#إحسان شيرزاد#
عندما كنت مشرفاً على إنشاء أبنية مخافر شرطة في منطقة شانيدار قرب كهف شانيدار المعروف في شمال العراق، تعرفت على مقاول العمل رشيد عارف الذي عرض علي ترك الوظيفة والعمل معه في شركته التي كانت قد باشرت بعملها لأول مرة في حقل الركائز الكونكريتية.
وعند انضمامي اليه في المكتب الهندسي، تعرفت على المهندس المدني الاستشاري المعروف نيازي فتو، الذي كان يعمل كمستشار له على مشروع إنشاء بناية أساسات خزائن مصرف الرافدين الجديدة، حيث عملت كمهندس مقيم على هذا المشروع من تاريخ الى كما عملت على مشروع بناية شركة العراق الاوسط، والمصرف الشرقي والعثماني، وفندق بغداد، واعمال انشائية اخرى تحت اشراف الاستاذ نيازي فتو، الذي يعد أول مهندس مدني عراقي يؤسس اول مكتب هندسي في العراق. كان دقيقاً نشطاً وجاداً في عمله وقد تعلمت منه الكثير، ترك لاحقا العمل مع رشيد عارف، وعمل لصالح نفسه بشكل مستقل.
وفي هذه الفترة اعلنت وزارة المعارف عن بعثات دراسية خارج القطر، وتم ترشيحي من قبل لجنة البعثات، وفي اب 1949 تركت العمل في شركة رشيد عارف والتحقت بالبعثة الدراسية وبعد عودتي من امريكا عام 1950 اتصل بي رشيد عارف للعمل معه في مجال الاشراف كأستشاري لمشاريع مختلفة، لاسيما فيما يتعلق بدق الركائز، ولكنني وضعت له شروطا مستعصية كان الغرض منها التهرب من تبعات المهندس المقيم، ولكني تفاجأت بقبول جميع شروطي من دون اي اعتراض، فوافقت على العمل كمهندس مشرف بصورة دائمة من تاريخ » » الى » » ومن ثم الى نهاية 1953 خارج اوقات الدوام الرسمي حيث صدر أمر تعييني في » » مدرسا في وزارة المعارف العراقية.
عمارة الدفتردار بغداد
عملت كمهندس مقيم اشرفت فيها على ركائز عمارة الدفتر دار وكان هذا المبنى اعلى مبنى في مدينة بغداد في الخمسينيات ويتألف من 15 طابقا ويقع على شارع السموأل ومدخل شارع المستنصر، وقد فازت بعطاء الركائز شركة فرانكي بابل الانكليزية الهولندية لما تتميز به من خبرة في هذا المجال، حيث لم يسبق للعراق ممارسة تجربة من هذا النوع، معظم المهندسين الذين عملت معهم كانوا من الاستشاريين الالمان، وقد استمتعت بعملي وكنت اعمل ليل نهار في مرحلة فحص الركائز، وكانت هذه المهمة التي انيطت لي مميزة ورائدة.
كنا نضع اكياس الاسمنت المرصوفة لقياس التثبت في الركيزة وتستمر اشهرا عدة ولي دراسة اعتز بها عن اسس عمارة الدفتردار فحوص التربة وحساب الهبوط المحتمل حدوثه في المنشآت العالية نشرت في مجلة المهندس التي تصدرها جمعية المهندسين العراقية في ايلول 1956.
ارتكزت عمارة الدفتردار على 300 ركيزة من نوع Franki Comprect pile الكونكربت المسلح وبقطر ثمانية عشر انجا البعض منها كان مائلا، وقد وصلت الى اعماق 17 20 مترا تحت مستوى الارض.
ربطتني بالمهندس محمد مخزومي ابو حسن زمالة مهنة في التدريس والعمل المهني الى جانب الصداقة العائلية، فكان نعم الصديق يمتلك عاطفة جياشة، تدمع عيناه في المواقف الانسانية وهذا ارق واجمل ما يمكن ان ينعم بهعلينا سبحانه وتعالى. كان يمتلك اسلوباً في الاقناع لا يمكن تجاوزه متمسكا بطلب الكمال في التنفيذ، ما جعله حريصا على الانتاج الأمثل وبالاضافة الى كونه مهندسا كبيرا فهو حلال المشاكل بهدوئه، وتفكيره العلمي يتبعها وكالعادة بنكتة وضحكة مدوية.
كنا اعضاء في نقابة المهندسين، وكانت لجنة تكوين المهندس تجمعنا معا في النقابة وفي غرف الاجتماع نعمل معا لوضع الاطر العلمية الصحيحة للتوجيه الهندسي، كان محمد مخزومي يدرس في كلية الهندسة عندما تعينت معيدا فيها عام 1950 وفي الستينيات عندما شكلت نقابة المهندسين لجنة تكوين المهندس عملنا معا في هذه اللجنة ومنها تكونت لدينا علاقة زمالة مهنة فقد كنا متوافقين في توجهاتنا الفكرية في مجال اسلوب تكوين المهندس في العراق بشكل خاص، وفي العالم العربي بشكل عام، اتذكر عند انعقاد المؤتمر الهندسي التاسع لنقابة المهندسين في بيروت، كنا انا وأبو حسن نشكل فريقا قويا في المناقشات التي جرت حول المهندس وتكوينه.
ملعب الشعب الدولي 1962 1966
ومن ذلك الحين وانا اتابعه في كلية الهندسة واحاول ان اتفهم اسلوب تدريسه لمادة الانشاء، هذه المادة التي كنت اميل الى تدريسها الى جانب تطبيقات الكونكريت المسلح. وعند توزيع الحصص الدراسية كنا نتقاسم الشعب واحدة ل أبو حسن، والاخرى لي للمادة الدراسية نفسها، كنا نشكل فريقاً اكاديمياً متميزاً تشهد له قاعات مادة الهندسة الانشائية للصفوف المنتهية.
في » » شاركنا معا في لجنة الهيئة الهندسية العراقية لاتحاد المهندسين العرب حيث كان الاستاذ مخزومي نقيب المهندسين رئيسها، شاركنا معا في جلستين مهمتين. وقد كنت مكلفا بجمع القوانين والاحكام والقرارات العراقية السائدة، ومراجعتها واعداد مقترحات لتنظيم مزاولة المهنة، وتحديد مسؤولية المهندس، وفي مشروع ملعب الشعب الدولي شاركت مع أبا حسن كمستشار محلي في دراسة التصاميم الانشائية للملعب، كما وضعت مواصلة وشروط التعهد الكاملة للمشروع، واشرفت على تنفيذه.
ملعب الشعب الدولي هدية مؤسسة كولبانكيان الى مدينة بغداد
بدأ العمل فيه بتاريخ » » وانتهى العمل » ».
مصمم الملعب المهندس المعماري البرتغالي دي اميرال، وقام مكتب الاستشاري العراقي بمهمة الاستشاري المحلي، اما تنفيذ العمل فقد نفذه المقاول المهندس محمد مخزومي بعد فوزه بالمنافسة.
يتكون الملعب من ثلاثة اقسام رئيسية وهي:
القسم الاول المسبح وملحقاته، القسم الثاني ملعب كرة السلة، وكرة الطائرة، اما القسم الثالث، فهو ملعب كرة القدم والعاب الساحة والميدان، ويضم ملعب كرة القدم مدرجين احدهما مغطي والاخر مكشوف، وعلى شكل هلال دلالة على الطراز الاسلامي، انجز العمل بايد عراقية صرفة، تنفيذا تخطيطيا واشرافا.
تم افتتاح الملعب في خريف سنة 1966باقامة مبارة ودية بين نادي بنفيكا البرتغالي والمنتخب العراقي، وكان الهدف الاول في الملعب عراقياً احرزه اللاعب قاسم زوية، وبعد مرور اكثر من عشرين عاما على انشاء الملعب، وفي مجلة المقاول في العدد السابع، كتب المهندس تحسين نعمان رفعة، مدير مشروع الملعب ورئيس المهندسين التنفيذي
كان يقود فرقة الاشراف الاستشاري العراقي الاستاذ احسان شيرزاد، استاذنا وزميلنا وصديقنا، تعلمنا على يديه ونحن طلاب على كراسي الجامعة، واكتسبنا منه الخبرة في موقع العمل، فهو واضح الرؤيا جرئ الرأي، بسيط الشرح يوصلك بسرعة الى ما يريد ان يقوله، شعاره الدقة في التنفيذ والتأني في القرار، يشعرك بلذة الهندسة، وقيمة المهندس فنياً وقانونياً. كانت فرصة عظيمة عندما يتناقش المقاول المهندس محمد مخزومي مع المشرف المهندس احسان شيرزاد حول قضية فنية، انها محاضرة علمية، كنا ننصت اليها بكل لهفة.
عن مذكرات إحسان شيرزاد.[1]