=KTML_Bold=النوروز ربيع القضية الكردي=KTML_End=
د. صلاح أبو شقرا (كاتب لبناني)
تحتفل العديد من الشعوب سنوياً ببداية سنتهم الجديدة في الحادي والعشرين من آذار، ويطلقون عليه تسمية “#نوروز# ”، باللغتين الفارسية والكردية، وهي “نو” جديد، و “روز” يوم، أي “اليوم الجديد” باللغة العربية. ويسمى أيضاً برأس السنة الفارسية ويعتبر عيداً رسمياً في دول إيران، العراق، أذربيجان، وقرغيزيا. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن معتنقي الديانة الزردشتية آنذاك، من الكرد والفرس، هم من نشروا هذا العيد، وهو عيد الخصب والتجدد، ومن ثم عيد الأم وتجديد الطبيعة لنفسها مع بداية الربيع. وهكذا تظهر بصمات الكرد في الثقافة الإنسانية. ويبقى السؤال، ألا يحق للكرد بكيان سياسي مستقل أسوة بالدول المجاورة، التي تدعي التميز الثقافي والإثني لاستقلالها بدول كاملة السيادة؟
يتحدر الكرد بحسب قولهم من الميديين، واستقر الميديون في المنطقة الممتدة على مساحة واسعة، لا تقل عن نصف مليون كيلومتراً مربعاً، في جنوب شرق الأناضول، شمال غرب إيران، شمال العراق، وشمال شرق سوريا، يسميها الكرد “كردستان الكبرى”.
وما يرجح قول الكرد هو انتماء اللغتين الفارسية والكردية إلى نفس المجموعة اللغوية، وهي للعرق الآري، الذي يجمع الفرس والكرد. وما يهمنا في هذا المجال هو أن الكرد هم السكان الأصليين لتلك المنطقة الجبلية المسماة تاريخياً “كردستان”، والتي تشكل نطاقاً جغرافياً متماسكاً في الدول السالفة الذكر، وقد تقاسمتها تلك الدول فيما بينها، رغماً عن إرادة سكانها. يصف أكثرية الكرد، ولا سيما النخب المثقفة منهم ذلك التقاسم بالإحتلال تارة وبالإستعمار تارة أخرى. وما يبرر ذلك الوصف أن الاستقرار التركي في آسيا الصغرى، والتي تشغلها الجمهورية التركية، يعود إلى القرن الحادي عشر، مع انتصار السلاجقة على البيزنطيين، وتأسيس دولة سلاجقة الروم. وكذلك الأمر بالنسبة للتواجد العربي في العراق، فهو متزامن مع الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. بالمقابل فإن الوجود الكردي في تلك الجبال ضارب في التاريخ إلى زمن الهجرات من وسط آسيا، كما ورد أعلاه. ويكفي أن يتهم الرئيس التركي أردوغان الكرد بأنهم “زردشتيين” و “كفار” في أكثر من مناسبة، ليثبت أنهم متجذرين في تلك الأرض، وهم اعتنقوا الزردشتية في تلك الجبال في القرن السابع قبل الميلاد، ومن ثم فهم في تلك الأرض قبل الترك والعرب بما لا يقل 18 قرناً و 14 قرناً على التوالي، وذلك بالاعتماد على التقويم الزردشتي، وإن عدنا إلى ما قبل ذلك التقويم يكون السبق بآلاف السنين. والكرد شأنهم شأن الفرس، إعتنقوا الإسلام، بأكثريتهم الساحقة، ولم يعودوا زردشتيين، وإن احتفظوا بعيد النوروز كتراث قومي، تماماً كلغتهم، وعاداتهم وتقاليدهم. وعلى الرغم من ذلك تنكر الحكومات التركية المتعاقبة، وبكافة ألوانها السياسية وجود إثنية كردية، وتسميهم “أتراك الجبال”، ولا تعترف بحقوقهم الثقافية والاجتماعية، وتهمل مناطقهم إلى أن أعلن حزب العمال الكردستاني الثورة سنة 1984 للمطالبة بالحقوق الثقافية والاجتماعية لكرد تركيا من خلال نظام ديموقراطي عصري.
ويبقى أن ينظر العالم، بقياداته السياسية الرسمية، ومنظماته غير الحكومية، وجميع الأحرار، بعين المسؤولية تجاه القضية الكردية، وحق الكرد بإحياء تراثهم الثقافي والقومي، والتمتع بحكم ذاتي، لا بل استقلال أراضيهم عن الدول التي حكمتهم، ولا سيما تركيا المستفيدة من إلغاء مفاعيل معاهدة “سيفر” سنة 1920 المتكفلة بمنح الحرية للكرد في تقرير مصيرهم على مراحل وصولاً إلى الاستقلال عن تركيا. أخيراً، يبقى “نوروز” تجديداً للقضية الكردية، وتمييزاً لهم عن “مستعمريهم”، ودليلاً على عراقة تاريخهم، خصوصاً أنه بات مدرجاً من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة منذ العام 2009 على ” القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية”.[1]