اجري هذا الحوار مع المفكر العراقي المعروف (#هادي العلوي# ) قبل رحيله ونشر سابقا بالعربية ومترجما للكوردية في سوريا وتركيا. ونظرا لحيوية الافكار والرؤى الواردة فيه وملائمتها تماما لظرفنا الحالي حيث نعيش زمن ميلاد دولة كوردستان، ارتأينا اعادة نشره:جان دوست: تخوضون منذ فترة طويلة غمار التراث الإسلامي، كيف وجدتم صورة الإنسان الكوردي، أو بالأحرى صورة الشعب الكوردي في هذا التراث؟ و هل أنتم متفقون مع تلك الصورة التي قدمها ذلك التراث؟
هادي العلوي:
الدولة الكوردية حق مطلق
اجراه: جان دوست
اجري هذا الحوار مع المفكر العراقي المعروف (هادي العلوي) قبل رحيله ونشر سابقا بالعربية ومترجما للكوردية في سوريا وتركيا. ونظرا لحيوية الافكار والرؤى الواردة فيه وملائمتها تماما لظرفنا الحالي حيث نعيش زمن ميلاد دولة كوردستان، ارتأينا اعادة نشره:
جان دوست: تخوضون منذ فترة طويلة غمار التراث الإسلامي، كيف وجدتم صورة الإنسان الكوردي، أو بالأحرى صورة الشعب الكوردي في هذا التراث؟ و هل أنتم متفقون مع تلك الصورة التي قدمها ذلك التراث؟
هادي العلوي: ليس هناك ما يشكل صورة للشعب الكوردي في التراث الإسلامي. الأكراد من عناصر هذا التراث، و هم مساهمون رئيسيون فيه، إلى جانب العرب و الفرس و الترك (شعوب الإسلام الأربعة الكبرى)، على أن اتساع ظاهرة التمرد الكوردي و اشتداد حالة الصراع اليومي في كوردستان أوجد بعض الارتكاسات الأساطيرية بخصوصهم. فنسبهم بعض الرواة إلى أصول شيطانية، و لم تتحول هذه إلى صورة شائعة، بل هي من الانطباعات العابرة عن الأحداث الجارية في نطاق شعب أو إقليم معين. لقد ارتقى خطيب شهرزور المنبر مرة و قرأ: الأكراد أشد كفراً ونفاقاً، فاعترضه المصلون: ما هكذا الآية، بل هي: الأعراب أشد كفراً و نفاقاً. فرد عليهم: إن الله لم يأت إلى شهرزور حتى يرى ما يفعل الأكراد. وهذه أقرب إلى النكتة منها إلى الفكرة. وتبدو المصادر الإسلامية لمن يقرأها جيداً، ولا يعتمد على نصوص هامشية منتزعة بتصميم سابق، أميل إلى تكريم الأكراد واحترامهم. وقد تحدث المؤرخون عن بعض الأمراء الأكراد الذين حكموا في بعض أجزاء كوردستان، بإعجاب شديد، وسجلوا مآثرهم و نددوا بآخرين، كما يفعلون مع غيرهم، كلاً حسب سيرته و أفعاله. وأشاد الأدب الإسلامي ببطولات الأكراد في الحروب الصليبية، وفي هذا الشعر تذكر شعوب الإسلام الثلاثة الذين تصدوا للصليبيين، و هو في مدح أحد خلفاء الظاهر بيبرس:
للروم والإفرنج منك مصائب.. بالترك و الأكراد و العربان
ولم أقف حتى الآن على شعر يندد بالأكراد، بينما يندد بالعرب والفرس والأتراك… والأدب العربي الإسلامي حافل بذم العرب، كما هو معروف لقرائه و باحثيه، ولا نجد ما يماثله بخصووص الأكراد. إن الصورة التي يتحدث عنها السؤال، هي التي يحاول المستشرقون إيجادها بالاستناد إلى بعض الهوامش لغرض ينسجم مع أهداف الاستشراق كمعرفة مسيسة. وبعضها يستفيد منه القوميون العرب، لا سيما تلك التي تضع أصلاً عربياً للأكراد. وهذه وردت عند بعض المؤرخين في بحثهم عن أصول الأشياء و الأسماء، ولم تكن موجهة لغرض سياسي، لأن النزعة القومية لم تكنت ظاهرة آنذاك، وهي من نتاج الفكر الحديث الوارد من الغرب.
ج .د: ثمة مستويات متباينة في نظرة المثقف العربي إلى القضية الكوردية، و القضايا القومية” قضايا الأقليات كما يحب البعض تسميتها” . كيف تقيمون مثل هذه المستويات المتباينة؟
هادي العلوي: المثقف العربي، غير العراقي، يعادي القضية الكوردية، و يصدق ذلك على اليسار العربي وليس القوميين العرب وحدهم. إن النظرة السائدة في الوسط السياسي و الثقافي العربي للأكراد في العراق، أنهم أقلية قومية وليسوا جزءاً من أمة كبيرة، وهذا عند التقدميين واليساريين. أما القوميون فالأكراد عندهم عرب ناطقون باللغة الكوردية المأخوذة بدورها من العربية! و قد قال لي قومي عربي مرة: الأكراد إخوتنا، قلت: نعم، لأنهم عرب!!! وكان هذا هو غرضه من جعلهم إخوة له. لا تنتظروا الصدقات من أحد. فالحق لا يأتي إلا بالقوة. وسواء أيدكم المثقف العربي أم ناهضكم، فهو لا يقدم لكم شيئاً ولا يستطيع أن يمنع عنكم شيئاً، وهو عاجز عن أن يفعل شيئاً لنفسه فكيف لغيره؟
ج.د: لكم مشروع قاموس كبير، تسمونه كما سمعت: مشروع العمر. ما هو نصيب الأكراد في هذا المشروع الثقافي الهام؟
هادي العلوي: لا شأن للأكراد بمشروعي المعجمي. هو مشروع للغة العربية، يسعى لحل مشكلات لغة البحث والاصطلاح العلمي، وهو أمر يخص العرب وليس الأكراد. وغاية ما يقال هنا، أن مؤلف هذا المعجم عربي قح، لكنه نصير للأمة الكوردية، ويعتبر كوردستان العراق أرضاً محتلة كفلسطين تماماً. وهذه صفة المؤلف لا صفة القاموس. وهي أيضاً مجرد صدفة. فقد يكون مؤلف قاموس آخر قومي عربي، يتمسك بعروبة كوردستان ويفضلها على عروبة فلسطين.
ج.د: الدولة الكوردية حلم الملايين من الأكراد…هذا الحلم يتعرض للاغتيال مع كل محاولة جادة لإقامة دولة كوردية مستقلة. ويلاحظ المرء من خلال قراءة الواقع و التاريخ، أن هناك حالة فوبيا عامة من طرح مثل هذه المسألة، سواء في الغرب، أو لدى الذين يسيطرون على أرض كوردستان. ترى ما مصدر هذه الفوبيا؟ وما الذي ستخسره شعوب المنطقة وحكامها بعد نشوء دولة كوردية ربما تساهم في خلق استقرار أمني كبير في المنطقة بعد خروج القضية من ساحة اللعبة الدولية كورقة في يد الجميع لخلق حالة توتر دائم؟
هادي العلوي: نعم هو رهاب الكورد، مرض مشترك للغرب كله عدا استثناءات. وللعرب كلهم عدا استثناءات ، وللفرس والأتراك باسثناءات أحادية. لقد استوعب كلهم دولة إسرائيل التي قامت في غير أرضها، وتألفت من مهاجرين. ويتعذر عليهم استيعاب دولة كوردستان التي يراد إقامتها على أرضها ومن سكانها أنفسهم. أمة عريقة تسبق شعوب المنطقة كلها إلى التوطن في إقليمها، لا يحق لها إقامة وطن قومي باتفاق الجميع. وتبلغ المفارقة حد الاستفهام من بعض الأكراد أنفسهم، إذ تتحدث جريدة (ريگای كوردستان) عن حق اليهود في إقامة وطن قومي، وكأن هذه هي مهمتها كجريدة كوردية. وهذه من معادلات الفكر الغربي في وعي سياسيينا ومثقفينا، بيسارهم ويمينهم. و ليس لدي تفسير لهذا الرهاب الذي يصيب الكثير بسبب الأكراد، مع أنهم أقاموا دويلات عديدة ناجحة في أنحاء كوردستان على امتداد العصر الإسلامي، ومنهم ظهر أعظم قائد إسلامي بعد محمد وأصحابه، وهو صلاح الدين الذي ينتمي، كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية إلى أشرف شعوب الأكراد. الدولة الكوردية يجب أن تقوم. ولا يعنيني أن يغضب علي القوميون العرب الذين تستفزهم هذه الكلمة المحرمة، بينما يتعاملون مع دولة إسرائيل الغاصبة براحة ضمير.
وقيام الدولة الكوردية حق مطلق ولا يرتهن باعتبارات أو ذرائع أو مصالح تتعدى كونه حق مطلق. وقولك أنها ستساهم في خلق استقرار أمني كبير هو من فعل الترجمة . فأنت أيها الأخ الكوردي تتحدث بلسان دولي مبين. إن الاستقرار حاجة للقوى المتسلطة العاتية، لأنه يؤمن لها بقاء الأوضاع على حالها، بينما رفع الشيوعيون الصينيون في أيام عزهم هذه اللافتة: الاضطراب يعم الدنيا والوضع جياش. وكلما اضطربت الدنيا، اقترب المظلومون من نيل رغائبهم. فإذا استقرت وسكنت دام ظلمهم و انسحاقهم. إن دولة كوردستان ستكون عامل إثارة ضد الاستقرار الامبريالي. وهو السبب الذي يجعل الغربيين يتفقون على منع إقامتها والاكتفاء بتزويد الأكراد بعض المعونات الغذائية. وأنا معك. لتخرج القضية الكوردية من ساحة اللعبة الدولية كورقة في يد الجميع و تكون بيد أهلها.
ج.د: ما هي برأيكم الصيغة الأنسب للتعايش السلمي بين شعوب الشرق الأوسط؟
هادي العلوي: لنحدد. شعوب الشرق الأوسط هي: العرب، الأكراد، الأتراك، الفرس. والصراع قائم الآن بين هذه الشعوب وتغذيه الإمبريالية، وهو مع ذلك مسؤولية الشعوب نفسها. فالعرب والأتراك والفرس يضطهدون الأكراد ويحتلون بلادهم. والشعوب تشارك في هذا الاضطهاد، فهو ليس فعل الحكومات وحدها. إن الشعب العربي والشعب الفارسي والشعب التركي يوافق على احتلال كوردستان ويرفض النظر إليها كإقليم مخنلف، وقابل للإنفصال. العرب يعتبرون الأكراد عرباً والأتراك يعتبرونهم أتراك، والفرس يعتبرونهم فرس. وحتى الذين يؤيدون القضية الكوردية في هذه الشعوب لا ينظرون إليها كقضية أمة مجزأة ومحرومة من وطنها القومي، بل ينطلقون كونها قضية أقلية قومية، يدافعون عن حقوقها ضمن ضمن دولتهم.
الأتراك بدورهم يحتلون أجزاء من الأراضي العربية، ويتحكمون في الأنهار العراقية ويعملون على قطع الرافدين لتصحير العراق. والفرس من جهتهم يحتلون الضفة الشرقية لشط العرب، ويعملون لتوسيع حدودهم على حساب العراق. وهكذا فالصراع قائم في المنطقة بين الشعوب نفسها. ولا أرى أفقاً للتعايش السلمي بينها، ما لم يتخلى كل شعب عن مطامعه في البلد الآخر، فيجري إقرار حق الأكراد في الاستقلال وحذف المطامع التوسعية الإيرانية في العراق، وإيقاف المخططات التركية ضد النهرين وإعادة الأراضي العربية التي تحتلها تركيا إلى أصحابها.
ملاحظة:
نشر هذا الحوار أول مرة مترجماً إلى اللغة الكوردية عام 2004 في أحد أعداد جريدةWelatê me التي كانت تصدر في اسطمبول، ثم نشر هذا الجزء في العدد المزدوج 5 ، 6 من مجلة حجلنامه. واليوم إذ ينشر هذا الحوار إنترنيتياً آمل من الكورد أن يتذكروا هذا الراحل العظيم الذي تبرأ من جنسيته العراقية بعد قصف حلبجة من قبل نظام الطاغية صدام حسين قائلاً في براءته الشهيرة إلى أطفال كوردستان: أيها الطفل الكوردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة، على فراشه، أو في ساحة لعبه، هذه براءتي من دمك أقدمها لك. معاهداً إياك، ألاّ أشرب نخب الأمجاد الوهمية، لجيوش العصر الحجري، أقدمها لك على استحياءٍ، ينتابني شعورٌ بالخجل منك، ويجللني شعورٌ بالعار أمام الناس، أني أحمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك. وليت الناس أراحوني منها، حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز. أنا المفجوع بك. الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل. في زمن حكم الذئاب البشرية، لم نعد نملك فيه إلا البكاء. اقبلْها مني، أيها المغدور، فهي براءتي إليك من هويتي. وهو ما برح يناصر القضية الكوردية و يجاهر برأيه الجريء القائل بوجوب إقامة دولة كوردية مستقلة حتى آخر لحظة في عمره.
لمحة عن هادي العلوي:
ولد هادي العلوي الملقب بأبي الحسن في بغداد عام1932، وتلقى معارفه الأولى على يد جده السيد سلمان وفي مكتبته الغنية في مجالات التراث والفقه واللغة والتاريخ. حفظ القرآن ونهج البلاغة، كما حفظ الكثير من الشعر العربي. تخرج من كلية التجارة و الاقتصاد بتفوق عام 1955. منذ بداية الخمسينيات ساهم في الحركة الوطنية العراقية و تحول في وقت مبكر إلى النهج الماركسي وأقام صلات وثيقة مع الحركة الشيوعية. اضطر لمغادرة العراق منذ العام1976 وتنقل بين الصين ولندن وبيروت ودمشق التي توفي فيها يوم 26 ايلول 1998وهو في قمة عطائه الفكري. اقتدى الراحل بشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري في الامتناع عن أكل اللحم وبقي نباتياً إلى حين وفاته. كما أنه كان يمارس الزهد وعاش حياة متقشفة بالرغم من مرض الربو الذي كان يضغط عليه وكان من الأسباب التي أدت إلى وفاته. أصدر هادي العلوي عدداً من المؤلفات منها: نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي. فصول في تاريخ الإسلام السياسي. مدارات صوفية. شخصيات غير قلقة في الإسلام. فصول عن المرأة. الرئي و اللامرئي في الأدب و السياسة. كما نشرت أعماله الكاملة عن دار المدى.[1]