انتفاضة عامودا Toşa Amûdê 1937
فارس عثمان
عامودا مدينة وتاريخ، اسمها يختصر تاريخ غالبية مناطق الكرد في الجزيرة السورية، بحوادثها يؤرخ الناس ذكرياتهم، لكل بقعة فيها قصة وتاريخ وحدث، لكل يوم من أيام السنة فيها ذكرى وعبرة وتاريخ، فقرى قره قوبية،وتل خنزير، وديكية، وتل حبشة خرقت جدار الخوف قبل الطائرات الفرنسية، وشرمولا شاهد على اختراع السينما، أزقتها تزدحم بجنادل بحر ايجة، ونهر دارى يقسم أملاك سمو وحيندرو اللامتناهية، عامودا هي عامودا لا تشبه إلا عامودا… واليوم سنحاول معا رفع الضماد عن بعض جراحاتها، ووضع الملح على ذاكرتنا الجمعية علها تستفيق ولو لمرة على مآسي التاريخ .
احتلت فرنسا سورية بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1920 استنادا لاتفاقية سايكس – بيكو، وصلت القوات الفرنسية إلى الجزيرة السورية عام 1921 ولتأمين استقرارها والسيطرة على المنطقة لجأت إلى الوصفة الاستعمارية المجربة (( فرق تسد )) التي جربت في أكثر من منطقة، ونجحت في إثارة التفرقة بين السكان ليس فقط في الجزيرة ولكن في مختلف المناطق السورية، وانقسم المجتمع السوري بكافة إثنياته وشرائحه وحتى فئاته الصغيرة بشكل شاقولي بين رافض للاحتلال الفرنسي سموا ب” الوطنيين” ومتعاون معه أطلق عليهم لقب ” الفرنساوية” تهكماً. وبعد استقرار القوات الفرنسية في الحسكة عام 1921م، أرسلت وفداً إلى عامودا لبناء مخفر للدرك جنوب البلدة، وبعد عدة محاولات وافق الأهالي على ذلك، شرط (( أن يكون الدرك من السوريين حصرا )). وانقسم سكان عامودا التي كانت تتكون من الكرد والسريان والأرمن بين ” الوطنيين” و ” الفرنساوية “، ورغم أن غالبية المسيحيين وبعض العشائر الكردية والعربية كانوا متعاونين مع سلطات الاحتلال، إلا أن الكتلة الوطنية التي تأسست عام 1928 كان لها حضور قوي في عامودا وريفها .
وقد لعب الوطنيون دورا في إثارة الرأي العام ضد الاحتلال الفرنسي فقامت سلسلة من الثورات الوطنية في مختلف المناطق السورية أهمها وأشهرها الثورة السورية الكبرى 1925-1927 التي كان من أهم نتائجها موافقة فرنسا على التوقيع على معاهدة توافق من خلالها على إنهاء الانتداب والاعتراف باستقلال سورية.
ومع تواتر الأنباء عن رغبة فرنسا في التوقيع على معاهدة مع الدولة السورية تحقق استقلال البلاد وتضمن حقوق الأقليات خاصة الدروز والعلويين دون التطرق لحقوق الكرد والمسيحيين في الجزيرة السورية، تحرك أهالي الجزيرة خاصة المسيحيون والكرد وطالبوا بالتعامل معهم كالدروز والعلويين، ونظراً لعدم وجود تنظيم سياسي أو جمعيات سياسية أو اجتماعية توحدهم، فقد نظم وجهاء الكرد والمسيحيين في الجزيرة مذكرة تضمنت مطالبهم من سلطات الانتداب الفرنسي، أكدت على خصوصية الشعب الكردي وضرورة تضمين حقوقهم في المعاهدة التي تنوي فرنسا توقيعها مع الحكومة الوطنية في دمشق، وتطرقت من خلالها إلى إهمال منطقة الجزيرة من قبل المسؤولين والموظفين والإداريين الذين يتم تعينهم من خارج المنطقة، وطالبت المذكرة بضرورة أن يتم تعيين المسؤولين والإداريين من ابناء المنطقة، وقد سلم الدكتور كاميران بدرخان وحاجو آغا المذكرة التي وقع عليها أكثر من مئة شخصية من رؤساء العشائر والمخاتير والتجار الكرد والوجهاء المسيحيين باليد إلى المندوب السامي الفرنسي في بيروت، على أن يتم إرسال نسخة منها عن طريق وزارة الخارجية الفرنسية إلى عصبة الأمم، وقد جاء فيها:
.نحن الموقعين أدناه من رؤساء عشائر، تجار، مخاتير قرى وسكان الجزيرة، يشرفنا أن نلفت انتباهكم إلى القضايا التالية :.ننحن سكان الجزيرة من مسلمين ومسيحيين، ننتمي إلى العرق الآري وإلى الأُمة الكردية، التي وبالنظر إلى تاريخها، أصلها، عاداتها وتقاليدها، تشكل خصوصية كاملة وقائمة بحد ذاتها، وتشكل مقارنة بالسوريين في الداخل مجموعة متميزة.
.اما كان سكان جبل الدروز والإسكندرونة وكذلك العلويين ينعمون بعطف حكومة الانتداب، فإننا نسمح لأنفسنا أن نلتمس من فرنسا أم الحضارة والنور، أن تعترف لنا بإدارة خاصة مناسبة لمنطقتنا، وذلك حتى تضمن حقوق سكان الجزيرة البؤساء.
وأثناء المباحثات السورية الفرنسية في باريس حول اتفاقية استقلال سورية عام 1936م، تم نقل المحافظ نسيب الأيوبي الكردي الأصل من الجزيرة إلى درعا وتعيين الأمير بهجت الشهابي بدلاً منه، وقد عارض معظم السكان والزعماء المحليين من العرب والكرد والسريان نقل المحافظ، وطالبوا بأن يكون محافظ المنطقة من أبنائها، ومن بين المعارضين (( محمود إبراهيم باشا المللي رئيس عشائر الملّية وشقيقه خليل إبراهيم باشا، وحاجو آغا زعيم عشيرة هفيركان، والشاعر جكرخوين، وقدري جميل باشا، وعبد العزيز المسلط رئيس عشائر الجبور، وميزر عبد المحسن رئيس عشائر الشمر، ومحمد العبد الرحمن رئيس عشائر الطي، والمطران حبي مطران السريان الأرثوذكس في الجزيرة، وعبد الأحد قريو رئيس بلدية الحسجة، وميشيل دوم رئيس بلدية القامشلي، سعيد اسحق، ومقسي نعوم، وحبيب مريمو..))[1] .
ولتأكيد مطلبهم الشعبي والرسمي أرسل طاهر المارديني سكرتير اللجنة التنفيذية في محافظة الجزيرة برقية إلى رئيس الحكومة جميل مردم بك طالب فيها باسم أبناء المنطقة بتعين محافظ جديد من أبناء الجزيرة بدلاً من بهجت الشهابي، إلا أن رئيس الحكومة رفض ذلك، وأصر على التعيين، فتحولت حركة المعارضة للمحافظ الجديد إلى حركة معارضة للحكومة الوطنية، ورداً على هذا الموقف تمسكت بعض القوى والعشائر العربية والكردية في الجزيرة والتي كانت معروفة بتأييدها للتيار الوطني بالمحافظ الجديد، ورفضت نقله، ووقفت بقوة مع الحكومة الوطنية في دمشق.
هكذا توترت الأوضاع في الجزيرة، واخذ كل طرف ينزل إلى الشارع ويعلن عن موقفه، وازدادت حركة الإضرابات العامة خاصةً في الحسكة والقامشلي ورأس العين، ولعبت فرنسا من خلف الستار دورا في تأجيج الصراع بين الطرفين، لتؤكد للرأي العام السوري والفرنسي وكذلك عصبة الأمم بعدم قدرة الحكومة السورية على إدارة البلاد، من أجل تمديد الانتداب الفرنسي على سورية.
ونتيجة تمسك الحكومة بموقفها وعدم الاستجابة لمطالب السكان، تحولت حركة المعارضة السلمية إلى عصيان مسلح، امتدت من عين ديوار في أقصى شرق الجزيرة، إلى رأس العين في أقصى الغرب. و اجتمع الوجهاء من مختلف المناطق والفئات من الكرد والعرب والسريان والآثوريين وعقدوا مؤتمرين الأول في قرية طوبس* في 1 تموز والثاني الحسكة في 4 تموز 1937، أكدوا خلالهما تمسكهم بمطالبهم السابقة .
ثم صعدوا من مواقفهم ومطالبهم، ردا على مماطلة الحكومة لمطالبهم فنادوا بضرورة تضمين المعاهدة بنداً أو بنوداً تصون حقوقهم بعد انسحاب القوات الفرنسية من سورية، وذهب البعض إلى المطالبة بنظام إداري خاص للجزيرة بموافقة عصبة الأمم، أو إبقاء الجزيرة تحت الانتداب الفرنسي لفترة أخرى ريثما يتم التوصل إلى التفاهم مع الحكومة، وفي 5 تموز من عام 1937 قرروا حسم الموقف عسكرياً، فسيطروا على عدد من المدن والبلدات الرئيسية في الجزيرة كالحسكة، والقامشلي، وديريك، وعين ديوار، والديرونة، والدرباسية، ورأس العين، وتم طرد مدراء المناطق والنواحي ورؤساء الدرك من هذه المدن، وللسيطرة على الموقف، وخوفاً من الفوضى شكلوا لجان إدارية محلية من أبناء المنطقة في كل مدينة وبلدة لإدارة شؤونها، إلى أن يتم الاتفاق والتوصل إلى تفاهم معين مع الحكومة الوطنية في دمشق. وسافر المطران حبي مطران السريان الكاثوليك في الجزيرة (( إلى بيروت لإقناع المفوض السامي بإرسال وفد من أبناء الجزيرة إلى باريس، من أجل عرض مطالبهم على السلطات الفرنسية. )) [2]. إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
ونتيجة تفاقم الأمور، وعدم القدرة على وضع حد للمشاكل والاضطرابات في المنطقة، غادر المحافظ بهجت الشهابي مقر عمله في مدينة الحسكة في 10 تموز متوجهاً إلى دمشق، التي كلفت توفيق شامية محافظ دير الزور* بإدارة شؤون محافظة الحسكة بالوكالة، فكان (( يقيم في دير الزور خمسة عشر يوماً ومثلها في الحسكة.))[3]، وأثناء تواجده في المنطقة تم اعتقاله ونقله إلى قرية ” طوبز المرسينية ” المركز الرئيسي لزعماء حركة التمرد والعصيان المسلح، وقد استمر اختطافه مدة خمسة عشر يوماً، ثم سلم للمستشار الفرنسي الذي أطلق سراحه. وقد ازداد الموقف تأزماً عندما رفض الفرنسيون طلب الحكومة السورية قمع حركة العصيان بالقوة.
وعن مطالب الكرد المشاركين في تلك الأحداث يقول جكرخوين في مذكراته: ((…في الحقيقة كان هدفنا أن ينال الأكراد في سورية حقوقهم القومية والإنسانية، أي أن نتمتع بحقوقنا في سورية في ظل العلم السوري مع إخواننا الآخرين بعد رحيل فرنسا، لأننا كنا نخشى أن يصيبنا ما أصاب إخواننا الأكراد في ظل حكم الأتراك والفرس، وفي النهاية حدث ما كنا نخشاه.))[4] .
وتحولت أحداث الجزيرة إلى عناوين رئيسية في صحف دمشق وبيروت مثل:” ألفباء، البشير، لهزيكو،لاكرونيك “،ومن أهم تلك العناوين:
(( الجزيرة كلها تطالب بحقوقها وإنقاذها من تعسف القائمين على الإدارة من موظفي الحكومة الوطنية، ثارت الأقلية المظلومة على الأكثرية الظالمة، الجزيرة لا تأمن على مستقبلها وراحتها وحقوقها في ظل الحكم الوطني وفي ظل المعاهدة، إن الجزيرة حملت السلاح للدفاع عن مطالبها، إن عمل العصاة مشروع.))[5].
وقد استغلت فرنسا ذلك الخلاف الذي كانت تغذيه في الخفاء والعلن، فأخذت تهدد الحكومة الوطنية بأحداث الجزيرة ورفضت طلب الحكومة بالقضاء على الحركة بالقوة، ومن جهة أخرى هددت زعماء الجزيرة وخاصةً الكرد منهم، ونشرت عن طريق عملائها شائعات بأن الحكومة التركية أخذت تطالب المفوضية الفرنسية العليا في بيروت بتسليم الأكراد الذين التجئوا إلى سورية، مثل محمود إبراهيم باشا، وخليل إبراهيم باشا وحاجو آغا وآخرين…، لتأليب الناس على الحكم الوطني، من أجل التهرب من التصديق على معاهدة عام 1936، وتمديد الانتداب على البلاد.
وقد تجسد الخلاف والتوتر بشكل رئيسي في مدينة عامودا التي كان يسكنها الكرد والسريان والأرمن، التي انقسمت كغيرها من المناطق السورية بين التيارين التيار الوطني، والتيار المعارض” الفرنساوية ” وسعى كل طرف لحسم الصراع فيها لصالحه، واستطاع سعيد آغا الدقوري – زعيم عشائر الدقورية الكردية في عامودا والمنطقة، الذي كان أحد رموز التيار الوطني وعلى علاقة طيبة مع زعماء الكتلة الوطنية في دمشق وحلب – أن يبعد المدينة لفترة محدودة عن الأجواء المحمومة، إلا أن الأوضاع تغيرت، عندما حدث شجار محلي بين رجلٍ كردي وآخر سرياني، الذي تحول نتيجة الدسائس والشائعات إلى معركة بين الوطنيين والمعارضين لهم، وحدث اشتباك مسلح داخل المدينة جرح خلاله سعيد آغا الدقوري، وفي اليوم الأول من النزاع تمكن سعيد آغا من حسم الموقف والسيطرة على المدينة، وعندما وجدت فرنسا أن الأمور في عامودا أخذت تخرج عن السيطرة، قررت التدخل عسكرياً، فأرسلت في 26 تموز 33 سيارة مصفحة مع قوة عسكرية كبيرة من القامشلي إلى عامودا، وقامت باحتلال المناطق الهامة والرئيسة بين مدينتي القامشلي وعامودا، وفي اليوم الثاني قامت الطائرات الفرنسية بقصف قرى ” قره قوبية، وتلخنزير، وديكية، وتل حبشة ” التي استشهد فيها 22 شخص، وفي اليوم الثالث في 28 تموز انطلقت أربع طائرات من مطار الحسكة لقصف عامودا وقامت الطائرات الفرنسية بإلقاء (( قنابلها على أطفال الأكراد ونسائهم وشيوخهم، كما دمرت مناطق أخرى مأهولة بالأكراد، وظلت تطارد الأكراد الهاربين بالقنابل. )) [6] وتم تدمير عامودا و (( انهالت النيران عليها من كل حدب وصوب، ودب الذعر بين الناس، وانتشر السلب والنهب، وتشرد الناس في الشوارع، فكانوا يتجمعون أكواماً تنفطر لها القلوب، وكان دخان الحرائق يتصاعد ويلطخ تلك الأجساد المتشردة، بلونٍ حالك كلون الأيام التي يعيشونها، وكانت الخسائر المادية والبشرية كبيرة جداً، ودمرت أغلب المباني بقسميها الجنوبي المعروف آنذاك بالحي المسيحي، والحي الشمالي المعروف بحي المسلمين، ورغم الدفاع المستميت لأهالي عامودا، إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود في وجه القنابل والطائرات والمدرعات الفرنسية ))[7]، وكما هُزم الوطنيين، هُزم حلفاء فرنسا « الفرنساوية » الذين تخلت عنهم فرنسا، ولم تحرك ساكنا من أجلهم، وخاصة السريان والأرمن الذين، وبعد استغاثة المسيحيين بزعيم عشيرة ميرسينيا عبدي خلو آغا – الذي كان معروفا بعلاقاته المتميزة مع الفرنسيين – توجه عبدي آغا مع مجموعة مختارة من رجاله، مع نواف حسن أغا زعيم عشيرة، نحو عامودا لإنقاذ المسيحيين، وتمكنوا من دخول المدينة وإنقاذ حوالي 6 آلاف شخص ونقلوهم من عامودا، إلى القامشلي. حتى أن هناك أغنية مسيحية تقول:
(( عبدي خلو مع نواف……خلصولنا ستة آلاف)). فقرر سعيد آغا الدقوري مع قسم من سكان عامودا اللجوء إلى الأراضي التركية القريبة، ووافقت السلطات التركية على لجوئهم شريطة تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، وبعد أن انتزعت أسلحتهم رفضت استقبالهم أول الأمر، ثم وافقت على دخول سعيد آغا مع قسم قليل من أهله وأتباعه إلى الأراضي التركية، والتعهد بعدم إثارة المشاكل مع السلطات الفرنسية في سورية، ولأن سعيد آغا الدقوري كان يعرف نوايا السلطات التركية التي لن تتوانى في أقرب وقت من تسليمهم لسلطات الانتداب الفرنسي، لذلك لم يذهب بعيداً وقرر مع جماعته تعمير بيوتهم الطينية فوق أحد التلال القريبة من عامودا *، وبعد فترة قصيرة أصدرت فرنسا عفواً عن أهالي عامودا، فعاد قسم كبير منهم إلى (( أطلال مجردة من كل شيء. ))[8]. ووصل عدد القتلى نتيجة القصف الفرنسي والقتال بين الطرفين إلى حوالي 220 شخصا من الطرفين .
وبعد أن سيطرت القوات الفرنسية على عامودا وحسمت الموقف العسكري فيها، أعادت سيطرة القوات الفرنسية ومعها سيطرة الحكومة الوطنية على معظم المناطق التي سيطر عليها المعتصمون في المرحلة السابقة، ومن أجل تهدئة الأوضاع العامة في المنطقة، تم التوصل إلى اتفاق بين زعماء العصيان والحكومة الوطنية، بتلبية قسم من مطالب سكان الجزيرة، ولم يكن للاتفاق بين الحكومة وزعماء حركة المعارضة في الجزيرة أثر على الأرض، فقد استمر الوضع في الجزيرة كما هو حتى عام 1939 أي حتى قيام الحرب العالمية الثانية، ففي 4 آذار 1939 أرسل المفوض السامي غبرييل بيو مع مندوبه الخاص ” هوتوكلوك ” رسالة إلى رئيس الحكومة السورية الجديدة لطفي الحفار جاء فيها: (( أن السلطات الفرنسية ستساعد سكان المنطقة، على إيجاد قواعد لحكم لامركزي إداري يرغب فيه جميع أهالي الجزيرة )) .[9]
وكما كان متوقعاً رفض البرلمان الفرنسي تصديق مشروع معاهدة 1936م ، لذلك قدمت الحكومة السورية برئاسة جميل مردم بك استقالتها وبعد ذلك استقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، فقامت سلطات الاحتلال بحل البرلمان، وفصل جبل الدروز وجبال العلويين عن الإدارة المركزية في دمشق، وأعلنت العودة إلى الحكم الفرنسي المباشر لإدارة البلاد.
وبعودة الإدارة الفرنسية إلى الحكم المباشر عادت إلى سياسة القمع والإرهاب وملاحقة الأحرار وإغلاق الصحف وخاصة التي أخذت تفضح أساليب سلطات الانتداب في إثارة التفرقة بين مختلف شرائح أبناء الشعب السوري، ولجأت إلى الانتقام بشدة من الكرد الذين وقفوا مع الكتلة الوطنية التي رفعت شعار “استقلال سورية التام عن فرنسا”، واتخذت (( إجراءات قسرية تجاه الأكراد بشكل عام، وتجاه مثقفيهم بشكل خاص، وقامت بنفيهم إلى تدمر ودمشق ))[10] . خاصة في منطقة كرداغ مع قيام حركة المريدين.
وفي الختام يبقى الهدف من تسليط الضوء على هذه الحوادث هو استخلاص العبر منها، خاصة الذين راهنوا على دعم فرنسا التي كانت تبحث عن مصالحها كدولة عظمى تستعد لدخول الحرب العالمية الثانية التي كانت تسعى لتعزيز مواقعها في العالم دون الاهتمام كثيرا بمصالح حلفائها الذين وعدتهم بالحقوق والحريات.
وكذلك الذين تخلوا عن مطالبهم القومية وراهنوا على العمق الوطني لهم، إذ رفضت الكتلة الوطنية التي تسنمت سدة الحكم حتى ما بعد الاستقلال الحديث عن اي حق من حقوق الكرد في سوريا لا بل لجأت إلى تجريدهم من بعض الحقوق والمكاسب التي كانوا يتمتعون فيها، كحق تأسيس الجمعيات والنوادي الثقافية والرياضية ذات الطابع الكردي.
وعليه يبقى الاعتماد على الذات وتمتين وحدة الصف الكردي، والتعاون مع كافة مكونات المناطق الكردية من العرب والآشوريين والسريان والأرمن وغيرهم من مكونات وشرائح المجتمع أفضل الخيارات لتأمين وتحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي كغيره من مكونات الشعب السوري.
[1]– بكداش ( خالد ) ماذا يحدث في الجزیرە،ص16.
[2]– عيسى ( خالد ) من وثائق الصراع على الجزيرة عام 1937.
[3]– الجندي ( أدهم )، مجلة العمران العددان 41- 42.ص 61.
[4]– جكرخوين… سيرة حياتي ص252.
[5]– – بكداش… ماذا يحدث ص15.
[6]– بكداش… ماذا يحدث ص16.
[7]– الحسيني ( عبد اللطيف ) نحت مدينة عامودا.ص 22.
[8]– جكرخوين… سيرة حياتي ص257.
[9]– الحفار ( لطفي ) مذكرات.ص 397.
[10]– غالب (درويش) مذكرات نور الدين زازا.ص 93 .[1]