كوردستان والحملات الإعلامية
#كفاح محمود كريم#
منذ عدة اشهر تشن وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة حملة موجهة ضد إقليم كوردستان تارة وضد ( الأكراد ) تارة أخرى، على خلفية الأزمة السياسية والصراعات والاختلافات في وجهات النظر بين كتلة الحكم وبقية الكتل الأخرى وفي مقدمتها العراقية والتحالف الكوردستاني والتيار الصدري وآخرين، مستخدمة ذات النهج الذي كانت تستخدمه ماكينة الإعلام البعثي أيام النظام السابق في توصيفاتها واتهاماتها لقوى الثورة الكوردستانية والمعارضة العراقية عموما، وفي شموليتها وتعميماتها وتداولها لمفاهيم وتوصيفات توحي للرأي العام بأن الخلافات بين الإقليم والحكومة المركزية سببها أشخاص بذاتهم أو أحزاب معينة؟
ولا يمكن لأي شخص أو حزب أو جهة ان تدعي بان الجميع اينما كانوا وفي أي زمان متفقين على رأي واحد ولا خلاف بينهم سواء في وجهات النظر أو حتى في التطبيقات العملية، فالاختلاف في الرأي سمة صحية وليست العكس، فقد يختلف الكثير من الناس في آرائهم وطريقة تفكيرهم وحتى في أسلوب معالجاتهم لكثير من الإشكاليات، بل ويتقاطعون مع الآخرين أفرادا أو جماعات ضمن مؤسسات نيابية أو مجتمعية أو حزبية، لكنها في النهاية لا تمثل رأي كل الناس إطلاقا أو إنها تستحوذ على تأييد ومساندة مطلقة من أي شعب من الشعوب في العالم صغر أم كبر، وكذا الحال عن أي حزب أو جمعية أو منظمة في ما يتعلق بتمثيلها لعموم الأهالي، فلا يستطيع أي حزب مهما بلغ حجمه التنظيمي وتأثيره الإعلامي أن يدعي تمثيلا مطلقا للشعب، وربما نتذكر هنا الحجم التنظيمي للحزب الشيوعي السوفييتي قياسا إلى مجموع نفوس ذلك الاتحاد، وكذا الحال في الصين والعراق وتجربة حزب البعث في تبعيث العراقيين جميعا وما آلت إليه هذه السياسة بعد ذلك.
وفي تجارب الشعوب الأكثر تقدما في ممارساتها الديمقراطية والبرلمانية نشاهد فعالياتها السياسية وهي توسع من مساحة تمثيلها أو تأييدها بإنشاء تكتلات برلمانية من أحزاب وجمعيات وأشخاص، في محاولة لكسب مساحة أوسع من الرأي العام، حتى وإن كانت من أجل عملية انتخابية صرفة بعيدا عن الانسجام الكلي في المبادئ والأفكار، فكثيرا ما تختلف هذه الأحزاب أو المنظمات مع بعضها البعض في توجهاتها أو آرائها ونظرتها لقضية معينة، إلا إن ذلك لا يعني الخلاف الأبدي وعلى طول الخط، إذ انه هناك دوما محطات يتوقف فيها الخصوم أو المختلفون، وربما يتحول ذلك الخلاف أو النزاع إلى تحالف وانسجام كبيرين كما يحصل في كثير من البلدان الديمقراطية في تكتلاتها البرلمانية والائتلافية، فليست هناك صداقات دائمة أو خصومات دائمة في العمل السياسي بل هناك مصالح متبادلة.
لقد أردت بمقدمتي هذه أن أصل إلى إن الخلافات لا ترتقي إلى مستوى معاداة شعب بأكمله من خلال التصريحات والتهجم الإعلامي لأي كان فردا أو حزبا، مهما بلغت الخلافات في وجهات النظر أو حتى الخلافات الحادة على الحدود أو الثروات، وحتى بين الشعوب أنفسها ليست هناك عداوات مطلقة كما تدعي بعض وسائل الإعلام والتحريض على الكراهية وإشاعة الأحقاد، وما حصل بين الهند والباكستان أو بين العرب وإسرائيل أو الفلسطينيون أنفسهم والدولة العبرية، وبعد ذلك الولايات المتحدة ومنظومة الدول الاشتراكية أو الصين وهونك كونك وتايوان، يؤكد إنه ليس هناك عداوة دائمة بل إن نهاية أي خلاف مهما كان هو الحل والتصالح ومن ثم التعايش.
أعود الآن إلى تصريحات بعض من أعضاء مجلس النواب العراقي المولعون بالمؤتمرات الصحفية وهم يتحدثون لفضائيات عربية ومحلية بلغة لا ينقصها التعميم وخلط الأوراق وإشاعة الكراهية والصراعات العرقية والطائفية حينما يتحدثون عن الكورد أو عن إقليم كوردستان ومكوناته، وكأنما يتحدثون عن أعداء تاريخيين لهم وحتى للعراق بل ويشككون في انتمائهم لهذه الدولة، ساعة بإلغاء وجودهم تماما في تلك المدن كما كان يفعل النظام السابق في سياسة التعريب أو كما فعلت تركيا في سياستها التتريكية للعرب والكورد وكما فعلت إسرائيل في صهينة فلسطين في السياسات الشرق أوسطية البائسة فيما سميت بالتعريب والتتريك والاستيطان، من قبيل التصريح بعراقية كركوك والهيمنة على المناطق المتنازع عليها، وان نسبة الكورد في الموصل لا تتجاوز 3 % من مجموع عدد السكان في المحافظة أو عملية تشتيت وشرذمة بعض العشائر الكوردية من الشبك أو من معتنقي الديانة الايزيدية تارة بكونهم عربا وتارة أخرى بكونهم أعراقا وقوميات، أو التعامل مع معطيات جرائم التعريب والتشويه الديموغرافي في كركوك وديالى والموصل وكأنها واقع حال علينا الإذعان لها والقبول بها تحت يافطة العراق الواحد وحرية مواطنه في السكن والعيش، أو من خلال تصريحات غير مسؤولة وينقصها الانضباط حول خطورة الأكراد ومحاولتهم لاحتلال الموصل وتكريد كركوك وسنجار في عملية لنشر الحقد والكراهية العرقية والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد كما فعلوا في إشعال الحرب بين السنة والشيعة في تصريحاتهم الطائفية المقيتة، متناسين حقيقة هذه المناطق وما تعرضت له خلال حكم البعث العنصري طيلة ما يقرب من أربعين عاما.
إن اعتماد هذا النهج في التفكير والممارسة والحملات الإعلامية
التي انتهجتها مجموعة من طواقم الإعلام الملحقة ببعض المسؤولين وأعضاء مجلس النواب خلال الأزمة الحالية بين العراقية ودولة القانون أو بين دولة القانون وإقليم كوردستان، تشيع الكراهية وتحرض على الفتنة وقبول نتائج تلك الجرائم التي اقترفها نظام صدام حسين، وهي بالتالي تعيدنا إلى ما قبل المربع الأول أو إلى نقطة الشروع التي ابتدأنا منها تحركنا جميعا من أجل حل المشكلات والمآسي التي خلفها النظام السابق سواء على مستوى البلاد أو ما أنتجته سياساته العنصرية في المناطق ذات الأغلبية الكوردية التابعة لمحافظات الموصل وديالى وتكريت إضافة إلى محافظة كركوك.
إن معاداة شعب بأكمله عمل بائس ومشين يدلل على سوء التفكير وضيق الأفق والنظر، وعلينا أن نستذكر دوما إن كل عمليات الإبادة الجماعية التي استخدمها النظام السابق وقادته العسكريين والأمنيين في الشمال والجنوب سبقتها حملات إعلامية لا تقل عما يجري الآن، وهي بالتالي ايضا لم تنتج إلا ما نراه اليوم في إقليم كوردستان من نهوض لشعب ينمو كما قال عنه ذلك البدوي الذي شهد عمليات الضرب الكيماوي في كرميان وبهدينان أيام كان جنديا هناك وعاد إليها ثانية بعد سقوط النظام فقال والله إنكم شعب لا يقهر، راسخون مثل هذه الجبال!
kmkinfo@gmail.com
[1]