شوكت شيخو*
أسُّ الإشكاليات الكردية حالة التشظي ما بين الانتماء للهوية حيث الجذور وبين وطنٍ يضم جزءاً من مناطقهم التاريخية باتفاقية استعمارية دون ارادتهم؛ تُعتبَر جريمة أكثر من كونها إشكالية، لا يدّ لهم فيها، أما! إشارة (الرفيق من أصول كردية) بخطٍ أحمرٍ عريض على إضبارة كل كرديٍ بعثي، حتى الأمس القريب، لا شك عِبّرة؛ والهوية ليست ثوباً نرتديه! نرميّه ونُبّدله تِبعاً لمصالح ذاتية. تَغَني النظام البعثي في دمشق بالمقاومة والممانعة وبالوحدة العربية، ورغم تحاشيه العزف على أوتار الطائفية، لم يُثنِ الشعب السوري عن ثورة الكرامة والحرية. شتّان ما بين التطبيق والنظرية، أما! أدمغة الشعوب لن تبقى للأبد؛ لاقطات استقبال لأجندات سلطوية – عِبرة إضافية.
لسنا بوارد النيل من الإدارة الذاتية الديمقراطية، ولا الدفاع عنها، لكن! ما الجريمة في مَلءِ الكُرد للفراغ الإداري والأمني الذي حصل بمناطقهم، إثرَ سحب النظام إداراته وأجهزته الأمنية بغرض إعادة تموضعها تِبعاً لمقتضيات الحرب الدائرة على كل الأراضي السورية. ما الخطأ! بتسليم النظام المناطق الكردية لطرفٍ كرديٍ ما، وإن على (طبق من ذهب) كما يحلو للبعض وصفه. ثم ما الضير! في استعانة الإدارة الذاتية بكوادر من أطراف كردستانية للمشورة والمساعدة. فما المشكلة بحصول الكُرد أو غيرهم على جزءٍ من حقوقهم، دون قتال ولا حتى إراقة قطرة دمٍ واحدة، وتحت وطأة أية ظروف كانت؟
أما وقرار طرفٍ كردي بالتعاطي الإيجابي مع الإدارة الذاتية، لا نظن كان من منطلق أن أية إدارة خير من حالة الفوضى وحسب، إنما! لتطابق بعض توجهاتها مع سياساته، وللدفاع عن النفس أمام الاعتداءات المُبكّرة من قبل المجموعات الراديكالية المسلّحة على المناطق الكردية، إن كان بدفعٍ من حكومة حزب العدالة والتنمية أو بدعمٍ مباشر منها؛ أما! ما بين التعاطي والانضمام والجزئية دون تبعية ولا تلقي قرارات منها، يبدو غدت للبعض إشكالية، وللبعض الآخر ذريعة وحجة لغايةٍ في نفس يعقوب كما يقال! (التباس أم ضبابية)؟ يبدو اعتماد وضعية واحدة أو تسمية – كأنما! للبعضِ ذاتُ أهمية؛ رغم! أن المسألة ليست بالإشكالية، فالسياسة ليست قوالب جاهزة، إنما لعبة، والكأس لمن يجيد المناورة في ملاعبها.
لا مِن قبيل التهديد! كلّ الأنظمة الشمولية آيلة للزوال، والبقاء للشعوب وحدها؛ رأينا بأم أعيننا كيف تهاوت الدكتاتوريات، واحدةً تِلوّ الأخرى، فقد ولىّ عصر الأنظمة الشمولية؛ أما! حزب البعث (القائد للدولة والمجتمع)، تم دفنه! قبل أن يحين أجله؛ كافة الشعوب تتطلع للكرامة والعدالة وللديمقراطية التي حُرمت منها بموجب براءة اختراع وطنية! أو عِبر الاستيراد دون كل البرامج المُخِلّة بالآداب وكافة صنوف الأسلحة.
يُفترَض! أن يدلّ الاسم على المُسمّى، والشكل على المضمون، إلا بشرقنا المُعتّر! فشعاراتنا أكبر من طاقاتنا، وقرارات سلطاتنا التنفيذية أقوى من كل دساتيرنا، أما المحسوبيات والفوضى! تعمّ كافة جوانب حياتنا؛ أما! أي مشروع اقتصادي أو سياسي، في ظل الوضع السوري المتأزم، فلا غرابة أن تعترضه عراقيل جمّة، ربما! تقود السفينة والربّان للهاوية، ما لم يُحصّن بتدابير تضمن له النجاح، وفي المقدمة! الانطلاق من مصلحة الشعب وقضاياه الحياتية، عبر التلاقي مع كافة الأطياف المجتمعية والسياسية، عبر الحوار المُفعم بالعلم والمعرفة، لإنجاز شراكة فعلية.
فالكثير من الوقائع القريبة أثبتت بأن الظروف الموضوعية لأية قضية تأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، ودون نضوج العامل الذاتي، لا فائدة يُرتجى منها؛ فحقوق الشعوب ليست مُنحاً دراسية ولا معونات انسانية، تمنحها منظمات أو دولٌ بعينها.
عزوف إدارة شمال شرق سوريا عن المسميات الكردية، وعلى وقع مشروع الأمة الديمقراطية، مع شرعنة العبور والانتشار بسائر أجزاء كردستان دون سواها، إشكالية لا تنسجم الواقع والمنطق، ولا تُسقِط عن رفاق حزب الاتحاد الديمقراطي ولا مناصريه ولا عن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في محاربة تنظيم داعش الارهابي وإنهاء دولته المزعومة، صفة الكردي القادم من سهول سروج والجزيرة وجبال ومنحدرات كرداغ/عفرين المحتلة.
ما يضع العقول على الأكف إصرار أطراف كردية بتحالفها مع ما يسمى (الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة) المرتبط بجماعة إخوان المسلمين وبحكومة العدالة والتنمية- تركيا التي ما زالت تحتل ثلاث مناطق كردية، وتَحالفُ أطرافٍ أخرى مع أنظمة إقليمية أو قوى وأطياف متملقة، ما انفكت ترقص! لعقودٍ احتفاءً باستفتاءات (قائدها المُفدّى)، لينقلبوا في لحظة اختبار من ثائرين ضده، إلى مرتزقة ومأجورين لدى دول الجوار؛ لا لقتال النظام، إنما لقتال شركاء الدين والوطن، باسم الدين والوطنية؛ رغم أن ما من مستقبلٍ لتحالفات اقتضتها ظروف ومصالح آنية.
أما المناكفات والتجاذبات السياسية، فما زالت تراوح مكانها ما بين أطراف الحركة الوطنية الكردية؛ مع أن نضال الجميع يصب في خدمة قضية واحدة وإن بوسائل مختلفة؛ فلا شك أنها مصيبة، أكثر من كونها إشكالية! حيث أن جوهرها تغليب المصالح الحزبوية الضيقة على المصلحة القومية، وإلاّ! لغدت وحدة الحركة الوطنية الكردية جزءاً من الماضي وأيقونةً تستحق الافتخار بها.
ما نطرحه قد لا تجد آذاناً صاغية، لا محل للكلمة من الاعراب، في ظل معمعة الحروب وتغريدات فوهات الأسلحة؛ رُبّ قائل! ما لم نستخلص الدروس والعِبَر من الاحتلال التركي لمناطقنا ومن تبعاته، من المُحال التراجع عن أخطائنا أو إجراء مراجعة نقدية جريئة لسياساتنا وإيلاء الأهمية لضرورة تلاقي وتكاتف جهودنا، وإن على أساس برنامج الحد الأدنى؛ لا شك بأننا أمام أزمة لا إشكالية، لكن! انطلاقاً من مسؤولياتنا التاريخية حيال قضيتنا القومية العادلة، لن نوفر جهداً في الاشارة إلى مواقع الخلل ومكامن القوة عبر النقد البنّاء، بهدف الاصلاح والتطوير لا التخريب… وللتذكير! الحروف من نار، والعروش من ورق، كما يقال.[1]