روناهي/ منبج
عبّرت عضوات من حزب سوريا المستقبل في مدينة منبج وريفها، عن اعتزازهنّ بالمواقف البطولية، التي أبدتها الشهيدة هفرين خلف في سبيل أن تكون سوريا حرة ديمقراطية، وهذا يتضح في سعيها الحثيث في تطوير الحراك السياسي النسوي في شمال وشرق سوريا، وفي دورها المؤثر والمهم، بعد استشهادها، حيث اُتُّخِذت نموذجاً لكل امرأة حرة طموحة، تسعى لتمكين ذاتها، وتحقيق أهدافها المسلوبة.
واستشهدت هفرين خلف مع سائقها، وأحد مساعديها في 12 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، مع ستة مدنيين على الطريق الدولي ال m4 شمال وشرق سوريا، إثر هجوم لمرتزقة “أحرار الشرقية” عقب تسلل مجموعة منهم بغطاءٍ جويٍ تركي إلى عمق الأراضي السورية، خلال عدوان الاحتلال التركي على مديني سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض.
وكانت الشهيدة هفرين خلف انتخبت، فشغلت في ربيع عام 2018 الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، بينما شغلت قبل ذلك في صيف عام 2014 نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الطاقة، قبل أن تصبح الرئيسة المشتركة لهيئة الاقتصاد في مقاطعة الجزيرة آنذاك (إقليم الجزيرة حالياً).
وفي هذا الصدد، أجرت صحيفتنا “روناهي” استطلاعاً للرأي مع عضوات لحزب سوريا المستقبل في مدينة منبج وريفها، حول رؤيتهن بذكرى استشهاد الشهيدة هفرين خلف، وفق المحاور الآتية: أسباب اغتيالها، وتأثير استشهادها على الحزب والمجتمع أيضاً، وفق الشكل الآتي:
أثر الفراشة
بداية، قالت العضوة في المجلس العام في حزب سوريا المستقبل، هند داغستاني، إن الشهيدة هفرين شغلت عدة مناصب منها، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، مؤكدة أن استهداف مرتزقة الاحتلال التركي لهفرين، كان لاعتبارات تتعلق بشخصيتها السياسية البارزة.
ونعى حزب سوريا المستقبل الشهيدة، هفرين خلف في بيان، قال فيه: “بحزنٍ شديدٍ، يأسف حزب سوريا المستقبل على استشهاد المهندسة هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، بينما كانت تقوم بواجباتها الوطنية والسياسية. وأضاف أن: “شخصيتها لطالما كانت تدعو للحل السلمي في سوريا، والوصول بها إلى السلام لتكون من أوائل النساء المنضمات لحزب سوريا المستقبل، بما تملكه من قدرات هائلة لا تتوفر إلا بالمرأة السياسية المتميزة”.
ووفقاً ل “هند” فإن شخصية هفرين خلف: “تتسم بالدور الحيوي المؤثر بحل الأزمة السورية، والعمل على تحقيق السلام، لامتلاكها مخزوناً وافياً من الإرادة والقوة، وهو ما منحها الانخراط في العمل السياسي، على الرغم من أن المرأة آنذاك كانت مغيبة، فيما حاولت التصدي للعادات والتقاليد المجتمعية الرافضة لدخول المرأة العمل السياسي بكل قوة وثبات”.
“هند” وصفت الشهيدة هفرين خلف ب “العلامة الفارقة”، مشيرة أن هذه العلامة، هي التي صاغت شخصيتها السياسية وقدرتها على التفرّد، لتتمكن من دخول المعترك السياسي بكل جدارة واستحقاق، وبالأخص بعدما رفعت شعار السلام، والدعوة دائماً إلى الحوار السلمي مع الأطراف كلها، والوصول بسوريا إلى بر الأمان”.
العدالة الغائبة
وشن الاحتلال التركي هجوماً وعدواناً في البر، ومن الجو في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019؛ واستشهد على أثره العشرات من النساء، الأطفال والرجال؛ وتهجير نحو 300 ألف مواطن سوري من ديارهم، واحتلال سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض، ومساحات واسعة حتى العمق السوري ب 32 كم، ولا يزال الاحتلال التركي يحمي القتلة ويحتضن الجناة، الذين ارتكبوا الجريمة بحق الشهيدة هفرين خلف، فيما لا تزال العدالة غائبة عن تحقيق مجراها في المحافل الدولية، إن كان على صعيد الأمم المتحدة، أو منظمات حقوق الإنسان.
ومن الواضح، أن ما حدث من تقدم ملموس في هذه القضية، إنما جاء على مستوى خجول، ولا يليق بحجم المأساة، التي أدمت قلوب محبي الشهيدة هفرين خلف، وخاصة ذووها.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد فرضت عقوبات على مرتزقة “أحرار الشرقية” السورية المسلحة، المتهمة باغتيال الشهيدة هفرين خلف، وجاءت العقوبات ب “فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) عقوبات على مجموعة متنوعة من الأفراد، والكيانات المنظمة في سوريا في 28 تموز من عام 2021، من بينهم؛ مرتزقة “أحرار الشرقية” المدعومة من الاحتلال التركي، والتي نفذت انتهاكات وجرائم واسعة النطاق ضد حقوق الإنسان في سوريا”، وحسب إفادات شهود عيان، فإن مسلحين اعترضوا طريق سيارة الشهيدة هفرين خلف، وأخرجوها بالقوة، وأعدموها رمياً بالرصاص، في حين علق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على حادثة إعدام هفرين خلف ووصفها ب “جريمة حرب محتملة”.
وفي ظل تقاعس منظمات الإنسانية عن تحقيق العدالة، لذوي الشهيدة هفرين خلف، والاقتصاص من قتلتها يحاول مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة، أن يتبنى هذه القضية وتدويلها أممياً، لتقديم الجناة إلى المحاكم ومحاكمتهم حسب القوانين المنصوص عليها وفق القانون الدولي، كما وانبرى بعض المحامين؛ لتبني قضيتها والعمل على إيصال هذه الدعوى إلى المحاكم الدولية وتحقيق العدالة، كما وسافرت والدة الشهيدة هفرين إلى أوروبا ومكثت مدة سبعة أشهر في سعيها لتبني المحكمة الأوروبية قضية اغتيال ابنتها الشهيدة، وقام مركز الأبحاث، وحماية حقوق المرأة بحملة جمع التواقيع، حيث وقّع عليها ما يقارب 500 محامٍ، ومنظمات مدنية، ودولية ومحلية، كرسالة إلى محكمة الجنايات لمحاسبة هؤلاء المجرمين.
نضالها نضالنا
بدورها، تحدثت الناطقة باسم مجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل في مدينة منبج وريفها، ابتسام عبد القادر عن الأثر الذي تركه استشهاد الشهيدة هفرين خلف: “استشهاد الشهيدة هفرين خلف، ترك أثراً كبيراً في مناطق شمال وشرق سوريا كلها، وعلى مستوى سوريا والعالم”.
وتابعت: “على أثر استشهاد هفرين خلف حدثت انتفاضة وردة فعل قوية، من قبل النساء كافة؛ نظراً لبشاعة الجريمة الوحشية البعيدة عن القيم الأخلاقية والدينية كلها، في وقت الذي كانت تدعو فيه إلى السلام، ورفع مستوى المرأة من الناحية الاجتماعية والثقافية، وتوعيتهن وخاصة من الناحية السياسية”، لافتة: “أن هذا الاغتيال أريد له كسر إرادة المرأة وإنهاء روح المقاومة لديهن”.
وعدّت “ابتسام: “أن نضال الشهيدة هفرين هو امتداد للنضال والمقاومة للنساء، اللاتي أعطين العهد أن يستكملن مقاومة ونضال المرأة في المجتمع، في النواحي كافة، وخاصة في المرحلة المصيرية والحساسة، التي تعيشها سوريا الآن، حيث رأين في نموذج الشهيدة هفرين خلف قدوة وأسوة لهن لأي عمل”.
وحول تطور المرأة في حزب سوريا المستقبل، أكدت ابتسام: “أن استشهاد ياسمينة حزب سوريا المستقبل ساهم في تطوير ملحوظ للمرأة، خاصة في المجال السياسي بانتقال المرأة من العشوائية في العمل إلى خلق تنظيم خاص بهن، ضمن حزب سياسي اعتماداً على توحيد صفوف النساء، وزيادة معرفتهن بأنفسهن، وتوعيتهن من الناحية السياسية لتصير النساء قياديات، وطليعيات في هذه المرحلة الحرجة، وخاصة في مكان صنع القرار”.
وذكرت: “أن سعي حزب سوريا المستقبل ازداد بعد استشهادها تماشياً مع المرحلة المصيرية والحساسة، التي تعيشها المرأة السورية، بعد فقدانها إحدى الرياديات، اللاتي دعون لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية كافة، ولذا تعمل المرأة الآن لاستكمال مسيرتها وتحقيق هذا الطموح لبناء سوريا المستقبل، ديمقراطية تعددية لا مركزية”.
المقاومة حياة
تلا استشهاد الشهيدة هفرين خلف، إقامة العديد من الفعاليات والنشاطات على مستوى شمال وشرق سوريا والعالم، للتنديد بهذه الوحشية، التي استهدفت الشهيدة هفرين خلف، من بينها الحملة، التي أطلقها مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة في سوريا لجمع التواقيع تحت شعار “العدالة لهفرين خلف”، ودعت التنظيمات المدنية والشخصيات السياسية والحقوقية كافة إلى تلبية النداء، والتوقيع على العريضة التي قُدمت إلى الجهات المعنية للتحقيق في ملفها، إضافة إلى ذلك تشكيل لجنة للتحقيق في قضية اغتيال الشهيدة هفرين، وتحويل الجناة إلى المحاكم الدولية، على ارتكابهم جرائم حرب في شمال وشرق سوريا، وخاصة بحق النساء، كما ضمت رابطة حقوق السيدات في التنمية AWID أسماء العديد من النساء العربيات والأمازيغيات، والكرديات ضمن “أرشيف الأمل النسوي” تكريماً وإحياءً لذكرى نسوة غيّرن عالمنا، رحلن وتركن أرشيفاً حياً من الأمل”.
ولم يتوقف النضال إلى هذا الحد، بل سعت المرأة إلى الانخراط في العديد من الأكاديميات والدورات التدريبية، التي حملت اسم الشهيدة هفرين خلف، والتي كانت تعمل من أجل سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية، وتسعى إلى تعزيز المساواة بين المرأة والرجل، وضمان حقوق وحرية جميع النساء بمختلف أعراقهن.
شعلة هفرين متَّقدة
من جانبها، أشارت رئيسة مكتب التنظيم في حزب سوريا المستقبل بمجلس منبج وريفها، آسيا الحسين أن: “استهداف الشهيدة هفرين خلف حدث ضمن مخطط لقتل المرأة سياسياً، واستبعادها من أي دور في المستقبل، فحين يُغتال القادة عادة يسهل على الماكرين تدمير بنية أي هيئة أو شكل أو أسلوب، وبالأخص أنها استطاعت تشكيل حاضنة شعبية للحزب لما ترمز له من عطاء ومحبة كبيرين”.
وعن تأثيرها ضمن الحاضنة الشعبية، قالت آسيا: “هناك محبة متبادلة من قبل الشعب، لأنها كانت دائماً تنادي بالسلام وحل الأزمة السورية ضمن الحوار السوري، ولإيصال سوريا إلى بر الأمان عبر تحقيق طموحات الشعب بالحرية والعدالة، كما نجد أن النساء انخرطن في المجال السياسي، والأحزاب السياسية بكثافة، والمشاركة في المحافل المحلية والدولية، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك”.
وأضافت: “كما بادلت الشعب المحبة، هو الآخر حزن على استشهادها عموم الشعب في سوريا والعالم، لأنهم يدركون حجم المأساة والخسارة، التي فقدها ميدان السياسة، وخاصة المرأة بمثل القائدة والملهمة، فقد حاول الاحتلال التركي من خلال استهدافها تحطيم إرادة المرأة، لكن ما حدث أنهم أخطؤوا البوصلة، وتوهموا كثيراً في نواياهم وأضلوا الطريق بضلالهم المبين، إذ هناك المئات من هفرين خلف الآن”.
واختتمت رئيسة مكتب التنظيم في حزب سوريا المستقبل، بمجلس منبج وريفها، آسيا الحسين حديثها بالقول: “نحن في حزب سوريا المستقبل، كل سنة نحيي ذكرى استشهادها من خلال العديد من الأنشطة والفعاليات، ولا شك هذه الفعاليات تختلف من منطقة إلى أخرى، أما في ذكرى استشهادها بهذه السنة تم تجهيز معرض رسم، وأمسية شعرية على الرغم أن هذا أبسط ما يمكن تقديمه أمام حضرة شخصية سياسية لن تنسى أبداً”.
تجدر الإشارة أن مجلس مدينة ليون الفرنسية صوّت على تسمية الساحة الواقعة في حي “Guillotiere” باسم “ساحة هفرين خلف”، كما ونظم مغردون على تويتر (هاشتاغ تركيا تقتل هفرين خلف)، وأسمت نساء ديرك مواليدهن الجدد باسمها كذلك؛ تيمناً بها أيضاً.[1]