاسترعاء، فالمجلس حرٌّ في أن يقر الفحص أم لا، وفق سلطته التقديرية(6). من كل ما تقدم يتضح، بأن المجلس يمارس هذا الاختصاص إذا طلب إليه ذلك مَنْ يحق له قانوناً أو من تلقاء نفسه(7).
ويلاحظ بأن هناك مسألة أخرى تتعلق بهذا الموضوع وهي: هل يحق للأطراف التي قاموا بتنبيه مجلس الأمن إلى وجود نزاع أو موقف من شأن استمراره تعرض السلم والأمن الدولي للخطر، الرجوع ومطالبته بوقف النزاع أو الموقف لدراسته مجدداً ؟ لقد تم طرح مثل هذه المشكلة أمام المجلس لدى مناقشة القضية الإيرانية في 15 نيسان 1946 حيث طلبت إيران سحب شكواها من المجلس المقام ضد الاتحاد السوفيتي نظراً لاتفاق الحكومتين على حل المسألة بينهما بالوسائل الودية، فأقترح الأمين العام آنذاك استجابة الطلب على اعتبار أن أساس اختصاص المجلس بنظر هذه القضية قد اعتمد على طلب الحكومة الإيرانية إعمالاً للمادة 35/أولاً من الميثاق، وإن من شأن سحب الشكوى من قبل الطرف المقدم جعل النزاع لا وجود له ومن ثم لا يجوز استمرار المجلس في نظره. وبالرغم من هذا التفسير، فإن المجلس قد أحيل القضية إلى لجنة الخبراء لدراسته ورفع تقرير بشأنه، ولكن اللجنة في النهاية لم يصدر قرار بهذا الشأن، نتيجة لإختلاف آراء أعضاء اللجنة حول الموضوع، فالمندوب الهولندي رفض تفسير الأمين العام، وأشار بأن هذا الأمر يتطلب تحديد الجهة التي يتعين أن تقرر نهائياً جدول أعمال المجلس، هل هو دول الأطراف في النزاع أم مجلس الأمن ؟ فبما أن المجلس هو فقط ينظم ويضع جدول أعماله، وأنه هو الذي أقر بالمسألة، فله وحده حق رفعها.لقد رحب بهذا الرأي وأييّده غالبية أعضاء المجلس، ولهذا غيّب مندوب الاتحاد السوفياتي اجتماعات المجلس طول مدة بحث هذه المسألة(8). وكذلك فإنه إذا امتنع أطراف النزاع عن عرض نزاعهم على المجلس بمقتضى المادة 35، فإن ذلك لا يحول المجلس من ممارسة اختصاصاته القانونية وبالأخص مهمته الأساسية وهي حفظ الأمن والسلم الدوليين، حيث أن المادة 34 أجازت للمجلس فحص أية حالة أو نزاع من شأنه تعرض حفظ السلم والأمن الدولين للخطر، لكي يحدد الموقف الذي يجب اتخاذه إزاء هذا النزاع وإصدار التوصيات اللازمة بمقتضى المادتين 36 و37 من الميثاق(9).
أما التصويت على درج نزاع أو موقف في جدول أعمال المجلس، فإنها مسألة إجرائية وأنه بمجرد موافقة تسعة من الأعضاء، فإن القضية تدرج ضمن جدول الأعمال. وإذا تم درج قضية أو مسألة ما في جدول أعماله، فإنه يجب عليه أن يدعو أطراف النزاع إلى حضور اجتماعات المجلس المتعلقة بالقضية دون أن يكون لهم حق التصويت، وله حق وضع الشروط لاشتراك الدولة التي هي ليست من أعضاء الأمم المتحدة (10)،كما يجوز للمجلس طبقاً للمادة 31 دعوة أي عضو من أعضاء المنظمة غير الأعضاء في المجلس للاشتراك بدون تصويت في مناقشة القضية إذا ما رأى المجلس أن مصالح هذا العضو تتأثر به بوجه خاص(11).
2. أن يقرر ما إذا كان استمرار النزاع أو الموقف، المشار إليه في المادة 34 من شأنه تعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر(12)، ويجب أن يكون هذا الموقف أو النزاع مستمراً وقائماً عند عرضه على المجلس، وأن يكون هناك أدلة ومؤشرات تنبيء باستمراره إذا لم يتم حله(13).
فالمجلس هو الذي يقرر بأن استمرار النزاع أو الموقف يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر أو لا، وذلك بعد الفحص(14). ولا يشترط أن تكون أطراف النزاع متساوين في القوة حتى يوصف النزاع أو الموقف بأنه يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، إذ أن النزاع قد يوصف بذلك دون أن تكون الأطراف متكافئتين في القوة. وخير مثال على ذلك هو النزاع بين إيران والاتحاد السوفياتي، حيث طلبت الاتحاد السوفياتي من المجلس شطب شكوى إيران من جدول أعمال المجلس، لأنه سوف يحل النزاع بينهما عن طريق المفاوضات المباشرة، وأنه لا يمكن أن ينطبق على النزاع الوصف الذي يجعل المجلس مختصاً بنظره، غير أن هذا الطلب رفض من قبل المجلس لمخالفته مباديء العدالة والقانون الدولي(15).
3. لمجلس الأمن سلطة تقديرية واسعة في فحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً، وهو الذي يقرر فيما إذا كان استمرار ذلك يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر. يلاحظ بأن المادة 34 لم ترد فيها ما يقيد سلطته التقديرية، فالمجلس له حق فحص أي نزاع سواء كان مسلحاً أم لا، وحتى قد يكون النزاع قانونياً، أو أي موقف آخر يصدر عن الدول أو الجماعات وإن عموم نص المادة 34 تشير إلى أن هذا الموقف قد يكون اقتصادياً أو سياسياً إذا رأى المجلس وفق سلطته هذه أن ذلك النزاع أو الموقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو نزاع لا يشكّل بحد ذاته تهديداً للأمن والسلم الدوليين وإنما من شأن استمراره أن يعرضهما للخطر، وأن سلطة المجلس هذه غير محصورة على قيام النزاع وإنما تشمل أيضاً الاحتكاك الدولي، وأن المادة 34 لم تبين مفهوم هذا الاحتكاك، وعليه فإن المجلس وفق سلطته التقديرية، له أن يقرر بأن هناك احتكاك دولي بالمعنى الذي أوردته المادة أم لا. ولا بدّ أن نشير إلى العبارة التي وردت في المادة 34: (…. أن يفحص أي نزاع أو موقف، قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً …) فعند قراءة هذه العبارة فإن القاريء قد يستنتج بأن للمجلس الحق في فحص أي نزاع قد يثير نزاعاً، ويتضح بأن المقصود بكلمة النزاع الأول الواردة في العبارة أعلاها إنما يراد به أي نزاع كان، أما كلمة النزاع الثاني فيقصد به النزاع الذي ينطوي على استخدام وسائل القوة أو التهديد بها وبذلك تأخذ سلطة المجلس التقديرية أبعاداً أوسع في تقدير كل منهما.
وإذا ما فرغ المجلس وفق ما ذكر أعلاه ووفق سلطته التقديرية، بأن النزاع أو الموقف يشكّل خطراً على السلم والأمن الدوليين أو لا يشكّل خطراً(16)، فإنه وحده يقرر الإجراءات التي يجب استخدامها لمواجهة هذا النزاع، فله أن يلجأ إلى إجراءات القمع واستخدام القوة العسكرية الواردة في الفصل السابع أو أن يقدم توصيات لأطراف النزاع(17).
وعليه، فإن المادة 34 تعتبر المدخل الأساسي لسلطات مجلس الأمن التي تقررت بموجب المادة 24 من الميثاق، وهذه السلطات لا يمكن تحريكها الاّ إذا قرر المجلس بأن النزاع أو الموقف يهدد السلم والأمن الدوليين في حالة استمراره أو عند وجوده ابتداءاً، وله تقديم التوصيات إلى الأطراف أو اللجوء إلى إجراءات الفصل السابع(18). حيث نصت المادة (39) على:يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
وعليه، فإن أهم وأخطر الاختصاصات التي أوكلها الميثاق للمجلس بشأن حماية السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما هي الاختصاصات التي منحها له بموجب هذه المادة 19، حيث أن هذه المادة أعطت له سلطة تقديرية من جهة والقيام بإجراءات خطيرة من جهة أخرى. فالمجلس يقرر بأن هناك تهديد للأمن والسلم الدوليين أو إخلال بهما أو أن ما وقع يعتبر عملاً من أعمال العدوان. فعموم النص وخلوه من أي تقييد يعطي المجلس سلطات واسعة في تقرير ذلك، حيث ليس هناك تحديد دقيق لنطاق تطبيق النص(20). والجدير بالذكر، فإن المجلس قد يقوم بإنشاء لجان تقوم بالفحص والتدقيق والتحقيق، ومن أمثلة ذلك لجنة التحقيق في حوادث الحدود اليونانية، ولجنة مضيق كورفو(21). واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليها هذه اللجان، يقوم المجلس بإصدار التوصيات اللازمة لحل المنازعات حلاً سلمياً، وعليه، فهذه اللجان في البداية تعتبر أداة تحقيق ثم تتحول إلى أداة تسوية بعد ذلك بإصدار التوصيات اللازمة(22)، ويجب أن لا تنحرف هذه اللجان عن مهامها الأصلية(23).
وإذا ما قررت هذه اللجان بأن استمرار النزاع يؤدي إخلال بالسلم والأمن الدوليين أو لا يخل بذلك، فإن عمل هذه اللجان تنتهي وتترك حسم المسألة للمجلس(24). وللمجلس أن يصدر قراره دون تشكيل هذه اللجان بناءاً على ما يترأى له ووفقاً لسلطته التقديرية. ويلاحظ بأن الشطر الثاني من المادة 39 الذي أشار إلى أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، لم يحدد المراد بالعدوان(25). لقد كان لتعريف وتحديد المقصود بالعدوان صعوبة كبيرة منذ عهد عصبة الأمم، إلى أن توصلت لجنة تعريف العدوان التي شكّلتها الجمعية العامة سنة 1967 إلى مشروع لتعريف العدوان الذي أقرته الجمعية العامة في سنة 1974(26). ففي المادة الأولى من هذا المشروع عرّف العدوان على أنه استخدام للقوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى وسلامتها أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن العبارة الأخيرة لهذا التعريف والتي تنص على ..أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة … يستنتج بأنها قد أعطت للمجلس سلطة تقديرية في أن يقرر بأن الصورة لا تتفق مع الميثاق من عدمه. ومن جهة ثانية، فإن المادة الثانية من المشروع نصت على أن المبادلة باستخدام القوة من قبل دولة ما خلافاً للميثاق تعتبر بيّنة كافية مبدئياً على ارتكابها عملاً عدوانياً، وإن كان للمجلس أن يخّلص بأنه ليس هناك ما يبرر الحكم بأن عملاً عدوانياً قد وقع، وذلك في ضوء ملابسات وظروف أخرى وثيقة الصلة بالحالة، بما في ذلك أن تكون التصرفات محل البحث، أو نتائجها ليست ذات خطورة كافية(27)، ويلاحظ بأن المادة الثالثة من المشروع قد عرفت الأعمال التي تعتبر عدواناً، بينما المادة الرابعة منه منح المجلس سلطة الحكم بأن أعمالاً أخرى غير الواردة في المادة الثالثة اعتبارها أعمال عدوانية أيضاً.
من كل ما تقدم يتبين، بأنه ليس هناك أي ضوابط أو معايير معينة تلتزم بها مجلس الأمن. فهو الذي يضع ما يشاء من المعايير لتحديد الأحوال التي تعد تهديداً للسلم أو إخلالاً به أو عملاً من أعمال العدوان(28)، وفق سلطته التقديرية حتى في ظل تعريف العدوان الذي تبنته الجمعية العامة، وإذا قرر المجلس تكييف الفعل، فله أن يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من الإجراءات وفق أحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادته إلى نصابه(29).
والجدير بالذكر، فان التوصية الصادرة عن المجلس قد تكون لدعوة الأطراف المتنازعة إلى حل قضيتم بالطرق السلمية، كما قد تكون التوصية بتحديد طريقة معينة لحل النزاع بعد الأخذ بعين الاعتبار ما قام به المتنازعون من إجراءات سابقة لتسوية النزاع بينهم كعرض النزاع على محكمة العدل الدولية(30).
الخلاصة: أن لمجلس الأمن مايلي:-
1. أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً كي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين. وله يعود أمر فحص النزاع أو الموقف، فقد يبدو له أن لا حاجة لفحصه، وهو الذي يقرر فيما إذا كان استمراره من شأنه أن يعرض الأمن والسلم للخطر أم لا. وكل ذلك يخضع لسلطته التقديرية.
2. أن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان أم لا. وهو الذي يقرر وقوع العدوان أم لا حتى في ظل تعريف العدوان الذي تبنته الجمعية العامة، وعلى ذلك يتمتع مجلس الأمن بسلطة تقديرية واسعة في تكييف الفعل وبيان وصفه(31).
المبحث الثاني: سلطة مجلس الأمن في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية
يلاحظ بأن ميثاق الأمم المتحدة جعل لمبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية مكانة رفيعة، ويعتبر هذا المبدأ من المباديء الأساسية في القانون الدولي العام وأصبح الالتزام به يتمتع بالصفة الآمرة، فديباجة الميثاق تنص على: ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة. وبموجب المادة الأولى من الميثاق فإن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات يعتبر من مقاصد الأمم المتحدة الأساسية والمهمة في نفس الوقت. والمادة الثالثة جعل من تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية من إحدى المباديء التي أقيمت عليها منظمة الأمم المتحدة. والجدير بالذكر، فإن ( إعلان مانيلا) التي تم في عام 1982م أعطى للدول الحرية المطلقة في اختيار أيّة وسيلة سلمية لحل النزاع ولم يلزمهم بوسيلة معينة، ولكن يجوز للأطراف المتنازعة التنازل عن هذا الحق، وهذا عادةً ما يتم عندما تتعهد سلفاً في اتفاق معين، بالرجوع إلى وسيلة محددة للتسوية(32).
بناءاً على ما سبق، فإن هناك التزاماً على أطراف أي نزاع يكون من شأن استمراره أن يعرض حفظ الأمن والسلم الدوليين للخطر، الشروع بحل قضيتهم في البداية عن طريق المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل التي تقع عليها اختيارها وذلك استناداً إلى الفقرة الأولى من المادة 33 من الميثاق.
رغم أن اللجوء إلى الوسائل السلمية واجب على الأطراف المتنازعة، إلاّ أن فرض طريقة أو وسيلة معينة على هذه الأطراف من قبل مجلس الأمن غير جائزة، حيث أن لهم أن الحق في اختيار وسيلة معينة وفق طبيعة نزاعهم والعلاقات بين الطرفين(33).
وتجدر الإشارة، بإن اتفاقات لاهاي لعامي 1899م و 1907م، وعهد عصبة الأمم وميثاق التحكيم العام، والوثائق التي وقعتها الدول الأمريكية فيما بينها، أوصت بالطرق الواردة في الفقرة الأولى من المادة 33 المتقدم ذكرها، ما عدا اللجوء إلى المنظمات الإقليمية. حيث أن الأخيرة تعتبر فكرة جديدة ونص عليها ميثاق الأمم المتحدة لأول مرة. ويلاحظ من الفقرة الأولى من المادة 33 بأنها استجابت لمتطلبات سيادة الدول المتنازعة عندما أعطت لهم الحرية في اختيار الطريقة المناسبة لحل نزاعهم.
وبما أن مهمة مجلس الأمن الأولى هي حفظ الأمن والسلم الدوليين، فيجب عليه أن يراقب جميع المنازعات الدولية التي من شأنها أن تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر(34)، وأن تدعو أطراف النزاع على أن يسوّوا ما بينهم من نزاع بالطرق الواردة في الفقرة الأولى إذا رأى ضرورة لذلك طبقاً للفقرة الثانية من المادة 33.
بناءاً على ما تقدم، يمكن القول بأن الوسائل المحددة في المادة 33/1 تنقسم إلى وسائل دبلوماسية ووسائل سياسية ووسائل التسوية القضائية(35)، وهو ما سنتاوله في ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: الوسائل الدبلوماسية.
وهي الوسائل التي تتضمن تسوية المنازعات الدولية عبر الأجهزة الدبلوماسية سواء تمت بصورة مباشرة، كالمفاوضات الدولية بين الدولتين المتنازعتين أو بصورة غير مباشرة، كالمساعي الحميدة(36). وأن أهم ما يتميز به هذه الوسائل هو احترام السيادة الوطنية للدول المعنية، حيث لا يجوز فرض أي من هذه الوسائل على أطراف النزاع(37). ومن جانب آخر، فإن الحلول التي تتوصل إليها من خلال هذه الوسائل تعد مجرد اقتراحات مقدمة للأطراف المتنازعة، وهذا يرجع إلى حقيقة وهي أن هذه الوسائل قد أقرت وأعترفت لأطراف النزاع بحق البحث عن حلول لمنازعاتها خارج دائرة القانون(38)، حيث أن تطبيق حكم القانون فيها ليس بشرط ما دام أنها تقوم على الرضى بين الطرفين المتنازعين أو تقريب وجهات نظرهما، حيث أن أحد الطرفين أو كليهما قد يتنازل عن جزء من حقوقه المتنازع عليها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الوسائل تصلح لتسوية المنازعات السياسية والثقافية والفنية(39). وفيما يلي عرض موجز للوسائل الدبلوماسية :
أ المفاوضات
تعرّف المفاوضات بأنها المباحثات التي تجري بين المتنازعين لتسوية نزاع قائم بينهما، عبر القنوات الدبلوماسية المباشرة(40). وتعتبر المفاوضات الدبلوماسية من أقدم الوسائل لحل المنازعات وأكثرها انتشاراً وأبسطها من ناحية الإجراءات، كما أنها من الوسائل المرغوبة فيها وذلك لكونها وسيلة زهيدة الثمن فأية دولة بإمكانها أن تحقق أهدافها من خلالها دون أن تتحمل أخطار الحرب ونفقاتها وآثارها المدمرة(41).
وعادة ما يطلب مجلس الأمن من أطراف النزاع أن يدخلوا في المفاوضات المباشرة التماساً لتسوية منازعاتها بالطرق السلمية(42) حيث طلب المجلس في قراره الصادر في 20 تموز 1974 بعدما نزلت القوات التركية في جزيرة قبرص الأطراف المتنازعة (تركيا يونان بريطانيا ) بالدخول في مفاوضات مباشرة، بعدما كان قد دعاها إلى وقف إطلاق النار. وكذلك طالب مجلس الأمن في قراره رقم 457 في 4 كانون الأول 1979 الولايات المتحدة وإيران بضبط النفس وحل النزاع ودياً عن طريق التفاوض عندما تم احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن في السفارة الأمريكية بطهران(43). وتعتبر المفاوضات المباشرة القاعدة الأساسية لجميع الوسائل الدبلوماسية الأخرى لتسوية المنازعات الدولية، إذ أن تسوية المنازعات الدولية بالطرق الأخرى كالوساطة والتوفيق لا تتم إلاّ بالمفاوضات المباشرة بين الأطراف المتنازعة(44).
ب المساعي الحميدة
يلاحظ بأن الفقرة الأولى من المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة لم تذكر المساعي الحميدة عندما عدّدت أهم الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية، ولكن العبارة الأخيرة من تلك الفقرة احتوتها ضمناً، لأنها أعطت للأطراف المتنازعة حرية اختيار أية وسيلة أخرى تهدف إلى حل نزاعاتها سلماً(45). عليه، فإنه إذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين المتنازعين على تسوية نزاعيهما عن طريق المفاوضات، فلمجلس الأمن أن يقوم بعمل ودي من أجل إيجاد مجال للتفاهم بين الدولتين المتنازعتين، وإن تدخل المجلس في هذه الحالة لتسوية النزاع، إما أن يكون بطلب من أحد الطرفين أو كليهما أو بمبادرة منه(46). وليس للطرفين المتنازعين اعتبار هذا العمل عملاً غير ودياً. وإن دخول الأمم المتحدة في هذه الحالة كطرف ثالث يطلق عليه بالمساعي الحميدة(47).
وتعرف المساعي الحميدة بأنها العمل الودي الذي تقوم به دولة ثالثة أو طرف ثالث صديق للطرفين بقصد التخفيف من حدة الخلاف بين الدولتين المتنازعتين وإيجاد جو أكثر ملائمة لاستئناف المفاوضات والوصول إلى تفاهم فيما بينهما(48). ويلاحظ بأن الهدف من هذه الوسيلة هي منع وقوع نزاعٍ أو حل النزاع الدولي حلاً سلمياً(49). ويمكن أن يكون القائم بالمساعي الحميدة أحد الدبلوماسيين أو الشخصيات أو الملوك أو الرؤساء أو الوزراء التي لهم تأثير على الأطراف المتنازعة(50)، كالمساعي الحميدة التي قام بها السفير السويدي في طهران سنة 1962 بين العراق وايران في قضية دلالة السفن في شط العرب(51). وما يقوم به حالياً أمير الكويت ووزير الخارجية الأمريكية (تيلرسن) في أزمة دول الخليج بين دولة قطر من جانب والدول (سعودية والامارات والسعودية ومصر والبحرين) من جانب آخر.
وإن مهمة الشخص أو الطرف الثالث يقتصر على التقريب بين وجهات نظر الأطراف المتنازعة دون أن يشترك فيها تمهيداً للدخول في مفاوضات، كما أنه لا يقدم حلاً للنزاع وليس لنتيجة مهمته أية قوة ملزمة للأطراف المتنازعة لأنها تقتصر على إبداء النصح(52). وكما ذكرنا سابقاً، أن الميثاق لم يشر إلى المساعي الحميدة كوسيلة من الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية(53)، إلا أن التدابير المؤقتة التي يجوز لمجلس الأمن اتخاذها تعد متعددة ولا تقتصر على آلية معينة، عليه يمكن أن يكون من بينها إنشاء المساعي الحميدة، حيث يستطيع المجلس تأسيس آليات وأجهزة تكون وظيفتها العمل على تطبيق التدابير التي يتخذها. والمثال على ذلك اللجنة المؤلفة من ثلاثة أعضاء لحل القضية الأندنوسية سنة 1947م حيث توصلت إلى عقد اتفاقيات هدنة بين اندونسيا وهولندا(54).
ج الوساطة
هي مسعى ودي تقوم به دولة ثالثة(55)، أو مجموعة دول، أو يقوم بها فرد أو أجهزة تابعة لمنظمة دولية، من أجل إيجاد حل لنزاع قائم بين دولتين(56).
ميثاق الأمم المتحدة هو الآخر مثل العديد من المواثيق الدولية نص على هذه الوسيلة وبشكل صريح وواضح، ووصفتها بأنها الوسيلة التي تتميز بسهولة إجراء الحوار، والتخفيف من حدة الخلاف بين المتنازعين، والتوفيق بين مطالبهم المتضاربة، ومساعدتهم على إيجاد الحلول الودية والعادلة لمنازعاتهم. عليه، فإن الحلول التي يقدمها الوسيط ليست سوى نصائح، وبالتالي لا يمكن أن نصفها بأي حال من الأحوال بإمتلاكها القوة الملزمة لأي طرف من أطراف النزاع. إذ بإمكان الأطراف المتنازعة أن يرفضوا الوساطة،كما هو الحال في المساعي الحميدة(57).
ويلاحظ بأن الاتجاه الغالب في هذا المسار يتجه نحو اختيار شخصية ذات قيمة وليس دولة للقيام بدور الوسيط. وهذا ما حدث في 20 أيار 1948 عنما تعيين مجلس الأمن الكونت فولك برنادوت للوساطة في النزاع حول فلسطين، ثم عيّن بعد اغتياله في ايلول 1948 المستر الف بانش، كما قام المجلس في النزاع حول كشمير بين الهند وباكستان بتعيين كل من القاضي الاسترالي السير اوين ديكسون، ثم السناتور الأمريكي السابق فرانك جراهام ثم الدبلوماسي السويدي بارنغ كوسطاء لحل النزاع(58).
د لجان التحقيق
ويقصد بها أن يعهد إلى لجان مكونة من أكثر من شخص بمهمة تقصّي الحقائق المتعلقة بنزاع قائم بين دولتين أو أكثر، للاستعانة بها في التوصل لحله حلاً ودياً، وعادةً ما يتم تشكيل هذه اللجان من أشخاص ينتمون لدول محايدة، أو متنازعة تحظى بالاحترام والتقدير(59). وأن أساس اختيار أعضاء هذه اللجان هو الخبرة والاختصاص، ويلاحظ بأن هناك حالات تم فيها اختيار شخص واحد للقيام بمهمة لجنة التحقيق(60).
وأن عمل هذه اللجان هو بيان الوقائع المادية المتنازع عليها كما هي، وتثبيت ذلك في محضر ترفعه إلى أطراف النزاع، أي أن عمل هذه اللجان لا تتناول تحديد الدولة المعتدية، ولا يقدّم اقتراحاً لحل النزاع القائم بين الطرفين(61). وأن صلاحيات اللجنة يتم بموجب اتفاق خاص بين أطراف النزاع(62)، ويجوز لأي طرف متنازع أن يعين وكيلاً عنه يمثله في اللجنة، أو توكيل محامين للدفاع عن مصالحه أمام اللجنة. وعادةً، أطراف النزاع يعيّن موظفيها مندوبين عنها، وقد يكون القانوني أو المحامي من رعاياهم أو من رعايا دولة أُخرى. وكما قلنا سابقاً، فإن التقرير الذي يصدره المجلس يقتصر على تحديد الوقائع المتنازع عليها فقط، ولا يحسم الموضوع المتنازع عليه(63)، وأن ما يحتويه التقرير من حقائق ليس له قوة قانونية ملزمة، فلأطراف النزاع القبول به أو رفضه، دون أية مسؤولية(64). فلو كان هناك مدينة حدودية، وادعى كل طرف بعائدية المدينة له، فإن عمل اللجنة في هذه الحالة هو تحديد وقوع مكان المدينة، دون التطرق إلى عائدية المدينة(65). والجدير بالذكر، فإن تاريخ العلاقات الدولية حافلة بالعديد من النزاعات الدولية التي تم حلها بواسطة لجان التحقيق، منها على سبيل المثال النزاع بين انكلترا ورودوسيا بشأن طرق بنك دوجر والذي تم حله سلمياً عن طريق لجنة تحقيق تم تشكيلها عام 1904 (66).
وأخيراً، لا بدّ وأن نشير بأن المجلس قد يقوم بمهمة التحقيق بواسطة هذه اللجان حيث يكلفها بدراسة طبيعة النزاع أو الموقف وتقديم تقرير إليه يبين فيه: هل أن هذا النزاع أو الموقف سيؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين ؟ وبالاعتماد على هذا التقرير بإمكان المجلس إصدار القرارات التي تراها مناسبة لحل النزاع سلمياً(67).
ﮪ لجان التوفيق
التوفيق إجراء تقوم به لجنة يعيّنها أطراف النزاع أو إحدى المنظمات الدولية لدراسة أسباب النزاع ورفع تقرير يقترح تسوية معينة للنزاع(68). وأن هذه اللجنة توضع توصيات وتقدّم وتعرض على الأطراف المتنازعة، ويبدي كل طرف ملاحظاته ورأيه حولها، ثم تقوم اللجنة بعد ذلك بإجراء التعديلات عليها لكي تصبح مقبولة لدى جميع الأطراف. يفهم من ذلك، بأن هدف اللجنة هو تسوية المصالح المتعارضة. وأن مهمة الطرف الثالث في هذه اللجان متعددة، فقد يقوم بالتحقيق، وبعد ذلك يحاول إقناع الأطراف المتنازعة بقبول حلول معينة للنزاع. مثال ذلك أن وسيط الأمم المتحدة في قضية فلسطين اقترح تشكيل لجنة للإشراف على تنفيذ التوصيات التي اقترحها، ومنها إعادة اللاجئين إلى وطنهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم أو رعاية مصالحهم وإيوائهم والاهتمام بمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية(69).
أما بالنسبة لتشكيل اللجنة فإنها عادة تتألف من ثلاثة أعضاء، يعين كل طرف عضو، وهما يختاران الثالث، وهكذا إذا ارتفع عدد أعضاء اللجنة إلى سبعة فإن لكل طرف ثلاثة والأعضاء الستة يختارون السابع(70). وإن أعضاء اللجنة هم عادةً من الخبراء والمتخصصين في موضوع النزاع، ويجب على اللجنة وضع نظامها الداخلي(71).
وأخيراً، نود أن نشير بأن ميثاق الأمم المتحدة قد نّص على وسيلة لجان التوفيق وخصصت لها أحكاماً خاصة نظّم بها إجراءات التوفيق ووظائفها التي تشمل استقصاء الحقائق وإقتراح الحلول العملية(72).
المطلب الثاني: التسوية السياسية والتنظيمات الإقليمية.
قد تواجه مجموعة من الدول مشاكل ومنازعات من نوع خاص أو تجمعهم أهداف ذات طبيعة واحدة أو متقاربة، الأمر الذي يتطلب إنشاء منظمة دولية تعمل على إزالة وتذليل الصعوبات التي تواجه هذه الدول، وإيجاد صيغة أو اسلوب لحل المنازعات التي تنشأ بينها أو بينها وبين الدول الأخرى. ولهذا، تجد بأن كل مجموعة من هذه الدول حاولت وعملت على الانضمام في منظمات دولية خاصة، يسمى بالمنظمات الإقليمية. إن الدور الأساسي لهذه المنظمات هي تسوية المنازعات الناشئة بين أعضائها، فهي لا تتنافس المنظمات العالمية في حل المنازعات الدولية، ولهذا أكّد الميثاق على دور المنظمات الإقليمية في هذا المجال واعتبر وجود الأمم المتحدة غير مانع أمام قيام هذه المنظمات لحل المنازعات المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، عندما تكون الحل السلمي في العمل الإقليمي صالح وملائم، وما دام هذا الحل لا يتناقض مع مبادىء الأمم المتحدة ومقاصدها.
وإن على أعضاء المنظمات الإقليمية واجب قانوني إستناداً إلى الميثاق، حيث ألزم الميثاق الأعضاء وقبل عرضهم المنازعات الناشئة بينهم على مجلس الأمن أن يبذلوا كل جهدهم من أجل التسوية السلمية لها. وعليه، فإذا نشأ نزاع بين عضوين في منظمة إقليمية، فإن عليهما حل نزاعهما بالطرق الدبلوماسية، وإذا أخفقت هذه الطرق في حل النزاع، فعليهما عندئذٍ اللجوء إلى منظمتهم الإقليمية التي يرتبطان بها، قبل اللجوء إلى منظمة الأمم المتحدة وعرض النزاع عليها(73). وإن ما تقدّم لا يؤثر على صلاحية مجلس الأمن في فحص أي نزاع أو موقف دولي ليقرر ما إذا كان من شأن استمراره تعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر. ولا بدّ من الإشارة بأن المنظمة الإقليمية حتى لو شرعت في محاولة حل النزاع ودياً فإن ذلك لا يمنع مجلس الأمن من فحص هذا النزاع، ولكن في هذه الحالة يجب أن يكون هناك نوعاً من الحذر والدقة والاحتياط لكي لا يعرقل تدخل المساعي التي تبذلها المنظمة الإقليمية في هذا الشأن(74).
يلاحظ بأن الفقرة الأولى من المادة 34 هي أساس السلطة التي يتمتع بها مجلس الأمن في هذا الميدان، والتي تقضي بأن أعضاء الأمم المتحدة يعهدون إلى المجلس بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين، ويوافقون على أنه يعمل نيابة عنهم لدى قيامه بالواجبات التي تفرضها عليه هذه التبعات. وبالرغم من أن هذا النص لا يتطرق إلى موضوع تسوية المنازعات وإنما يتحدث عن حفظ السلم والأمن الدوليين، إلا أن المهمتين متداخلتين، حيث من المستحيل أن يسود الأمن والسلام دون تسوية المنازعات سلمياً. وعدا هذا النص، فإن هناك نصوص أُخرى تعزّز تفوق مجلس الأمن على أي جهاز آخر من أجهزة الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية في مجال الاهتمام والعناية بتسوية المنازعات(75). إن ممارسة المجلس لهذه الاختصاصات قد يصطدم بعوائق ذات طابع سياسي، فلبعض المنظمات الإقليمية كمنظمة الدول الأمريكية توجهات سياسية معينة، في الوقت الذي تتسع منظمة الأمم المتحدة لكافة التوجهات والفلسفات السياسية. وإن الدول المتنازعة كثيراً ما تجد نفسها أمام ضرورة المفاضلة بين اللجوء للمنظمات الإقليمية أو منظمة الأمم المتحدة لحل منازعاتها الدولية(76).
وعند تدقيق الميثاق لمعرفة اختصاصات المجلس في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين يتبين بأنه يخوله نوعين من الاختصاصات :
الأول: التدخل بصفة غير مباشرة لتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية. هذا النوع من التدخل يعتبر حالة وقاية يهدف من وراء ذلك كبح جماح النزاع أو منع استمرار تفاقمه.
الثاني: التدخل بصفة مباشرة لقمع الأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين للخطر، ويسمح له بهذا التدخل عندما يكون الوسائل السلمية لتسوية النزاع قد استنفذ(77)، وهذا النوع من التدخل يعتبر حالة علاجية وتأديبية، وعليه فالمجلس يستطيع أن يتدخل في أي وقت يراه مناسباً لتقديم توصياته بشأن النزاع، والقرار الذي يصدر عن المجلس في هذه الحالات يتوقف تنفيذها على إرادة الأطراف المتنازعة لأنه ليس سوى توصية(78). في الآونة الأخيرة ظهر تيار في الأمم المتحدة ينادي بتعزيز مكانة مجلس الأمن وتوفير الإمكانات له لكي يستطيع القيام بترصيد الأوضاع والأحداث الدولية بصورة مستمرة ومعرفة المناطق والبؤر المضطربة في العالم بدقة وعمق، ودراسة أسباب التوتر في أية بقعة، وإعداد العلاج للأزمات قبل وقوعها، وكل ذلك يستوجب تعزيز دور المجلس في مجال حل المنازعات الدولية سلمياً. وإن هذا التيار عرف بإسم ((الدبلوماسية الوقائية)) ويقصد بها تعين المناطق الساخنة في العالم، المؤهلة لإثارة الفتن والخلافات والعمل على وضع إجراءات وتدابير وقائية لمنع إنفجارها، أو على الأقل إحتوائها وهي في بداية تأزم الوضع.
والجدير بالإشارة، فإن الأمين العام للامم المتحدة (بطرس غالي) تحدث في تقريره عن الدبلوماسية الوقائية واعتبر (إن أكثر جهود الدبلوماسية فعالية هي تخفيف التوتر قبل أن يؤدي إلى نشوب صراع فإذا نشب الصراع كان لا بدّ من العمل بسرعة على احتوائه وعلاج أسبابه الكامنة ) (79).
المطلب الثالث: التسوية القضائية للمنازعات الدولية.
الفرق الأساسي بين الوسائل القضائية من جهة والوسائل الدبلوماسية والسياسية من جهة أخرى هو أن الوسائل القضائية تنتهي بحل ملزم للأطراف المتنازعة. ويجوز مباشرة التسوية القضائية من قبل هيئة أو شخص من غير أطراف النزاع وله أو لها سلطة الفصل في النزاع ولكن يجب أن يكون على أساس القانون(80). وهذه المباشرة القضائية تتم عن طريقتين: إما طريقة التحكيم أو طريقة القضاء، وأن أطراف النزاع هم الذين يلجئون إليهما دون إلزام. ويلاحظ بأن الاختلاف الجوهري بين القضاء والتحكيم يكمن في أن الأطراف المتنازعة لهم السلطة في اختيار وتشكيل محكمة التحكيم، ولكن تشكيل القضاء وتعين أعضائها قائمة سلفاً لا دخل لإرادة الأطراف المتنازعة فيها وهذا من مميزات القضاء الدولي، في حين يشترك القضاء والتحكيم في الطابع الإلزامي للقرارات الصادرة عنهما(81).
وقد أعطى الميثاق في المادة 33 منه للدول حرية الاختيار بين القضاء والتحكيم، ولكن بالنظر إلى الإحصاءات الدولية في هذا الميدان يتبين بأن الدول يفضلون التحكيم على القضاء والسبب في ذلك هو مرونة التحكيم وقدرته على التكييف مع أوضاع كل نزاع(82).
الفرع الأول: التسوية بواسطة التحكيم الدولي.
يعتبر التعريف الذي ورد في المادة 37 من اتفاقية لاهاي لعام 1907م الخاصة بتسوية المنازعات الدولية سلمياً أفضل تعريف للتحكيم الدولي حيث جاء فيه: إن الغاية من التحكيم الدولي هي تسوية المنازعات بين الدول بواسطة قضاء تختارهم هي على أساس احترام القانون، واللجوء إلى التحكيم يستتبع إلتزاماً بالرضوخ بحسن نية للقرار الصادر(83).
يلاحظ بأن التحكيم في بداية أمره استخدم كإجراء مدني وبالأخص في المسائل التجارية، وأنه بدأ يلعب دوراً بارزاً في العلاقات الدولية منذ عام 1794م وذلك عندما نصت معاهدة (جاي) على استخدام التحكيم في تسوية المنازعات بين بريطانيا العظمى والولايات المتحدة(84). وأن اهتمام الأمريكي بالتحكيم استمر منذ ذلك الاتفاق، وبفضل الممارسة وما أفرزته من نتائج طيبة ومرضية للأطراف المتنازعة ازدهر اسلوب التحكيم وتقدم وتطور(85).
تجدر الإشارة بأنه في مؤتمر لاهاي لعام 1899م ظهرت الخطوة الأولى والأهم في سبيل العمل بالتحكيم، حيث أن هذا المؤتمر أسفر عن إبرام اتفاقية حول حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وتقرر إنشاء محكمة التحكيم الدائمة وجعلت اللجوء إليها اختيارية لأن الدول الأعضاء أرادوا أن يبقوا أحراراً في الاحتكام إلى أية هيئة أخرى تختارها. وأن الدول بإمكانهم عرض أي نزاع على التحكيم فهو غير مخصص بالنظر في نزاعات معينة، وأن النزاع قد تعرض على التحكيم قبل حدوث النزاع او بعده أو في أثنائه بناءاً على اتفاق الأطراف المتنازعة. وأن التحكيم شهد ازدهاراً جديداً بعد الحرب العالمية الأولى وذلك عندما تبنت جمعية عصبة الأمم الميثاق العام للتحكيم، وأن واضعوا ميثاق الأمم المتحدة أيضاً أبْدَو اهتماماً بهذا الموضوع بعد حرب العالمية الثانية (86). علماً، في بعض الأحيان يصبح عمل المحكمين أقرب إلى عمل لجنة تحقيق وذلك عندما تكون النزاعات المعروضة على التحكيم لا تدور حول مبادىء وقضايا قانونية بل حول حقائق ووقائع، ولكن بالرغم من ذلك يبقى مظهر إصدار الأحكام الذي يتميز به التحكيم(87).
إجراءات التحكيم تشبه المرافعات أمام المحاكم العادية، فلديها إجراءات كتابية وأخرى شفوية، والإجراءات الكتابية تشمل تقديم المستندات والمذكرات والوثائق إلى هيئة التحكيم، ويجب إعطاء نسخة من كل ورقة يقدمها إلى الهيئة إلى الخصم، وبعد ذلك تأتي الإجراءات الشفوية ويقدم ممثل كل خصم دفوعه أمام الهيئة. أما بالنسبة لمكان انعقاد الهيئة فإنها تنعقد في لاهاي، ولكن يجوز للطرفان الاتفاق على بلد آخر، والمرافعات تديرها عادةً رئيس الهيئة. أما القرارت فتصدر بالأغلبية ويتم تلاوتها في جلسة علنية بعد النداء على الخصوم، وهذه القرارت لها قوة الأحكام القضائية، فهي ملزمة للطرفين ومكتسبة الدرجة القطعية، ولا يقبل الطعن ولا إعادة النظر فيها إلاّ في حالة واحدة فقط، وهي حدوث ظروف كان من شأنها، لو كانت معلومة لدى المحكمين قبل صدور الحكم، أن تجعل الحكم يصدر بشكل آخر(88)، ولكن يشترط في هذه الحالة أن ينص على ذلك في اتفاق الإحالة على التحكيم(89).
وتجدر الإشارة بأن عملية التحكيم تعتبر ضمناً أو نصاً، بأنها موافقة من قبل الطرفين على قبول حكم مجلس التحكيم وتنفيذ بنوده، ولكن هل يجوز لأحد الطرفين أو بالأحرى الطرف الذي صدر الحكم ضده الإعلان بعدم الالتزام بالحكم؟ نعم، يجوز ذلك في حالة واحدة وهي إذا تجاوز أو تجاهل المحكمون التعليمات المنصوص عليها في اتفاق التسوية وذلك بعدم اتباعهم القواعد والمبادىء المحددة المدونة في الوثيقة، وهناك تطبيق عملي وواقعي لهذه الحالة ففي سنة 1831 رفض الطرفان وهما الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى قرار التحكيم الذي صدر في نزاع الحدود الشمالية الشرقية، على أساس أن الحاكم وهو ملك هولندا قد تجاوز التعليمات المعطاة له في اتفاق التسوية، وليس ببعيد أن يعدل أو يعكس المحكمون قراراً إذا ما اكتشفت لهم فيما بعد حقائق جديدة متعلقة بالنزاع. ويلاحظ بأن هناك صعوبة واضحة متأصلة في الطبيعة النهائية لأي قرار تحكيمي وهي عدم رغبة الدول في عرض القضايا ذات الأهمية الجوهرية على هيئة لا تكون ممثلة فيها بالأغلبية وتكون ملزمة بقبولها مسبقاً(90).
إن ما نلاحظه اليوم هو أن العلاقات الدولية بدأت تسجّل اتجاهاً نحو التحكيم الإلزامي وهذا يرجع إلى أن التحكيم ليس عمل إجباري بل عمل اختياري لا تلجأ إليه الأطراف المتنازعة إلاّ إذا رغبت في ذلك واستناداً على اتفاق صريح بينها(91)، وأن الدول في الماضي لم يكونوا يبرمون هذا الاتفاق إلاّ بعد قيام النزاع أو أثناء حدوثه، ولهذا سُمِيَ التحكيم: بالتحكيم الاختياري أو الطاريء، ونظراً لما توصل إليه التحكيم من نتائج طيبة ومرضية من قبل الأطراف المتنازعة منذ إنتشاره أدى ذلك إلى تشجيع مختلف الدول في الأخذ به وتعميمه وتوسيع ميدان تطبيقه ودفعه إلى التفكير في جعل اللجوء إليه إلزامياً(92).
الفرع الثاني: التسوية بواسطة القضاء الدولي.
ذكرنا في الفرع الأول من هذا المبحث بأنه تمخض من اتفاقيتي لاهاي لعام 1899م وعام 1907م إنشاء محكمة تحكيم دائمة، ولكن هذه المحكمة لم تستطع سد النقص الموجود في النظام القضائي الذي كان يعتمد عليه الدول بإنشائها، وهذا يرجع إلى طبيعة هذه المحكمة حيث أنها لم تكن محكمة بالمعنى الصحيح، فقضاتها لم يكن معينين بشكل دائم وإنما يتم انتخابهم من قبل الأطراف المتنازعة من القائمة الموجودة بقلم الكتاب الملحق بها، وأعقب ذلك محاولات عديدة لتلافي ذلك النقص ولكن دون فائدة، وكان هدفهم من وراء ذلك هو إنشاء هيئة قضائية دولية منظّمة كجهاز قضائي متكامل يلجأ إليها الدول لتسوية منازعاتها القانونية، ولتساهم هذه الهيئة بقضاتها في إرساء قواعد قانونية دولية تكون سبيلاً ودليلاً للدول في تسوية منازعاتها المستقبلية، وأن تكون لهذه الهيئة القضائية سلطة عليا والرجوع إليها لحل المنازعات بين الدول إلزامياً(93).
وإن أول محكمة دولية ذات اختصاص عام بنظر المنازعات بين الدول المختلفة كانت محكمة العدل الدولية الدائمة، وإنها كانت هيئة مستقلة عن عصبة الأمم بالرغم من ورود النص على انشاء هذه المحكمة في المادة (14) من عهدها (ميثاقها)، ويعتبر نظامها الأساسي الذي تم اعتماده في عام 1920م ودخل حيز التنفيذ في الأول من أيلول 1921، وثيقة منفصلة عن عهد العصبة. هذه المحكمة ولفترة زمنية محددة وهي ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية استطاعت أن تقوم بدور ملحوظ في تسوية المنازعات الدولية، فقد أصدرت اأثر من (70) حكماً في الفترة الواقعة بين 1922م ولغاية 1939م هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنها كانت تضم فقهاءاً مشهودين لهم بالكفاءة والعلم من بين أعضائها. ولغرض تسهيل الطريق أمام والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اللتان لم تنضما يوماً إلى محكمة العدل الدولية الدائمة، ظهر إلى الوجود اتجاه ينادي بإستبدال هذه المحكمة بأخرى تشكل جزءاً لا يتجزأ من المنظمة الدولية المرتقبة أي منظمة الأمم المتحدة(94).
وبالفعل ظهر إلى الوجود محكمة العدل الدولية التي تعتبر الأداة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وأن ميثاقها في الفقرة الأولى من المادة السابعة قد أشارت إليها بإعتبارها إحدى الأجزاء الأساسية لها، ثم خصص لها الفصل الرابع منه، لذا فإن هذه المحكمة ليست منظمة دولية قائمة بذاتها كما كانت عليه محكمة العدل الدولية الدائمة، وإنما جهاز من أجهزة المنظمة الرئيسية وذو اختصاص قضائي، وبالرغم من أن النظام الأساسي لهذه المحكمة قد بني على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدائمة إلى أنها محكمة جديدة وليست استمراراً للمحكمة الأخيرة، وهذا ما يتبين من المادة الثانية والتسعون من الميثاق(95)، أما قضاة هذه المحكمة فيتم اختيارهم من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة(96).
والتسوية القضائية لحل المنازعات الدولية يتم على أساس القانون وبموجب أحكام ملزمة تصدرها محاكم دولية قضائية، وهذه التسوية يسودها مبدأ أساسي: وهو أن التقاضي في الشؤون الدولية منوطة بإرادة الدول أي موافقتها تعتبر شرطاً مسبقا لتسوية المنازعات عن طريق القضاء الدولي، وأن محكمة العدل الدولية في الحكم الذي أصدرته في قضية مضيق كورفو عام 1948م قد أقرت بهذا المبدأ(97). والمحكمة المذكورة بإمكانها إعطاء المشورة بصدد أية قضية قانونية بناء على طلب الجمعية العامة أو مجلس الأمن وسائر فروع الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة المرتبطة بها ولكن بعد أن يرخص لها الجمعية العامة بذلك(98).
ويفهم من الفصل السادس من الميثاق الخاص بحل المنازعات سلمياً بأنه يستوجب على مجلس الأمن أن يراعي المسائل القانونية التي يجب على أطراف النزاع عرضها على محكمة العدل الدولية استناداً لأحكام النظام الأساسي للمحكمة(99). والمحكمة تنظر نزاعات الدول الأطراف في الميثاق وكذلك غير الأطراف فيه ولكنها طرف في نظامها الأساسي وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (93) من الميثاق:يجوز لدولة ليست عضواً في الأمم المتحدة أن تنظم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناءاً على توصية مجلس الأمن.
لكن هل تنظر المحكمة نزاعات دول ليست أطرافاً لا في الميثاق ولا النظام الأساسي؟ نعم، إذا رغبت هذه الدول التقاضي أمامها. وأن مجلس الأمن هو الذي يحدد ويضع الشروط التي بموجبها تستطيع سائر الدول الأخرى أن تتقاضى إلى المحكمة مع مراعات الأحكام الخاصة الواردة في المعاهدات المعمول بها، ولا يجوز ومهما يكن أن تكون هذه الشروط على وجهٍ تخل مبدأ المساواة بين المتقاضين أمام المحكمة(100).
وقد أصدر مجلس الأمن الدولي في 15 من تشرين الأول عام 1946م قراراً يحدد تلك الشروط ويقضي بأنه يجب على هذه الفئة من الدول التي ترغب في التقاضي أمام المحكمة أن تودع في قلم كتابها تصريحاً تقر فيه قبولها اختصاص المحكمة كما حددته أحكام الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة وأن تتعهد بتنفيذ أحكام المحكمة بحسن نية وأن تقبل الإلتزامات التي فرضتها على أعضاء الهيئة(101 أ ).
والحكم الذي تصدره المحكمة واجب الاحترام والنفاذ من قبل أطراف النزاع المعروض على المحكمة، وبخصوص النزاع الذي فصل فيه فهو يمتلك قوة الالتزام بالنسبة لهم، وللمجلس إذا أمتنع أحد الأطراف تنفيذ الحكم الصادر بحقه أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم بعد أن يلجأ إلى المجلس الطرف الآخر ويطلب منه إلتزام الخصم بالتنفيذ، ويعتبر أحكام محكمة العدل الدولية أحكاماً مكتسبة الدرجة القطعية ولا تقبل الطعن بأية طريقة كانت ومن ضمنها الاستئناف (101 ب ).
المبحث الثالث: سلطة المجلس في اتخاذ التدابير المؤقتة والإجراءات التي لا تتطلب استخدام القوة العسكرية.
للمجلس الحق في اتخاد تدابير تغطي جميع الأحوال التي يمكن أن تترتب عليها الإخلال بالأمن والسلم الدوليين أو تهديدهما أو وقوع عمل من أعمال العدوان، إذا ما فشلت إجراءات الفصل السادس من الميثاق في إنهاء المنازعات والمواقف الدولية التي من شأن إستمرارها تعريض السلم والأمن الدوايين للخطر. ويلاحظ من عموم نص المادة 39 بأنه لا يشترط في موضوع هذه التدابير سوى شرط تحقيق الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما، وأن هذا النص ليعتبر تطوراً كبيراً في إطار التنظيم الدولي قاطبةً وذلك لأن هذا النص يقر بمبدأ التدخل بالصورة الملائمة لمجلس الأمن من أجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابها، وكذلك يقر للمجلس الحق المماثل بالنسبة لأعمال العدوان(102).
والجدير بالذكر، فإن المدخل لمواد الفصل السابع من الميثاق الذي يعتبر من أخطر وأهم الفصول الواردة في الميثاق هو المادة (39)، فبموجب هذا الفصل يتمتع مجلس الأمن بسلطات تقديرية واسعة، وإن القول بوجود أو عدم وجود تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان يعود إليه، ولقد كان الهدف من النص على هذه المادة في الميثاق هو إرساء دعائم نظام مركزي للأمن الجماعي تكون السيطرة فيه للدول الخمس الكبرى.
هذه المادة واجهت معارضة وانتقادات شديدة من قبل بقية الدول أثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945م، وكانت آراؤهم تتجه نحو الحد من سلطات المجلس في إطار استخدام الفصل السابع، وتم طرح العديد من الاقتراحات من قبل الدول المشاركة في هذا المؤتمر، ومنها ضرورة مشاركة الجمعية العامة مع مجلس الأمن في مجال استخدام الفصل السابع التي قدم بها من قبل بوليفيا ونيوزلندا، وأخرى تقول لكون الجمعية العامة تضم جميع الدول الأعضاء في المنظمة دون وجود هيمنة أو سيطرة لدول معينة، اقترحوا بوجوب الاعتراف للجمعية العامة بسلطة حقيقية في مجال مراجعة التدابير التي تتخذها مجلس الأمن، ومقترحات أخرى دعت إلى التضيق من سلطة مجلس الأمن في مجال تقدير مدى توافر شروط إعمال أحكام الفصل السابع من الميثاق، كتحديد بعض الوقائع بوصفها أعمال عدوان، ولكون الدول الكبرى تتمتعون بسيطرة وسلطات واضحة سعت إلى ضرورة الإبقاء على سلطة المجلس في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين وبذلك فإن هذه المقترحات جميعها لم تؤخذ بها، وأصبح صاحب الحق في تكييف الوقائع باعتبارها تشكّل أو لا تشكّل تهديداً للسلم أو إخلال به أو أنها تمثل عملاً من أعمال العدوان محصوراً بمجلس الأمن استناداً إلى المادة 39 من الميثاق(103).
فللمجلس وبموجب هذه المادة أن يقدم التوصيات أو أن يعمد إلى التدخل المباشر ليقرر العلاج المناسب وفق رؤيته في حالة فشل التوصيات في حل النزاع سلمياً(104)، حيث بإمكان المجلس اللجوء إلى الإجراءات الواردة في المادة 41 أو 42 من الميثاق(105). وهكذا، لمجلس الأمن أن يأخذ بما يراه ضرورياً أو حتمياً من تدابير مؤقتة دون أن تخل هذه التدابير بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، أو أن يلجأ إلى التدابير المباشرة التي لها صفة الجزاء ومنها التدابير غير العسكرية أي التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة في حالة عدم أخذ المتنازعين بالتدابير المؤقتة أو إذا رأت المجلس من أول الأمر أن لاجدوى منها(106).
وتجدر الإشارة بأن تدابير مجلس العصبة لم تكن لها صفة الإلزام وحتى أن قراراته في هذا الخصوص كان مجرد توصيات، للدول المعنية قبولها أو رفضها، أما إعطاء مجلس الأمن صلاحية إصدار قرارات ملزمة في هذا المجال يعتبر بمثابة الثورة في التنظيم الدولي المعاصر، وأن ما جاء في الفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق من عدم جواز تدخل الأمم المتحدة في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما أن لا يخل ذلك بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع من الميثاق، ومن ثم لا يجوز الدفع بدخول المسألة في صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما، إذا ما كان المجلس بصدد اتخاذ إجراء من إجراءات القمع لحفظ الأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه ليعتبر مظهراً من مظاهر هذا التطور(107).
وعبارة (لمجلس الأمن …. ) الواردة في المادة 41 تشير إلى الخيار، فللمجلس أن يتخذ الإجراءات أو لا يتخذها، وله أن يحدد التدابير المطلوبة ونوعها، مثلاً أن يطلب وقف إطلاق النار أو عرض النزاع على منظمة إقليمية …. وغيرها من التدابير.
وعندما يصدر مجلس الأمن قراراته بموجب المادتين 39، 41 فإنه إمّا أن يشير إليهما صراحةً أو أن يردد العبارات الواردة فيهما دون الإشارة إليهما، مثل القرار رقم 418 في 1977م الذي يؤكد أن امتلاك جنوب أفريقيا للأسلحة والمعدات المتعلقة بها يشكل تهديداً للمحافظة على السلم والأمن الدوليين ففي هذا القرار لم يشر المجلس صراحة إلى المادة 39، أما في المثال الآخر فإنه أشار صراحةً إلى المادة التي تم إصدار القرار بموجبه وهو القرار رقم 232 في 1966م بشأن الوضع في روديسيا الجنوبية حيث أشار إلى أن المجلس وهو يتصرف على وفق المادتين 39،41 من الميثاق، يؤكد أن الوضع الحالي في روديسيا الجنوبية يشكّل تهديداً للسلم والأمن الدولي.
كما أن المجلس في العديد من قراراته أشار، أن الوقائع المعروضة عليه تشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، كالقرار الصادر في إذار 1992م حول الصومال المرقم 746 هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يصدر المجلس قرارات تتضمن تدابير من تلك التي تنص عليها المادتين 39، 41 من الميثاق دون الإشارة الصريحة إليهما أو فقد يشير بأنه يتصرف وفقاً للفصل السابع. وأن المادة 39 التي تعتبر المدخل لإجراءات وتدابير الفصل السابع من الميثاق تشير إلى توصيات وقرارات يتخذها المجلس كعلاج لحالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع عمل من أعمال العدوان.
وكلمة الإخلال هنا معناه واسع وغير محدد ولم تبين المادة ما المقصود بها، والمجلس بإمكانه أن يحدد بأن هذا العمل أو ذاك إخلال بالسلم أم لا حيث أن الميثاق أعطى له هذه السلطة، وأن هذا قد يجعل من المجلس أن يبتعد عن عمله الأساسي والجوهري والذي هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وخلق حالة من الاستقرار الدولي وتعزيز مستلزمات السلم الدولي في العالم.
وبالرغم من أن الميثاق لم يبين المقصود بالإخلال إلا أن عدداً لا بأس به من القانونيين والفقهاء المتخصصين في القانون الدولي العام تطرقوا إليه، وعلى سبيل المثال (كوينسي رايت) يرى بأن الإخلال بالسلم الذي ورد في المادة 39 من الميثاق يقوم عندما تقع أعمال عنف بين قوات مسلحة تابعة لحكومة شرعية أو واقعية وراء حدود معترف بها دولياً، وأن المجلس ولأول مرة في تموز عام 1948م حدّد المقصود بالإخلال وذلك عندما أصدر قراره المرقم 54 بشأن القضية الفلسطينية، والذي بموجبه اعتبر أن عدم الإذعان لقرار وقف إطلاق النار في فلسطين يمثل مظهراً من مظاهر الإخلال بالسلم وفقاً للمادة 39 من الميثاق(108).
يلاحظ بأنه في ظل عصبة الأمم كان من حق كل دولة عضو في العصبة أن يعتبر عملاً ما من قبيل أعمال العدوان أو لا يعتبر كذلك، وأن يحدّد موقفها على هذا الأساس من تطبيق ما قد توصي به العصبة من عقوبات، أما في ظل مجلس الأمن للأمم المتحدة فإن تكييف العمل: هل هو من قبيل العدوان أم لا ، فهو من حق المجلس فقط، ولهذا يعتبر ذلك خطوة إلى الأمام(109).
والجدير بالذكر أن ما يصدره المجلس من قرارات بشأن ما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان تطبيقاً لإحكام الفصل السابع تعتبر ملزمة للدول، والقرارات هذه قد لا تتطلب تنفيذها استخدام القوة العسكرية وإنما يقتصر على اتخاذ تدابير معينة وقد يستوجب هذه القرارات اتخاذ تدابير لها الصفة الحربية. وانطلاقاً من ذلك، فإن هناك نوعين من القرارات التي تتخذها المجلس في هذا الخصوص:
1 ) القرارات المتضمنة تدابير ذات صفة عسكرية.
2 ) القرارات المتضمنة تدابير لا يستوجب تنفيذها استخدام القوة العسكرية(110). وهذا النوع الأخير من القرارات يتضمن نوعين من التدابير : تدابير تتصف بالتوقيت وتدابير لا تتصف بالتوقيت(111).
ويتناول هذا المبحث النوع الثاني من التدابير، أي التي لا تتضمن استخدام القوة العسكرية والتي تنقسم إلى تدابير مؤقتة وأخرى دائمة.
المطلب الأول: التدابير المؤقتة.
يلاحظ بأن المادة (40) من الميثاق نصت على هذه التدابير وأجازت لمجلس الأمن أن يدعو الأطراف المتنازعة للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة. علماً، هذه الإجراءات لا تحسم الخلاف بين الأطراف المتنازعة، ولا تؤثر في مطالبهم ولا تخل بحقوقهم(112)، والأمثلة على هذه التدابير كالتدابير المتعلقة بمنع الحرب ووقف العمليات العدائية وانسحاب القوات إلى مواقعها الأصلية قبل اندلاع الحرب وإقامة مناطق منزوعة السلاح وإقامة هدنة بين المتنازعين وطلب وقف إطلاق النار والفصل بين القوات(113).
هذه الإجراءات أو التدابير المؤقتة غير قسرية، وقد يتبعها تدابير قسرية، وقد لا يتبعها ذلك، وسواء تبعتها هذه التدابير القسرية أم لم يتبعها فإنها ستبقى عند حدودها وطبيعتها التحفظية المؤقتة التي لا تتصف بالمنع أو القمع(114). والجدير بالذكر فإن التدابير المؤقتة التي نصت عليها المادة (40) من الميثاق أثارت الخلاف بين فقهاء القانون الدولي والسبب في ذلك هو لأنها لا تحتوي على معايير حتى نستطيع أن نفّرق هذه التدابير من غيرها حيث أن المجلس يتخذ هذه التدابير المؤقتة تبعاً لظروف كل حالة على حدة، وأن هذا وبدون شك يعطي للمجلس سلطة تقديرية واسعة لتحديد ما يناسب كل حالة تعرض عليه من التدابير المؤقتة.
ومن أمثلة التدابير المؤقتة المتخذة، التوصية التي أصدرتها مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية سنة 1948م، فقد دعا المجلس إلى وقف الأعمال الحربية على الفور، والامتناع عن إدخال قوات مسلحة في مناطق معينة، والامتناع عن تجنيد قوات جديدة أو تدريب الأشخاص الذين هم في سن الجندية تدريباً عسكرياً والامتناع عن استيراد الأسلحة والذخائر، ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه التدابير الهدف منها هي عدم اتساع دائرة النزاع، ولهذا فإن القرار الصادر بشأنها له قيمته السياسية والأدبية بالإضافة إلى قيمته القانونية المؤسسة على المادة 25 من الميثاق والتي بموجبها تعهدت الدول الأعضاء بقبول قرارات المجلس وتنفيذها. وإذا كانت المادة 40 نصت على أن مجلس الأمن يوصي بمثل هذه التدابير قبل أن يقدم توصياتها أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، فليس معنى ذلك أن المجلس ملزم بأن يوصي بإتخاذ التدابير المؤقتة قبل التوصية بإتخاذ تدابير يراها ملائمة لمواجهة خطر تهديد السلم والأمن الدوليين أو قمع العدوان، ثم أنه ليس هناك ما يمنعه من أن يعود بعد ذلك فيوصي الأطراف المعنية بإتخاذ التدابير المؤقتة خلال الفترة التي يستغرقها تنفيذ ما أمر به من تدابير لحل النزاع(115).
في النهاية، يمكننا أن نعّرف التدابير المؤقتة بأنها عبارة عن تصرف يقوم به المجلس للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، في سياق إيجاد حل أو تسوية سلمية لنزاع أو موقف دولي ولحين التوصل إلى حل نهائي وحاسم لذلك النزاع أو الموقف وبدون المساس بحقوق ومطالب الأطراف المتنازعة أو المعنية بالتدابير المؤقتة(116).
المطلب الثاني: التدابير غير المؤقتة.
وهي التدابير التي لا تتصف بصفة التوقيت ولا تتطلب استخدام القوة العسكرية لتنفيذها(117)، لقد نصت المادة 41 من الميثاق على: لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وترد على النص أعلاه، الملاحظات الآتية:
1) يفهم من أن (التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة ) الواردة في هذه المادة، بأنها جاءت على سبيل المثال وليس الحصر، حيث استخدم النص عبارة ( ويجوز أن يكون من بينها )، يستنتج من ذلك بأن لمجلس الأمن أن يتخذ تدابير أخرى كما يراه مناسباً لتنفيذ قراراته(118).
2) أن التدابير التي تتخذ بناءاً على نص هذه المادة، تصدر بموجب قرارات وهي تصرفات ملزمة لمن توجهت إليه(119)، عليه فعندما يصدر قرار من المجلس لتطبيق التدابير المنصوص عليها في هذه المادة فإن الدول الأعضاء ملزمون بتنفيذها ولا يجوز لهم الامتناع عن ذلك بدعوى ارتباطها مع الدول المستهدفة بهذه التدابير بمعاهدة تمنعها من المشاركة في وضع هذه التدابير موضع التنفيذ(120). حيث أن المادة 103 من الميثاق تقرر بأنه في حالة تعارض الالتزامات بين التي يفرضها أحكام الميثاق وأخرى ناتج من التزام دولي، فإن أعضاء الأمم المتحدة ملزمون بالالتزامات التي يفرضها الميثاق.
وهناك رأي يقول بأن المجلس إذا طلب من الأعضاء تنفيذ هذه التدابير فإنه والحالة هذه يجب على الأعضاء تطبيق ذلك استناداً إلى نص المادة 25، أما إذا قررت المجلس هذه الإجراءات دون أن يطلب من الأعضاء تنفيذها وترك ذلك لإرادة الدول وحريتها، ففي هذه الحالة للأعضاء الخيار في أن يطبق أو لا يطبق دون أية مسؤولية، ودليل هذا الرأي هو أن المادة 41 قد فرّق بين اتخاذ القرار بهذه الإجراءات وبين الطلب من الدول تنفيذها، حيث جاء في النص، لمجلس الأمن أن يقرر …. وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة…، عليه فإن الأصل هو أن تطبيق هذه الإجراءات يرجع إلى موقف الدول الأعضاء وإرادتها، إذا لم يطلب منها التطبيق، لكن إذا طلب منها التطبيق فإن الأمر لا يتوقف على إرادتها وإنما يصبح عليها إلتزام قانوني واجب التنفيذ(121).
ويرى عدد من الفقهاء بأن قرارات مجلس الأمن حتى يتمتع بالقوة الملزمة يشترط فيها أن تكون في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وغير متناقض مع مباديء الأمم المتحدة، وأن يكون الأمر متعلقاً بقرارات وليس بتوصيات خاصة بتسوية سلمية للمنازعات الدولية، فالتوصيات غير ملزمة وتنفيذها ليس بواجب، في حين يرى فقهاء آخرون أن جميع ما يصدر عن المجلس سواء كانت توصيات أو قرارات يتمتع بقوة قانونية ملزمة وأن هذه التفرقة بينهما مجرد تفرقة شكلية، لكن عند النظر بدقة إلى الميثاق نلاحظ بأن هناك تفرقة بين القرارات والتوصيات وإلاّ لما جرت الإشارة إلى مصطلح توصيات في مواد وقرارات في مواد أخرى، وأن واضعو الميثاق كان لديهم قصد من وراء ذلك التفرقة، والسبب في ذلك يعود إلى أن أهمية كل حالة من الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين فيها تختلف، عليه فإن القرارات التي يصدرها المجلس تعتبر ملزمة للدول المخاطبة بها إذا كانت صادرة بموجب المادة (41) من الميثاق إلاّ إذا كانت إحدى أو بعض هذه الدول تعاني من مشاكل اقتصادية يمنعها من تنفيذ ما قرره المجلس، وعليها عندئذٍ أن تلفت نظره إلى ذلك(122)، وهذا يعني بأن للدول المتضررة من تطبيق هذه التدابير الحق في أن تطلب من المجلس تدارس الأمر ومساعدتها في حل مشاكلها(123).
طبّق مجلس الأمن أنماط معينة من التدابير الاقتصادية ضد بعض الدول 124، فالمجلس دعا جميع الدول إلى قطع علاقاتها الاقتصادية مع روديسيا وبالامتناع عن تزويدها بالأسلحة وبمقاطعتها نفطياً الأمر الذي يشكّل جزاءات اقتصادية حقيقية وكان ذلك بموجب قراره الصادر في تشرين الثاني من عام 1965م، وفي هذا القرار جاء صراحة بأنه يتصرف استناداً لأحكام الفصل السابع من الميثاق ودعا الدول الأعضاء إلى تنفيذ إجراءات المقاطعة، رغم أنه كان في إمكانه أمرهم بذلك(125). كما فرضت مقاطعة إجبارية على تصدير السلاح إلى جنوب أفريقيا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 418 في تشرين الثاني 1977، وضد يوغسلافيا السابقة بموجب القرار رقم 713 في كانون الأول 1991 (126)، إذ بهدف تحقيق حفظ السلم والأمن والاستقرار في المنطقة فرض هذا القرار الأخير حظراً شاملاً للأسلحة والمعدات العسكرية إلى يوغسلافيا السابقة، وذلك بسبب الحروب الأهلية التي نتجت أثر إعلان بعض جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق الاستقلال عن الاتحاد، وخصوصاً بعد المجازر التي مارستها الحكومة الاتحادية ضد البوسنيين(127). وكذلك فإن المجلس ألزم أعضاء الأمم المتحدة بحفظ مستوى تمثيلها الدبلوماسي والقنصلي مع ليبيا وحظر إمدادها بالأسلحة ومع قطع كافة الاتصالات الجوية وذلك بموجب القرار المرقم 748 الصادر في آذار 1922م(128).
ولو تفحصنا بدقة عن طبيعة وفعالية العقوبات التي فرضتها منظمة الأمم المتحدة في كل من فترة الحرب الباردة والفترة التي تليها، لوجدنا بأن العقوبات التي تم فرضها خلال الفترة الأولى لم تكن تتميّز بالفعالية في أغلب الأحوال والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة القرارات التي بموجبها فرضت العقوبات، ففي أثناء الحرب الباردة فإن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العام قد انتهكتا بكثرة من قبل الدول ولكن وبالرغم من ذلك فإن الأمم المتحدة لم يفرض عقوبات إلزامية إلاّ في حالات محدودة، حددها بعض الكتاب بحالتين وهما :زيمبابوي حالياً ( روديسيا الجنوبية سابقاً ) في عام 1966 وعام 1977م وجنوب أفريقيا في عام 1977م، عندما فرض عليهما المجلس ووفقاً للفصل السابع عقوبات اقتصادية رداً على إعلان زيمبابوي المنفرد بالاستقلال عن المملكة المتحدة، ولكون جنوب أفريقيا انتهج سياسة الفصل والتمييز العنصري ضد الأغلبية السوداء واعتداءاتها المتكررة ضد الدول المجاورة لها(129). عدا هاتين الحالتين فإن قرارات الأمم المتحدة الصادرة أثناء الحرب الباردة والمتعلقة بفرض العقوبات لم تتمتع بالصفة الإلزامية المطلوبة لتنفيذها جبراً، والسبب في ذلك يرجع إلى أن مجلس الأمن بالرغم من امتلاكها صلاحية إصدار قرارات ملزمة ولكن حالة الحرب وتأثيراتها منع دون قيامه بإصدار هذا النوع من القرارات، وكذلك فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي هذه الحالات لا تمتلك سوى صلاحية إصدار توصيات تغير ملزمة، وبإستثناء هاتين الحالتين التي سبق ذكرها لم يتدخل المجلس إلاّ عن طريق توصيات غير ملزمة، مثال ذلك قضية جنوب غرب أفريقيا (ناميبيا) التي كانت تحت انتداب جنوب أفريقيا أيام عصبة الأمم، فعند إنشاء الأمم المتحدة اضطّر الجمعية العامة للتدخل وذلك بسبب رفض جنوب أفريقيا وضع هذا الإقليم تحت نظام الوصاية تمهيداً لإستقلالها، واعتبره جزءاً من إقليمه، وهذا التدخل كانت مجرد توصية بفرض عقوبات مختلفة على جنوب أفريقيا من خلال قرارات عديدة، ولكن هذه القرارات لم تهتم بها أحد لا الدول الأعضاء ولا جنوب أفريقيا وكأن أي شيء لم يحدث، لذلك طلبت الجمعية العامة من مجلس الأمن أن يتدخّل، فعلاً وفي تموز من عام 1970 تدخّل المجلس ودعت الدول الأعضاء إلى اتخاذ مجموعة تدابير اقتصادية وسياسية ودبلوماسية ضد جنوب أفريقيا، ولكن هذه العقوبات أيضاً لم تجد مصيراً أفضل من العقوبات التي فرضتها الجمعية العامة لكونها لم تصدر استناداً للفصل السابع(130). أما العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، فقد تغيرت تغيراً واضحاً سواء من حيث طبيعتها أو من حيث أنواعها، فمن حيث طبيعة العقوبات، بدأ مجلس الأمن وبعد اختفاء ظاهرة استخدام الفيتو إلى حد ما باستخدام صلاحياته بموجب الفصل السابع من الميثاق(131)، أما من حيث أنواع العقوبات، فقد بدأ المجلس بعد انتهاء الحرب الباردة بفرض عقوبات من نوع خاص لم يسبق فرضها على الدول، وأبرز مثال على ذلك العقوبات التي فرضتها المجلس على العراق، ففي تاريخ هذه المنظمة ومنذ تأسيسها لم يفرض المجلس عقوبات دولية شاملة مثلما حصل مع العراق بعد احتلاله للكويت، ونتيجة لعدم امتثال العراق للقرار رقم 660 والذي يلزم العراق بالانسحاب من الأراضي الكويتية تم فرض هذه العقوبات من خلال سلسلة قرارات(132).
الخاتمة:
لقد تبيّن أن للمجلس سلطات تقديرية واسعة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين وذلك سواء عن طريق فحص النزاع أو الموقف الذي قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً وبالتالي اتخاذ موقف إزاء ذلك، أو عن طريق تسوية النزاع سلمياً وذلك عن طريق الوسائل الدبلوماسية من مفاوضات ولجان التحقيق وغيرها أو عن طريق الوسائل السياسية أي باللجوء إلى المنظمات والوكالات الإقليمية أو عن طريق تسوية النزاع بواسطة القضاء الدولي، وكذلك فإن المجلس حتى يؤدي مهامه فإنه قد يقوم باتخاذ قرارات ملزمة تتضمن تدابير لا تستوجب تنفيذها استعمال القوة العسكرية، وهذه التدابير بدورها تصنف إلى تدابير مؤقتة مثل وقف العمليات العدائية وانسحاب القوات إلى مواقعها الأصلية وغيرها، وأخرى غير مؤقتة مثل وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية وغيرها.
وقد توصلنا من خلال هذا البحث إلى النتائج الآتية:
1) يعتبر مجلس الأمن القلب النابض للأمم المتحدة، وذلك لأن مهمة تحقيق الهدف الرئيسي الذي من أجله تم تأسيس هذه المنظمة والذي هو حفظ السلم والأمن الدوليين أوكلها إلى مجلس الأمن.
2) لمجلس الأمن سلطة تقديرية واسعة في فحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً، وهو الذي يقرر فيما إذا كان استمرار ذلك يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، ويلاحظ بأن المادة 34 لم يرد فيها ما يقيد سلطته التقديرية، فالمجلس له حق فحص أي نزاع سواء كان مسلحاً أم لا، وحتى قد يكون النزاع قانونياً، أو أي موقف آخر يصدر عن الدول.
3) المجلس قد يقوم بإنشاء لجان تقوم بالفحص والتدقيق والتحقيق، واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليه هذه اللجان يقوم المجلس بإصدار التوصيات اللازمة لحل المنازعات حلاً سلمياً، فهذه اللجان في البداية تعتبر أداة تحقيق ثم تتحول إلى أداة تسوية بعد ذلك بإصدار التوصيات اللازمة، ويجب أن لا تنحرف هذه اللجان عن مهامها الأصلية، وإذا ما قررت هذه اللجان بأن استمرار النزاع يؤدي إخلال بالسلم والأمن الدوليين أو لا يخل بذلك فإن عمل هذه اللجان تنتهي ويترك حسم المسألة للمجلس.
4) نجد بأن ميثاق الأمم المتحدة جعل لمبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية مكانة رفيعة، ويعتبر هذا المبدأ من المباديء الأساسية في القانون الدولي العام وأصبح الالتزام به يتمتع بالصفة الآمرة، فديباجة الميثاق تنص على ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة . وبموجب المادة الأولى من الميثاق فإن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات يعتبر من مقاصد الأمم المتحدة الأساسية والمهمة في نفس الوقت. والمادة الثالثة جعلت من تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية إحدى المباديء التي اقيمت عليها منظمة الأمم المتحدة.
5) لمجلس الأمن في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين مخول بنوعين من الاختصاص بموجب الميثاق:
أ التدخل بصفة غير مباشرة لتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية. هذا النوع من التدخل يعتبر حالة وقاية يهدف من وراء ذلك كبح جماح النزاع أو منع استمرار تفاقمه.
ب التدخل بصفة مباشرة لقمع الأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين للخطر، ويسمح له بهذا التدخل عندما تكون الوسائل السلمية لتسوية النزاع قد استنفذت، وهذا النوع من التدخل يعتبر حالة علاجية وتأديبية، لذلك فالمجلس يستطيع أن يتدخل في أي وقت يراه مناسباً لتقديم توصياته بشأن النزاع، والقرار الذي يصدر عن المجلس في هذه الحالات يتوقف تنفيذها على إرادة الأطراف المتنازعة لأنه ليس سوى توصية.
6) للمجلس الحق في اتخاد تدابير تغطي جميع الأحوال التي يمكن أن تترتب عليها الإخلال بالأمن والسلم الدوليين أو تهديدهما أو وقوع عمل من أعمال العدوان، إذا ما فشلت إجراءات الفصل السادس من الميثاق في إنهاء المنازعات والمواقف الدولية التي من شأن استمرارها تعرض السلم والأمن الدوايين للخطر.
7) مجلس الأمن وفق المادة 39 من الميثاق يتمتع بسلطة تقديرية واسعة، فله أن يقدم التوصيات أو أن يلجأ إلى الإجراءات الواردة في المادة 41 من الميثاق أو أن يلجأ إلى إجراءات المادة 42 وأن ما يصدر عن مجلس الأمن تطبيقاً لأحكام الفصل السابع تعتبر قرارات ملزمة للدول، وهذه القرارات إمّا تتضمن تدابير ذات صفة عسكرية أو غير عسكرية وهذه الأخيرة أيضاً تتضمن نوعين من التدابير، مؤقتة وغير مؤقتة.
الهوامش:
1- د.علي صادق ابو هيف، القانون الدولي العام، ج2، ط 17، مطبعة المعارف، الاسكندرية، 1992، ص 740.
2- د.سيف الدين كاظم المشهداني، السلطة التقديرية لمجلس الأمن واستخدامها في حالة العراق، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1998، ص 27 وما بعدها.
3- د. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط4، بغداد، 1987، ص379.
4- د.فخري رشيد المهنا و د.صلاح ياسين داود، المنظمات الدولية، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، ص 288.
5- المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
6- د.فخري رشيد المهنا، مدى سلطة مجلس الأمن التقديرية في تطبيق إجراءات الفصل السابع من الميثاق، مجلة العلوم القانونية، العدد 2، كلية القانون – جامعة بغداد، بغداد، 1994، ص 128 وما بعدها.
7- د.محمد سامي عبد الحميد، قانون المنظمات الدولية، منشأت المعارف، الاسكندرية، 2000، ص113.
8- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري، سلطة مجلس الأمن في اتخاذ التدابير المؤقتة، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2001، ص 109 وما بعدها.
9- د.سموحي فوق العادة، القانون الدولي العام، مطبعة الانشاء، دمشق، 1960، ص 673 وما بعدها.
10- المادة 32 من ميثاق الأمم المتحدة.
11- د.محمد سامي عبد الحميد، المصدر السابق، ص114 وما بعدها.
12- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص 129.
13- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 28.
14- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص 129.
15- د. سهيل حسين الفتلاوي، المنازعات الدولية، ط1، المطبعة الاهلية للنشر، بيروت، 1982، ص 108 وما بعدها.
16- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص130.
17- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 30.
18- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص130.
19- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 30 وما بعدها.
20- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص130.
21- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 31.
22- د.عبد السلام صالح عرفة، المنظمات الدولية والإقليمية، ط2، دار الجماهير للنشر والتوزيع والاعلان، مصراطه، 1999، ص 179 وما بعدها.
23- د.سموحي فوق العادة،المصدر السابق، ص 674.
24- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 31.
25- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص130.
26- عبد الفتاح عبد الرزاق، مبدأ عدم التدخل والتدخل في القانون الدولي العام، ط1، مطبعة وزارة التربية، اربيل، 2002، ص 314.
27- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص131.
28- عبد الفتاح عبد الرزاق،المصدر السابق،ص 314.
29- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص131.
30- د.عبد السلام صالح عرفة، المصدر السابق، ص 180.
31- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص131.
32- د.محمد المجذوب، الوسيط في القانون الدولي العام، الدار الجامعية للطباعة وللنشر، بيروت، 1999، ص 673 وما بعدها.
33- د.جابر ابراهيم الراوي، المنازعات الدولية، مطبعة دار السلام، بغداد، 1978، ص121.
34- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 105.
35- د.نزار جاسم العنبكي، سلطة مجلس الأمن في توقيع جزاءات الفصل السابع وتقدير استخدامها في تطبيق الجزاءات الاقتصادية في حالة العراق، مجلة الحقوقي، يصدرها اتحاد الحقوقيين العراقيين، الاعداد 1-4، بغداد، 1997،ص8.
36- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 49.
37- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 32.
38- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 32.
39- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 49.
40- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 50.
41- جيرهارد فان غلان، القانون بين الأمم، ج2، تعريب وفيق زهدي، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1970، ص204
42- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 205. د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 33.
43- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 205.
44- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص51.
45- د.سيف الدين كاظم المشهداني(هامش رقم 19)،المصدر السابق، ص 33 وما بعدها. و د.محمد الجذوب، المصدر السابق، ص 685.
46- د.عبد السلام صالح عرفة، المصدر السابق، ص 179.
47- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 58.
48- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص685.
49- د. عصام العطية، المصدر السابق، ص 383.
50- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 218.
51- د. عصام العطية، المصدر السابق، ص 383.
52- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص688.
53- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 60.
54- محمد حسن عمر، الوسائل السلمية لحل المنازعات، مجلة ته رازوو، يصدرها اتحاد حقوقيي كوردستان، العدد 7، اربيل، 1999، ص199.
55- د.جابر ابراهيم الراوي،المصدر السابق، ص33.
56- جيرهارد فان غلان،المصدر السابق، ص 207.
57- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 34.
58- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 226.
59- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 34.
60- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص689.
61- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 68 وما بعدها.
62- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص689.
63- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 70وما بعدها.
64- د.علي صادق ابو هيف،المصدر السابق، ص 740.
65- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 71وما بعدها.
66- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، هامش رقم 21، ص 34.
67- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص689 وما بعدها.
68- جيرهارد فان غلان،المصدر السابق، ص 212.
69- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص76.
70- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص690.
71- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 35.
72- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص690.
73- د. سهيل حسين الفتلاوي، المصدر السابق، ص 115.
74- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 38 وما بعدها.
75- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص697 وما بعدها.
76- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 39.
77- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص698. و د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص148.
78- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 40.
79- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص700.
80- محمد حسن عمر،المصدر السابق، ص 201.
81- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص707 وما بعدها.
82- المصدر نفسه، ص 708.
83- المصدر نفسه، ص708.
84- فقد اتهمت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الداخلية فيها، المملكة البريطانية بانتهاك قواعد الحياد والسماح ببناء سفن حربية في مرافئها لحساب الولايات الأمريكية الجنوبية المتمردة ومنها سفينة الألباما التي ألحقت أضراراً جسيمة بالولايات الشمالية وطالبت واشنطن بالتعويضات عن الخسائر، واتفق الطرفان عرض النزاع على التحكيم، وكانت هيئة التحكيم مؤلفة من خمسة أعضاء ثلاثة منهم لا يحملون جنسية إحدى الدولتين، وكان ذلك من المستجدات التي استرعت الانتباه وأمست مثلاً يحتذى.
85- جيرهارد فان غلان،المصدر السابق، ص 216.
86- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص712.
87- جيرهارد فان غلان،المصدر السابق، ص 216.
88- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص712.
89- المصدر نفسه، ص716.
90- المصدر نفسه، ص716.
91- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 36.
92- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص712.
93- د.جابر ابراهيم الراوي،المصدر السابق، ص68.
94- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 94.
95- د. عصام العطية، المصدر السابق، ص 402.
96- د.جابر ابراهيم الراوي،المصدر السابق، ص83.
97- د. عصام العطية، المصدر السابق، ص 401.
98- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 37.
99- المادة 36/3 من الميثاق.
100- المادة 35/2 من الميثاق.
(101- أ) – د.جابر ابراهيم الراوي،المصدر السابق، ص86.
(101 - ب) – د. عصام العطية، المصدر السابق، ص 407 وما بعدها.
102- د.ابراهيم احمد الشلبي، اصول التنظيم الدولي، دار الجامعة للطباعة والنشر، بيروت، 1985،ص334.
103- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 46.
104- د.محمد المجذوب،المصدر السابق، ص701.
105- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص132.
106- د.فخري رشيد المهنا و د.صلاح ياسين داود، المصدر السابق، ص 289.
107- د.محمد سامي عبد الحميد، المصدر السابق، ص118.
108- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 50.
109- د.محمد سامي عبد الحميد، المصدر السابق، ص118.
110- علاء الدين خماس، استخدام القوة في القانون الدولي، المطابع العسكرية، بغداد، 1982، ص 188 وما بعدها.
111- د.نزار جاسم العنبكي،المصدر السابق، ص10.
112- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 56 وما بعدها.
113- د.عبد السلام صالح عرفة، المصدر السابق، ص 56 وما بعدها.
114- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 89.
115- د.ابراهيم احمد الشلبي، المصدر السابق، ص335.
116- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 131.
117- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص132.
118- عبد الفتاح عبد الرزاق،المصدر السابق،ص 317.
119- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 55.
120- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 91.
121- د.فخري رشيد المهنا، المصدر السابق، ص133 وما بعدها.
122- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 55 وما بعدها.
123- د.عبد السلام صالح عرفة، المصدر السابق، ص 180.
124- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 56.
125- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري،المصدر السابق،ص 190 وما بعدها.
126- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 57 وما بعدها.
127- عبد الفتاح عبد الرزاق،المصدر السابق، هامش رقم 3، ص 356.
128- د.سيف الدين كاظم المشهداني،المصدر السابق، ص 58.
129- عبد الفتاح عبد الرزاق،المصدر السابق،ص 354 وما بعدها.
130- د.محمد سامي عبد الحميد، المصدر السابق، ص130 وما بعدها.
131- عبد الفتاح عبد الرزاق،المصدر السابق، ص 356.
132- د.نزار جاسم العنبكي،المصدر السابق، ص17 وما بعدها.
المصادر:
1- د.ابراهيم احمد الشلبي، اصول التنظيم الدولي، دار الجامعة للطباعة والنشر، بيروت، 1985.
2- د.جابر ابراهيم الراوي، المنازعات الدولية، مطبعة دار السلام، بغداد، 1978.
3- جيرهارد فان غلان، القانون بين الأمم، ج2، تعريب وفيق زهدي، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1970.
4- د.سموحي فوق العادة، القانون الدولي العام، مطبعة الانشاء، دمشق، 1960.
5- د. سهيل حسين الفتلاوي، المنازعات الدولية، ط1، المطبعة الاهلية للنشر، بيروت، 1982.
6- د.سيف الدين كاظم المشهداني، السلطة التقديرية لمجلس الأمن واستخدامها في حالة العراق، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1998.
7- د.عبد السلام صالح عرفة، المنظمات الدولية والإقليمية، ط2، دار الجماهير للنشر والتوزيع والاعلان، مصراطه، 1999.
8- عبد الفتاح عبد الرزاق، مبدأ عدم التدخل والتدخل في القانون الدولي العام، ط1، مطبعة وزارة التربية، اربيل، 2002.
9- د. عدنان عبد العزيز مهدي الدوري، سلطة مجلس الأمن في اتخاذ التدابير المؤقتة، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2001.
10- د. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط4، بغداد، 1987.
11- علاء الدين خماس، استخدام القوة في القانون الدولي، المطابع العسكرية، بغداد، 1982.
12-د.علي صادق ابو هيف، القانون الدولي العام، ج2، ط 17، مطبعة المعارف، الاسكندرية، 1992.
13- د.فخري رشيد المهنا، مدى سلطة مجلس الأمن التقديرية في تطبيق إجراءات الفصل السابع من الميثاق، مجلة العلوم القانونية، العدد 2، كلية القانون – جامعة بغداد، بغداد، 1994.
14- د.فخري رشيد المهنا و د.صلاح ياسين داود، المنظمات الدولية، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل.
15- د.محمد المجذوب، الوسيط في القانون الدولي العام، الدار الجامعية للطباعة وللنشر، بيروت، 1999.
16- محمد حسن عمر، الوسائل السلمية لحل المنازعات، مجلة ته رازوو، يصدرها اتحاد حقوقيي كوردستان، العدد 7، اربيل، 1999.
17- د.محمد سامي عبد الحميد، قانون المنظمات الدولية، منشأت المعارف، الاسكندرية، 2000.
18- د.نزار جاسم العنبكي، سلطة مجلس الأمن في توقيع جزاءات الفصل السابع وتقدير استخدامها في تطبيق الجزاءات الاقتصادية في حالة العراق، مجلة الحقوقي، يصدرها اتحاد الحقوقيين العراقيين، الاعداد 1-4، بغداد، 1997.[1]