محمد علي سجادية
ترجمة وتحشية:#جلال زنگابادي#
تعتبر لغة إيلام (عيلام) القديمة ¹ من اقدم اللغات ذوات الخطوط (الحروف – الابجديات) في العالم. ومع أنّ آراء علماء اللغة لا تجتمع بشأنها، فإن اكثرهم يصنفها ضمن العائلة الزاگروسية الخزرية (القزوينية) Zagro Caspian. واغلب الاعتقاد هو أن اللغة الإيلامية 2 لغة آسيوية قديمة، لا علاقة لها بعائلة اللغات الهندو- أوربية.
لقد توصل كاتب السطور عبر دراساته وبحوثه خلال 11 عاما، إلى أن الإيلاميين كانوا قريبين جداً من الآريين من حيث الأصل والثقافة؛ فحتى لو لم يكونوا جزءً من العائلة الآرية والهندواورببية، فهم دون ريب قريبون جداً من هذه العائلة. وعليه اعتقد أن المستشرقين وأكثر الباحثين والمحققين الايرانيين لم يدققوا كما يجب في الكلمات الإيلامية المتواجدة في الرُقُم والجداريات، وإلاّ فإن قليلاً من التمعن والتأمل يكفي لتشخيص الهوية الإيرانية الخالصة لها وجذورها المتشابهة مع اللغات الآرية الاخرى، بكل يسر.
وبهذا الخصوص نشير ابتداءً، إلى حقيقة أن العديد من الكتاب اليونانيين، الذين كتبوا عن إيران، لم يذكروا شيئاً عن الفروق والتباينات بين الفرس والخوزيين (الإيلاميين) 3 والميديين، من حيث العنصر (الاصل العرقي) والصفات الجسمانية.
إن مجرد نظرة فاحصة إلى صور الجنود والأفراد الإيلاميين في النقوش الحجرية الكائنة في (عرش جمشيد) تكشف التشابه في الهيئة والقيافة. وإضافة الى هذا، لما انتفض Martiya (مرتيا) ملك إيلام وقاوم داريوش بحماس وشدة، من الواضح أن ملكاً مثله وفي ذلك الزمن الغابر، لم يكن من دون اتباع، بل كان اتباعه كثيرين ومحسوبين عادة من اقربائه. ونفهم من بعض الشواهد، منها جدارية داريوش، أن مرتيا كان فارسيا، لكنه يدعو نفسه Umanish او Imanish ملك إيلام.
وهكذا تنجلي الحكاية، فقد كان الفرس والإيلاميون متقاربين إلى حد يصعب التفريق بينهم. ثم هنالك قرينة اخرى فحواها، أن الإيلاميين لم يكونوا يكنّون شعوراً بالمعاداة تجاه الميديين والفرس كشعور مجتمع متمدن، بل ومستعمَر ومستلب من قبل الغالبين المهيمنين؛ بحيث كانت منطقة خوزستان (إيلام) عندئذ من اهدأ مناطق الامبراطورية مقارنة بسواها..
لقد اولت الدولة الهخامنشية (الاخمينية) اهتماماً كبيراً بالكتابة والثقافة الإيلاميين ناهيكم عن الجنود الإيلاميين، ومن هنا جاءت اكثرية المدونات الاقتصادية الاخمينية باللغة الإيلامية. وكانت للجنود الإيلاميين مكانة بارزة في حماية الملوك الاخمينيين ضمن تشكيلة (الحراس الخالدين).
هنالك نقطة مهمة جداَ، ألا وهي أن داريوش وخشايار وغيرهما من ملوك الاخمينيين والميديين، الذين كانوا يفاخرون بالنزعة الآرية، كانوا عموماً يضعون الإيلاميين في المرتبة الثانية والثالثة، التي تعلو على آريي (هرات) و (پارت) و (السند) و (خوارزم) بل وأغلب الاقوام الآرية الاخرى...
والآن لنتناول، اللغة الايلامية قليلا. فحين نطّلع في كتاب (فجر تاريخ ايران) لجورج كاميرون على لفظة (husame) ونعرف أنها تعني (خشب – حطب) نجدها لفظة (هيزم) الحالية نفسها؛ اذا ما تمعّناها ودققنا فيها قليلاً. وحين تطالعنا لفظة (pitir) في لوح Naramsin Hita والتي تعني (عدو) نجدها نفس (پيتيره) و (پتياره) الپهلوية 4 ولها ايضاً جذر آڨيستائي.
إن الضمائر Umine – Umanke – Um تذكرنا بالجذور الفارسية والكردية ل (ام و اۆم Om – من – من كە – ) 5. وهناك جذور متشابهة كثيرة في سائر المجالات. فعلى سبيل المثال اللاحقة (ash – اش) الخاصة بالشخص الثالث الغائب، هي نفسها المستخدمة حاليا، في الفارسية والكردية واللغات الإيرانية الاخرى، كما في عبارة (دخترش – ابنته). ويمكن الجزم إننا نجد لكل كلمة إيلامية تقريباً ما يشابهها في اللغات الايرانية. وبناءً على هذه التشابهات يمكننا أن نجد العلاقة بين هذه اللغة واللغات الهندوأوربية، فمثلا (hi) بمعنى (إين) بالفارسية – هذا او هذه)، ففي الفارسية الادبية (هين) تعني (إين) كذلك تستخدم (اي) الشبيهة ب (هي) في بعض اللهجات، ففي الشوشترية He – هيه تعني (اين) و(هي) شبيهة ب (hi)، كذلك في فرع من اللرية يقولون (hi – هي) بمعنى (إين – هذا).. والآن اضحت العلاقة تنجلي بين Hi و here الانگليزية (هنا) و hier الالمانية (هنا)، وثمّة رابطة بين هذه الكلمات والجذور الآڨيستية والفارسية القديمة؛ اذ اشار بعض الكتاب – مثلاً – الى معان مشابهة لجذر hiya في الفارسية القديمة.
اسماء الآلهة والشخصيات الإيلامية معروفة، مثل اسم Nazi و Kurdi الذي يذكرنا باسم (الكُرد) وكانت كردويه شقيقة بهرام چوبين. و Irani اسم نسوي، يذكرنا باسم ايران و Uman يذكرنا ب (هومان) و Nahiti هو اسم (ناهيد) كما يقال. ونجد انعكاس اسم Maz في (مازيار) و (مازداد) وامثالهما، وكذلك يتداعى الى اذهاننا اسم (تير – سهم) عبر اسم (tiru).
إذن وبعد كل ما اسلفناه؛ ألا توجد علاقة متينة بين هذه اللغات؟! هنا لابدّ من الإشارة الى وجوب تناول قواعد هذه اللغات بالدراسة والبحث؛ بغية الكشف عن العلائق الكائنة بينها، فاذا تمعّنا في قواعد اللغة الايلامية؛ سنجد تشابهات عجيبة بينها وبين قواعد اللغة الفارسية الحديثة، فهل ان اللغة الفارسية الحالية نتجت عن تلاقح الفارسية القديمة مع الايلامية المتطورة، وحافظت من ثم على قواعدها النحوية والصرفية؟
إذا دققنا النظر قليلاً في التشابهات القائمة الخاصة باوضاع الفعل والفاعل والمفعول والصفة والموصوف ودستور تركيب الجملة بين الفارسيتين القديمة والحديثة واللغة الايلامية؛ سوف لانجد فروقات مهمة تذكر.
للوهلة الاولى تبدو بعض الكلمات الإيلامية ظاهرياً غير ذات علاقة بالفارسية، غير أننا ما إنْ ندقق في الامر؛ سنجد العكس صحيحا؛ فلفظة Shak التي تعني (ابن – ولد) هي في الحقيقة ذات اللفظة (زك) الموجودة في اللغتين البلوچية والپشتوية وبعض اللهجات المتناثرة هنا وهناك وبالمعنى نفسه. وينبغي الانتباه إلى أن لفظة Urmashta – اورماشتا هي نفسها آهورامزدا وان لفظة Zak البلوچية والپشتوية هي (زائي) نفسها ومن جذر (Za – زادن – ولادة) 6.
ويدعى التيس (Shak – شَك) باللهجة الإيلامية (الفيلية) من الكردية المعاصرة 7 وثمة الآن جذر آخر بصيغة Zak بمعنى (پرادختن الفارسية: دفع، تسديد، تأدية) وهو نفسه جذر لفظتي (صك) العربية و (چك) الفارسية. ومعلوم أن للأحرف العربية (ز، ش و ص) تلفظاتها الخاصة المختلفة فيما بينها.
هنالك لفظة (Si – سي) الإيلامية التي تعني (رؤية، ابصار) وهي تستحضر لنا لفظة (See) الانگليزية وبالمعنى نفسه. كذلك ألفاظ (سى كردن، سەیركردن) في الكردية واللرية والفارسية و (سو) في الفارسية 8 بمعنى (رؤية، نظر، نور) كلها من الجذر نفسه.
وثمة في الإيلامية لفظة (Siri) بمعنى (أُذن) وبالطبع لها علاقة بلفظة (Sru) الآڨيستية، التي معناها (سماع) وعلى المنوال نفسه فان لفظة (ti) المختصرة من جذر إيلامي قديم تعني الآن (عين) في لرستان، وهي نفس لفظة (تێ) الشائعة في بعض ارجاء كردستان، وهي ذات علاقة واضحة بلفظة (di) الآڨيستية بمعنى (ديدن – رؤية) وتشاركها في الجذر المشترك للغات الايلامية والايرانية القديمة الاخرى، كالكاسية (الكاشية) والاورارتية والآڨيستية والپهلوية، ومن ثم اللغتين الفارسية والكردية؛ فان دققنا النظر في (Ale) و (tiule) الاورارتية، التي تعني (يقول) نجدها (ئەڵێ، دەڵێ) الكردية نفسها المتداولة في (سقز) و(سنندج).
وهناك في الإيلامية القديمة مقاطع صوتية ذات نغمات متناسقة، يمكن اعتبارها الاصل السالف للمقاطع الموزونة في اللغتين الكردية والفارسية.
وخلاصة القول: ما كان الإيلاميون ثلجا؛ ليذوبوا.. ولم يتعرضوا للجينوسايد. بل كانوا على الدوام إيرانيين بارزين حسب الوثائق والأدلة الايرانية نفسها. وللغتهم وثقافتهم اواصر ووشائج وثيقة مع اللغتين الفارسية والكردية. وسيمكّننا الفحص والتحميص من إيجاد الكثير من الجذور اللغوية المشتركة بين اللغتين الفارسية والكردية (اللهجة اللرية خاصة) تعود الى اللغة الإيلامية.
إن ما قام به المستشرقون من ابحاث وتحقيقات سابقاً، تخللتها نقاط ضعف بارزة وجلية؛ فإن عادوا وقرأوا بدقة وامعان ما قرؤوه من قبل؛ لعثروا على الجذور الإيرانية الخالصة في الإيلامية القديمة. ومن نافل القول أن المستشرقين طالما حسبوا جذورا لغوية ايرانية رائعة – وصلتنا من الإيلامية – الفاظا دخيلة؛ لمجرد عدم ورودها في المتون الفارسية القديمة!
وعليه؛ فإن كاتب هذه السطور يرى أن ثمة جذوراُ مشتركة اكثر بكثير مما وردت في هذا المقال، وأن الرابطة القائمة بين لغة إيلام القديمة وكلتا اللغتين الفارسية والكردية، هي الرابطة نفسها القائمة بين الجد السلف والحفَدة.
وكلّي أمل أن ينبري المواطنون الأعزاء، لاسيما من أهل إيلام، للقيام بالدراسات والبحوث والتحقيقات في هذا المضمار؛ فيكشفوا للعالم اسرار اللغة والثقافة الإيلامية الغنية.
هوامش واشارات المترجم (ج. ز):
* انظر (گولان العربي) عدد (30) في 25/ ت2/ 1998 ، في التشابه بين الكرد والاقوام القفقاسية، د.محمد علي سجادية / تقديم وترجمة: جلال زنگابادي. بخصوص التعريف بالعلامة (سجادية) وبعض مقالاته ودراساته الخاصة بالكرد وكردستان.
1- (ايلام القديمة): كانت تشمل مناطق لرستان وبختياري وايلام الحالية (پشتكو) وخوزستان (الاهواز) وكوهگيلو وبوير احمد ومامسني وبوشهر وحتى اطراف مضيق هرمز، وكانت بابل وآشور تحدانها غربا، وبلغ اوج توسعها السياسي وازدهارها الحضاري في القرنين 13-12 ق.م. وكانت عاصمتها (شوش – سوسنگرد). امّا (ايلام) الراهنة فما هي الاّ جزء صغير من ايلام (عيلام) الغابرة، التي كانت تدعى ايضا ب (انزان – انشان) و (سوزيان).
2- اي لغة ايلام (عيلام) القديمة.، وهي لغة بائدة كان يتحدث بها العيلاميون القدماء. وكانت اللغة الأساسية في إيران في(2800-550 قبل الميلاد) أمّا لغة ايلام الحالية، ومنذ قرون عديدة ، فهي اللهجة الفيلية – اللرية، التي هي احدى لهجات اللغة الكردية الرئيسية.
3- واضح ان كلمة (خوزستان) تعني بلاد الخوزيين (العيلاميين) وقد حرّفت فيما بعد الى (اهواز- احواز) بل و الى (عربستان)!!
4- تحولت دلالة لفظة (پەتیارە) في الكردية المعاصرة الى (ساقط، منحط، حثالة) !
5- ضمير المفرد المتكلم (انا) و (ني)، اي في حالات الفاعل والمفعول والجر.
6- و (زك- زگ- سك) تعني ايضا (بطن) في الكردية المعاصرة.
7- (شەك) بالكرمانجية الوسطى (التي تدعى بالسورانية خطأ) تعني: الخروف في عمر سنتين- مر عليه ربيعان، وتقابلها كلمة (جذع) بالعراقية الدارجة (الشعبية).
8- وثمة ايضا لفظة (سۆما) بالكرمانجية الوسطى من الجذر نفسه وبالمعاني الآتية: نور العين، قوة الابصاروالنظر، الأفق وبصيص النور من بعيد. و (سۆمایی داهاتن) تعني (عَمى).
ثبت د. سجادية مصادره الآتية بالفارسية طبعا، فآثرنا درجها كما هي مع ترجمة عناوينها:
1- سپيده دم تاريخ ايران (فجر تاريخ ايران) / جورج كامرون.
2- تاريخ ماد (تاريخ ميديا)/ اثر: دياكونوف.
3- گنجينه هاى تخت جمشيد (كنوز عرش جمشيد)/ بروفيسور هالك.
4- گنجينەی از الواح تخت جمشيد (كنز من الواح عرش جمشيد): بروفيسور كامرون.
5- تاريخ ايران، دربارهء ايلام باستان (تاريخ ايران، حول ايلام القديمة)/ كامبريج.
6- درباره سنگ نبشته شاهان ايلامى (حول النقوش الحجرية لملوك ايلام)/ بروفيسور هالك.
7- زبانهاى گمشده (اللغات الضائعة) / اثر: بروفيسور يوهانس فريد رايش.
8- زبانهاى آسياى كوچك (لغات آسيا الصغرى)/ اثر: بروفيسور فريد رايش.
9- نيا كان سومري ما (اسلافنا السومريون)/ دكتر محمد علي سجاديه.
المصدر:
مجلة (ئاوێنە) ژمارە 17 و18 سالى 1373 ش (القسم الفارسي).[1]