المؤلف:#عبدالرقيب يوسف# الزفنكي .
ترجمة: #دلاور زنكي# .
#معركة جالديران#
هذه اللوحة تروي قصة المعركة التاريخية التي جرت بين الدولة العثمانية وحكومة الصفويين في “جالديران” أي أنّ المعركة كانت على ساحة “كردستان”(59). وهذه الساحة تقع في قضاء “المُرادية” على مشارف مدينة “وان” في كردستان تركيا. وقد بدأت المعارك في اليوم الثالث من شهر رجب عام 920ﮪ/ الموافق لليوم -24-08- 1514م، حيث شارك في المعارك قرابة /200.000/مائتي ألف مسلح من الشرق الأدنى وبدأوا يتقاتلون ويسفكون دماءهم بين الطرفين المحاربين، وقيل إنّ عدد المسلحين كان يفوق هذا الرقم بكثير.
يقول المؤرخ نظمي زاده في كتابه “روضة الخلفاء= “Gulşenê Xulefa” في الصفحة /185/: قتل في هذه المعارك قرابة “10.000 عشرة آلاف مقاتل. وكان معظم أمراء الأكراد منحازين الى الحكومة العثمانية واستطاعت القوات الكردية أن تؤدي دوراً خطيراً في انتصار العثمانيين وقد قضى بعض هؤلاء الأمراء نحبهم في ميدان هذه الحرب”.
إن بعض كُتّاب التاريخ يجعلون اندلاع معركة “جالديران”
بداية لتاريخ الأكراد السياسي الحديث. لأنّ كردستان ابتداء من كردستان الشمالية وانتهاء ب “كركوك” كانت تحت هيمنة دولة الصفويين دخلت في حوزة الدولة العثمانية، وهذا الحدث كان منسجماً مع رغبة الأمراء الأكراد لأن معضلة السنة أو معضلة انتمائهم السني كانت تسبب لهم المتاعب، وكانوا يرون أن سياسة الشاه إسماعيل الصفوي في هذا المجال سياسة شاذة، لا تتسم بالحكمة والسداد. وقرر السلطان سليم أن يكون ليّن الجانب مترفقاً في سياسته تجاه الأكراد مكافأة لهم على ما قدموه من مؤازرة للعثمانيين وأن يستمر في هذه السياسة. ولكي يحقق الأمراء الأكراد تنفيذ مآربهم وتعيين حدود إماراتهم فقد عينوا مدينة “دياربكر “عاصمة للبلاد، ويمكن القول إن تلك الإمارات الكردية كانت شبه مستقلة استناداً إلى قرار أصدره السلطان سليم. (60)
ويبدو لنا أنّ معركة “جالديران” قد خلفت وراءها آثاراً ذات أهمية كبرى. لأننا نرى فنانين إيرانيين وفنانين أكراداً وأتراكاً قد نقلوا إلينا تلك المعركة على متن لوحاتهم بعد ثلاثمائة عام من الحرب. مثال ذلك أن (ريج) في اليوم السادس/16/عشر من آب عام 1820م شاهد لوحة عن هذه المعركة على أحد جدران القصر المزخرف في مدينة سين العائد ل”أمان الله خان” أمير “أردلان”. (61)
وقد ظهرت لوحة عن معركة جالديران على الصفحة /259/في الجزء الثاني من كتاب المؤرخ التركي أحمد راسم “التاريخ العثماني” إلا أن هذه اللوحة دون مستوى اللوحة الموجودة في كتاب ال”شرف نامه” من حيث الرونق والإبداع الفني والوضوح وهي شحيحة بالمعلومات مقارنة بمعطيات لوحة ال”شرف نامه”.
في لوحة كتاب ال”شرف نامه” تبدو للعيان واقعة معركة طاحنة حامية الوطيس. في هذه المعركة تُشاهد قذائف المدافع ورصاص البنادق والسهام تختلط وتتشابك على سهب جالديران. العسكر الإيراني موجود في الجهة اليمنى من اللوحة، ويبدو الشاه إسماعيل أمام مدخل فسطاطه يتوسط شخصين، امرأته القائمة على يمينه وفتى هو في أغلب الظن أبنه، والشاه يرنو إلى السلطان سليم بنظرات شزراء. أما الجنود العثمانيون فقد رُسموا على القسم الأيسر من اللوحة. وفي صفوف القوات العثمانية يبدو الأتراك وعلى رؤوسهم الطرابيش “فيز” والأوربيون بقبعاتهم “شابكا” والأكراد على رؤوسهم ال”سر كُلاف” (غطاء من الصوف الملبد) وبهذا الغطاء يعرفون في ميدان المعركة وهذه الأوصاف تطابق المعلومات الواردة في كتاب (Gulşena Xulefa) –(روضة الخلفاء) حيث يقول مؤلفه المؤرخ التركي في الصفحة /185/: إن الجنود الأتراك الأوروبيين والجنود الدياربكريين- أي الأكراد- كانوا يحتلون أماكنهم في يسار الجنود العثمانيين.
تظهر صورة السلطان سليم في وسط الجيش العثمانيين وهو يمتطي حصاناً ضخماً وعلى حيزومه جلجلٌ “جرس”، يسير أمامه شخصان في أيديهما فأسان. يلقي السلطان نظرات حانقة على “الشاه” ويعض على شفتيه من شدة الغيظ وفي يده رمح متموج والجنود المشاة حاملو البنادق يقيمون على مقربة من تلك الساحة وتظهر وراءهم المدافع. وهذه المعلومات أيضا تنسجم مع المعلومات التي أوردها أحمد راسم في كتابه “التاريخ العثماني” في الصفحة /265/ حيث يقول: “كان السلطان يخوض المعركة بقواته “Yenî Çerî” وأمامه الإبل التي تجر العربات التي تحمل على متونها المدافع.
كان العثمانيون استناداً إلى فحوى اللوحة قد جمعوا مدافعهم في الجهة اليمنى لقواتهم. وفي نهاية اللوحة في الجهة اليسرى كانوا قد حمّلوا العربات بالمدافع والجيش يتجه نحو الجيش الإيراني. كما بدت إلى جانب ذلك مدافع أخرى في قلب المعركة. ولا شك في أن السلاسل تربط المدافع وتشد بعضها إلى البعض الآخر. إلا أنّ قوات من الفرسان الإيرانيين استطاعت تمزيق تلك السلاسل وفصل المدافع عن بعضها والتفريق بينها، وتبدو في اللوحة صورة حصان وقد قطع بقوائمه السلسلة المشدودة إلى المدافع. كما يظهر في اللوحة أن قوات المدفعية العثمانية قد كسرت شوكة ميسرة القوات الإيرانية وألحقت بها أضرارا فادحة وتحاول قهرها وإرغامها على الانكسار والهزيمة. وهذه تنسجم وتتفق مع المعلومات التي يدلي بها المؤرخ “احمد راسم” لدى حديثه في هذا الصدد: “شن جنود “محمد خان استاجلو” هجوماً من الناحية اليسرى للجيش الإيراني على ميمنة الجيش العثماني، إلا أن “سينان باشا” استطاع بقوات المدفعية إحباط الهجوم ورد المهاجمين على أعقابهم. وفي هذه المعركة قتل محمد خان وابنه.
وفي الحقيقة إن مقتل “محمد خان” الذي كان قائداً لعسكر الشاه في دياربكر- أي في تلك الرقعة التي تسمى اليوم “كردستان تركيا” كان سبباً للهزيمة لأن ميمنة العسكر الإيراني تعرض لهجوم صاعق. وتلك الأضرار التي نجمت عن قصف المدافع التركية واضحة في رسوم اللوحة. وليس بالأمر الغريب بعد مصرع “محمد خان” أن يكون الشاه نفسه تسلم قيادة القوات الكردية في ميمنة الجيش، ومن المحتمل بعد هذه الواقعة أنّ الشاه أصيب بجروح وسقط عن متن جواده. إذن فبعد هذا الحدث هاجمت قوات Yenî Çerî التي كانت ضمن الجيش العثماني- ميسرة العسكر الإيراني، وعندئذ دُحر العسكر الإيراني و أُخذت زوجة الشاه أسيرةً. وُجدت في ميسرة الجيش العثماني بعض المدافع التي أدّت دوراً حاسماً في الناحية اليمنى وأفضت إلى مصرع “محمد خان استاجلو” الذي تحدث عنه “شرف خان” مراراً وأكثر من ذكره ونظر إليه باهتمام فقد كانت له علاقات ووشائج بتاريخ كردستان.
وعلى الرغم من هذا وذاك ظلت بقايا قواته أمداً طويلاً رابضة في قلعة “دياربكر” وقلعة “ماردين” و قلعة “جزيري” وقلاع أخرى في كردستان متأبية الهزيمة، رافضة الاستسلام، إلا أن العلاقات الكردية العثمانية بعد قرابة عامين من هذه المعركة ساءت واتخذت اتجاهات كثيرة. ولهذا السبب فقد أكثر رسامو “شرف نامه” من رسوم قوات المدفعية في تلك الناحية. وعلاوة على ذلك فإن قوات ميمنة العسكر الإيراني قد ألحقت أذى كبيراً بميسرة القوات العثمانية. في اللوحة تختلف أزياء الفرسان العثمانيين عن ملابس المشاة الذين يرتدون ملابس قصيرة وعلى رؤوسهم ال”سركلاف” باللون الأبيض، وسلاحهم الرماح والسيوف، ولا تظهر في صفوف الإيرانيين رسوم المدفعيين والبنادق وأرباب الأسلحة النارية. ولكن تظهر في صفوفهم صور لحاملي السيوف والرماح والسهام، ويُقصد بذلك-كما يبدو لنا- التعبير عن قلة الأسلحة النارية في القوات الإيرانية وضآلتها أو أن القوات المدفعية لم توجد فيها أصلاً. وحسب صور اللوحة فإن القوات العثمانية كانت تمتلك أسلحة نارية هائلة حولت المعركة إلى انتصار للعثمانيين واندحار للإيرانيين.
يقول أحمد راسم في هذا الشأن: “كانت قوات الفرسان الإيرانية ضخمة وهائلة، وكان عدد الفدائيين في هذه القوات كبيراً جداً ولكنها كانت تفتقر إلى المدافع، ولم تكن فرق الجنود المشاة نظامية أو خاضعة لأي أسلوب قتالي. ومن الواضح أن القوات العثمانية المؤلفة من ثمانين ألف فارس وأربعين ألف مقاتل من المشاة كانت في سبيل إحراز الغلبة والفوز.
لقد تحدث شرف خان بإسهاب عن هذه المعلومات. ولما كانت هذه المعلومات هي محور الكتاب ومن صلب هذا الموضوع التاريخي فقد عبّرت عنها اللوحة لتكون شاهداً على هذه المعركة. ولقد سبق لي انفاً أن قلت:”من الممكن أن يكون رسام هذه اللوحات فناناً ومؤرخاً له إلمام واسع بدقائق هذه الحرب وتفاصيلها لذلك يميل بي الاعتقاد إلى أن الفنان الذي نفذ هذه اللوحة وكذا اللوحات الأخرى والمؤرخ هما شخصية واحدة، وهذه الشخصية هي شرف خان نفسه”.
وفي هذه المناسبة أرغب في تقديم الشكر إلى مكتبة “بودليان”[1] التي سمحت لي باقتباس نسخة عن مخطوطة “شرف نامه”.[1]