الكورد الفيليون في حوار قناة دجلة الفضائية حول مشروع قانون الجنسية العراقية
لا نريد هنا مناقشة مشروع قانون الجنسية العراقية الذي أثار الكثير من اللغط خلال الأيام القليلة الماضية بإستفاضة رغم أهميّته القصوى، ولا مناقشة ما جاء على لسان من إستضافتهم القناة من خلال برنامج ” بصراحة”. حول الأهداف غير المعلنة للقانون المراد إقراره على ما يبدو من قبل الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، والتي هدفها هو التغيير الديموغرافي في البلاد لصالح الرعايا الإيرانيين والذي هو في الخاتمة إمتداد لصراع طويل بين الصفويين والعثمانيين، للسيطرة على العراق ومقدراته من خلال العامل المذهبي. هذا الصراع الذي كان عليه أن ينتهي مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، بإقرار مبدأ المواطنة وإلغاء ما يسمى بمبدأ التبعية، هذا المبدأ الذي جعل العراقيين رعايا إيران وتركيا ببلدهم!!، فالعراقي الشيعي بشكل عام كان من التبعية الإيرانيّة ” فارسي”، والعراقي السنّي بشكل عام أيضا كان من التبعية العثمانية ” تركي”!! ومن خلال هذا القانون الغريب والذي لا يوجد مثيل له في العالم بأجمعه تقريبا، يكون العراق كبلد لا يملك مواطنين أصليين!! لكن ونحن نبحث عن أمن بلدنا وإستقراره ومستقبله وتحرره من الهيمنة، سواء كانت دولية أو إقليمية، علينا أن نقف الى جانب الآراء التي تتخوف من تبني القانون وإقراره، والذي سيصبّ حتما في مصلحة إيران، التي جعلت من الأحزاب الشيعية مطية لها لتنفيذ سياساتها في بلدنا الذي بدأ يفقد مفهوم الدولة منذ نيسان 2003 ولليوم. فالقانون المزمع مناقشته وإقراره، يعتبر جريمة كبرى بحق العراق وشعبه، وبوابة كبيرة لتجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين إن لم يكن أكثر، وما الى هذا التجنيس من تداعيات كبيرة على الواقع الديموغرافي للبلاد، والتأثير الكبير على الميزان السياسي في كل إنتخابات، خصوصا ونحن نعتمد مبدأ المحاصصة الطائفية في إدارة ” الدولة”. فهل تبنّي وإقرار القانون من قبل الأحزاب الشيعية هو رد فعل على التسهيلات التي كان يقدمها النظام البعثي “القومي العروبي” للعرب السنّة من مختلف البلدان العربية للحصول على الجنسية العراقية وقتها!؟ فإن كان الأمر كذلك فهذا يعني، إن الفشل الذي رافق القوميين والبعثيين في بناء مجتمع متجانس ومتصالح مع نفسه من خلال إقرار مبدأ المواطنة، هو نفس فشل القوى الشيعية في بناء نفس المجتمع. وبالتالي فأن فكرة القومية العربية، والفكرة الإسلامية التي جاءت على أنقاضها، لا يستطيعان بناء وطن بالمرّة، وأكبر دليل على فشلهما هو ما نعيشه كمأساة على مختلف الصعد اليوم.
لقد كان من ضمن مَنْ إستضافتهم القناة في برنامجها بتأريخ ” 14/3/2019″ و” تحت مسمى “باحث” في الشؤون العراقية، السيد “رعد هاشم كاظم”، ولا ندري إن كانت القناة قد أسبغت عليه هذه الصفة، أم أنّه يقدم نفسه ك” باحث”، وليس محلل أو متابع سياسي!؟ فالباحث هو من يمتلك أدوات التحليل العلمية، والتي تعتمد في الموضوع الذي يتناوله على أمور عدّة أهمها هو إعتماده على الظرف الزمكاني في الموضوع الذي يتناوله، وهذا المفهوم يجد مكانا له في مناهج البحث لمادة العلوم السياسيّة، تحت باب المنهج التأريخي، والذي يشير من خلال الدراسة العلمية الى أنّ بحث قضية ما لا تكتمل دون العودة لجذورها التأريخية. فهل عاد “الباحث” هذا الى الجذور التأريخية لمشكلة الجنسية العراقية، قبل أن يدلو بدلوه في أعقد مشكلة واجهت وتواجه شعبنا لليوم!؟ وهل “باحثنا” هذا ذو نظرة محايدة تجاه عراقية الكورد الفيليين من عدمها وإتهامهم بنقل أسرار البلد لإيران كما يدعي، والتي هي ” الحيادية” ركن أساس من أركان البحث السياسي أو العلمي الرصين؟ وهل إعتمد على جداول إقتصادية رسمية، وهو يتناول قضية رأس المال الوطني ودوره في الدورة الإقتصادية للبلاد؟ وهو يتهم بشكل ساذج الكورد الفيليين إستصغارا وإستهزاءا كونهم ” عمّالة” عند اليهود العراقيين قبل تهجيرهم، والذي قاله ” الباحث” بنفس عنصري مليء بالحقد والكراهية والعنصرية، بهيمنتهم على سوق الشورجة كمركز تجاري. علما أن التجار الكورد الفيليين إستثمروا أموالهم داخل الوطن كجزء من البرجوازية الوطنية ومساهمتهم في تنشيط الحياة الإقتصادية بالبلد، لذا نراهم يعيشون حياة الفاقة والعوز بعد تهجيرهم الى إيران وسلب ممتلكاتهم. على عكس غيرهم من العثمانيين والصفويين الذين يستثمرون الأموال المهربّة والمنهوبة من شعبنا في مختلف دول العالم ومنها دول الجوار العراقي والخليج !؟ وهل سار” الباحث” هذا على مبدأ المنهج الكلاسيكي في بحث قضية إجتماعية ذات أبعاد سياسية كقضية تهجير الكورد الفيليين، من خلال إستناده الى العقل والمنطق في تفسير الأمور للوصول الى الحقيقة والتي هي مراد الباحث الرصين والحيادي؟
سوف نحاول إختصار الرد على ما جاء به ” الباحث” من تهم لشريحة قدّمت للعراق الكثير ولم تحصل الّا على الفتات كالكورد الفيليين، كون ما جاء به لا يستحق الرد مطلقا، فالرجل حاول قلب حقائق يعرفه الكثير من أبناء شعبنا، ومنهم مقدّم البرنامج الذي لم تسعفه ذاكرته ولا فهلوته هذه المرة لمحاججة ضيفه ببديهيات يعرفها كل عراقي، والتي سنأتي على ذكرها لاحقا.
يصبّ “الباحث” هذا جام غضبه وهو يتناول القانون الجديد للجنسية العراقية، على المكون الكوردي الفيلي ” بعد أن أخذهم كمثال” بإعتبارهم إمتداد فارسي كما يقول، دون العودة لجذر مشكلة المواطنة بالعراق، والتي لازالت محل جذب وشد بين قوى سياسية تمثل الطوائف أو تميل إليها في أحسن الأحوال وهي تضع الخطوط العريضة لشكل المواطنة بالبلد! وعوضا من أن يقوم ” الباحث” هذا ومعه كل من يهمه مصلحة بلدنا وشعبنا، ببلورة رأي عام ضاغط من أجل إعلاء شأن المواطنة العراقية بسنّ قانون موحد للجنسية، لا يعترف الا بعراقية العراقي دون الإستناد الى ما يعرف ” بالتبعيتين العثمانية والإيرانية”، نراه يريد الهروب الى الأمام، بإنتخابه أضعف الحلقات في النسيج الإجتماعي العراقي من ناحية إمتلاكهم لما يسمى بشهادة الجنسية أي الكورد الفيليين، ليهاجمهم وينتقد من خلالهم مشروع قانون الجنسية العراقي الجديد. لكنه يمر عن عمد أو عدم دراية على عشائر عربية كانت حتى القرن الثامن عشر تسكن نجد والحجاز قبل أن تهاجر الى العراق وهذا أمر طبيعي وقتها كما هجرة الكورد الفيليين، كما ويمر مرور الكرام على عوائل معروفة من التي كان لها دورا بارزا على الصعيدين السياسي والإقتصادي بالعراق، رغم أنهم من أصول غير عراقية!! ففي معرض تناوله (الچلبيين) يقول حنا بطاطو ( والأمر الآخر الذي لابد من ملاحظته بالنسبة للچلبيين كان الأصل غير العراقي للكثيرين منهم، وعلى سبيل المثال، فقد كان أصل الشرشفيين من بلاد فارس، وكانت عائلات الشاهبندر والباچچي والقشطيني من سورية، وعائلات الزيبق وغنّام وصالح وثنيّان وعسّافي وبصّام ومنديل وزهير وعبد الواحد من نجد)”1″، وعدم تناوله عدم عراقية الذين أشرنا إليهم قبل قليل، تفسّر من أن شوفينية ” الباحث” هذا هي بلا حدود. خصوصا وأنه يتهم الكورد الفيليين بنقل المعلومات لإيران أي التجسس لصالحها!! على الرغم من عدم تبوأ كوردي فيلي واحد لمنصب سيادي بالبلد ليكون قريب من المعلومات الإستراتيجية التي تحتاجها الدول وتحصل عليها من جواسيسها. فالكوردي الفيلي المحروم من سلك العسكرية والشرطة والأمن والمخابرات والسلك الديبلوماسي وغيرها، علاوة على وجوده في دائرة الشك دوما ما يجعله في خوف دائم من السلطات، ومهما كانت إمكانياته ” بالتجسس”، فأنه لا يصل الى إمكانيات رجال مثل ( نوري السعيد – تركي – عربي – سني والذي كان رئيسا للوزراء 14 مرة، و ناجي شوكت تركي مستعرب – سني رئيس وزراء لمرة واحدة، وحكمت سليمان – متحدر من أصل مولى أصبح مسلما – سني رئيس وزراء لمرة واحدة) “2” ، فلماذا لا يتهم “باحثنا” هذا هذه الشخصيات بالخيانة والتجسس لتركيا العثمانية مثلا وهم في أعلى منصب بالدولة، إن كانت الأصول غير العربية متهمة بالتجسس في العراق!؟
لقد تجاوز ” الباحث” بديهيات يعرفها الشارع العراقي جيدا، حينما قال: أن الكورد الفيليين قد تمّ تهجيرهم لأنهم لا يمتلكون الجنسية العراقية!! وتفسيره غير المنطقي هذا يدفعنا لنتساءل: هل كانت الجامعات والمعاهد العراقية والتي تخرج منها الآلاف من الكورد الفيليين، تقبل في صفوفها عراقيين لا يمتلكون شهادة الجنسية العراقية؟ هل كان التجار الكورد الفيليون يسافرون خارج البلد بدون جوازات سفر!؟ وهل من الممكن إصدار جواز سفر عراقي ولليوم دون إظهار شهادة الجنسية العراقية للسلطات؟ كما كفر ” الباحث” كفرة صلعاء حينما قال أنّ التبعية “هكذا” ومنهم الكورد الفيليون كانوا لا يخدمون خدمة العلم، والتي كانت شرطا لحصولهم على الجنسية العراقية!! لا أعتقد إنني ككوردي فيلي مجبر هنا للرد على مثل هذه التخرصّات، ولا مثل هذه المحاولات البائسة لطمس الحقائق التي لايريد ” الباحث” أن يراها، لأسباب منها ما يتعلق بنهجه الشوفيني، أو بخلفيته السياسية على ما يبدو.
إن عملية إفراغ العراق من مكوناته غير العربية وغير المسلمة هو هدف قومي عروبي مريض، ولازال ولليوم حلم أناس مرضى لايريدون قراءة التأريخ وما أوصلته أفكارهم من مآسي للبلدان والشعوب العربية، ومنها بلدنا العراق. وقد بدأت أولى عمليات التهجير بحق يهود العراق الذين أستوطنوا العراق بعد سبيهم من قبل الآشوريين وبعدهم البابليين منذ العام 859 ق. م. وحتى تهجيرهم أواخر أربعينيات القرن الماضي. والواقع أنّ الطائفة اليهودية بالعراق كما يقول (حنا بطاطو) ” كانت عربية تماما، أو إذا كان القاريء يفضّل، فقد كانت مستعربة. كانت لغتها عربية، وكانت العربية تستخدم حتى في طقوسها الدينية. وكان طعامها عربيا، وكانت خرافاتها عربية، وكذلك الأمثال التي تستخدمها، وكان الكثير من عاداتهاعربيا، وحتى الحريم كان يشكل جزءا من أعرافها” “3”. وإن كان تهجير اليهود العراقيين قد تم إبان تأسيس دولة إسرائيل وخسارة الجيوش العربية الحرب بما يطلق عليه عام النكبة. فأنّ تهجير الكورد الفيليين كانت لأسباب يجب أن لا تكون بعيدة عن فهم ” الباحث” وهو “خبير” بالسياسة العراقية.
إننا ككورد فيليين ونحن نهجّر وتصادر وثائقنا الثبوتية وأموالنا المنقولة وغير المنقولة، ويغيّب الآلاف من شاباتنا وشبابنا، فإننا ندفع ثمن مواقفنا الوطنية تجاه شعبنا ووطننا، وليس لأننا ” جواسيس” أو ” طابورخامس” كما تقول أيها السيد ” الباحث”. فحينما كان ” العراقيون” من التبعية العثمانية يقفون الى جانب الإقطاع ويصمتون بذل
على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان الكورد الفيليين في مقدمة المنتفضين في مدينة الحي الباسلة أثناء إنتفاضتها ” إنتفاضة الحي”، وبعد القضاء على الإنتفاضة، سارع أجدادك العثمانيون للإنتقام من الكورد الفيليين، بتهجير العديد من العوائل الفيلية التي ساهم أبنائها في تلك الإنتفاضة البطولية الى إيران. وحينما أدخل رفاقكم من البعثيين العثمانيين العراق في نفق مظلم صبيحة الثامن من شباط الأسود سنة 1963 ، سارع الكورد الفيليين لمقاومتهم في منطقة ” عگد الأكرد”. هذه المقاومة ومواقفهم الوطنية العديدة كانت أحد أهم أسباب تهجيرهم الثاني سنة 1970 . أمّا تهجيرهم الأكثر وحشيّة وبشاعة فقد كان في نيسان 1980 ، من خلال مسرحية بائسة والنظام البعثي يهيأ نفسه لخوض حرب غيّرت الوضع الجيوسياسي بالمنطقة برمتها، وقادت شعبنا ووطننا الى ما هو عليه اليوم.
السيّد ” الباحث”، شخصيا لا يشّرفني أن أكون من أتباع دولة غير العراق، فلتتشرف أنت بعثمانيتك وغيرك بصفويته.
“1” – العراق – الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ص 298 ” لحنا بطاطو.
“2” المصدر السابق ” ص 214″
“3” المصدر السابق “ص 295 – 296 ”
زكي رضا
الدنمارك
[1]