#صباح كنجي#
قرأتُ، وبالصدفة في موقع عفرين، في شبكة الأنترنيت كتاب السيد مرشد اليوسف المعنون ( د موزي - طاووس ملك - بحث في جذور الديانه الكرديه القديمه ) الطبعه الأولى 1999 والمؤلف باحث وآثاري من اكراد سوريا .
يحتوي الكتاب على مدخل واربعة فصول هي:
موجز تاريخ نشوء وتطور الميثولوجيا والديانه الكرديه القديمه. والفصل الأول مكرس للكلمات السومرية والكرديه المتقاربه أو المتشابهة و الثاني الديانه الكرديه الأيزيديه و الثالث الديانه الكرديه الأبراهيميه و الرابع الديانه الكرديه الزرادشتيه.
تتجلى اهمية الكتاب من كونه صادر عن متخصص في علم الآثار لديه اطلاع على المكتشفات الآثاريه المهمة في سوريا والمنطقه الموزعه في كافة متاحف العالم من جهة ولكونه يجيد الكرديه وهي لغة الأيزيديين التي حاول تقصي جذورها وابعادها من خلال عناوين فصولة الأستفزازيه للقارىء والجريئة في طرح استنتاجاتها وهو إذ يدفع بك لمواجهة حقائقه مباشرة لا يفوت الفرصة عليك للمتعة أثناء تقصيه عن جذور الكلمات والمشتركات في الطقوس والعادات والأعياد وطبيعة الحياة وغيرها مما ورد في فصول الكتاب المتلاحقة والمكملة للأخرى في هدف حاول أن يستوضحه بلا تردد في مدخله في بداية الكتاب حيث اكد وهو يعدد العشرات من الكتب المهمة عن الأيزيديه والديانه الكرديه :
أمام هذا الكم الهائل من الأبحاث والدراسات الأفتراضيه المتضاربه حول الديانة الكرديه الأيزيديه وجدت نفسي مدفوعا ً لأن اساهم بشكل علمي ومنهجي وموضوعي لأثبات ما يمكن اثباته حول اصل الديانه الكرديه، وخاصة الديانه الكرديه الأيزيديه، وتطورها عبر الزمن، وبعد سنين من البحث والدراسه وجدت من الضروري البحث عن المصادر الأساسية في متاحف العالم التي تحتوي على الكثير من الكنوز الأثرية الخاصة بكردستان وميزو بو تاميا وغرب آسيا ، مثل متحف اللوفر في باريس ومتحف الفاتيكان ومتاحف روما في ايطاليا ومتحف الفن والتاريخ في اثينا ومتاحف بريطانيا وسويسرا والنمسا وقبرص وبلغاريا والعراق والأردن ولبنان بألأضافة إلى متحفي دمشق وحلب في سوريا .
ورغم غنى تلك المتاحف بالمقتنيات الأثريه الخاصة بمنطقة كردستان فقد وجدت نفسي كمن يبحث عن ابرة في قاع المحيط، ولولا الصدفة الحميدة التي عرفتني على الأستاذ الدكتور علي أبو عساف لأنتهى بي المطاف إلى طي الموضوع ونسيانه وفي القلب غصة ، ففي عام 1986 وأثناء دراستي في دبلوم الدراسات العليا في علم الآثار بجامعة دمشق اهداني إستاذي الكريم الدكتور علي أبو عساف الذي كان يشغل آنذاك مديرا عاما للآثار والمتاحف في سورية مرجعا قيما ً بعنوان ( تموز- عقيدة الخلود والتقمص في فن الشرق القديم ) تأليف عالم الاثار الألماني الشهير انطوان مورتكارت ترجمة وتحقيق الدكتور توفيق سليمان 1985. من منشورات المجد للنشر والطباعة بدمشق. الأمر الذي اثلج صدري بمضمونه ومادته العلميه والاثريه القيمة التي عالج من خلالها الأستاذ انطوان مورتكارت عقيدة الاله السومري دوموزي.
وبعد دراسة هذا الكتاب لمرات عديدة من قبل السيد مرشد اليوسف توصل إلى نتيجة علميه وهي إن دوموزي هو تاوسي ملك ، وان عقيدة دوموزي في الخلود والتقمص هي عقيدة الديانه الأيزيديه دون شك وواصل اليوسف متابعته لهذا الأمر من خلال ابحاث ومؤلفات فراس السواح وعالم السومريات صموئيل نوح كريمر ومن ثم ديورانت في كتابه الطويل قصة الحضارات حول الديانة الكرديه الزرادشتيه وغيرها من المصادر المهمة.
في الفصل الأول بذل الكاتب جهدا ً في ترتيب العديد من الكلمات السومريه والكرديه المشتركه أو المترادفة وهو أمر سبق لي التطرق إليه في مجلة روز المتخصصة عام 1997 العددان الثالث والعاشر وتأتي استنتاجات واضافات الباحث مرشد اليوسف داعمه لهذا المنحى وتؤكده بمعطيات علميه وآثاريه مدعومه بتخصص في علم الاثار الأمر الذي يفتح المزيد من الافاق أمام من يود مواصلة البحث عن المزيد من الحقائق عن جذور الديانه الأيزيديه أو تاريخ الأقوام التي سكنت بلاد الرافدين منذ العهد السومري وتشعب ارتباطاتها وتفرعاتها .
وفي الفصل الثاني الديانه الكرديه الأيزيديه من ألصفحه 76-170 .
و الثالث المعنون الديانه الكرديه البراهيميه من الصفحة 171-185.
و الرابع الديانه الكرديه الزرادشتيه من الصحة185.
يواصل الباحث عطائه المتواصل لأستقصاء العلاقة بين مكونات الديانات الكرديه القديمه عبر مختلف الأزمنه ويبحث في العلاقه بينها وبين الأيزيديه في صيغة لا تخلو من العاطفه والحماس الذي يناقض الراي العلمي أحيانا ً ويفسد بعض المعطيات الهامه لديه نتيجه لميله المتسرع في تكرار الصبغة الكرديه بشكل عجول اقرب إلى الأنفعال من لغة العلم التي يمتلكها الباحث وهو أمر كان بالأمكان تفاديه بسهوله من خلال اعطاء الفرصه للقارىء للأستنتاج والربط بين الأفكار والآراء المطروحه في هذه الفصول وعدم الخلط بينها بأعتبارها مكون من مكونات الشعب الكردي في المنطقه على سبيل المثال ما ورد في الفصل الثالث ( الديانه الكرديه الأبراهيميه ) أو الفصل الرابع ( الديانة الكرديه الزرادشتيه) وهي عناوين استفزازيه تدفع القارىء للتساؤل هل كانت الزرادشتيه ديانة كرديه خالصه أم أنها في ذات الوقت هي ديانة الفرس وهل سمع الكاتب أو قرأ بأن الديانة الزرادشتيه كانت منتشرة بحدود معروفة بين العرب قبل الأسلام وبالذات في مناطق الجزيرة العربيه ، وتسري نفس الأسئله اذا ما اردنا المحاججة على الديانه الأبراهيميه التي لها امتدادات بين الكرد والعشرات من اقوام وشعوب العالم ابتداء ً من ميزو بوتاميا وانتهاء ً بالهند وحوض بحر قزوين والقفقاس.
اما التساؤل الآخر والذي لا يقل اهميه عنه فيتحدد بهوية الدين قديما ً وحديثا ً ويمكن صياغته بلا تحفظ ونحن نقرا ما ورد في عناوين كتاب السيد مرشد اليوسف ونحاججه بها هل كانت الديانه السومريه ديانة كرديه ما هي معطياته في هذا المجال وهل كانت القوميه ككيان متبلورة في تلك الأزمنة أم أنها جاءت في اعقاب مراحل زمنية لاحقة بعد تشكيل الكيانات السياسية وظهور الدولة كمؤشر وعامل مساعد في دعم الكيانات القوميه.
والسؤال الاخر ما المانع في أن يعتنق أبناء أكثر من قبيلة أو قوم ديانه واحدة سابقا ابتداء ً من العهد السومري وما اعقبه، أو أن نعيد السؤال بصيغة أخرى ما المانع في أن يشترك أكثر من شعب أو قوم في دين واحد يوحدهم بشعائره وطقوسه كما في الديانات الحديثه وهل انتفت الأسباب في الماضي لتكوين مثل هذا الدين الذي يجمع أكثر من طرف بين دفتيه ومفاهيمه ، خاصة وان الدين هو اولا وآخرا ظاهرة انسانيه ظهرت ونمت مع نمو الحظارة الأنسانيه التي تطورت عبر الأنشطار والتلاقح منذ آلاف السنين.
وقد أوضح الكاتب اليوسف في مدخله للكتاب( وللحقيقة أقول إن البحث في جذور الديانة الكرديه القديمه وخاصة الديانة الأيزيديه التي تمتد جذورها عبر آلاف السنين في عمق التاريخ الكردي ، ليس امرا سهلا ، ولا ادعي أني اجبت على كل الاسئلة الكبرى المتعلقه بهذه الديانات الكرديه القديمه).
والكتاب بمحتواه والآراء الواردة فيه يعتبر من الكتب المهمة التي تناولت ظاهرة الدين وإرتباطاتها التاريخيه في المنطقه التي شهدت مهد الحظارات وهو في سياق الكتب التي تتناول الأيزيديه يعتبر أكثر اهمية كونه جاء من خلال مختص بعلم الاثار ومن باحث كردي انصف الأيزيديه كديانة نبه لعراقتها الباحث العراقي المعروف جورج حنا في كتابه( اليزيديه بقايا دين قديم ) الذي منعته السلطات العراقية عام 1973 وهو تطوير لما ورد من كتب ودراسات تربط الأيزيديه بالماضي العراقي القديم والديانة السومريه التي لا نشك بانها الجذور التي امتدت إلى اليوم من خلال الزقورات الشامخة في العشرات من قرى الأيزيديه لليوم ، انه بحق كتاب يستحق القراءة ويفتح افاقا ً للمزيد من الدراسات الجديدة في هذا الشان .[1]