عرض: د. محمد نزار الدباغ
ضمن سلسلة كُتَّاب الموصل المحليين صدر للمُؤَلِف (علي عبدالله محمد خضر) كتاب (وقفة مع المؤرخين والنسابين في الموصل)، في طبعته الأولى لسنة 2014، في (الموصل)، وبواقع (84) صفحة من القطع المتوسط.
اشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة محاور، واختُتِمَ بقائمة المصادر والمراجع، مع نماذج لبعض الوثائق المتعلقة بمخطوطات ومشجرات أنساب بعض القبائل والأفخاذ والعشائر في الموصل.
وجاءت محاور الكتاب الخمسة بالشكل التالي:
• صفات يجب أن يتحلى بها المؤرخ والنسَّاب.
• ملاحظات تقويمية.
• ما يجب الابتعاد عنه في الأنساب.
• ملاحظات أخرى.
• ما جاء في الحسب.
جاءت مقدمة الكتاب في (5) صفحات، ركّز فيها المُؤَلِف على تثبيت النسب بصورة صحيحة، حتى لا تختلط الأنساب مع بعضها، وتتضح الحقيقة، كما أكّد على ضرورة أن يتحلى النسَّاب بالدراية والعلم والمعرفة بأصول وأنساب القبائل، وتَتَبُع الأسماء، مع الاطلاع على الكتب والمصادر ذات الصلة، فضلاً عن المعرفة بقراءة الوثائق المتضمنة مشجرات ومخططات القبائل والعشائر، وأن يتحلى بالخبرة في التمييز بين ما هو صحيح منها وما هو غير ذلك.
فضمن الصفات، التي يجب أن يتحلى بها المؤرخ النسَّاب: أن يكون على دراية بعلوم اللغة، والعقيدة الإسلامية؛ إذ إن لعلم الأنساب أهمية كبيرة في إصدار بعض الأحكام الفقهية والعقائدية والعرفية، وأن يكون من أوسط قومه، معلوم النسب لأبويه، صحيح النسب في محيطه، وأن يتحلى بالصدق والأمانة، وأن يكون عالماً بتاريخ الشعوب المجاورة والقريبة من بلاد العرب. فضلاً عن ذلك، فلا بد أن يكون كامل العقل، واسع الإدراك، قوي الحفظ، سريع البديهة، دقيقاً في النقل، واضح الخط.
زيادة على أن يكون ممن عاصروا العوارف والنسابين القدامى، واطّلع وأخذ عنهم علوم الأنساب، كابراً عن كابر، وأن يتصف بالنزاهة في كتابة الأنساب، وأن يكون عالماً بطرق تثبيت النسب، مُطلعاً على المخطوطات والوثائق القديمة، مُمَيِزاً بين الحقيقية منها والمزورة أو الملفقة، فضلاً عن صفات أخرى كثيرة.
أما عن الملاحظات التقويمية على مجموع كتابات التوثيق المحلي وتاريخ الأنساب الموصلية، فنجتزئ منها بعض الملاحظات التي ذكرها المُؤَلِف في كتابه، ومنها: أن التوثيق لمحلات مدينة الموصل القديمة لم يشتمل إلا على محلات الأبواب الطرفية، والتي كانت إلى عهد قريب خارج مدينة الموصل القديمة.. ولم يستطع أحد سبر أغوار المحلات القديمة، الواقعة في قلب المدينة القديمة، وكشف أسرارها. ثم إن البعض مزج بين محلتين مختلفتين تماماً من حيث التركيبة السكانية والعادات والتقاليد واللهجة وتاريخ نشوء اسم المحلة الكبرى.
ومن الملاحظات في المحور الثالث، أن كل لقب عائلي في المدينة يوازي فخذاً من أفخاذ العشائر الريفية في الطبقة النسبية، وإن قَلَّ عدد أفراده.
كذلك وجود بعض الأسماء المتطابقة بين أجداد بعض العوائل، لا يعني أنها متطابقة في النسب، وإن كانت تدعي الانتساب إلى نفس القبيلة، ما لم يثبت التحقق من أصحاب تلك الأسماء، وأنهم هم نفس الشخوص لا غيرهم، لأن تلك القبائل القديمة أصبحت شعوباً.
وإن النسبة إلى مكان لا تعطي الانتساب لجَدٍ جامع واحد، كالعاني (من عانة)، أو الراوي (من راوة)، والموصلي (من الموصل)، والبغدادي (من بغداد)، وغيرها من أسماء الأماكن.
كذلك يخطئ بعض الكُتَّاب، ومصممي المُشجرات النسبية الحديثة، في مسألة تقدير الاحتمالية، وحساباتها الزمنية.
ووجب على كل أُسرة أن يكون فيها عالم بأنسابها، مؤتمن عليها من الدخلاء، ويتوجب أن يكون مقيماً في مسقط رأس الأُسرة أو العائلة أو العشيرة، غير مهاجر إلى بلدة أخرى.
ولم يكن بعض الكُتَّاب على دراية تامة، واطلاع كبير بتاريخ الموصل القديم عبر العصور، بشكل دقيق، فقاموا بتوصيفات وتعديلات خاطئة لبعض الأسماء والأمكنة، ولم توثق بشكل علمي دقيق وأكاديمي، حسب رأي المُؤَلِف.
ثم نجد أن هناك اختلافاً في بعض آراء الكُتَّاب، حول أعمدة بعض أنسابهم المشهورة، وغيرها من الملاحظات.
ومما يجب الابتعاد عنه في النسب - حسب ما ذكره المُؤَلِف - هو عدم الفخر بالأَحْسَاب، فذاك من أخلاق الجاهلية، ولا يجوز الطعن في الأنساب، ما لم تكن هناك بينة شرعية واضحة، وأمر شرعي يستدعي الطعن. ويجب أن يكون الاهتمام بالأنساب ضمن حدود الحاجات الشرعية التي تتطلب ذلك، ولا يجوز رفع الأنساب إلى ما بعد (عدنان)، لثبوت النهي عنه.
أما المحور الرابع، فقد فصَّل فيه المُؤَلِف، وذكر (ملاحظات)، منها: لا يجوز أن يَنسب الأدنى من هو أعلى منه في الطبقات النسبية، فلا ينسب من لا يعلم من نسبه أكثر من خمس أظهر، صاحب العشرة أظهر أو أكثر. والمتحولون من نسب إلى آخر، دون دليل واضح، سيكونون من العوائل والأُسر والعشائر المتحيرة، ما لم يثبت دليل تحولهم بصورة قطعية.
وفي المحور الخامس، مما جاء في الحَسَب، هنالك نماذج وأمثلة كثيرة، منها أن حَسَب أهل الدنيا المال؛ قال عليه الصلاة والسلام: إن أحسَاب هذه الدنيا الذين يذهبون إليه لهذا المال – (تخريجه عند إبن حبان في الزوائد – باب الحَسَب -).
فإن أهل هذه الدنيا ليس لهم حسب سوى المال يتفاخرون به، وقد لا يملكون شيئاً، والحَسَب الحقيقي هو شرف الإنسان، وكرامة أهله، وعِرضِهِ، حسب تحليل المُؤَلِف.
واعتمد المُؤَلِف على مصادر ومراجع عديدة، ناهزت (63) كتاباً وسجلاً وثائقياً ومشجرات عائلية ووقائع ندوات وموسوعات. ومعظم الكتب التي ارتكز عليها كتابه، جاءت متنوعة بين كتب التراجم، وكتب الأنساب والعشائر - والموصلية منها تحديداً -، وهي كثيرة.
والمُؤَلِف من مواليد مدينة (الموصل). صدرت له خمسة كتب، هي: (موسوعة الأسر والعائلات الموصلية الوثائقية)، و(كُتَّابُ الموصل المَحليُون/ ج1)، و(مقتطفات من وثائق موصلية في الحقبة العثمانية)، وكتاب (خرائط الموصل - دراسة تاريخية)، فضلا عن كتاب (شيخ العلوم في الموصل الحدباء...)، وله (16) بحثاً ومقالاً منشوراً في دوريات علمية أكاديمية، ومجلات ثقافية، زيادة على مشاركته في العديد من المؤتمرات والندوات، المحلية والقُطرية، وله العديد من شهادات التقدير، وكتب الشكر، ومشاركات في دورات خارج القطر.[1]