آراء حول السلطة والإدارة
حسين شاويش
حالة المجتمع الطبیعیة تقتضي وجود إدارة طبیعیة للمجتمع حیث یقوم بإدارة نفسھ بنفسھ. لأن المجتمع في ھذه الحالة یعیش من أجل نفسھ ویدیر مصالحھ الحقیقیة بنفسھ. وكأن الإدارة الاجتماعیة تبلورت في مجرى التطور « الجماعیة والفردیة » الاجتماعي وفي سیاق مراحل تاریخیة تخللتھا القفزات إلى جانب التطور التدریجي دون انقطاع. لا یمكن أن نتصور المجتمع ككیان وكھویة إنسانیة دون وجود إدارة اجتماعیة تمثل مصالحھ وتوجھھ نحو الصواب وتخلصھ من المخاطر التي تھدد وجوده. مثل ھذه ولكنھا « الثورة النیولیتكیة » الإدارة موجودة عملیا قًبل الثورة الزراعیة القرویة الأولى نضجت وترسخت ذھنیا وًعملیاً مع ھذه الثورة المجتمعیة الكبیرة. ھناك من یدعي أو یتصور بأن المجتمع كان یعیش مثل القطیع قبل ظھور الدولة والسلطة، مثل ھذا التصور والادعاء لا یمثل سوى أیدیولوجیة الفراعنة والنماردة والسلاطین سابقاً. وفي یومنا ھذا تجسد الدولة القومویة الاستبدادیة ھذا الادعاء والتصور المناھض للحقیقة والتاریخ بأبشع الأشكال، وتحاول من خلال ھذا الادعاء تبریر اضطھادھا ومذابحھا وأنانیتھا. تطورت الإدارة كحاجة اجتماعیة ضروریة وملحة، ولكن السلطة لم تظھر كحاجة اجتماعیة ضروریة بل ظھرت كثورة مضادة لاغتصاب الإدارة الاجتماعیة وتحریفھا واستخدامھا كسلاح لتحویل المجتمع البشري إلى جموع من العبید. بما أن حالة المجتمع الطبیعیة لا تحتاج إلى ثنائیة الحاكم والمحكوم أو السید والعبد أو الآغا والغلام أو الفاعل و المفعول فإنھا لا تحتاج إلى السلطة وبالتالي إلى الدولة كمؤسسة معادیة ومناھضة للمجتمع من حیث المحتوى والجوھر. لا شك بأن المجتمع الطبیعي أیضاً عاش فترات متأزمة وخصوصاً في المرحلة التي سبقت ظھور السلطة والدولة والملكیة الخاصة والعائلة الذكوریة بشكل مباشر! في مثل ھذه الفترات المتأزمة یحتاج المجتمع إلى إدارة جیدة وذكیة جدا لًكي تسد الطریق أمام الفراغ ولكي لا تفتح المجال لظھور الأرضیة الخصبة للثورة المضادة المتمثلة بالسلطة. لا شك بأن ھذا الموضوع یحتاج إلى دراسة أعمق وأشمل للوصول إلى النتائج ولكننا ھنا نرید الإشارة إلى المعادلة التالیة؛ كلما كانت الإدارة الاجتماعیة ناجحة وقویة كانت فرص ظھور السلطة قلیلة وضعیفة. قد یكون نجاح الفئات المعمرة من الشبیبة…. » الرجال في اجتذاب الفئات الاجتماعیة الأخرى إلى جانبھا بھدف الاستیلاء على فائض الإنتاج « الخ والوصول إلى « العائلة الأبویة » والملكیة وتأسیس السلالة قوام السلطة والمؤسسة الدولتیة قبل خمسة آلاف سنة مرتبطاً بھذه المعادلة وبھذا الموضوع، ولكن في كل الأحوال ظھور السلطة والدولة والملكیة الخاصة والعائلة الذكوریة المعادیة للھویة الاجتماعیة في شخص المرأة لم ولن یكون حاجة أو ضرورة اجتماعیة لا سابقاً ولا الآن ولا غدا!ً لأن ھذه المصطلحات والمؤسسات ھي مصدر ومنبع كل المشاكل والمصائب فكیف لھا أن تتحول إلى ضرورة أو حاجة أو مصدر للحل والسعادة البشریة. الذین قدسوا السلطة والدولة وحاولوا إضفاء المشروعیة على ظھورھما ھم الذین كانوا وما زالوا یلعبون على الحقائق التاریخیة ویبررون الكذب والتزییف والاستغلال والمذابح. ھؤلاء ھم الذین حاولوا وما زالوا یحاولون خلط الأوراق في أذھان الناس من أن المجتمع لا » خلال توضیحاتھم المضللة والتي مفادھا یستطیع إدارة نفسھ بنفسھ وأن المجتمع لا یستطیع العیش « ككیان لھ صیرورة بدون وجود مؤسسة السلطة والدولة وكأن المجتمع كان یعیش مثل القطیع قبل ظھور السلطة والملكیة والعائلة الذكوریة، ولم تكن لھ إدارة وإرادة منذ مئات الآلاف من السنین وكأن الثورة المضادة المتجسدة في ظھور السلطة والدولة كان أمرا طًبیعیاً وضروریا،ً وأن نضال المجتمع منذ خمسة آلاف سنة ضد الفرعونیة والنمرودیة والقومویة الدولتیة لاستعادة الإدارة الاجتماعیة الطبیعیة المغتصبة لیس لھ أي أھمیة أو دور في تحقیق الإنجازات الدیمقراطیة في عصرنا الراھن. وكأن كل الذین ناضلوا ضد السلطة والدولة منذ عھد سیدنا ابراھیم علیھ السلام والنبي زردشت وسیدنا عیسى وماني ومازدك وبابك وحلاج المنصور والسھروردي كانوا أشقیاء وقطاع طرق بینما الفراعنة والنماردة والأباطرة القدماء والجدد ھم الذین یمثلون الشرعیة الاجتماعیة والإلھیة تحت اسم قدسیة القانون والدولة. وكأن التاریخ عبارة عن خمسة آلاف سنة من عمر الدولة والسلطة والملكیة الخاصة، وكأن مئات الآلاف من السنین من عمر المجتمع الإنساني والإدارة الاجتماعیة الطبیعیة لم یكن لھا دور یذكر في التاریخ. حتى داعش تحاول الآن إضفاء الشرعیة والقدسیة على أعمالھا الھدّامة والدمویة والتي تجاوزت كل الحدود الوحشیة، لأن داعش وداعمیھا من الأردوغانیة وكل المصابین بمرض القومویة والسلطة یجسدون نفس الذھنیة النمرودیة والفرعونیة كمؤسسة معادیة لحقیقة البشریة وھویتھا المجتمعیة. لیس من باب الصدفة أن كل الأنبیاء والرسل أشعلوا نار الثورات والانتفاضات ضد مؤسسة السلطة والدولة والجھالة والانھیار الأخلاقي الحاصل مع ظھور ھذه المؤسسات السرطانیة، لأنھم أدركوا مصدر الانھیارات الاجتماعیة وشعروا بأن ھذه المؤسسات السرطانیة ھي مصدر كل المصائب وانعدام العدالة والحریة والاستقرار وزیادة مستوى الفقر والبطالة وتلوث البیئة والاضطھاد الجنسوي « ص« ضد المرأة بشكل خاص. عندما قال آخر الأنبیاء محمد الجار » ، « وما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق » في أحادیثھ إنما كان یدعو إلى إرجاع المجتمع إلى حالتھ « قبل الدار الطبیعیة المتمثلة بإدارة المجتمع لنفسھ بنفسھ والتخلص من اسمنت » الأنانیة والفردویة السلطویة، لأن الأخلاق ھي وبالتالي ھي منبع « الذاكرة السیاسیة للمجتمع » و « المجتمع إدارة المجتمع حسب تعبیر القائد عبدلله أوجلان. الذي لا یھمھ جاره قبل داره ھو مریض ومصاب بمرض الفردویة الدار قبل » السلطویة في المحصلة النھائیة، لأن الدولة تقول على عكس أحادیث الأنبیاء والرسل. « الجار من ھذا المنطلق لا یمكن الفصل بین الإدارة الاجتماعیة الطبیعیة والروح الجماعیة التعاونیة والجیرة والأخلاق الحسنة ومناھضة الاستغلال والظلم والاضطھاد والمذابح المرتكبة من جانب السلطة وأدواتھا ماضیا وًحاضرا.ً التشھیر بجسد المرأة بعد قتلھا من قبل الأردوغانیة في یومنا الحاضر ھو سلوك ھتلري وفرعوني وقیصري وسلطاني قبل أن یكون سلوكاً أردوغانیاً في یومنا الحاضر، لأنھم ینتمون إلى الطینة والجوقة السلطویة نفسھا. الأدوات تتغیر والأسالیب تتبدل ولكن یبقى المحتوى والجوھر مستمراً مع استمرار مؤسسة السلطة والدولة. معاداة الإدارة الذاتیة الاجتماعیة في روج آفا من قبل كل من الدولة القومویة وعصاباتھا وأقلامھا المأجورة وأبواقھا الإعلامیة لھ أساس تاریخي وسیاسي إلى جانب ارتباطھا الوثیق بالتوازنات والمشاحنات السیاسیة الإقلیمیة والدولیة والكردستانیة. محاولة إفراغ روج آفا وكردستان عموماً من سكانھا الأصلیین لتصفیة الثورة وھذا النموذج الدیمقراطي ھو مخطط سلطوي یتم توجیھھ من جانب دوائر الحرب الخاصة والاستخبارات الإقلیمیة والعالمیة الدولتیة. لوصول ثورة روج آفا إلى مستوى البدیل النموذجي للإدارة الذاتیة الاجتماعیة بدلاً من السلطة والدولة، یحاولون توجیھ المجتمع نحو الھروب من ھذا النموذج البدیل ومن الثورة والحریة كأسلوب للانتقام من الثورة. كما أن الثورة المضادة الكردیة وذھنیتھا السلطویة والقومویة تلعب دور حصان طروادة في ھذا المخطط القذر. مرض السلطة لھ خصوصیة سرطانیة وتخدیریة، حتى الفلاسفة وقادة الثورات الاجتماعیة الكبیرة لم یستطیعوا التخلص من ھذا السرطان المخدر. لأن التخلص من ھذا المرض الفتاك كان دائماً یستدعي الإجابة عن السؤال المصیري التالي: قبل كل شيء ھل كانت الدولة ضرورة لابد منھا في سیاق التطور الاجتماعي للبشریة أم لا؟ إن الذین فكروا في ھذا الموضوع وحاولوا حل لغزه قلائل. حتى ماركس وأنجلس لم یستطیعا الغوص في أعماق ھذه المعضلة والحصول على الحل الصحیح. وحتى لینین (قائد الثورة البرولیتاریة) لم یستطع أن یتخلص من تأثیر العقلیة الأوروبیة الدولتیة الحدیثة وخلط بین الدیمقراطیة والدولة حیث ربط مسألة الدیمقراطیة بالانتخاب الحاصل ضمن الدول الأوروبیة الحدیثة. ولكننا نعلم بأن الأقوى ھو الذي یتم انتخابھ في نظام الدیمقراطیة والدولتیة الأوروبیة والعالمیة كلھا. إن ماركس وأنجلس ومن بعدھم لینین ( رغم معارضتھم الشدیدة للنظام ونضالھم المقدس من أجل الحریة والعدالة) لم یصلوا إلى رؤیة فلسفیة نظریة صحیحة حول الاشتراكیة والدیمقراطیة لأنھم ربطوا مصیر الاشتراكیة بالدولة ( أي الدولة البرولیتاریة)، ولكننا نعرف الآن بأن الدولة مھما كان شكلھا فإنھا مناھضة للحریة والاشتراكیة.
كما أن الاشتراكیة كجوھر للحیاة الإنسانیة منذ البدایة لیس لھا علاقة بالدولة لأن روح الكومونة (الجماعیة) موجودة قبل الدولة بعشرات الآلاف من السنین كشكل جوھري لحیاة الجماعات البشریة الأولى والتي عاشت الاشتراكیة والجماعیة والكومونة بشكلھا الطبیعي والحقیقي. أكثر المفكرین الذین وقفوا ضد الدولة بجمیع أشكالھا ھو باكونین ( أحد قادة كومونة باریس). من المعروف بأن باكونین ظھر بین صفوف الفوضویین الذین رفضوا كل أشكال الإدارة حتى الدیمقراطیة منھا في ثورة الكومونة الباریسیة ولكن على الرغم من ذلك فإنھ، أي باكونین، استطاع أن یضع أصبعھ على جوھر الدولة والسلطة حیث إذا وضع تاج السلطة على رأس أكثر الناس » أوضح بأنھ دیمقراطیة أو حتى على رأس امرأة فإنھا سوف تتحول إلى على الرغم من .« دكتاتورة خلال أربع وعشرین ساعة ھذه التحلیلات والنضال إلا أن المفكرین الیساریین وقادة البرولیتاریا لم یستطیعوا الوصول إلى جوھر المسألة وتحلیلھا من الجذور. فالدولة حسب فلسفة القائد آبو لیست ضرورة تاریخیة في سیاق التطور الاجتماعي للبشریة كما یدعي فلاسفة الدولة الغربیین ( مثل ھوبس وھیغل ودیكارت ……وغیرھم). ھؤلاء تحولوا إلى رھبان عصریین للدولة وحاولوا تعمیق تأثیرھا وتجذیرھا حتى شملت كل أفراد المجتمع وكل مناحي الحیاة. ولكنھا ( أي الدولة ) زادت من أزمة المجتمع وانحلالھ الخلقي وحولت الأفراد والجماعات والفئات إلى أطراف معادیة لبعضھا البعض. یؤكد القائد آبو في مرافعاتھ الأخیرة بأن الدولة القومیة الحدیثة تحولت إلى مادة حقوقیة مقدسة وإلھیة لا یمكن المساس بھا. إذ تحولت الدولة إلى إلھ عصري وتحولت معھا الفكرة القومویة إلى دین جدید عصري أكثر خطورة من أیة نظریة سابقة لھا.
المجتمع البشري استطاع القیام بالثورة الزراعیة النیولیتیة القرویة الأولى في منطقة الھلال الخصیب ( زاغروس وطوروس ) قبل 12 ألف سنة، كما تمكنت الإنسانیة من إیجاد التقنیة والأدوات اللازمة لھا بدون وجود الدولة. إلى جانب ھذا كان ھناك دیمقراطیة طبیعیة وسلام اجتماعي ووئام وعدالة وحریة طبیعیة بدون وجود الدولة. لم تعرف البشریة سیطرة جنس الرجل على جنس المرأة إلا مع ظھور الدولة، كما لم تعرف البشریة حروب النھب والاستیلاء والسیطرة بین الفئات والجماعات إلا مع ظھور الدولة، كما لم تعرف البشریة تحویل الإنسان إلى عبد أو عامل ( عبد عصري ) أو سرف ( فلاح عبد) إلا مع الدولة، كما لم تتعرف الإنسانیة على الجیوش الدمویة المنظمة إلا مع ظھور الدولة، كما لم یعرف المجتمع البشري ھذا الحجم الكبیر من الانحلال الخلقي وانعدام الروح والمعنویات والصداقة والمحبة إلا مع ظھورالدولة. إذا ھًل كانت الدولة ضرورة تاریخیة؟ لا وألف لا .
كثیراً ما نسمع المقولة التالیة من الإنسان الكردي البسیط ولكننا .« لو كان لدینا دولة لما كنا في ھذه الحالة المأساویة » في الوقت نفسھ نسمع المقولة التالیة من الإنسان العربي ((لدینا 23 دولة ولكن مع الأسف وضعنا مأساوي ولا نملك حتى حریة الكلام في بیتنا )) إذ المسألة واضحة في حالة الإنسان العربي وھذا تعبیر عن رأي المجتمع العربي كلھ في المسألة. نستنتج من ھذا كلھ بأن الشعوب العربیة والكردیة والفارسیة والتركیة والآشوریة والسریانیة……… إلخ تنقصھم الدیمقراطیة ولیس الدولة.
ھذه المجتمعات تمكنت من القیام بالثورة اللغویة قبل150 ألف سنة ولأول مرة في تاریخ المجتمع البشري. في تلك المرحلة كانت الإنسانیة تعیش مرحلة الكلان ( فخذ أو بطن أصغر من القبیلة وكانت مؤلفة من 40 100 شخص یعیشون مثل عائلة كبیرة وبروح جماعیة كومونالیة). كما تمكنت ھذه الشعوب من إیجاد ثقافاتھا وتاریخھا وذاكرتھا المشتركة قبل 8 9 آلاف سنة، وتمكنت ھذه المجموعات الآریة والسامیة من الوصول إلى مستوى تنظیم اجتماعي دیمقراطي كومونالي طبیعي في المرحلة نفسھا ( أي قبل8-9 آلاف سنة). واصلت ھذه الشعوب مسیرتھا حتى مرحلة ثقافة تل حلف ( 5000 6000 سنة قبل المیلاد) واستطاعت تسجیل تطورات طبعت الإنسانیة بطابعھا من الناحیة المادیة والمعنویة معاً. حدث كل ھذا قبل ظھور الدولة في المدن السومریة الأولى ومحاولتھا تحویل ھذه المجموعات البشریة العریقة إلى عبید أو أدوات من أجل » الإنتاج المادي فقط. وفي یومنا ھذا تحول ھذا الإنسان إلى المواطن الشریف » في ید الدولة القومیة تحت اسم « عصا إذا اًلمجتمع یتطور وینتج ویخلق ویبدع ویقفز .« والعصري نحو الأمام على أساس جوھره الطبیعي وضمن جریانھ مثل نھر الفرات أو دجلة بدون الدولة. بینما تقوم الدولة، مھما كان شكلھا، بسد الطریق أمام ھذا الجریان البشري الطبیعي أي عبد « مواطن » من خلال تحویل الفرد والمجتمع إلى عصري لا روح لھ ولا معنویات، لا حول لھ ولا قوة. لا دین لھ ولا إلھ سوى الدولة. إذا اًلدولة بلاء ووباء وسرطان ولیست أداة للحل.[1]