باسم فرنسيس صحافي
فتحت خطوة حكومة بغداد لفرض سيطرتها على مخيم مخمور في نينوى للاجئين الأكراد المعارضين لأنقرة باب التساؤلات حول توقيت دوافعها، فيما تواجه مطالب ملحة من جارتيها تركيا وإيران لكبح جماح الجماعات الكردية المتمردة على الدولتين، والمقيمة بعناوين عدة داخل الأراضي العراقية بخاصة من جهة إقليم كردستان، فما مبررات بغداد؟ وهل هناك تفاهمات مسبقة مع دول الجوار؟
وشهد أول من أمس السبت توتراً وصدامات إثر احتجاج اللاجئين على قدوم قوات من الجيش والشرطة العراقية لفرض إجراءات على المخيم مما أدى إلى وقوع إصابات. وأفاد مسؤولون في مجلس إدارة المخيم بأن قرار بغداد القاضي بمحاصرة المخيم جاء بطلب من تركيا، وهي (بغداد) تحاول فرض سيطرتها عليه ومن ثم نصب كاميرات مراقبة فيه، وأكدوا أنهم لن يسلموا إرادتهم لأنقرة والحزب الديمقراطي (بزعامة مسعود بارزاني الحاكم في إقليم كردستان)، لكن القوات الاتحادية نفت تلك المزاعم وعزت الإجراء إلى تأمين سلامة اللاجئين من التصرفات غير القانونية التي يقوم بها بعضهم لزعزعة استقرار السلم، التي تضر بعلاقة العراق بمحيطه الإقليمي. وأكد مسؤولون محليون أن القوات الاتحادية أعطت مهلة لإدارة المخيم لتنفيذ مطالب تتضمن إحاطة المخيم بسياج وإخضاعه للإشراف الأمني الرسمي.
مخطط أم إجراء وقائي؟
وأفرز الحدث رؤى متباينة حول السيناريوهات المطروحة، إذ ربطت أوساط موالية ومقربة من العمال الكردستاني الحدث بالانتخابات الرئاسية التركية، أو بكونه مخططاً مدفوعاً برغبة عراقية في المساومة على بعض الشروط التركية في الملفات المشتركة العالقة بين الدولتين من بينها ملف المياه، إذ يطالب العراق أنقرة بالكف عن قطع حصته المائية من الأنهر الرافدة من تركيا، أو في ما يتعلق بصادرات النفط العراقية المتوقفة عبر مرفأ جيهان التركي. وذهب آخرون أبعد من ذلك إلى كونه مخططاً إقليمياً اشترطت فيه تركيا بالتعاون مع أربيل فرض بغداد سيطرتها على المخيم في مقابل اتخاذ خطوة مماثلة تجاه مخيمات أو أماكن إيواء اللاجئين والقوى والكردية المناوئة لطهران في كردستان العراق.
إلا أن هذه الادعاءات تبدو مستبعدة من أوساط كردية - عراقية ترى أن العمال الكردستاني يستغل مواقع مثل المخيم وتحت ظل غطاء اللاجئين، ليصبح مصدر خطر على أمن واستقرار المنطقة ومصالح الدول المحيطة، في حين لا يشكل اللاجئون والمجاميع الإيرانية المعارضة لإيران والمقيمة في الإقليم ذلك التهديد، نظراً لأن أنشطتهم تنحصر بالمجال المدني من دون شن هجمات مسلحة انطلاقاً من الأراضي العراقية، وفق تفاهمات مبرمة مع حكومة الإقليم.
إملاءات تركية؟
الرئيسة المشاركة في مجلس مخيم مخمور فليز بوداك جددت الموقف من رفض فرض الحصار على المخيم قائلة لقد اجتمعنا لمرتين مع وفد من الحكومة العراقية، وأوضحنا أن شعبنا يرفض هذا الإجراء، نحافظ منذ عقود على إدارتنا الذاتية بشكل ديمقراطي، ونحن من أسسناه وعليه لن نقبل أن نحتجز في سجن مفتوح، واعتبرت أن نشر حكومة بغداد لقوات أمنية يأتي تلبية لمطالب أنقرة وحزب بارزاني، إذ أقروا لنا في الاجتماع بأن أنقرة تقطع عن العراق مياه دجلة والفرات، وأنهم لن يضحوا بمصلحتهم من أجل مصلحة طرف آخر، لكن سكان المخيم يؤكدون أنهم سيقفون بكل قوتهم لمنع استقدام قوات ونشرها في هذه المنطقة.
لكن نائب محافظ نينوى عن الحزب الديمقراطي سيروان روشبياني صرح بأن الإجراء سيتم عبر خطوتين، الأولى بناء برج مراقبة مزود بكاميرات مراقبة وتسييج محيط المخيم، والثانية تخصيص منفذ واحد فقط للدخول والخروج وإلغاء بقية المنافذ. وبرر الخطوة الاتحادية بأنها تهدف إلى الحد من المبررات التركية في شن عمليات القصف الجوي على المنطقة، وكشف عن توجه لتطبيق إجراء مشابه في قضاء سنجار للحد من نشاط مقاتلي حزب العمال.
مخيم تحول إلى حي
يقع المخيم الذي يطلق عليه الموالون للكردستاني اسم الشهيد روستم جودي في قضاء مخمور بين محافظتي أربيل 70 كيلومتراً غرباً، ونينوى نحو 100 كيلومتر من جهة جنوب شرقي الموصل، والقضاء مدرج ضمن المناطق موضع نزاع بين حكومتي إقليم كردستان وبغداد، لكنه يتبع رسمياً إلى إدارة نينوى، وسكانه خليط من العرب والكرد والتركمان.
يعود تاريخ إنشاء المخيم إلى عام 1998، عندما خصص بإشراف أممي لإيواء اللاجئين من أكراد تركيا، الذين يقدر عددهم حالياً بأكثر من 12 ألف شخص، وتحول اليوم إلى حي بعد استبدال الخيم بمنازل مبنية من الأسمنت. ويؤكد مسؤولون محليون أن المخيم يدار بالمطلق من أشخاص تابعين للعمال الكردستاني وليس للدولة العراقية أية سلطة عليه، لكنه مدرج رسمياً ضمن المخيمات الخاضعة لإشراف منظمة الأمم المتحدة.
تفاهم إقليمي
من جهته يؤكد السياسي والكاتب الكردي نياز برايم وجود مؤشرات عن مخطط محلي وإقليمي، فالضغط العراقي المفاجئ لاقتحام المخيم يتزامن مع قرار حكومة إقليم كردستان إغلاق المعبر الوحيد بين الإقليم والمناطق الكردية - السورية، إذ يطلق على المعبر من الجانب العراقي اسم فيشخابور، فيما يسمى بمعبر سيمالكا من الجانب الكردي السوري الخاضع لنفوذ قوى موالية لحزب العمال. وأضاف أن هذا التحرك يأتي أيضاً بعد أيام من إجراء مسؤولين من جهاز الإطلاعات (الاستخبارات الإيرانية) والحرس الثوري مباحثات في أربيل لغلق المخيمات التي تأوي اللاجئين من كرد شرق كردستان (المناطق الكردية الإيرانية)، لكن أنقرة بالتعاون مع أربيل اشترطت قبل ذلك أن تتم السيطرة على مخيم مخمور أولاً، مما دعا طهران إلى مطالبة بغداد بفرض سيطرتها عليه.
وكان قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور كشف في تصريح السبت الماضي عن اتفاق مع الحكومة العراقية تعهدت بموجبه بنزع سلاح الجماعات الإرهابية وطردها من بلادها في إطار مهلة، وهدد باستمرار ضرب أهداف هذه الجماعات في حال عدم إيفاء بغداد بالتزاماتها.
وتفيد بيانات لقيادة العمليات المشتركة الاتحادية صدرت مطلع العام الحالي بأن أنقرة وطهران استهدفتا مواقع تابعة للجماعات الكردية المعارضة لها في إقليم كردستان نحو 97 مرة، ونحو 63 قصفاً مدفعياً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.
ورقة انتخابية
وفي السياق ذاته يرى الناشط السياسي عادل عثمان أن هؤلاء اللاجئين فروا من ظلم الدولة التركية وتم إيواؤهم بموجب قوانين منظمة الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة العراقية، في حين أن الحكومة لا تحترم اليوم قراراتها، داعياً بغداد والمنظمة الدولية إلى الالتزام بقوانين حماية اللاجئين، وأن يتجنب العراق الدخول في لعبة الانتخابات التركية من خلال مخطط ضد الكرد، وأن يحل قضاياه الداخلية محلياً من دون الاستسلام للإرادات الخارجية.
وسبق أن كان المخيم ضمن أجندة المباحثات بين الحكومتين العراقية والتركية، إذ يطالب الأتراك من بغداد فرض سيطرتها على المخيم بذريعة أن حزب العمال الكردستاني يستخدمه كحاضنة لإيواء وتجنيد مقاتلين وتأهيلهم، إلى جانب نشاطه في قضاء سنجار غرب نينوى، وفي معقله الرئيس في جبال قنديل عند الحدود بين الجانبين، إلا أن قادة في الكردستاني يقولون إن المخيم لا يأوي سوى الأسر والمدنيين بدليل الزيارات التي تقوم بها فرق المنظمات الدولية.
وقد تعرض المخيم خلال السنوات الماضية إلى سلسلة هجمات جوية تركية، كانت تستهدف قياديين وأهدافاً معادية وفق ما تؤكده أنقرة، وتقدر بيانات محلية تسجيل 11 قصفاً جوياً خلال نحو عام واحد فقط.
بؤرة للتجنيد والتدريب
وبشأن احتمال وجود تفاهم إقليمي ومحلي للتضييق على العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، استبعد المختص في الشأن الكردي والمقيم في أربيل كفاح محمود ذلك، قائلاً منذ سنوات وهناك دعوات إلى التعاون بين بغداد وأربيل وأنقرة لحل إشكالية صراعها مع حزب العمال. وعلى رغم أن الرئيس مسعود بارزاني نجح قبل سنوات في تقريب وجهات النظر بين الأتراك والعماليين، بمبادرة أدت إلى توقف العمليات الحربية لأكثر من سنتين، لكن للأسف لم تدم طويلاً إذ عادت ثانية العمليات الحربية بينهما على أراضي الإقليم سواء في شمال أربيل ودهوك أو في سنجار، وأوضح أنه على رغم أن مخيم مخمور في الأصل مخيم لإيواء اللاجئين الكرد من تركيا منذ عقود عدة، إلا أن حزب العمال ومنذ 2014 حوله إلى قاعدة لتدريب عناصره العسكرية ومدرسة أيديولوجية لكوادره، مما دفع كثيراً من المنظمات الإنسانية إلى الانسحاب منه وعدم التعاون مع إدارته وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وفيما إذا كانت ورقة تركيا ضاغطة على بغداد ضمن مفاوضات الطرفين في ما يتعلق بتصدير نفط الإقليم وملف المياه بين الجانبين، أكد محمود أن المخيم أصبح مصدر خطر يهدد الإقليم والعراق عامة وبات من الضروري إنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني فيه، إذ تحول إلى نقطة انطلاق كقواعده في قنديل وسنجار، مما يشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلم المجتمعي والدولي في المنطقة. كما نفى أن يكون للتوتر علاقة بالملفات العالقة بين الدولتين الجارتين لأنها في الأصل مشكلة معقدة منذ عام 2014 حينما احتل حزب العمال التركي مخيم مخمور ومدينة وجبل سنجار وحولهما إلى قاعدة بديلة لقاعدته القديمة في جبال قنديل. وختم محمود حديثه قائلاً أما مسألة غلق معبر فيشخابور هي الأخرى فتعود لسوء تصرفات وسلوك فرع حزب العمال في سوريا وجماعاته التي تستخدم المعبر لغايات سياسية بل ولعمليات ضد الإقليم وذلك منذ سنوات.[1]