الكرد الفيلية مرة اخرى
زهير كاظم عبود
بعد ان انتهيت من لقاء أخوي بمجموعة من الأخوة العراقيين والعراقيات في مدينة مالمو ، بعد أن تلقيت دعوة كريمة من منظمة نسوية عربية تهتم بقضية الأنتخابات العراقية ، كانت حقاً ممتعة بما طرحه الاخوة العراقيين من أسئلة تهم الشأن العراقي وتنم عن الحرص والمتابعة لشؤون العراق .
بعد أن انهيت اللقاء اوقفني شاب في عمر الورود وسألني عن كيفية حصوله على المستمسكات العراقية التي تثبت عراقيته حيث أنه من الكرد الفيلية ، وقد تم تسفيرهم بعد أن تمت مصادرة أموالهم وبما فيها المستمسكات الأصولية التي تثبت عراقيتهم ، وانه يريد أن يشارك بهذه الانتخابات كأي عراقي يحلم بوطن يضم الجميع ويرد الأعتبار للضحايا الذين لم تحل قضاياهم بعد ، بما فيهم الشريحة الوطنية والعبقة الكرد الفيلية .
ولطالما رددنا بأن الكرد الفيلية تحملوا من الظلم مالم تتحمله الشرائح العراقية التي ظلمها وجار عليها صدام ، فقد مارست السلطة الصدامية مع الكرد الفيلية أخس الأساليب وأحقرها ، وسلطت عليهم نماذح نتنة من البشر الذين اوغلوا في عذاباتهم والتنكيل بكرامتهم .
فقد أنتزعت منهم وثائقهم ومبرزاتهم العراقية التي تثبت عراقيتهم وأصالتهم وقررت أتلافها وأصدرت القرارات التي لاتستند على أساس قانوني بألغاء هذه المستمسكات .
الأكراد الفيلية كانوا في العراق قبل أن يصير العراق ولاية تابعة للحكم العثماني ، وقبل أن يصير الحكم الوطني وتصبح الملكية ومن ثم السلطات الجمهورية التي تعاقبت على حكم العراق .
وكان الكرد الفيلية عمود من أعمدة الأقتصاد الوطني ، وشريحة مهمة وفاعلة في الحياة الأجتماعية العراقية ، ودون الأكراد الفيلية كان المجتمع العراقي مبتوراً وناقصاً ، لأنهم يشكلون مايمكن أن يسجل مفخرة ومآثر وطنية في الحياة السياسية العراقية .
ولأن الأكراد الفيلية من أتباع آل البيت ، كما أنهم من الكرد الاقحاح ، بالأضافة الى كونهم وبحكم الأنتماء الطبقي في العراق فقد انخرطوا في البعمل ضمن الأحزاب العراقية الثورية المناضلة والمتطلعة نحو مستقبل سعيد للأنسان ووطن حر يتمتع به الجميع بغض النظر عن القومية والجنس والدين .
وبالرغم من الصيحات العالية التي أطلقها كتاب ومحللين ومفكرين الى السلطات المؤقتة التي أخذت على عاتقها أدارة دفة مركب العراق للوصول الى شواطيء الآمان ، حول ضرورة الالتفات الى الكرد الفيلية التي أوغلت السلطة البائدة بقسوة في عذاباتهم ومحنتهم ، واستحوذت على أموالهم وعقاراتهم ، وسلبت منهم وثائقهم وأدلة الأثبات المتوفرة لديهم ، ثم قامت فوق كل هذا بتجريدهم من كل شيء وتسفيرهم الى مناطق الحدود الآيرانية ، وتركهم في العراق في درجات الحرارة المنخفظة تحت رحمة الطقس المروع مما أفقدهم العديد من الأ{واح ، وبعد كل هذا وقعت العديد من مجاميعهم فريسة حقول الألغام التي زرعها العراقيين والآيرانيين على الحدود .
وبعد ان وصلوا الى آيران ابقتهم الحكومة الآيرانية في مخيمات بائسة بأعتبارها تعلم حق اليقين انهم عراقيين وأكراد ، والمأساة أن المنظمات الدولية والأمم المتحدة لم تول قضيتهم ذلك الأهتمام الأنساني الذي يليق بقضيتهم وبأعدادهم المسفرة .
كما لم تلتفت المنظمة الدولية ولامنظمات حقوق ال،سان الى الأعداد التي ابقتها السلطة البائدة منهم وخصوصاً الشباب محجوزين في سجون ومواقف بعيدة وصحراوية وأخضاعهم كوسائل للتجارب الكيمياوية وأبادة العديد منهم نتيجة ذلك ، واعدام العديد الآخر منهم ودفنهم في مقابر جماعية استكشف منها القليل ، ولم يزل بانتظار أن يتم أماطة اللثام عن الباقيات .
واللافت للنظر أن مأساة الكرد الفيلية لم تلق الاهتمام الذي يليق بها من جانب السلطة المؤقتة والدليل هذا الشاب الذي فقد أهله ولامستمسكات لديه ، ومثل حاله العديد من العراقيين الذين لايستحقوا سوى التبجيل والتقدير ، فالجنسية هي عقد بين المواطن والدولة ، فأذا كانت الجنسية هي من تتشرف بهذه الشريحة الأ،سانية الأصيلة والتي اعطت العراق العديد من الرجال والشهداء والتضحيات ، وأذا كانت الجنسية العراقية هي من تتشرف بهذه الأسماء الممتلئة تضحية وعذاباً وجب أن يتم أنصافها بقرارات وطنية تعيد لهم حقوقهم من الأموال المنقولة وغير المنقولة ,ان يتم شمولهم بتخصيص لجنة قضائية تكون أحكامها باتة وسريعة التنفيذ وتشمل بالقضاء المستعجل ، كما يتم الأيعاز الى جميع دوائر الأحوال المدنية لأعادة الوثائق والمستمسكات الى هذه العوائل والى أولادهم ممن ولدوا في المنافي .
وفوق كل هذا أن يتم أنصاف الذين توفوا منهم بأعتبارهم شهداء من أجل العراق وتخصيص الرواتب لعوائلهم بالنظر لكون ماطالهم لم يكن لهم يد فيه ، وبالنظر لتعسف السلطة الصدامية في حقهم وبعثرة حياتهم ، كما انهم ونتيبجة هذا العذاب والسوء الذي لحق بهم يستحقون التعويض قانوناً وشرعاً عما لحقهم من ضرر جسيم وعما فاتهم من أستقرار وربح وحياة تليق بهم بعثرها صدام البائد .
منذ سقوط الطاغية في نيسان 2003 سيقترب الزمن من سنتين لم تجد شريحة الكرد الفيلية أي اهتمام يرقى الى مستوى العذاب والمحنة التي وقعت عليهم وطشرتهم في أصقاع الأرض وشتتت شملهم وفرقت بين أحبتهم ، لم تجد هذه الشريحة الأهتمام والقرارات التي تمسح دموعهم وتنسيهم بعض مأسيهم ، وعلى أمل ان تتفرغ السلطة والأحزاب العراقية الوطنية التي طالما راهنت عليهم وأوعدتهم حال سقوط السلطة بوعود كثيرة ، لم تجد هذه الشريحة القرارات التي تعيد الاعتبار لهم وعاملتهم معاملة أي عراقي فقد وثائقة أو اسقطت عنه الجنسية .
حقيقة الأكراد الفيلية ان الله ابتلاهم بالصبر الكبير وبالعذاب الكبير ، وحقاً اننا نندهش لصبرهم وتهدئة حالهم ، مع مالحقهم من ضياع لحقوقهم وحياتهم ، فقد بقوا يعطون للعراق ويساهمون بشرف في بناء العراق بصمت وكبرياء العراقيين الأصلاء ، وبصمت وقبول الذي تطغي مصلحة العراق على مصلحته ، ولكن لايمكن أن نستغل هذا الجانب ال،ساني ، ولايمكن أن نصمت على صمتهم ، فالعراق لابد أن يتذكر ابناءه النجباء والخيرين من الكرد الفيلية .
أقول لولدي الذي استوقفني في باب جمعية المرأة ان العراق ليفتخر بالكرد الفيلية ، وطالما أردد ان الجنسية العراقية هي من يجب أن تفتخر بهم ، وأن كل صاحب وجدان وضمير حي ويعرف تفاصيل التاريخ العراقي في زمن المحنة التي اوقعها صدام فوق رأس العراق يعرف جيداً مدى الحيف والظلم والمآساة التي حلت بالكرد الفيلية .
قليلاً من الانصاف بحق الشرفاء من أبناء العراق
قليلاً من الأهتمام الذي يليق بتضحيات الكرد الفيلية ايها القائمين على مواقع المسؤولية
ننحني اجلالا للشهداء والتضحيات الجسام التي قدمها الكرد الفيلية قوافل من البشر ومن كل الجناس والأعمار في الزمن الرديء والعاهر دون ضجة ودون أن يبكي عليهم العالم .
لم يزل الكرد الفيلية ينتظرون دورهم في النصاف فمن يتقدم عليهم مع محنتهم التي لم تطيقها الصخور والجبال .
[1]