الكرد يَخِلقون واقعاً جديداً شمال سوريا
مقاتلتان كورديتان
صحيفة الجارديان البريطانية
في الآونة الأخيرة ووسط الفوضى المنتشرة شمال سوريا ، ظهرت العديد من المواضيع على الساحة. الأول هو استثناء روسيا تنظيم “داعش” من ضرباتها الجوية المكثّفة وتقدم القوات الموالية للنظام. الثاني وربما هو تطور أهم، حيث أن اللاعب الأقل ظهوراً على الساحة السورية – الكرد – قام بتحقيق الإنجازات على الأرض أكثر من جميع الأطراف الأخرى لخلق واقع جديد. بينما كانت ميليشيات حزب الله اللبنانية، وأخرى عراقية، والقوات السورية، التي تقودهم إيران جميعا تتحرك على نحو بطيء في منطقة شمال حلب، قامت القوات الكردية المدعومة بغطاء جوي روسي بالتحرك بقوة كبيرة نحو المناطق التي كانت تتجنبها خلال الصراع السوري.
خلال أسبوع واحد، تحركت وحدات حماية الشعب YPG باتجاه بلدتين شمال سوريا بين الحدود التركية ومدينة حلب التي باتت شبه محاصرة، بعد السيطرة على قاعدة منغ الجوية التي كانت سابقاً تحت سيطرة المعارضة. خلال الحرب، تَنظُرُ المعارضة السورية إلى القوات الكردية بحذر، أما النظام يتغاضى عنهم.
الكرد فعالون وتركيا غاضبة من ذلك. أنقرة ترى مقاتلي وحدات حماية الشعب، المرتبطين مع حزب العمال الكردستاني PKK منافساً لأراضيها، الأمر الذي لم يسبق أن حدث، لتأسيس منطقة واحدة من عفرين الواقعة غرب سوريا إلى الحدود العراقية، الحدود التي ظلّت محكومة منذُ عقود من قبل العرب. مساعدة وحدات حماية الشعب هو ما تقوم به الطائرات الروسية التي تُدمر المجموعات المدعومة تركياً بشكل ثابت ومتواصل، وهم الذين يقاتلون منذ ثلاث سنوات لإسقاط بشار الأسد وهو الأمر الذي يبدو أنهم يخسرونه بشكل متزايد.
تُصر تركيا على أن تشجيع وحدات حماية الشعب وازدياد قوتها يعززّ ويقوي حزب العمال الكردستاني PKK الذي يقود تمرداً كرديا منذُ أربعين عاما. تركيا ترفض إصرار المجموعتين حول مطلب مزيد من الحكم الذاتي، لا الاستقلال. بدلاً من ذلك، تنظر أنقرة إلى الطموحات الكردية على أنها تمثل خطراً أكبر مما يمثله تنظيم “داعش”. خلال الأشهر الستة الماضية، كان عدد الغارات التي شنتها تركيا ضد الكرد كبيرة ولا يمكن مقارنتها مع تلك التي استهدفت بها المجموعة الإرهابية “داعش” والتي يراها حليف أنقرة (واشنطن) على أنها خطر مرعب على الأمن العالمي.
ما يزيد من تعقيد الأمور هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يقتصر دورها في سوريا إلى حد بعيد على محاربة تنظيم “داعش”، استخدمت وحدات حماية الشعب كقوة تابعة لها على الأرض لطرد المجموعات الإرهابية من الجزء الشمالي الغربي ومن الأطراف نحو مدينة الرقة التي تعتبر مَعْقِلاً للتنظيم. دافعت الطائرات الأمريكية أواخر عام 2014 عن مدينة #كوباني# الكردية من هجوم واسع شنه التنظيم حينها، العلاقة ترسخت بين الطرفين، الأمر الذي زاد من إحباط وغضب تركيا، حليف الولايات المتحدة الأمريكية وعضو حلف شمال الأطلسي.
في كل الحروب الصغيرة التي تُدار في الفوضى الموحلة شمال سوريا، على الأرجح لا أحد يريد تحويل سلسلة من الصراعات بالوكالة إلى حرب ساخنة انطلاقا من موقف تركيا تجاه الكرد السوريين المناورين بدهاء والروس الذين يدعمونهم بشكل مناسب. عَرِفت موسكو كيف تتعامل مع أنقرة. هي تعرف أن نقطة ضعف تركيا هي الكرد. على أية حال، فإن مخاطر الأخطاء في الجيب الصغير الموجود خارج سيطرة الكرد على الحدود السورية أمر حقيقي وواقعي جداً.
نفس المنطقة (الشريط) هي خط الإمداد الأخير المتبقي لدى مجموعات المعارضة التي سُحِقت وشريان الحياة للاجئين الهاربين من المعارك. نتائج الحرب التركية ستتحدد هنا في هذا الشريط. حتى الآن، هي شاهدت بغضب كيف أن الدعم الذي قدمته للمعارضة السورية ذهب أدراج الرياح بعد قصف الطائرات الروسية التي أضعفت المعارضة والتي تحلق عالياً فوق صدى قاعة الدبلوماسيين الذين فشلوا وبشكل جماعي في إيقاف الحرب.
قصف تركيا مواقع وحدات حماية الشعب YPG، خلال الأيام الفائتة أعطى إشارات تفيد أن الأسوأ قادم في حال استمر التقدم. الضربات الروسية بدورها على بلدة إعزاز الحدودية – بوابة رئيسية للاجئين والإمدادات التركية – رفعت المطالب بتحقيق وضع أفضل. جميع الأطراف تشعر أن الحرب ربما تدخل مرحلة حاسمة – إمكانية سوء التقدير في الوقت الحالي كبيرة نظراً لوجود نقاط عديدة لتشجيع الأطراف. إغراءات القوى المتنافسة على الأرض لم تكن يوماً أكبر مما هي عليه اليوم، ولم تحمل خطراً أكبر مما هو عليه.[1]