=KTML_Bold=مذكرات جلال طالباني.. رحلة الشاب الكردي وصولًا إلى الرئاسة العراقية=KTML_End=
جلال طالباني
=KTML_Bold=مذكرات جلال طالباني – الجزء الثاني تستعرض مجموعة من الأحداث قبل الوصول إلى كرسي الرئاسة العراقية=KTML_End=
أمضى جلال طالباني عقودًا في صفوف المعارضة قبل أن يصبح أول رئيس كردي لجمهورية العراق عام 2005.
فهو اعتبر أن الجهل بحقائق كثيرة عن كردستان وحركة شعبها التحررية وعدم طرح القضية الكردية بشكلها التقدمي هما من العوامل المعيقة لتفاهم جدي بين الأمتين الشقيقتين العربية والكردية.
ففي أواخر الستينيات، انتقل جلال طالباني من جبهات القتال في الجبال إلى النشاطات الثقافية في بغداد.
ويستذكر طالباني في مذكراته كيف عمل في تحرير جريدة النور المدعومة من جناح المكتب السياسي آنذاك وأصدر كتابه “كردستان والحركة القومية الكردية” ليعيد طرح القضية من منظور تقدمي اشتراكي ويحيل أسباب فشل الحركات الكردية إلى العشائرية والرجعية والاعتماد على قرارات الدول الاستعمارية مع إشارات واضحة ضد الملا بارزاني.
اتفاق مارس 1970
لكن إعلان اتفاق مارس/ آذار 1970 كان نصرًا كبيرًا للملا مصطفى فأغلقت بغداد جريدة “النور”، وأنهت دعمها لجناح المكتب السياسي وجلال طالباني. إلّا أن الاستقرار لم يدم طويلًا بين الحكومة العراقية والكرد بقيادة الملا بارزاني.
ويشير الباحث المختص في التاريخ الحديث والمعاصر عمار السمر إلى أنه عندما تم توقيع بيان مارس/ آذار 1970 بين الحكومة العراقية والملا مصطفى البرزاني كانت هناك فترة انتقالية جرت خلالها أحداث أدت لفشل الاتفاق والعودة إلى الحرب. ويقول السمر: “الأكراد يقولون إن صدام حسين والحكومة العراقية لم يكونوا جادين وصادقين في تنفيذ الاتفاق، أمّا الحكومة العراقية فتقول إن الأكراد كانوا يجرون اتصالات مع أطراف خارجية ولا سيما إيران”.
مذكرات جلال طالباني.. كيف بدأ مسار الأكراد في السياسة العراقية؟
ورغم إعلان المصالحة بين المكتب السياسي وبارزاني، إلّا أنها لم تنجح في ردم الهوة بين الطرفين، إذ تم تهميش طالباني ورفاقه ولم تعد العلاقات إلى سابق عهدها.
=KTML_Bold=الخروج من العراق=KTML_End=
وعلى إثر ذلك اجتمع أعضاء المكتب السياسي وقرروا حل أنفسهم وأرسل طالباني عام 1972 إلى الملا بارزاني رسالة يخبره فيها برغبته في مغادرة العراق.
وبحسب رئيس مؤسسة جلال طالباني محمد صابر، فقد قبل بارزاني أن يخرج طالباني من العراق لأن زوجة جلال كانت مريضة وأصبح عضوًا في لجنة العلاقات الوطنية العربية للحزب الديمقراطي الكردستاني ومقره القاهرة.
وفي القاهرة، كان جلال طالباني يتابع أخبار الحرب الدائرة في جبال كردستان ويراقب تطورات المفاوضات الإيرانية العراقية والتي بدأت تتسارع خطواتها، إذا كان قطع الدعم الإيراني عن الحركة الكردية من أولويات الحكومة العراقية وبدا أن التفاهم مع الشاه أكثر قربًا لبغداد. فتحرك طالباني للبحث عن مصادر دعم بديلة لمنع انهيار الحركة الكردية.
اتفاق الجزائر وانهيار الحركة الكردية
وفي 06-03-1975، وقّع كل من الشاه محمد رضا بهلوي وصدّام حسين نائب الرئيس العراقي ما عُرف باتفاقية الجزائر والتي كان من نتائجها المباشرة توقف الدعم الذي كانت تقدمه إيران إلى الكرد.
انهارت قوات الحركة الكردية بأسرع مما كان يتصوره طالباني. وتوقف القتال تمامًا نتيجة عجز البشمركة عن الاستمرار بالإمكانات المتاحة.
وصدم الانهيار المفاجئ طالباني الذي رفض الرضوخ للأمر الواقع واعتبر أن البارزاني أخطأ في قرار إيقاف القتال. ورأى أن الواجب إعادة إحياء الحركة الكردية المسلحة.
=KTML_Bold=الدعم السوري=KTML_End=
وكتب طالباني في مذكراته: “لقد وفقت في إقناع السوريين وأبدوا استعدادهم لدعمنا والتقيت بالليبيين وأبدوا بدورهم استعدادهم للمساعدة. والتقيت بالروس ودعوني إلى زيارة موسكو”. وأضاف: “عقدنا في دمشق اجتماعًا وأعددنا مسودة البيان الأول لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني وكلفوني بكتابتها. وفي 22-05-1975 التقينا بمقهى طليطلة بدمشق وقررنا أن نعلن البيان”.
وسعى طالباني لإعادة الروح لقوات الحركة الكردية المنهارة وعاد بنفسه في أغسطس/ آب 1977 إلى كردستان العراق من أجل قيادة العملية العسسكرية. إلّا أن تحركاته اصطدمت بقطب الحركة الكردية الآخر.
ويروي جلال طالباني كيف كانت حادثة هكاري نقطة تحوّل في موقفهم ضد هجمات البارزاني ضدهم، إذ سقط فيها 700 قتيل من عناصر الاتحاد الوطني بعد عدد من الهجمات التي بدأت منذ اللحظة الأولى بحسب روايته.
وعام 1979، توفي مصطفى بارزاني قائد الحزب الديمقراطي الكردستاني وخلفه من بعده ابنه مسعود في قيادة الحزب.
=KTML_Bold=الثورة الإيرانية=KTML_End=
وفي العام ذاته، وصل الخميني إلى طهران لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين جلال طالباني وإيران بعد سقوط الشاه.
ويقول طالباني في مذكراته: “الثورة الإيرانية كانت بالأساس انتفاضة شعبية عارمة تفجرت بسبب الغليان الشعبي ونحن قدمنا المساعدة بحسب إمكاناتنا. وكنت أنا السبب في تعرف الخميني بالليبيين وكانت النتيجة أن مدّت ليبيا حركة الإمام بملايين الدولارات. وفي الوقت ذاته، عرّفت رفاق الإمام الخميني بالجناح اليساري لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي قدّم بدوره دعمًا كبيرًا لهم. وكتبت رسالة شخصية إلى الخميني، وأبدينا كل استعداداتنا لمساعدتهم في تحقيق النصر، حتى أننا أبلغناهم باستعدادنا لإرسال قوات البيشمركة لمساندتهم”.
=KTML_Bold=الحرب الإيرانية العراقية=KTML_End=
ولم يمض عام واحد حتى اندلعت الحرب الإيرانية العراقية، فسقط مئات الآلاف من الضحايا وشهدت المنطقة صفحات من الكر والفر بين الجيشين.
وكان صدام حسين يخشى تحوّل العلاقة الكردية الإيرانية إلى كابوس عسكري جديد فأراد تثبيت الجبهة الداخلية بإطلاق مفاوضات مع الأكراد عام 1983. وحرص طالباني على تسجيل تفاصيل تلك المفاوضات التي امتدت لعدة شهور.
ورغم أن الطرفين قطعا شوطًا كبيرًا للحصول على اتفاق جديد يشمل حتى مدينة كركوك المتنازع عليها إلّا أن جلال طالباني يروي كيف أن الضغوطات الخارجية منعت من إتمام الاتفاق. وأعلن في أوائل عام 1985 عن فشل المحادثات. ولم ينته العام حتى بدأ الاتحاد الوطني بالتنسيق مع الإيرانيين الذين تطورت العلاقة معهم إلى حد التحالف ضد بغداد.
وشهدت أواخر الحرب الإيرانية العراقية عددًا من الانتهاكات الحقوقية ضد المواطنين الأكراد. وكان جلال طالباني أحد أبرز الفاعلين آنذاك إلّا أن مذكراته خلت من تفاصيل هذه المرحلة.
=KTML_Bold=الانتفاضة الكردية=KTML_End=
وتنتقل المذكرات إلى عرض تفاصيل الانتفاضة الكردية عام 1991 التي تلت الغزو العراقي للكويت.
فبعد سيطرة قوات الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال طالباني على مدينة كركوك، شنّت قوات الجيش العراقي حملة عسكرية تجاه مناطق الأكراد وانتهت العملية باستعادة بغداد سيطرتها على المدينة. وكان الأهالي يتخوفون من وقوع عمليات انتقامية ضدهم ما أدى إلى هجرة مئات الآلاف من الأكراد باتجاه الحدود العراقية التركية.
وشكّلت الهجرة أزمة عالمية متصاعدة انتهت بقرار مجلس الأمن رقم 688 الصادر في أبريل/ نيسان 1991 والذي شكّل الأرضية الذي استندت عليها دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية من أجل حظر الطيران في العراق شمالًا وجنوبًا.
=KTML_Bold=جولة مفاوضات مفاجئة=KTML_End=
وفي بغداد، بدأت جولة جديدة من المفاوضات. وتفاجأ العراقيون آنذاك بلقطات تظهر جلال طالباني مع صدام حسين رغم سنوات القتال والاتهامات المتبادلة. لكنها انتهت بالفشل كسابقاتها.
ويذكر طالباني في مذكراته: “في المحصلة، أستطيع القول بأن صدام حسين كان جلادًا وديكتاتورًا لا مثيل له، فلم يبال بأي شيئ لا بشعبه ولا بثروات بلاده ولا حتى باستقلالية وطنه، كان كل همه هو البقاء في السلطة وكان قاتلًا فريدًا من نوعه عبر التاريخ. فلم يتوان للحظة عن قتل مئات الألوف من البشر ودفنهم أحياء. أعتقد أن حتى هتلر لم يفعل بشعبه مثلما فعل صدام حسين”.
=KTML_Bold=اتفاق إيرلندا=KTML_End=
وكانت شرارة الاقتتال الداخلي نتيجة نزاع محلي في ربيع عام 1994 وأدت الاشتباكات والمعارك إلى سقوط مئات القتلى وتشريد الآلاف. حاولت وساطات دولية عديدة إيقاف الحرب المتقدة وجمع الطرفان في سبتمبر/ أيلول 1995 في إيرلندا. وكانت أهداف الاتفاق هي تجريد أربيل من السلاح وتوزيع الموارد المالية وتفعيل برلمان الإقليم وتشكيل حكومة جديدة للإقليم. لكن طالباني يذكر أن سبب فشل الاتفاق كان بعيدًا تمامًا عن البنود الأساسية للاجتماع.
ويقول طالباني: “في دبلن حصل اتفاق، ولكنني أعتقد بأننا أخطأنا وأتحمل مسؤولية هذا الخطأ، لقد طلبت منا أميركا وبريطانيا وتركيا أن نصف حزب العمال الكردستاني بالمجموعة الإرهابية وبالطبع كان البارتي يقول ذلك وطبعًا نحن رفضنا ذلك. أغرانا الأميركيون بوعود كثيرة ومعهم بريطانيا وتركيا”.
=KTML_Bold=الصراع على أربيل=KTML_End=
وفي عام 1996، تمكنت قوات الاتحاد الوطني الكردستاني من السيطرة على أربيل معقل الحزب الديمقراطي، فاستعان مسعود بارزاني ببغداد لاستعادة أربيل. وفي 31 أغسطس/ آب، انطلقت قوات الحرس الجمهوري العراقي للسيطرة عللى المناطق. وخسر الاتحاد الوطني مناطقه التقليدية من السليمانية حتى الحدود الإيرانية.
ويروي طالباني كيف كان موقف الأميركيين من تدخل القوات العراقية في الإقليم. ويقول: “كان خطؤنا القاتل هو تصديق موقف أميركا من دون أن نحسب الحساب لاحتمالات عدم حصول الضربة. ولو تأكدنا بأنها لن تضرب لكان بإمكاننا حينها أن نضع خططًا بديلة أقوى مما وضعناها”.
وبحسب رئيس مؤسسة جلال طالباني محمد صابر، فإن أميركا كانت ضد القتال ومع المصالحة وشكلوا لجانًا في الداخل والخارج من أجل القيام بمفاوضات بين الطرفين”.
ومع انسداد الأفق أمام مصالحة ثنائية بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وبعد 4 سنوات من القتال المرير من دون الوصول إلى نتيجة حاسمة، يروي طالباني كيف ضغط الأميركيون من أجل تحقيق السلام ووقف القتال.
أول رئيس كردي للعراق
ثم تنتقل المذكرات إلى مرحلة الغزو الأميركي للعراق، إذ يستذكر جلال طالباني دوره إبان التحضير للغزو والمحادثات التي جرت حول طريقة إدارة الدولة لاحقًا. ويروي أنه دُعي في أبريل/ نيسان 2002 برفقة مسعود البرزاني إلى أميركا وأبلغا عن استعداد أميركا للتعاون على شرط أن يؤسس في العراق نظام ديمقراطي اتحادي.
وقال طالباني في مذكراته: “أستطيع القول وهم يعترفون بذلك بأنه من بين جميع القوى المعارضة العراقية والكردية، انفرد الاتحاد الوطني بالتعاون الجدي والمثمر. وأنه القوة الجادة في معارضتها لنظام صدام، ولذلك تعاون بمثل تلك الروحية مع أميركا لإسقاط النظام”.
وبعد سقوط صدام عام 2003 انتُخب جلال طالباني عضوًا في مجلس الحكم. وفي عام 2004، ترأس مجلس الحكم بنفسه. وبعد اعتماد قانون إدارة الدولة وإعلان العراق دولة فدرالية كما كان طالباني يطمح دائمًا، تم انتخابه في أبريل/ نيسان عام 2005 من قبل الجمعية الوطنية العراقية كأول رئيس كردي لجمهورية العراق.
ويوضح عبد الرحمن درويش أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوران أن طالباني حاول تطبيق أفكار مغايرة عن ما كان يقوم به أو يدعو إليه، لكنه يؤكد أن لطالباني بصمة في الحياة السياسية الكردستانية والعراقية بشكل عام.
المصادر: العربي[1]