=KTML_Bold=اغتراب المثقف الكردي=KTML_End=
بقلم الكاتب والناقد : #خالص مسور#
ما ذا نعني باغتراب المثقف؟
هل يعني الانعزال الاجتماعي والسياسي؟
أم انه حالة مرضية تخص حالة اللامبالاة والأنانية أو الانتهازية والتقوقع والتمركز حول الذات؟
ذاك ما يمكن ان نستشفه من خلال دراستنا التحليلية لواقع المثقف الكردي في حالته الراهنة. يعرف ت.س. اليوت الثقافة بأنها: (طريقة حياة شعب معين، يعيش معاً في مكان واحد. وتظهر هذه الثقافة في فنون أبناء هذا الشعب، وفي نظامهم الاجتماعي، وفي عاداتهم وأعرافهم، وفي دينهم).
وإن عدنا إلى المثقف الكردي فلا نشك بأنه يعاني اليوم حالة اغتراب ثقافي عميق الغور، فينأى عن القيام بواجبه تجاه قضايا قومه وشعبه.
وهو ما يشير في حالتنا الكردية الراهنة إلى ضعف إرادة هذا المثقف وعدم المقدرة على التفاعل مع محيطه ومجتمعه والتأثير فيهما، ومن ثم الوصول إلى العجز والاستسلام، بل شكل هذا المثقف الانتهازي عبئاً إضافياً على ما يعانيه الكرد من قلق على الوجود والمصير، ولم يتسن له حتى التغني بأمجاد الانتصارات الملحمية التي يسطرها قوات الحماية الشعبية الكردية والبيشمركة، لا بل بدأ يسير ضد التيار ويقوض معنويات الأفراد والشعب بمسلكه الانعزالي والمتقوقع، وينتقد ويذم خلالاً وخصالاً ما هما بحاجة إلى الإطراء والمديح.
لكن الاغتراب قد يكو إيجابيا بالنسبة لبعض المثقفين، لأنهم يرون في اعتزال المجتمع نأي بالأنفس عن أصحاب الجاه والنفوذ، ونوع من التجرد والأمانة والاخلاص، وبذلك يكون الشخص المغترب هو ذاك الشخص الذي ينتابه الهاجس بالغربة عن المجتمع أو المؤسسات الاجتماعية أو الوجهاء والمسؤولين الذين يديرون الدولة أو المجتمع، أي يكون المثقف المغترب ناقدا ورافضا لمجتمعه، وقد يكون اغترابه ناشئ عن ذهنية المثقف الذي يلجأ إلى التحول نحو مصالحه الشخصية والترفيه واتساع أفقه والتفكير بما هو مستقبلي وقادم .
وفي كثير من الحالات ينشأ الاغتراب عن حالة من الانفصام أو العزلة أو التذمر من شيء معين، وبالتالي تجنب هذا الشيء والابتعاد عنه، يقول (سكلير): (لكي يشعر المرء بالاغتراب عن أوضاع المجتمع فانه يجب أن يفهم ديناميات ونتائج التفاعل الاجتماعي، ولكن عددا قليلا من أفراد المجتمع هم الذين يمكنهم أن يفعلوا ذلك).
وكتعريف مقتضب عن حالة الاغتراب نقول: بأن الشخص يصبح غريبا عن شخص معين أو ظاهرة معينة، بعدما كان يرتبط به بشكل حميم. ولكن الحقيقة أن الغموض والاستعمال المزدوج يتناوبان هذا التعبير، فإما أن يكون المثقف عيون مجتمعه أو ضمير أمته وصدى صوتها المدوي، أو يكون بالعكس عين أعمى لا ترى وأذن صماء لا تسمع، يقف موقف المتفرج على ما يجري حوله من أحداث وكأن شيئا لا يعنيه مما يحدث، وهذا هو المثقف المغترب السلبي بدلاً من مثقف كرامشي العضوي.
وهذا حال المثقف الكردي على العموم ونعني به اغترابه عن المجتمع أو عن الآخرين والشعور بالتجرد وعدم الاندماج الفكري والنفسي مع المجتمع وثقافته التي قد يراها متخلفة عن العصر، وانعدام ظاهرة النقد كما تغلب على ذهنيتها الانفصال بين النظرية والممارسة، أي اغترابi عن الساحة العالمية من حيث التقدم المعرفي والعلمي، واغترابه عن سويتهم المحلية الاجتماعية وهذا يعود إلى عدة أسباب منها:
1 – الاغتراب الذي جاء لحظة دخول الجيوش الإسلامية بلاد الكرد، حينها عمد فقهاء الإسلام على محو الثقافة الكردية التي اعتبروها مثنوية مناقضة للإسلام، وإقصائهم الكثير من الخصوصية الكردية ومنها الخط الكردي، والديانة الزرادشتية، والكثير من العادات والتقاليد التاريخية الراسخة، مما أسفر عن اضمحلال القسم الأكبر من الثقافة الكردية الأصيلة والذاكرة الجمعية الكردية.
2 – الدول القوموية الحديثة التي سيطرت على مقدرات كردستان ومحاولاتها المستدامة إلى تفكيك الثقافة والخصوصية الكردية وتحويلهما الى ثقافات وهويات مستعارة، في سعي منها لصهر ودمج الكرد في بوتقة ثقافاتها الفارسية والتركية والعربية، ومنع الكرد من التدريس بلغتهم الأم، ومنعهم من التوجه نحو فولكلورهم وعاداتهم وتقاليدهم التاريخية، وهو ما أدى إلى انقطاع المثقف الكردي عن حاضنته الاجتماعية وترسيخ حالة من الاغتراب الثقافي العميق، والهروب عن الحقائق وحالة من الانهزامية والعجز، وعلى حد (ميلز) الذي يرى: بأن الاغتراب يعبر عن حالة انهزامية، كما أنه يمثل نوعاً من انهزام المرء أمام أهوائه وشهواته، ونقص الإرادة السياسية لديه.
3 – العولمة المحلية والخارجية والتي ساهمت في ترسيخهما بعض الأحزاب الكردية الكلاسيكية نفسها التي تبنت في برامجها إيديولوجيات حداثوية خارجية، في ظل غياب الذهنيات الملائمة للشكل الذي أدخلت فيها إلى المجتمع الكردي. وارتكزت العولمتان بالأساس على محو الثقافات المجتمعية الكردية، وصولاً إلى تجريد الكرد من هويتهم الوطنية. والعولمة المحلية ونعني بها كل موبقات الدولتية القوموية للسلالات الحاكمة في كردستان، أما على صعيد العولمة الخارجية فالثقافات الواردة تعتبر عوامل وآليات تدمير وشطب للثقافات المحلية واستبدالها بثقافة العولمة الرأسمالية ذات المضمون والجوهر الاستهلاكي.
4 – تجزئة كردستان موطن الكرد في اتفاقيات سايكس بيكو أيار 1916م. مع ما خلفته من حالة تفكك المجتمعات الكردية وتبعيتها للدول المركزية القوموية المتحكمة بمقدرات البلاد والعباد، وهو ما يعتبر كأحد أهم أسباب حالة الاغتراب الثقافي الكردي اليوم.
5 – عدم وجود وسائل نشر كردية ينشر من خلالها المثقف الكردي نتاجاته، وإن وجدت فقد تنشر في غاية السرية والحذر، بينما الطريق إلى وسائل النشر العربية مسدودة أمامه لأنه كردي لاغير. بالإضافة إلى خوف المثقفين وخاصة ممن يحملون الشهادات العليا وموظفين في السلك الحكومي، من الفصل والطرد من وظائفهم وقطع رواتبهم في حال كتابتهم عن قضايا شعبهم الكردي. ناهيك عن الحظر المفروض على النشر باللغة الكردية حظراً تاماً، بالإضافة إلى قلة ممن يكتبون بالكردية، وقلة القراء بها، فحتى فترة ليست ببعيدة كانت نسبة الأمية بين الكرد بالنسبة للغة الكردية مرتفعة بشكل مثير للغاية.
6– الاغتراب النفسي ويكمن في ترفع الكاتب الكردي عن الكتابة بلغته الأم، ناهيك عن ابتعاده عن قضايا شعبه ومجتمعه، لأنه في هذه الحالة كان يرى أن الكتابة باللغة العربية أو التركية أو الفارسية ستؤمن له مظهر المثقف الحضاري، بالإضافة إلى وفرة القراء بهذه اللغات سواء من الكرد ومن غيرهم، بالإضافة غلى وتوفر الجانب المادي عند نشر النتاجات بهذه اللغات.
وأخيراً نقول: بأن الحلول لظاهرة اغتراب المثقف الكردي تكمن في انتشال هذا المثقف من حالة الاغتراب التي لازمته خلال سني المنع والقمع، والعمل على نشر فكرة الحرية بين أوساط الشباب والمثقفين الكرد للحد من سيطرة الفكر الديني المتشدد على مجتمعاتنا الكردية، والعمل على البدء بمشروع ثقافي يدعو إلى رفض الواقع المعاش، والسير نحو التغيير الشامل الذي ستساهم به الجماهير الشعبية بكافة فئاتها وطبقاتها، وضرورة امتلاك المواطن الوعي النقدي بجرأة واقتدار، ونشر ثقافة حب الوطن والمقاومة ضد كل أشكال التسلط والاغتراب والتجزئة والحدود القائمة، واعطاء دور فعال للمرأة للقيام بواجباتها التاريخية في بناء صرح الوطن، والعمل على توحيد الصف الكردي وتشكيل مؤسسة أو مرجعية سياسية تكون حاملة لمشروع التغيير، وقادرة على قراءة راهنية المأزق الثقافي الكردي.
المصدر:
http://www.welateme.net/
[1]