=KTML_Bold=مذكرات جلال طالباني.. كيف بدأ مسار الأكراد في السياسة العراقية؟=KTML_End=
جلال طالباني
=KTML_Bold=الجزء الأول من مذكرات الرئيس العراقي السابق جلال طالباني=KTML_End=
من قيادة قوات “روزغاري” في جبال السليمانية إلى أحد أقطاب السياسة الكردية في العراق، ومن معارض لعقود طويلة إلى أول رئيس كردي لجمهورية العراق عام 2005، سجّل جلال طالباني مسيرته السياسية المليئة بالتحولات والتحالفات في مذكراته.
وقدّم طالباني وجهة نظره في العديد من القضايا المثيرة للجدل في تاريخ القضية الكردية رغم علمه أنها ستزعج بعض الرفاق.
وامتدت رحلة كتابة مذكراته قرابة ربع قرن، أجرى خلالها الصحفي صلاح رشيد العديد من اللقاءات المسجلة مع جلال طالباني في مدن ومحطات من حياته.
=KTML_Bold=نشأة جلال طالباني=KTML_End=
بدأ طالباني مذكراته بالحديث عن ظروف نشأته بين جبال كردستان العراق وبدايات نشاطاته السياسية في الأوساط الطلابية.
ولد طالباني في العقد الثالث من القرن العشرين وترعرع في مرحلة تاريخية حساسة ومليئة بالتحولات والانعطافات، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوران د.عبد الرحمن درويش.
وأشار درويش في حديث إلى “العربي” إلى أن عائلة طالباني هي عائلة دينية ذات تأثير ونفوذ اجتماعي.
انتقلت العائلة إلى كوسينجر عندما أصبح والد جلال طالباني مرشدًا للتكية الطالبانية، بحسب محمد صابر، رئيس مؤسسة جلال طالباني. وكان جلال الطفل الوحيد والمدلل لدى والده.
تأثر أكراد العراق بجمهورية مهاباد في إيران
وفي عام 1946، وبينما كان جلال طالباني يخطو خطواته في النشاط الطلابي في مدارس العراق، تأسست في إيران جمهورية مهاباد الكردية برئاسة القاضي محمد.
ويروي طالباني كيف كانت أنباء هذه الجمهورية تلهم مشاعر الشبان الأكراد في العراق خصوصًا مع مشاركة الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني في هذه الجمهورية.
وخلال أقل من عام واحد، انهارت الجمهورية الوليدة وغادر الملا مصطفى بارزاني إلى الاتحاد السوفييتي مع رجاله سيرًا على الأقدام. وفي العام ذاته، 1946 تم تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق. وأُعلن الملا مصطفى بارزاني رئيسًا للحزب رغم كونه خارج البلاد.
ويوضح الباحث المختص في التاريخ الحديث والمعاصر د. عمار السمر أن العلاقة بين الحكومات العراقية والمطالب السياسية الكردية هي مضطربة منذ نشأة الدولة العراقية.
تصاعد نشاط الحركة الكردية
وفي أواخر العهد الملكي، تصاعد النشاط السياسي للحركة الكردية في العراق، وكان الشاب جلال طالباني يتدرج سريعًا في صفوف الحزب الديمقراطي. وكان الملا مصطفى بارزاني في ذلك الوقت رئيس أركان جمهورية مهاباد السابق والمقيم في منفاه بموسكو، مثل طالباني الأعلى.
وفي أثناء مشاركة جلال في مؤتمر الشباب العالمي في موسكو، تمكّن أخيرًا من اللقاء بالملا بارزاني. ويروي طالباني في مذكراته تفاصيل اللقاء الأول، ويقول: “في هذا اللقاء وصلت إلى قناعة بأن الملا مصطفى ليس هو الشخص المثقف الواعي الذي كنت أنتظره ومع ذلك لمست منه مشاعر كردية صارخة”.
وفي 14-07-1958، بدأ عهد جديد في العراق بإعلان سقوط الملكية وقيام الجمهورية بقيادة عبد الكريم قاسم. وفُتحت صفحة جديدة في العلاقات بين بغداد والأكراد.
ويشرح السمر أن قاسم سمح للملا مصطفى بالعودة إلى العراق وخصصت له الحكومة دارًا وتم الاعتراف بالحزب الكردستاني بشكل رسمي.
وسمحت هذه الأجواء لطالباني بالعودة إلى الجامعة واستكمال دراسته في كلية الحقوق ليتخرج منها عام 1959. وأخذ طالباني بالانخراط بشكل جدي بالعمل الصحفي والثقافي في العراق.
وقد أحاط نفسه بشخصيات سياسية وثقافية، وفقًا لعبد الرحمن درويش. وقد ساعدوه وحملوه على النجاح في الحياة السياسية.
“انتفاضة شعبية” كردية
وعقب إصدار قاسم قانون الإصلاح الزراعي، حصلت العديد من الحوادث والاشتباكات بين بعض العشائر الكردية وممثلي الحكومة.
وكان الملا مصطفى بارزاني يؤيد هذه التحركات. وهو ما اعتبرته قيادة المكتب السياسي وعلى رأسها الأستاذ إبراهيم أحمد ممارسات رجعية من زعيم الحزب نتيجة خلفيته العشائرية. وكانوا يرون هذه الاشتباكات دفاعًا من بعض الإقطاعيين عن مصالحهم.
ويستذكر طالباني الذي كان عضوًا في المكتب السياسي آنذاك كيف اتخذ موقفًا مغايرًا لقيادة المكتب من هذه الحركة حيث رآها انتفاضة شعبية فعلية وأن التخلف عنها سيعزله عن الجماهير.
ووحّد صدى المدافع صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني على مضض. وانتقل طالباني من العمل السياسي إلى حمل السلاح وخوض المعارك ضد قوات الحكومة التابعة لبغداد.
انقلاب البعث
وبعد أشهر من المعارك ضد قوات عبد الكريم قاسم، تفاجأ العراقيون بانقلاب البعث عليه صبيحة 08-02-1963، ما أعاد خلط الأوراق من جديد. وعاد الجميع إلى طاولة المفاوضات على أمل استعادة السلام. وكان على رأس الأكراد المتجه إلى بغداد جلال طالباني.
وفي حينه كان الأكراد يطالبون بالحكم الذاتي وكان طالباني في بغداد حيث قال له البعثيون إنهم لا يستطيعون منح الأكراد الحكم الذاتي خوفًا من جمال عبد الناصر.
فزار طالباني مصر مع وفد عراقي لإجراء مفاوضات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، والتقى عبد الناصر وتحدث معه عن شكل الحكم الذاتي الذي يريده الأكراد، فوعده عبد الناصر بأن يدرس الموضوع، وفق ما جاء في مذكرات طالباني.
فشل مفاوضات الوحدة الثلاثية
وفشلت مفاوضات الوحدة الثلاثية عام 1963. وبعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، استؤنفت المفاوضات مع الأكراد والتي انتهت باتفاق إيقاف الحركة عام 1964 بين الملا مصطفى بارزاني وحكومة عارف، إلّا أن جلال طالباني انضم إلى قيادات المكتب السياسي للحزب الرافضين لهذا الاتفاق، نظرًا لكونه لا ينص على الحكم الذاتي للأكراد، ما شكّل مفترق طرق حقيقي بالنسبة للحركة الكردية.
ولفت رئيس قسم العلاقات الدولية في حامعة تيشك د. محمد صالح مصطفى إلى أن عبد السلام عارف يُعرف بشيطان السياسة العراقية وهو يعرف هذه الخلافات فتقدم بمبادرة مفاوضات مع مصطفى بارزاني. لكن الخلافات كانت تتعاظم بين المكتب السياسي ورئيسه الجنرال برزاني.
انشقاق 1964
كان المكتب السياسي للحزب بقيادة إبراهيم أحمد ينظر إلى زعامة الملا مصطفى كحجر عثرة أمام رؤاهم السياسية وأفكارهم التقدمية، فسعى إلى إزاحته عن المشهد بإعلان تجميد صلاحياته في المؤتمر المنعقد بماوت.
وفي مذكراته، يوضّح طالباني كيف كان يفضّل إجراءات أقل حدّة ضد الملا بارزاني، لكنه لم يستطع إيقاف التصعيد آنذاك. وبات واجبًا عليه اتخاذ قرار حول الأزمة بين طرفي الحزب والتي عُرفت لاحقًا بانشقاق 1964، فذهب إلى لقاء بارزاني من أجل حسم موقفه نهائيًا. وعقب اللقاء قرّر طالباني التزام جانب الحزب.
هاجم بارزاني بدعم من الحكومة العراقية مقر الحزب ولم يرد القادة حدوث صراع بين الأخوة فذهبوا إلى إيران.
ويقول طالباني في مذكراته: “حين وصلنا إلى داخل الأراضي الإيرانية، سدّوا علينا كل المنافذ حتى يقطعوا علينا طريق الاتصال بأي طرف كان. أخبرتهم بأني سأضرب عن الطعام إلى حد الموت فإما تعتقلوني أو تسمحوا لي بالعودة.
وفي اليوم الرابع تدهورت حالتي إلى حد كبير فجاؤوا إلي وقالوا لقد وافق الشاه على مطالبك ونقسم بشرف الشاه أن نرسلك إلى أوروبا إذا أنهيت إضرابك بشرط أن تدبّر جواز السفر بنفسك”.
توتر فصفحة جديدة
وفي العام التالي، عاد طالباني إلى العراق واستمرت محاولات الإصلاح بين الفرقاء الكرد، لكن التوتر بقي يسود العلاقات بين المكتب السياسي والملا مصطفى وحملت رياح الاختلاف طالباني عاليًا ليصبح الشخصية الأبرز بين معارضي البارزاني.
وفي عام 1968، وصل البعثيون مجددًا إلى السلطة وبدأت جولة جديدة من المفاوضات بين الكرد والحكومة العراقية وانتهت باتفاق تاريخي 11-03-1970 عُرف ببيان والذي كان بدعم مباشر من صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك. وتم عقد صلح بين طالباني وبارزاني واتفق الطرفان على فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما.
المصادر: تلفزيون العربي[1]