عبد الله پۆلا
ترجمة: نجاة خؤشناو
مختصرات
- (حشع) الحزب الشيوعي العراقي
- (حدك) و( البارتي) الحزب الديمقراطي الكردستاني
- (أوك) الاتحاد الوطني الكردستاني
- (حشك) الحزب الاشتراكي الكردستاني
- (حدكا) الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران
- (ق. م) القيادة المؤقتة
- (جوقد) الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية
- (جود) الجبهة الوطنية الديمقراطية
(4)
مصادمات قرية (نيرجين):
بتاريخ 11-02 -1983، بعد سحب الجرحى إلى قرية (برده سبى)، قام الأهالي والبيشمركة بدفن (محمود مرزاني) آمر سرية الكوي للحزب الشيوعي في مقبرة القرية، توجهنا مع قوة كبيرة بإشراف (قادر مصطفى) آمر هريم الثامن للاشتراكي و الرفيق (عباس محمد) آمر سرية أربيل للحزب الشيوعي نحو قرية (نيرجين) فسمعنا أصوات جميع الأسلحة وقاذفات آربي جي بكثافة. وكانت قوات الاتحاد الوطني تحاصر قرية (نيرجين) من جميع الجهات.
وصلتنا اخبار من داخل القرية التى تشتعل فيها المعركة، بأن القتال ظلّ مستمراً طوال الليل وحتى تلك الفترة (أي السادسة صباحاً). القتال مستمر بين القوات المهاجمة من الاتحاد والقوات المدافعة من الاشتراكي داخل القرية بقيادة (دكتور رشيد).
كانت مفرزة من سرية كوى للحزب الشيوعي موجودة داخل القرية. عند بدء الهجوم اتصل الاتحاد ب (مام هدايت) وهو من أهالي قرية (ئيلنجاغ) وكادر الحزب الشيوعي في منطقة كويسنجق، ومعه (7) من سرية (كوى) واللذين كانوا متواجدين في الطرف الشمالي من القرية، في بيت (مام رحمان) الذي كان على علاقة قوية بالحزب الشيوعي، وقالوا له: بأنهم ليسوا في حرب مع الحزب الشيوعي، وعليهم أن يغيروا مكانهم إلى بيت آخر داخل القرية. وفي الطريق جردوهم من السلاح، وأخذوهم كأسرى عن طريق الحيلة والخداع!! نقلوهم إلى قرية (سيكردكان)، متخذين من الجامع سجناً لهم.
الاخبار تتوارد من جميع قرى المنطقة بأن معارك تدور هنا وهناك. تجمعنا عند الساعة السادسة صباحاً حيث قامت قوات الاشتراكي والشيوعي من جهة جنوب قرية نيرجين، بتطهير الاماكن والمرتفعات المطلة على القرية واستمر القتال إلى ساعات العصر. وكان دوى أصوات الآربي جي يصلنا من القرى الأخرى في (قه نبه ر، به رد بر، به له بان، بانه مورد)، أي أن جبهة واسعة طولها 10 كيلومتر تشتعل المعارك فيها. وكانت المرة الأولى التي نسمع فيها أصوات الهليكؤبترات التابعة للنظام وهي تتجول في سماء المعركة، دون اطلاق نار، وقبلها كنا حين نسمع أصوات الهليكوبترات، نختفي في الوديان والقرى وبحذر شديد، أما الآن فالوضع معكوس تماما.
عند المرتفعات والتلال الواقعة في الطرف الشمالى لقرية (قنبر) استشهد الرفيق (كيلان) من سرية أربيل للحزب الشيوعي، حيث جرح في فخذه وبسبب النزف فارق الحياة.
كان القتال في أعلى درجاته داخل قرية نيرجين، ونحن تقدمنا إلى الطرف الجنوبي من القرية وكانت قوات اضافية من الاتحاد تلتحق من الطرف الشمالي، وفي تلك اللحظات تحركنا بحذر شديد نحو القرية من الطرف الشمالي، وفي بعض المرات لجأنا إلى الزحف. أخذت قواتنا حالة الهجوم إلى داخل القرية. أنا وملا فتاح تحركنا سوية والرصاص ينهمر علينا بكثافة. قال ملا فتاح: هناك (بي كي سي) يبدوا انه يصوب بشكل مؤثر، عليه يجب أن أعامله بال (آر بي جي). الآر بي جي الذي كان معنا يعود للرفيق الجريح. كان كل جسمنا مغطى بالتراب ودخان البارود وكأننا عمال في مناجم الفحم.
وقبل ان نصل إلى داخل القرية، وتحت صخرة كبيرة استشهد الرفيق (اسماعيل) وهو آمر فصيلنا. دخلنا القرية قبل حلول الظلام والتقينا مع بيشمركة الحزب الاشتراكى وكانوا من المشاركين في القتال، أي مجموعة (دكتور رشيد).
أما مجموعة (سمكو منتك)، آمر (كه رت) في الحزب الاشتراكى، فوقعوا في أسر قوات الاتحاد، وعددهم(9) بيشمركة من ضمنهم آمر الكرت (سمكو منتك) الذي كان جريحا. اثنان من بشمركة الاشتراكي اللذان كانا في الأسر وهم (أحمد حاجي طه) من قرية (كه ره سور) والآخر لا أتذكر اسمه (ابن درويش بكر) من قرية داره توو، جرى قتلهم بالطبر بعد الأسر!!
وفي داخل القرية كنا مع (قادر مصطفى) عندما التقينا عزيز خضر أحد أمراء المفارز من الحزب الاشتراكي. سألناهم عن احوالهم فقال بأن لديهم جريح واعتقد كان اسمه (صباح). مفرزة عزيز خضر كانت تتكون من ثلاثة أشخاص وهو الرابع. ثم سألنا كاك عزيز بماذا يفكر وماذا يخبيء في قلبه؟ فقال: يبدوا أن الاتحاد الوطني يعتقدون بأن الآبار النفطية مدفونة في جيوبي؟ والله كاك قادر من العدالة والحق أن تجعلونى آمر كه رت، أي آمر فصيل، وباسم (كه رت الشهداء). أما خسائر الاتحاد حسب ما سمعنا من أهالي قرية نيرجين (9) قتلى، لكن الجثث اخذوها مع انسحابهم .
كان لاستشهاد آمر فصيلنا تاثيرا كبيرا في نفسي. ترك فيَّ جرح عميق ومؤثر. كنت في تلك اللحظات أرغب بالبكاء ولكن لسوء حظي كان البكاء قد تجمد في بلعومي ولا يريد الخروج.
المنظر الجميل في الوادى في الطرف الجنوبي من القرية والتى ينقسم مجرى نهر بست الشرغه إلى قسمين، حتى الاشجار كانت حزينة أيضا وأوراقها لا تنوي الاهتزاز، كما كان ماء (الشرغه) في بعض الاوقات عندما يتوقف الرمى، لا تسمع صوت خريره. بعد يومين من المعارك الدامية، كان عدد بيشمركة (الاشتراكي والشيوعي) يتراوح ( 500) بيشمركة وتقريبا نفس العدد من الاتحاد، أي ما مجموعه الف بيشمركة في قتال دام وشرس لمدة يومين متتالين، ضحاياها من الفلاحين والطلبة والكسبة الذين جاءوا لمحاربة النظام الفاشي الدكتاتوري. كان البعثون ومرتزقة النظام هم الرابحون ويشربون نخب الانتصار.
توزعنا في بيت حاجى صالح، وكان عددنا ( 17) بيشمركة، اكثرهم من الحزب الاشتراكي. لأول مرة يتوزع هذا العدد الكبير من البيشمركة في بيت واحد. كنا قبل ذلك نتوزع كل شخصين إلى بيت أحد الفلاحين.
بعد العشاء ذهبنا إلى الجامع. كانت هناك ثقوب كبيرة في جداره سببتها قذائف ال آر بي جي على أثر معارك اليومين الماضيين. كان اثار ما يقرب من (22) قذيفة على جدران الجامع. دار بيننا سؤال عن ماذا سنختار ك (سر الليل) لتلك الليلة. وكانت الأرجحية أن يكون (اسماعيل) الذي قبل سويعات كان معنا.
كنا نشعر بتعب شديد جسديا ونفسيا، بسبب اثار القصف. تركنا الجامع ونمنا في العراء، فاخذ كل واحد مكانا له يفترش الأرض ويلتحف السماء. استخدمنا القابوريات كوسادة ونمنا مع بندقية الكلاشن كأغلى حبيبة في الدنيا.
حين اطبقت عيني، غرقت بلحظات في النوم. حلمت بوالدتي وهي تزورني. كانت متوشحة بفوطة بيضاء. حدثت نفسي: يبدوا أن أمي جلبت هذه الفوطة البيضاء لكي تكون كفنا لآمر فصيلنا! وعندما أرادت التوديع والرجوع رغبت في الذهاب معها. قلت لها حسنا ساذهب معكِ. كنت في وداع أمي عندما سمعت صوتا يقول: انهض رفيقي الآن دورك في الحراسة! انا اجبت قائلا: دعني أودع والدتي! في تلك اللحظات امسك احدهم بذراعي وهزني وهو يقول: ماذا تقول؟ أي والدة؟ مباشرة صحوت ونهضت من نومي وحلمي فقلت: اعتذر يا رفيقي!!
فجر اليوم التالي، اخذ أهالي وسكان قرية (نيركين)، بعد قتال دام يومين، بالعودة رويدا رويدا إلى ديارهم.
وصول وفد قيادي إلى دشت أربيل:
يوم (3-02-1983) أي قبل أسبوع من المعارك، عقد اجتماع موسع على مستوى القيادتين بين الحزب الشيوعي والاتحاد الوطني بحضور(كريم أحمد، عبدالرزاق الصافي، أحمد قادر بأنيخيلاني من الحزب الشيوعي، وجلال الطالباني، نوشيروان مصطفى، ملازم عمر، فريدون عبدالقادر، جمال آغا، جمال طاهر، أرسلان بايز من الاتحاد الوطني). يبدو أن الاتحاد الوطني كان شديد الرغبة من اجل التقارب مع الحزب الشيوعي لكي تبقى باقي الاحزاب وهم الاشتراكى الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني وحيدين. كان نوايا الاتحاد الوطني ظاهرة بصورة واضحة للعيان، حيث كانوا يريدون ابعاد الحزب الشيوعي عن جبهة جود. لذلك ابدى الاتحاد الوطني الكثير من الليونة والتساهل من أجل الوصول إلى ذلك الهدف الهام. هدفهم كان واضحا، وذلك بجمع قواتهم من اجل السيطرة على مقرات (البارتي والاشتراكي) في منطقة (باليسان).
بعد أسبوع من اجتماع القيادتين الاتحاد والشيوعي، وعند عدم قبول الشيوعي لمطالب الاتحاد، كانت الضغوط واضحة. ففي ليلة10 /11-02-1983 وبين قريتي (كاني سليمانه و به رده سبي) نصب لنا الاتحاد الوطني كمينا. كنا عائدين من عملية مشتركة بين قوات الحزب الشيوعي والاشتراكي ضد النظام البعثي على الشارع العام بين كركوك وأربيل قرب قرية (ئومه راوه). على أثرها استشهد رفيق و جرح (7).
بعدها نشب قتال في عدة جبهات من دشت أربيل. وعلى أثره عقدت الاطراف الرئيسية الخمسة اجتماعا موسعا بهدف تطبيع وتهدئة الأوضاع. مثلهم :
1- علي حويز، عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني.
2- سيد كاكة، مسؤول المكتب العسكري في الحزب الاشتراكي.
3- صابر صاروخ، عضو قيادة باسوك.
4- محمد ملا قادر، ممثل الحزب الديمقراطي(لكنه لم يأتي بحجة انه مريض)، وأرسل نيابة عنه شخص آخر لا أتذكر أسمه. في الحقيقة البارتى لا توجد لهم قوات في المنطقة ففضلوا عدم الدخول في تلك المفاوضات.
5- ملازم خضر، (عضو اللجنة المركزية والمسؤول العسكري لقاطع أربيل للحزب الشيوعي)
كانت الاجتماعات تعقد في (ملبند أربيل) للاتحاد الوطني في (باليسان) و قيادة قاطع أربيل للحزب الشيوعي في قرية (شيخ وسان). وكانا قريبين عن بعضهما. بعد اتفاق قيادة الجانبين، قررا تشكيل وفد مشترك، لكن ملازم خضر والبيشمركة الذين كانوا يرافقونه، حيث كان يقدر عددهم (20) بيشمركة، قرروا التوجه إلى باليسان مقر (ملبند أربيل) للاتحاد الوطني. وحينما التقوا وفد الاتحاد في قرية باليسان بقيادة (علي حويز)، كان الحذر شديدا من قبل رفاقنا. لاحظ الرفيق (ملازم خضر) ان القوة التى كانت مع (علي حويز) والتي كانت في طريقها إلى (دشت أربيل)، يقدر عددهم ب (100)بيشمركة. فقال (ملازم خضر) أن تلك القوة للقتال والحرب وليست من أجل اجراء المباحثات ومعالجة المشاكل. وكان الاتفاق أن يكون عدد البشمركة ضمن كل وفد لا يتجاوز ال (20). لذلك قرروا أن تكون البداية تطبيق القرار.
تم اصدار قرار بتقليل عدد البيشمركة الذين سيخرجون من (باليسان) نحو (دشت أربيل) و(دشت كويه). كان الوفد الشيوعي والاتحاد ضمن قوة مشتركة، والباقين الاشتراكي والبارتي وباسوك يسلكون طريق آخر للوصول إلى المناطق المتنازعة. وفد الاتحاد والشيوعي عبروا منطقة سماقولى ووصلوا إلى المناطق القريبة من شارع (أربيل- كويه). وبسبب كثرة ربايا (الجحوش)، كان عليهم الانتظار وعبور الشارع العام، أي شارع (أربيل- كويه) عندما يحل الظلام. وبعد ان سمعوا الاطلاقات النارية وصوت ال آربي جى في قرى (غرب كوسنجق)، سأل (علي حويز) (ملازم خضر): هل تسمع الاطلاقات النارية؟
كننا نحن في غرب كويسنجق، وقبل وصول الوفد، بدأت جولة آخرى من الاقتتال، بين (الحزب الشيوعي والاشتراكي) من جهة وقوات الاتحاد في قرى (بايزئاغا) و(سماقه)، وهاتان القريتان كانتا بعيدتين عن مناطق الاقتتال، وكانتا تحت سيطرتنا، لكن الاتحاد انتهزوا الفرصة وسيطروا على هاتين القريتين، وذلك من اجل ان يكون موقفهم ،أي الاتحاد، قويا في الجلسات التي سوف تعقد بين الجانبين!!
القريتان كانتا بالنسبة لنا كملجئ قوي وآمن عند قيام النظام الفاشي بأي هجوم، بسبب وعورة تلك المنطقة. لذا اتفقت القيادتان العسكريتان (الشيوعي والاشتراكي) في سهل أربيل وكوي، على ان يعيدوا السيطرة على تلك المنطقة مرة آخرى وإخراج قوات الاتحاد منها.[1]