الآلات الموسيقيّة التُّراثيّة ودورها في تجسيد الهويّة الوطنيّة
قامشلو/ علي خضير يعد إقليم الجزيرة من أهمّ المناطق الحضاريّة في سوريا، المعروفة بغناها للكثير من الفنون التّراثيّة العريقة، وبوجود فنانين، وعازفين كثر، متمسِّكين بروح الحضارة الموسيقية، وساعين للحفاظ عليها من الزوال والاندثار، يتأتّى ذلك من خلال التعرّف على الآلات الموسيقية التراثية المتعددة، التي كانت الحافظة لهذا التراث المنبعث من الثقافة المجتمعية والتقاليد المتبعة.
فقد كَثُرَ العازفون، والعاملون في صناعة الآلات الموسيقية، والهادفون إلى تطويرها وتنويعها، ولكن ما تعانيه المنطقة من وضع متأزِّم كان عائقاً أمام ذلك، وبالرُّغم من الحروب والصِّراعات في المنطقة، فمازال الفنَّانون والعازفون يسعون أيضاً إلى سبيل بقاء هذه الثَّقافة التراثية العريقة.
الحفاظ على الموروث الثَّقافي
فعلى هامش الندوة الحوارية، التي أقامتها “منظمة مالفا للفنون والموسيقا” لبعض الفنَّانين، والعازفين في مدينة قامشلو للتعرف على الآلات الموسيقية التراثية، التقينا المُجاز والماجستير في التّربية الموسيقيّة، والصّانع لآلة البزق “حسين إبراهيم” والَّذي أكَّد ضرورة المحافظة على العادات، والتّقاليد التّراثيّة: “إنَّ موضوع طرح الآلات الموسيقية الشعبية مهمٌّ جدَّاً، لأنَّه يساعد في الحفاظ على التّاريخ الثّقافي المادّي، واللّا مادّي الموجود في المنطقة، وبهذا المعنى تكوّن الآلات الموسيقية ثقافة لأبنائها من تراث، وفلكلور، وعادات، وتقاليد، فالآلات الموسيقية توثق هذه المواضيع بشكلٍ من الأشكال، سواءً أكانت متعلقة بالتاريخ الغنائي، أو بالعادات والتَّقاليد في المنطقة، إضافة لذلك سعت الآلات الموسيقية إلى ترجمة الحالات الاجتماعية إلى أغان موسيقية خالدة، وكونت شرحا وترجمة لأغنية معينة، أو قصَّة ملحمية معينة”.
تطور الآلات الموسيقية عبر الزمن
وعن شرح كيفيَّة تطوير الآلة الموسيقيَّة، وأداء اللحن الموسيقي استهل إبراهيم حديثه: “حصل هذا التطوُّر بمراحل متباعدة، وقليلة جدَّاً، فعلى صعيد المنطقة كان التطوُّر بطيئاً، فمثلاً آلة الطنبور، أو البزق الفلكلورية، كانت تُعزَف منذ الستِّينات بنمط معين، وشرح لحالات معينة من الموسيقا الفلكلورية التاريخية، وفي نهاية الستِّينات تغيرت الآلة، وتطوَّرت عن طريق العازف (محمد عبد الكريم) الملقَّب بأمير البزق، لأنَّه كان بحاجة لنوع آخر من الموسيقا، فهذه الآلة البسيطة، التي كانت تتألف من أربع عشرة إلى سبع عشرة علامة، لم تكن تؤدِّي الموسيقا، التي كان يهوى طرحها، حيث بدأ العارف عملية التّطوير من خلال زيادة عدد الربطات أو العلامات الموسيقية إلى نوع القصعة، (صندوق الصوت) وإلى نوعية المفاتيح من خشب إلى معدن، وبالتالي حصلنا على نوع آخر من الموسيقا، ولكن أصبحت بعيدة قليلاً عن الموسيقا التقليدية”.
وتابع: “أول شخص أحضر هذه الآلة إلى المنطقة، وتعرَّف عليها بشكل جيد هو العازف المرموق (سعيد يوسف)، من خلال عمله ولقائه بفناني حلب، ودمشق، ولبنان، وبالتالي أثَّر ذلك الاختلاط على ثقافته الموسيقية، فبدأ بتأليف نوع آخر من الموسيقا، والألحان، والإيقاعات”.
وعن صناعة هذه الآلات وصعوباتها يضيف إبراهيم: “للأسف صناعة هذه الآلة ما زالت بدائية، فلا يوجد تطوير من ناحية الشكل الخارجي، أو الزخارف، أو المواد، التي تُصنَعُ منها، أو حتّى الأدوات الصناعية، التي تُسْتخدَم في تصنيعها، فعلى صعيد الصوت بالدرجة الأولى لم يكن هناك تطوير، وهذا يتوقف على نوعية الآلة. لكن البزق الشامي مطلوب عند كثير من العارفين، لجودة صنعه، وصوته المميز في الخامات الموسيقية، ولتأثيره النفسي لدى السامع أكثر من البزق العادي”.
الموسيقيِّون والباحثون حماة التُّراث..
حماية التراث والحفاظ عليه واجب ومهمة الجميع، وخاصة الفنانون، تشير إلى ذلك “شهيرة إيبو” من مدينة عفرين المحتلَّة، وهي تعمل في إعداد حلقات البحث الثقافية والاجتماعية: “شاركت مع منظمة مالفا للفنون والثقافة في إعداد حلقة بحثية عن الآلات التراثية في المنطقة، وكوني غريبة عن المنطقة كانت فرصة لي أن أتعرَّف على شيء جديد، والهدف من هذه المشاركة هو التَّعريف بالآلات التراثية، التي من الممكن أن تندثر مع مرور الزمن، إذا لم نعرّف الأجيال عليها، ونحييها بشكل متواصل، فمن الضروري تعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة، وترك شيء ناصع عن تاريخهم”.
واستكملت: ” تطرَّقنا من خلال الحلقة البحثية لثلاث آلات مشهورة، تعدّ أساس المعزوفات في المنطقة، وهي (البزق، الكمنجة، والربابة)، فقد فرَّقنا خلال الحلقة بين البزق، والطنبور، ولا زلنا لهذه اللحظة حاملين للتُّراث نعتقد بأنَّ البزق، والطنبور آلة واحدة، ولكن هناك اختلاف بينهما من ناحية المفاتيح مثلاً، وعدد الأوتار، وصوت المعزوفات بينهما، فآلة الطنبور تُثبَّت فيها المفاتيح على الزند بشكل مباشر، بينما يكون في البزق ما يسمى ب (بيت الملاوي)، وهي قطعة معدنية تتركَّز عليها ستة مفاتيح، فهذه الأمور إذا لم ندرسها لا نستطيع التفريق بين الآلات الموسيقية”.
واختتمت شهيرة إيبو: “قمنا بعقد لقاءات مع بعض العازفين على آلة البزق، مثل الأستاذ سعد فرسو، والأستاذ حسين إبراهيم، صاحب ورشة (سيتيل) لصناعة الآلات الموسيقية، ومنها البزق، واكتسبنا خبرة كبيرة منهم في سبيل إحياء تراث الآلات الموسيقية التُّراثيّة في منطقتنا، وإثبات هويَّتها الوطنيّة القديمة والعريقة”.[1]