الكورد الفيلية بين الامال المعلقة والحقوق المغتصبة
محمود الوندي
للاسف الشديد تبرز اصوات شاذة وتستند على تحليلاتها النظرية البعيدة عن امر الواقع ، وتحاول بحصر الكورد الفيليين في زاوية ميتة وتششتهم وابعادهم عن قوميتهم تارة بحجة انهم عراقيون ، وتارة بانهم من المذهب الشيعي ، وظهر اخيرا بعض الاصوات النكرة يدعون بان الكورد الفيلية بانهم الاقلية ، بدلا من مطالبتهم بحقوقهم المهضومة ( ومن المؤكد تقف خلف هذه الاصوات جهات تدفعهم لاتخاذ الموقف ) ، ان هذه الاصوات التي تحاول ان تستخدم قضية الكورد الفيلية جسرا للعبور الى مصالحها هي امتداد لتلك الاصوات التي شتتت الكورد الفيلية في الانتخابات الاخيرة ، وهذا يدل قصر نظر سياسي لهكذا الاصوات وعدم الهامهم بشؤون القيمة الإنسانية ، لانهم يتجاهلون او لا يفهمون ما معنى القومية او الاقلية واختلافها عن الدين او المذهب . وهؤلاء الاصوات يحاولون فصل الكورد الفيلية عن كوردايتهم بحجج واهية .
لايمكن للكورد الفيلية القبول بعزلهم عن قوميتهم بحجة وضعهم الخاص اما بعراقيتهم او تشيعهم لانهم مكون اساسي من مكونات الشعب الكوردي ، بأن ليس هناك فرقا بين كوردي وكوردي سواء كان في اقليم كوردستان او خارجها ، فكلهم أمة واحدة او من قومية واحدة ولهم مصير مشترك واحد ، وتاريخ واحد ، ولغة واحدة بلهجات مختلفة حالنا حال بقية أمم وشعوب العالم .
ومن جهة اخرى ظهرت بعض الاصوات الشريفة والإنسانية تنادي لعقد مؤتمر بمساعدة اشقائهم في اقليم كوردستان لانقاذ الكورد الفيلية من محنتها ووضعها المأساوية (هذا شيء جيد) ، لا يكون المؤتمر كسابق المؤتمرات لمناقشة قضايا الكورد الفيلية ، لان جميعها لم تأخذ المعالجة بمحمل جد ومتابعة بعد انتهاء كل مؤتمر لتحقيق اهداف المؤتمر الذي انعقد ، وكانت المؤتمرات تفتقر الى التنظيم والاختيار الجيد للمشاركين ، تكون السبب بعجالة عقدها بدون تخطيط مسبق .
لقد سبق لي شخضيا ان كتبت الى جانب اخواننا من كتاب الكورد والكتاب الخيرة من العراقيين عدة مقالات ومن منطلق إنساني وقومي ووطني لانعقاد مؤتمرا موسعا للكورد الفيلية لتوحيد كلمتهم والدفاع عن قضيتهم ومشيرا الى مظلوميتهم وتهجيرهم القصري وما تعرضوا له من سياسات عنصرية ادت الى ابعاد عشرات الألوف من العوائل الآمنة والمسالمة ( بدأت عام 1971 وبلغت ذروتها عام 1980 ) من العراق الى ايران بعد ان سحبت سلطات النظام الدكتاتوري السابق كافة وثائقهم القانونية التي تثبت عراقيتهم ، ويحاول المؤتمر لافهام المنظمات المدنية والإنسانية العربية والاسلامية والعالمية بمظلومية الكورد الفيلية وفقدان الكثير من أفرادهم وأموالهم بسبب ذلك التهجير القسري المشين للنظام البعثي ، ويضع المؤتمر أمام كل الخيرين مهمة التضامن معهم والوقوف مع قضيتهم المعروفة ، ويستغل كل فرص للفهم والتذكير القوى السياسية الحاكمة والمؤثرة على الشارع العراقي حتى يكون دافعاً لهم للتحرك لاستعادة حقوق هذه الشريحة المهضومة وإلتفات هذه القوى حول قضيتهم وعدم نسيانهم وتهميشهم في هذا الزمن ، والتحري عن مصير أبنائهم واسترجاع ما فقدوه من العقارات والاملاك والوثائق العراقية .
يعرف العراقيون جميعا ان الحملات العنصرية التي تعرض لها الكورد الفيليون في عهد الدكتاتور صدام حسين التي تعتبر من ابشع الجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية حقا ، وكانت ضمن برنامج تطهير عرقي وبداية لحملات الجينوسايد والقتل الكيمياوي التي تعرض لها الشعب الكوردي في كوردستان العراق ، وحاولت القوى الفاشية واجهزتها القمعية لإبادتهم وسحقهم في العراق وبمختلف السبل المتوفرة لديها واسئتصال جذورهم وتمزيق نسيجهم من دون رحمة ولا شفقة .
والدوافع السياسية التي مارسها نظام البعث ولم تكن من باب صدفة بحق الكورد الفيلية عندما ألقيوا عنوة نحو مصير مجهول من دون غذاء او ملبس يقيهم البرد اي بعد ان حجزت كل ما تملك من اموال منقولة وغير منقولة بما فيها الذهب والحلي التي كانت على صدورهم وفي ايديهم واصابعهم ، بل كانت سياسة البعث فكرة عنصرية معادية للكورد وكانت الكورد الفيلية حصة الاسد من ضمن تلك السياسية الرعناء بعد ان جردت من جنسيتهم العراقية وهويتهم الوطنية ، لان الكورد الفيلية يعتبرون انفسهم العمق الستراتيجي لاقليم كوردستان ، لذلك كان موقفهم الثابت من حقوق المشروعة للكورد ، ودعمهم المستمر للحركة التحريرية الكوردية وكان هذا واحد من الاسباب ، واما سبب ثاني كان لهم دورا ممييزا في قيادة الاحزاب الوطنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي ، وقفتهم الشجاعة بوجه انقلابي البعث في 08-02-1963 ودفاعا عن ثورة 14 تموز وعن مكتسباتها وعن الزعيم عبد الكريم قاسم وحكمه الوطني ، ومعارضتهم للنظام بعد انقلاب 17-07-1968 ، إضافة الى الاسباب الاقتصادية والاجتماعية (مما يؤكد عراقية هذه الشريحة في بنية المجتمع العراقي) ، حيث دفع نظام البعث وحكمه الدكتاتوري الى تصفية العديد منهم جسديا او ارسالهم الى الخطوط الامامية لجبهات القتال أثناء حرب العراقية الإيرانية لتخلص منهم ، والسير القسم الاخر على الأرض المزروعة بالألغام ، وكما زجت بالسحن شبابهم من كلا الجنسين وجربت عليهم كافة اتواع الاسلحة الكيمياوية والجرثومية في غرف الموت ودهاليز التصنيع العسكري .
للأسف الشديد ما زالت هموم ومعاناة الكورد الفيلين مستمرا بعد سقوط نظام البعث ولم يلتفت اليهم احدا ، ولم يوفوا جميع الاحزاب بوعودهم بتأمين كامل حقوق المواطنة للكورد الفيلية والعمل للوصول الى صيغة اكثر عدالة في دراسة حالتهم وايجاد آلية قانونية لا تقبل التأويل والتسويف والمماطلة لاجل استعادة ما فقدوه من حقوق وممتلكات ، ولم تعرض قضيتهم امام المسؤولين او تؤشر لها داخل قبة البرلمان العراقي ، ولم يتبنوا فعليا وعمليا مطالب الكورد الفيلية من اي طرف ، لان معاناتهم وتهميشهم هو السمة البارزة للسلوك الرسمي للحكومة الجديدة القريب الى سلوكيات الحكومة السابقة ، لدليل ملموس على العجز التام في تنفيذ قراراتها المصيرية من أجل الإعداد لمشروع قانون يعيد للكورد الفيليين حقوقهم الطبيعية ، وتطبيق وتفعيل الأجراءات المتعلقة بتعوضهم عن المظالم التي لحقت بهم .
ومن جانب اخر هم يتحملون قصدا من الذنب حيث لم يوجد اي عمل لتاسيس كياننا للكورد الفيلية يضم جميع شخصياتها المخلصة وتمتلك خطابا موحدا ويعمل بجد من اجل قضيتهم وبعيدا عن حب السلطة او المنصب ، كما طالبهم السيد مسعود البارزاني عندما زاره العديد من ممثلي الاحزاب الكورد الفيلية بالتوحيد كي يستطيعوا تحقيق مطالبهم .
هل تستطيع الكورد الفيلية ان تعقد المؤتمر الجديد !!!! ؟؟؟؟ وان يجمع جميع مكوناتهم المختلفة فكريا وذهنيا ، والاختيار الجيد للمشاركين في المؤتمر ، وتقديم دراسات موضوعية ومستفيدة لكي يكون ملموسا لتحقيق اهدافهم المطلوبة ، واختيار لجان متابعة من الاكفاء والاكاديمين يقدمون تقارير دورية لآخر ما توصلوا اليه في عملهم ومتابعتهم للقرارات التي يخرج بها المؤتمر ، وهل تكون رؤية المشاركين موحدة وبرنامج عمل موحد من اجل تحقيق نتائج افضل للوصول الى اهدافهم المنشودة ؟؟؟؟
[1]