إعداد :غاندي اسكندر
ليس بمقدور أي إنسان أن يكتسب صفة الإبداع بين أبناء جلدته إلا إذا جعل من ذاته شمعة تحترق في سبيل مبدأ التزم به، أو مسارٍ قيم سلكه ليصل إلى مرافئ الكمال، فأي هدفٍ ينشده المرء، ويسعى إليه لابد أن يكون محفوفاً بعقبات جمة، ومشاكل متشابكة لكن امتلاك الإرادة الصلبة، والإحساس الممزوج بالاندفاع ستصهر، وتزيل أعتى المتاريس، وأشد الليالي حَلكة ودَماسة من هؤلاء الذين تغلبوا على ذواتهم، وتحدوا غياهب السجون، وجدرانها الصماء، وقضبانها البغيضة بروح متمردة ولَدت الإبداع وحلقت في سمائها وممن لمع نجمهم وسطع في هذه العوالم “يلماز غوناي”: المخرج، والممثل، والمؤلف الكردي الذي يعدُّ بلا منازع الأب الروحي للسينما الكردية.
المنشأ والبداية
وُلِدَ يلماز غوناي في قرية ينيجة التابعة لأضنة في الأول من نيسان عام 1937 في عائلة كردية فقيرة، سافر إلى إستنبول في التاسعة عشرة من عمره بحثاً عن لقمة العيش، وفي عام 1956انتسب إلى كلية الحقوق في جامعة أنقرة، ودرس فيها قرابة شهرين فقط، وفي عام 1958 انتسب إلى كلية الاقتصاد جامعة استنبول، وفي عام 1959 دخل غوناي عالم السينما من خلال فيلم الأيل الأحمر، ويعتبر غوناي أحد أبرز السينمائيين الكرد الذين نقلوا معاناة الشعب الكردي وحياته القاسية فمعظم أعماله كانت بمثابة لوحة جلية تعبر عن حياة البؤساء، ولاسيما الطبقة العاملة في تركيا حيث كان في أغلب أعماله بمثابة روح ثورية هائجة في وجه كل مضطهد لهذا أحبته الجماهير الكادحة، ووضعته في أعلى القمم، وباتت صوره، واسمه هي الأكثر ظهوراً في شوارع تركيا وإحيائها الفقيرة.
أهم أعماله
عمل يلماز في بداية مشواره الفني بأفلام تجارية حيث فاق عددها مئة فلم استطاع أن يصبح من خلالها البطل الأول، والأكثر طلباً من منتجي الأفلام السينمائية، ومن أفلام تلك المرحلة النهر الأحمر، والنعجة السوداء، والقاتل الضحية، وملك الملوك، وغيرها وفي عام 1966طرأ تحول كبير على أفلام غوناي حيث فرض من خلال أسلوبه الإخراجي، وتمثيله الملفت بما يشبه مدرسة جديدة في عالم السينما سرعان ما أخذت بعداً عالمياً، وداخلياً، وكانت باكورة أعماله حينذاك فيلمي الأمل، وسيد خان، الفلمان اللذان أوصلاه الى أكبر المهرجانات العالمية حيث حصد 17 جائزة عن فلمه الأمل، ومن الأفلام التي عبرت بشكل جلي وواضح عن محنة الشعب الكردي، ومآسيه المستمرة، ذاك الشعب الذي تسميه الفاشية التركية بأتراك الجبال فيلمي القطيع، والطريق (يول) حيت أوضح غوناي من خلال هذين العملين أن الشعب الكردي عندما يزيل عن كاهله تراب الاستعباد، ويكسر نير الاستبداد سيكون كالبركان، وسيجرف معه من يقف في طريف حريته.
إبداع بين جدران السجن
حكمت الفاشية التركية على يلماز غوناي بالسجن سبع سنوات، وخفضت بعد الاستئناف إلى سنة، ونصف بتهمة الدعاية للشيوعية عن قصته (ثلاثة عوامل للا مساواة الاجتماعية) عام 1961، وخلال فترة السجن كتب روايته المشهورة (ماتوا ورؤوسهم محنية)، وفي عام 1973أصدر المجلس العسكري حكما بالسجن سبع سنوات مع الأعمال الشاقة على يلماز بتهمة مساعدة الفوضويين، وسجن في سجن سيلمية، وحينها كتب بين جدران السجن رائعته (صالبا) التي تُرجمت إلى العديد من اللغات، وكتب سيناريوهات العديد من الأفلام مثل الرفيق، والقطيع، وآخرها فيلم (يول)، ولم يمضِ على إطلاق سراحه سوى مئة وعشرين يوما حتى سُجِنَ للمرة الثالثة بتهمة قتل قاضٍ يميني خلال عملية سطو مسلح، وحكم بالسجن تسعة عشر عاما، ورغم أن القاتل الحقيقي اعترف بجريمته مع عشرات الشهود إلا أن المحكمة أصرت على تلفيق التهمة لغوناي, في عام 1981تمكن يلماز من الهروب من السجن، ولجأ إلى فرنسا وفي حينها جردته الحكومة التركية من الجنسية وفي فرنسا حصل على “سعفة مهرجان كان” عن فيلمه الطريق عام 1982وأنجز فيلمه الأخير الجدار عام 1983الذي يتحدث عن واقع السجون التركية عبر تصوير أعمال شغب جرت في إحدى السجون، توفي يلماز غوناي في أيلول عام 1984إثرمرض عضال ودفن في مقبرة العظماء في باريس . [1]