الخارطة السياسية في كوردستان
#كفاح محمود كريم#
بعيدا عن الخوض في تفاصيل ما حدث خلال العقدين الماضيين منذ انتفاضة آذار 1991م وتمتع هذا الجزء من الإقليم بنوع من الاستقلال الذاتي عن الحكم في بغداد وحتى انهيار نظام صدام حسين وقيام النظام الجديد، فان خيارا مهما توقف عنده الشعب الكوردستاني في أول ممارسة له في الحياة السياسية بعيدا عن السلطة الدكتاتورية، وهو الخيار الديمقراطي الذي انتهجته الجبهة الكوردستانية التي قادت انتفاضة آذار قبل ما يقارب من ربع قرن، رغم قناعة معظم قادتها بأنه خيار صعب ويستوجب تضحيات كثيرة في مجتمع متأخر مثقل بقيود ثقافة متراكمة من أنظمة شمولية مزقت المجتمع ودمرت بنيته التحتية والنفسية، إلا أنهم اختاروا هذا النهج واجروا أول انتخابات حرة خارجة عن تأثيرات وهيمنة سلطات بغداد في عام 1992م التي أنتجت أول برلمان كوردستاني في تاريخ العراق وكوردستان وبالتالي أنتجت أول حكومة كوردستانية تدير المناطق المحررة من الإقليم.
ورغم ما واجه هذا الخيار ومؤسساته من ضغوطات هائلة سواء من الداخل الذي وصفناه، أو من الخارج الذي فرض عليه حصارا مزدوجا من الأمم المتحدة، حيث العقوبات الدولية على العراق برمته، ومن النظام في بغداد، وصل إلى درجة منع دخول كيلوات من الغذاء أو الدواء إلى الإقليم، وقد أسهمت بعض دول الجوار في عملية الحصار التي كانت تستهدف إفشال هذا النهج بل إفشال التجربة برمتها، إلا أن الفعاليات السياسية والأحزاب وخاصة الرئيسية منها لم تتخل عن انتهاج الأسلوب الديمقراطي في بناء الإقليم سياسيا واجتماعيا رغم ما واجهها من ظروف غاية في التعقيد بل والمأساة، حتى نجحت في الدخول إلى حقبة ما بعد الدكتاتورية بفريق متناسق إلى حد أهلها لتولي موقع ريادي في بناء النظام السياسي والدستوري العراقي الجديد.
لقد تطور الأداء السياسي في الإقليم بشكل ملفت للاهتمام بل مثير أيضا حيث تبلورت بشكل واضح عملية توحيد الإدارتين بين اربيل والسليمانية بإرادة جدية لدى الطرفين الأساسيين خلال السنتين الأوليتين بعد سقوط نظام بغداد، والدخول في الانتخابات العامة التي جرت في 2005م بفريق واحد مع بقية الفعاليات السياسية سواء في الإقليم أو في بغداد، حيث جرت متزامنة مع الانتخابات العراقية، حيث اشترك الحزبان الرئيسيان في تحالف مهم أنتج برلمان بأكثرية الحزبين وحكومة وطنية موحدة، اشتركت فيها كل الأحزاب الكوردستانية، وتم أيضا في هذا البرلمان انتخاب رئيسا للإقليم.
وفي 2009 تغير المشهد السياسي بشكل نوعي حيث ظهرت قوى فاعلة ومعارضة انشقت من حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني وأطلقت على نفسها اسم التغيير أي كوران بالكوردية لتتحالف مع الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في أول ظهور لمعارضة سياسية برلمانية تستحوذ على 38 مقعدا من أصل مائة مقعد تنافست عليها ضد تحالف الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني اللذان ابقيا على تحالفهما الاستراتيجي بكتلة برلمانية واحدة حازت على الأكثرية التي منحتهما تقاسم الحكومة مرة أخرى ولكن بدعوات جدية لقوى المعارضة في الاشتراك بحكومة وطنية من كل الأطراف إلا أن تلك القوى رفضت الاشتراك وفضلت البقاء في البرلمان كقوى معارضة.
وفي هذه الانتخابات أجريت أيضا انتخابات رئاسية حرة ومباشرة وبطلب من السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث تقدم خمسة منافسين للرئيس بارزاني الذي فاز بما يقرب من 70% من أصوات الناخبين ليصبح أول رئيس لكوردستان ينتخب انتخابا حرا ومباشرا من الشعب.
ثمان سنوات من العمل المشترك بصيغة تقاسم الحكومة بين الحزبين الرئيسيين وتناوب شخصيتين منهما على رئاسة الحكومة كل عامين، أوصلا الإقليم إلى ما نشهده اليوم بكل تفاصيل مشهده أو لوحته الزاهية والمشرقة وحتى النقاط الداكنة هنا وهناك، إلا أنها أعطت نموذجا كان الأفضل واقعيا في تعاطيه مع مفردات الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الإقليم، ومع النجاحات الكثيرة ووجود مساحات للفساد والفشل الحكومي في النواحي الاقتصادية والإدارية والثقافية والحريات، أعطت جميعها الشارع والرأي العام فرصة لتطوير دوره وأدائه الذي انعكس بشكل واضح في انتخابات 21 أيلول 2013م والتي وصفت بأنها الأكثر تنظيما وإقبالا من قبل كل المراقبين العراقيين والدوليين، حيث فاقت أعداد الناخبين كل التوقعات وانحصرت مساحات الخروقات والتزوير بشكل واضح أعطى نتائجها مصداقية عالية ومقبولية من لدن كل الأطراف المشاركة والمراقبة من الداخل والخارج.
ولكي يكون المشهد والخارطة أكثر وضوحا نأخذ الجانب الرقمي لتبيان الحجوم العددية لكل مكون سياسي في نتائج انتخابات أيلول 2013م:
عدد المقاعد الكلي لبرلمان كوردستان 111 مقعد موزعة كالآتي:
المقاعد العامة 100
الكوتا 11 حسب التوزيع التالي
المكون التركماني 5 المكون المسيحي 5 المكون الارمني 1 عدد الرجال 77 عدد النساء 34
وأظهرت النتائج النهائية المصدقة الخارطة الرقمية لعدد مقاعد كل حزب في البرلمان:
الحزب الديمقراطي الكوردستاني حصل على 38 مقعد، حصة النساء فيها 12 مقعد ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 743984
حزب التغيير ( كوران ) حصل على 24 مقعد، حصة النساء فيها 8 مقعد،ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 476736
الاتحاد الوطني الكوردستاني حصل على 18 مقعد، حصة النساء فيها 6 مقعد، ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 350500
الاتحاد الإسلامي الكوردستاني حصل على 10 مقاعد حصة النساء فيها 3 مقعد، ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 186741
الجماعة الإسلامية في كوردستان حصل على 6 مقاعد حصة النساء فيها 2 مقعد ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 118574
الحركة الإسلامية في كوردستان حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 21834
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 12501
حزب الحرية ( ئازادي ) حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 12392
حزب الاتجاه الثالث ( ئاراسته ي سييه م ) حصل على مقعد واحد، مجموع الأصوات 8681
وعلى ضوء هذه الخارطة وقبول كافة الأطراف بها والتعاطي بموجبها نقرأ ما يلي:
1- أظهرت هذه اللوحة الرقمية الحجم الحقيقي لكل الأحزاب كل على حدا بعد أن كانت سابقا تنزل بقوائم مشتركة
2- إقرار الاتحاد الوطني بتراجعه شعبيا وانتقاله من المرتبة الثانية إلى الثالثة.
3- صعود حركة التغيير من موقعها الثالث في الخارطة السابقة إلى الموقع الثاني بسبب تراجع الاتحاد.
4- تقدم ملحوظ للاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية
5- ولادة رغبة لدى أحزاب المعارضة في الخارطة السابقة للمشاركة في الحكومة الجديدة.
6- هذه النتائج أفرزت حقيقة مهمة جدا وهي انه لا يمكن لأي الأحزاب تشكيل حكومة بشكل منفرد.
7- ولكون الجميع يطمحون بالمشاركة في تشكيل حكومة وطنية فقد أخذت المداولات فترة زمنية طويلة لوجود قوى قوية مؤهلة للاشتراك بشكل فعلي وجدي في حكومة وطنية.
ماذا أفرزت نتائج الانتخابات؟
حقيقة الأمر يمكن لنا ملاحظة خارطة سياسية جديدة في الإقليم ستنقله إلى الأربع سنوات القادمة بحكومة يصر معظم الطموحين للمشاركة فيها بان تكون حكومة وطنية تواجه تحديات جدية في الوضع الداخلي والخارجي، ومن ابرز تلك الإفرازات:
1- انتهاء مرحلة تقاسم السلطة مناصفة بين الحزبين بل أصبح لكل منهما حجم يؤهله للمشاركة على ضوئه
2- اعتراف قوى المعارضة بواقع وحجم الحزب الديمقراطي الكوردستاني كونه الفائز الأول في الانتخابات الأخيرة وهذا يدفعهم للتعامل معه على أساس هذه الحقائق.
3- تضائل الدعاية الإعلامية الموجهة ضد البارتي بعد ظهور نتائج الانتخابات مما يعطي انطباعا ايجابيا بتعاطي هذه القوى بشكل واقعي مع حقيقة الحجم المؤثر للبارتي سياسيا واجتماعيا.
4- ظهور توجه لدى قوى المعارضة وتغيير في تفكيرها باتجاه تطوير العلاقة مع الحزب الديمقراطي
5- فوز الديمقراطي الكوردستاني أعطاه قوة إضافية في نهجه بالتعاطي مع:
أ- السياسة النفطية للإقليم
ب- السياسة الخارجية
ج- التعامل مع بغداد
6- إصرار البارتي على تشكيل حكومة موسعة ومشاركة قوى المعارضة سيؤدي إلى توحيد الخطاب والبيت الكوردي داخليا وخارجيا.
7- إشراك المعارضة في الحكومة يعني انتقالها من مرحلة الإعلام والدعاية الموجهة والكلام إلى تحمل المسؤولية وبناء نهج جديد في إدارة الحكم ومواجهة مطالب الأهالي.
8- الانتخابات الأخيرة أثمرت الكثير للتجربة الديمقراطية في الإقليم بما يؤدي إلى تنمية الديمقراطية وتطور أداء الفعاليات السياسية وخلق منافسة صحية بينها في الأداء الوطني وخدمة الأهالي وتحسين الأداء الإداري
9- كل هذه المعطيات والإفرازات أنتجت خارطة سياسية تمنح الفريق الكوردستاني في بغداد قوة وتأثيرا في مجاله البرلماني والحكومي بما يحقق أهداف الإقليم وفق ما جاء في الدستور العراقي في بناء الدولة الاتحادية التعددية الديمقراطية.
[1]