تقرير/ شيار كرزيلي –[1]
روناهي/ الشهباء عفرين مصدر إلهام لأغلب الفنانين والمبدعين وهي منارة يستلهمون منها ما ينير عتمة حياتهم ليكونوا بذلك أصحاب الريشة والقلم المنير، ومن هؤلاء الفنان الصغير بسنه والكبير بفنه وإبداعه ابن عفرين الرسام جميل عبدو الذي رسم كل ألوان الكون بريشته.
مقاطعة عفرين التي تعرف بجمالها وفنها وتراثها الغني عن التعريف وقِدمها الذي يضرب في أعماق التاريخ وتعاقب الحضارات التي مرت على أرضها؛ اكسبتها ميزة فريدة وجعلتها مركزاً للمعارف والعلوم والثقافات والفنون لتكون مصدراً للإلهام, فالتنوع الطبيعي الخلاب من الهضاب والتلال والجبال المكسوة بالأشجار وكثرة الينابيع ومرور نهر عفرين ونهر الأسود جعلتها مدينة تمتاز بجمالها الطبيعي.
وعلى الرغم من تعرضها للغزوات والحروب إلا إنها تركت ورائها إرثاً حضارياً متنوعاً جعلتها مميزة يحسدها الحاسدون، فتلك الحضارات خلفت ورائها المئات من القصور والقلاع التي تكسو جدرانها وقاعاتها الصور والمنحوتات الفنية وقصص مكتوبة تتحدث عن البطولات والأمجاد، فمقاطعة عفرين تمتلك العديد من المواقع الأثرية من القلاع والقصور والمباني والأسوار الجميلة التي كانت تحافظ على جمالها قبل احتلال الدولة التركية لها، فكانت تلهم بدورها الفنانين والشعراء للإبداع من جديد.
مجمل هذه الصور تترك في ذاكرة الإنسان مكان لا ينسى كما تترك في مخيلة المتلقي أثراً يجعله يبني عليه الكثير من الأماني وتجعله يسعى لاكتشاف الجمال ويمحص عنه عن طريق الفنون والتدوين. فشخصية الفنان تقوم بتحويل الجمال إلى شيء فني ملموس أو مسموع أو مرئي.
الطبيعة الخلابة مصدر للإلهام
أنجبت بيئة عفرين والثقافة المتوارثة فيها المئات من الفنانين على جميع الاصعدة منهم عازفي الطنبور والمزمار (الزرناية) والناي والصبا والغناء والرقص الشعبي فعلى سبيل المثال هنالك أكثر من سبعة عشر رقصة شعبية (فلكلورية).
ومن ناحية الفن التشكيلي؛ توارثت عفرين الفنون من الأجداد إلى الأحفاد؛ فكان هنالك من يقوم بنحت الشخصيات والرموز كما نشط فن الرسم في الخمسينيات من القرن الماضي مع العلم بأنه كان متواجد قبل ذلك بكثير لكن بشكل ضئيل، فكل هذه الصور الهمت العديد من الشخصيات بأن يمتلكوا ريشة الرسام ليبدعوا ومن هؤلاء الرسامين (محمد علي، أمل أيبش، محمد عثمان، وزكريا عثمان، سيبان فيو، عبد الرحمن محمد، حنيفة محمد سلمان، ونجاح محمد سلمان، دلشا قرة جول، رشاد يوسف، رندة حسين، صلاح الدين محمد، عيدو حسين، أحمد قليج، شيرزاد عفريني، شريهان بكلور، أصلان معمو، رقية حسكو، وعبد العزيز كدرو) وغيرهم الكثيرين.
من هو جميل نوري عبدو؟
ومنهم الفنان الصغير جميل نوري عبدو البالغ من العمر تسعة عشرة ربيعاً، حيث ولد في العاشر من شهر تشرين الأول عام 2000م، في مدينة عفرين، عانى من المرض منذ ولادته وكان مرضه نقص في الوزن وطراوة في العظام؛ مما جعله يعاني من ضعف في الحركة. وعلى الرغم من المرض لم يستسلم، بل قام بالدراسة، حيث انضم إلى المدرسة الابتدائية وتأثر بالرسم منذ نعومة أظافره وتأثر بأخيه محمد الذي يكبره في العمر وكان يرسم الأزياء لأنه كان مصمماً.
درس جميل عبدو الابتدائية في عفرين وشارك بمسابقات الرسم المدرسية وحاز على جوائز مدرسية عديدة ونال الجائزة الأولى في الرسم بفترة الإعدادية كما شارك في العديد من المسابقات المدرسية وحاز على المرتبة الأولى في جميع مشاركاته لأنه كان يملك أرضية فنية، وفي فترة الإعدادية حاول الانتساب لدورة الرسم إلا أن الأوضاع المادية للعائلة لم تساعده في ذلك الوقت فوالدته فاطمة لم تشجعه بسبب الأوضاع المادية ولم تقدر على مساعدته في الانتساب إلى الدورة. وفي لقائنا مع الفنان جميل نوري عبدو؛ حدثنا قائلاً: “لم تكن أوضاعنا المادية ميسورة الحال ولهذا السبب لم أستطع الالتحاق بالدورة مع أني كنت أعشق الرسم، وبعد سفر أخي للعمل في الخارج لم يبقَ أحد يقف بجانبي ويساعدني؛ ولهذا السبب انقطعت عن الرسم لعدة سنوات وبعد عودة أخي لعفرين وفي فترة الثانوية شجعني وأيقظ الوحش الذي كان صامتاً في داخلي من جديد؛ فكان يتعاون معي من أجل عودتي للرسم. وقام أخي بمساعدتي لانضم إلى الدورة عند الفنان “أصلان معمو فتعلمت أسلوب التظليل والمنظور؛ أي الابعاد في الرسم وقد تعلمته من أخي وكان الأستاذ يلاحظ لديّ هذا الشيء فتخطيت المراحل بسهولة وسرعة واصبحت ارسم مع التلاميذ الذين انضموا إلى الدورة قبلي بعام مع العلم أنني لم أخبره عن معرفتي بأساسيات الرسم، فتعلمت منه الكثير من الامور مثل كيفية خلط الألوان وتشريح الوجه والهيكل العظمي والعضلات كما قمت برسم 22 لوحة في فترة انضمامي للدورة ومنها الكلاسيكية والفلكلور والطبيعة الصامتة والطبيعة الحية والفن التعبيري كما لي لوحات تظهر فيها كبار السن من التراث الكردي مع لباسهم والمرأة فهنالك العديد من اللوحات التي تظهر فيها المرأة التي تعني الحياة والثورة والقوة”.
لوحات تُعبّر عن جوهر المكنونات
وأشار عبدو إلى رمزيات لوحاته قائلاً: “أما الحصان فهو يشير إلى الثورة والجمال والأنوثة وهي عبارة عن ثورة روج آفا وفلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي مجّد المرأة وجعلها في الريادة بجانب الرجل، ففي الحصان الكثير من الخصال مثل الحنان والجمال والقوة الصدق وله علاقة بالفروسية، أما عن الادوات التي كنت استعملها فقمت باستخدام قلم الرصاص والفحم والباستيل والألوان المائية والزيتية. وشاركت في العديد من المسابقات والمعارض ومنها مهرجان الثقافة الذي أُقيم بعفرين وتم تكريمي على مستوى رفيعٍ في الرسم من ناحية الالوان واختيار الموضوع، حيث شاركت بعشرة لوحات والأن أسعى لفتح مرسم ومعرض خاص ولي الآن العديد من اللوحات التي اعمل عليها والتي تتحدث عن مأساة العصر والمقاومة والمرأة التي تعني المقاومة والانتصار”.
واختتم الفنان جميل نوري عبدو حديثه عن أهمية الفن التشكيلي؛ قائلاً: “الفن يوائم العصر ويطرح الأفكار للمستقبل كما يظهر جمال ومأساة الحياة ويعطي الأمل فلولا الفن لما بقي الأمل”.