كوردستانية الجزيرة في مرحلة التعريب - الحلقة الخامسة
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6829 - #02-03-2021# - 09:42
المحور: القضية الكردية
والمرة الثانية التي ظهرت فيها القبائل العربية على أرض الجزيرة (ونحن هنا نتحدث عن السكن والتحضر وليست السلطة أو الغزوات) تمت بعد 14 قرنا من زمن الغزوات، قبيل بدء الحروب التي جرت في منطقة حائل، بين عشائرها وعشيرة العنزة، أي بين آل الرشيد وآل السعود، ما بين عام 1901 إلى عام 1921 السنة التي خسر فيها آل الرشيد، بعدما كانوا أقوى الحكام في الجزيرة العربية، وكانت هجرة الشمر الكبرى أخر الهجرات منها، وفي هذه مصادر لا حصر لها.
ظهرت أول محاولات التحضر للقبائل المهاجرة هذه في شمال الفرات؛ في بداية العشرينات من القرن الماضي، علماً أن أول المجموعات التي اجتازت الفرات قبل ثورة حائل أي قرابة عام 1880م كانت من عشيرة الشمر، والطي، لكنهم لم يتوسعوا في الشمال، أي لم يجتازوا مصب الخابور في الفرت، إلا بعد الحروب الأخيرة التي هيمن فيها آل السعود وقبيلة عنزة على شمال شبه الجزيرة العربية، وهو ما أدى إلى تزاحم القبائل المهاجرة ضمن بداية الشام، وبدأت تحارب بعضها على الكلأ القليل والمحصور في شهور عدة من السنة، وعلى أثرها أتجهوا نحو الشمال وبدأت الإجتيازات الواسعة للفرات، حيث الخصوبة والمراعي المتوفرة. وللتأكد يمكن متابعة تاريخ العشائر العربية المتواجدة الأن في الجزيرة، وفترات هجرتهم من موطنهم منطقة حائل، أي من شمال شبه الجزيرة العربية إلى بادية الشام، والتي تنحصر ما بين 1850 و1910م. كمثال: تاريخ العراق بين احتلالين/العزاوي. رحلة إلى بلاد النجد/الليدي آن بلنت سنة 1879م. تاريخ قبيلة الشمر العربية/ جون فريدريك وليامسون. تاريخ الإحساء السياسي/ الدكتور محمد عرابي كشك. نشأة إمارة آل رشيد / الدكتور عبد الله الصالح العثيمين. عشائر العراق/ عباس العزاوي. المفصل في تاريخ العرب/ جواد علي. وغيرها الكثير من المصادر.
وفي مرحلة تجمعهم في بادية الشام، للتذكير، حاولت السلطات العثمانية، وبشكل خاص والي حلب ومتصرفية دير الزور، إجبار بعضهم على التحضر والسكن في بيوت، يوم كانوا لا يزالون يتنقلون في بادية الشام، لتحصيل الضرائب منهم، فبنت لهم قرى في جنوب الفرات لكنهم لم يسكنوها، وتركوا البيوت خالية بعد شهور، ومن بين المصادر العديدة في هذا إلى جانب الأرشيف العثماني عن إيالة دير الزور، يمكن العودة إلى كتاب الرحالة (ساكاو) والتي تمت في عام 1899م. وكتاب رحلة الليدي (آن بلنت) البريطانية وزوجها الشاعر ويلفريد سكاون بلنت، عام 1878م والتي تبدأ من إنطاكية إلى حلب إلى بغداد وخط سيرهما على الضفة الجنوبية لنهر الفرات إلى مرحلة انحرافها في منطقة الأنبار للتوجه نحو بغداد. وفيما بعد؛ طريق العودة المار بجنوب شنكال، إلى أن اجتازت الفرات بعد مصب الخابور فيه، وجميع لقاءاتها مع القبائل العربية كانت في جنوب الفرات وبادية الشام وفي منطقة الأنبار، في الوقت التي كانت المدن الكوردية كنصيبين وشنكال وكالينيكوس (الرقة) والرها وغيرها عامرة أثناء الغزوات الإسلامية الأولى وهي مدن الجزيرة، يمكن العودة إلى أبن الأثير وأبن حوقل النصيبين، وحديثا إلى المؤرخ الألماني ستيفان فينتر وغيرهم.
للعلم و(التنبيه) هناك من تلاعب بخريطة الليدي آن بلنت عن الجزيرة وديمغرافيتها ما نشرته مع كتابها وهي خريطة قديمة على سوية خرائط القرن الثامن عشر، وأحل مكانها أحد الكتاب العرب المحرفين لتاريخ الجزيرة خريطة مصطنعة عصرية سجل عليها أسماء العشائر العربية على مقاس الواقع الجاري، أي في عصر البعث، حيث توزع العشائر العربية بعد مراحل التعريب والتهجير القسري للكورد عن طريق مخططات الإصلاح الزراعي وبناء المستوطنات وغيرها من المخططات المعروفة، والخريطة تتنافى؛ بل وتتناقض مع ما تسرده الكاتبة في كتابها، وأماكن لقاءاتها مع رؤساء تلك القبائل. فالقبائل التي سجلها الكاتب العربي أسمائهم وأماكن تواجدهم في الخريطة المزورة، في الفترة التي رسمتها الليدي آن خريطتها كانت لا تزال تجول في بادية الشام وجنوب الفرات، للتوسع في هذه الإشكالية يمكن العودة إلى حلقات بحثنا (مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالا) والمصادر المذكورة سابقاً.
ومن جهة أخرى، للإحاطة بالمفاهيم القومية العربية الكارثية، لا بد من التطرق إلى الأفكار التي استندوا عليها الكتاب المنوهين إليهم، أدوات النظام البعثي البائد، ونبدأ بالأسئلة التالية:
1- متى برز البعد القومي عند العرب؟
2- ولماذا تنافس كل من البعث والناصريين على من هو أول مستورد للمفهوم القومي من أوروبا، ساطع الحصري، أم زكي الأرسوزي، أم ميشيل عفلق، أم جمال عبد الناصر وجماعته؟
3- كيف ولماذا نشر الاستعمار البريطاني الفرنسي المفهوم القومي بينهم، أليست لتسخيرهم كأدوات لمحاربة العثمانيين؟
4- كيف تبنت فيما بعد الأنظمة العربية هذا الفكر، وأضافوا عليها البعد العنصري وبدأوا بمحاربة الكورد؟
5- متى ظهرت موجة محاولات سلخ الجزيرة عن أصلها، ونشرت الدراسات حول الوجود الكوردي وديمغرافيتهم؟
ألم تظهر كل هذا بعد تكوين سوريا كجغرافية وتحولها إلى وطن افتراضي، ولا تزال شريحة من مخلفات البعث والأحزاب العروبية الأخرى، ينتهجونها تحت غطاء البعد الوطني، ولم تتبنى الحركة الكوردية هذه المنهجية، بل تمسكت ببعدها الوطني، حتى ولو كانت تحت غطاء الأمة الإسلامية، ولم يتخلوا عنه حتى اللحظة، لكنهم وكرد فعل على عنصرية السلطات العربية وكراهية المجموعات المنتفعة منها، وبينهم كتاب ومثقفون وإعلاميون وشريحة غير قليلة من العامة المغرر بهم.
تبنت الحركة الكوردية السياسية بعد الثقافية الفكر القومي بعدما لم تجدي مع القوى العروبية المنطق الوطني ومفاهيمه، ولكنها رغم ذلك ظلت تنبذ العنصرية، إلى أن بدأت المشاريع العروبية تجتاح الجزيرة وتنفذ بشكل عملي، ونشرت للترويج كتابات تاريخية محرفة، بتوجهات عنصرية فاضحة.
وفي العقدين الأخيرين ظهرت محاولات للتغطية على النزعة القومية العربية العنصرية بالدعوة إلى الوطنية، تبينت أنها لم تكن أكثر من خداع للذات قبل أن يكون على الشعب الكوردي، وتجلت نفاقهم في مرحلة الصراع السوري، إلى درجة أن خلفيات عنونة عدة كتب عكست حقيقة البنية الفكرية لأصحابها، والتي تفضل الدكتور (خالد حسين) بنقد أحدهم بشكل مختصر في مقالة له نشرها على صفحته، كمثال عما يتم. يمكن الاطلاع عليها من خلال الرابط التالي:
https://www.facebook.com/khaled.husain.923
كما وكتبنا وبالتفصيل في حلقات ردنا على محمد جمال باروت (مصداقية الباحث العربي) وفي دراسات أخرى، على خلفيات هذه الدعوات، وقد كانت خدع لتحريف وتشويه تاريخ الجزيرة، وحاولوا التغطية على مراحل التغيرات الديمغرافية فيها، ومسيرات التعريب وغيرها، والتي أفندناها وأفندها البعض من الكتاب الكورد وبثبوتيات دامغة، وأخرها كانت دراسة للكاتب (عليّ شمدين) على أحد التحريفات في الواقع الديمغرافي للشعب الكوردي في منطقتين من مناطق الجزيرة، يمكن الاطلاع عليها من خلال الملف التالي:
https://www.medaratkurd.com/2021/02/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a3%d9%83%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7/?fbclid=IwAR1Wm95IV4IQlXh_7MbU7_9-rqs8L_OepCd95UHM2Dfnwjp8St_j4nVBdM4
وأنا على يقين أن ما يتم نشره عن كوردستانية الجزيرة ليس لها علاقة بالبعد الوطني أو خلق التآلف بين الشعبين الكوردي والعربي والمكونات الأخرى في الجزيرة، لأن من يقف وراء هذه الموجة هم مسؤولي المركز القطري الداعم، بعد نضوب مخزون حزب البعث الذي كان يمول أدواته لهذه المهمة، وجلهم أطلعوا على ما نشرناه ونشره الكتاب الكورد في هذا المجال، وقرأوا معظم ما طالبنا به في البعد الوطني، لكنهم ظلوا يردون بما هو متراكم في أذهانهم من المفاهيم والصور النمطية المشوهة والشاذة.
ونأمل وفي هذه المرحلة العصيبة من تاريخ سوريا والمنطقة، أن تكون كتاباتهم أقل كراهية وتحريفا للتاريخ الكوردي، ودافعا للتآلف بين شعوب المنطقة، ويقتنعوا وبصدق بالبعد الوطني، للتغطية على الصفحات الموبوءة التي تم نشرها في المراحل السابقة، مرحلة حزب الشعب، والناصرية، والبعث، والإخوان المسلمين، وحافظ الأسد الأب والابن، وما يجري اليوم وحيث المعارضة العروبية التكفيرية والتي جل قياديي منظماتها لا يقلون عن الأنظمة العنصرية السابقة...
يتبع...
[1]