الدين اليزداني، تاريخه، معتقداته، لغته وطقوسه (2)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6291 - 2019-07-15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الآلهة اليزدانية الخورية و الميتانية
في الحلقة الأولى من هذه السلسلة من المقالات، تمّت الإشارة الى أنّ الديانة اليزدانية أقدم من الميثرائية بأكثر من 1500 سنة على أقل تقدير، حيث كانت اليزدانية ديناً للخوريين الذين نزحوا من سلسلة جبال زاگرۆس في حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، بينما الميثرائية ظهرت في المنطقة مع ظهور الميتانيين الذين أسسوا مملكتهم في حوالي سنة 1450 قبل الميلاد، وبذلك تكون الميثرائية قد إنتشرت في المنطقة بعد أكثر من 1500 سنة من إنتشار الدين اليزداني. بعد إندماج الميتانيين مع الخوريين، إقتبس الميتانيون اللغة الخورية ومعتقدات وطقوس الديانة اليزدانية الشمسانية التي كان الخوريون يؤمنون بها.
من الجدير بالذكر، أنّ الميتانيين هم من الأقوام الزاگروسية، إلا أنهم هاجروا الى مناطق الهند وعادوا من جديد الى كوردستان في حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، بعد أن إكتسبوا خبرة ومهارة كبيرة في الصناعة هناك، وخاصةً صناعة الأسلحة، مثل العربات الحربية ولذلك بعد عودتهم الى كوردستان، إستطاعوا تأسيس إمبراطورية قوية وكبيرة في المنطقة، كانت عاصمتها (واشوكاني) الواقعة في إقليم غرب كوردستان، حيث إمتدت الإمبراطورية الميتانية من بحيرة (وان) شمالاً حتى أواسط بلاد ما بين النهرَين جنوباً ومن بُحيرة (أورميه) وجبال زاگروس شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً، وأنها ضمّت أيضاً سوريا الحالية ووصل نفوذها الى فلسطين.
كان الخوريون يعبدون آلهة كثيرة، حيث كانت الآلهة الخورية الرئيسية هي: إله العاصفة (تيشوب TESHUB) الذي كان ملِك الآلهة، إلهة الأم (هيبات HEBAT) التي كانت إلهة الشمس عند الهيتيين (الحثيين) وكانت زوجة إله العاصفة (تيشوب)، الإله (شاروما SHARRUMA) الذي هو إبن كل من إله العاصفة و إلهة الأم، الإله (كوماربي KUMARBI) الذي هو سلف إله العاصفة وكانت مدينة أوركيش المركز الرئيس لعبادة هذا الإله. كان (كوماربي) ملِكاً سماوياً جبّاراً(1)، إلهة الخصوبة و الحرب والشفاء (شاوشكا SHAUSHKA) التي كان مركزها في نينوى، إله الشمس (شيميگي SHIMEGI) و إله القمر (كوشوه KUSHUH). هناك آلهة آخرون الذين كانوا يُعبَدون من قِبل الخوريين. رمز إله العاصفة (تيشوب) هو الثور أو عربة تجرها الثيران، حيث كان للثور دور مهم في العملية الزراعية من حراثة الأرض ودرس المحاصيل(2). في الحقيقة أنّ (تيشوب) يُمثّل الإله وأنّ الآلهة الآخرين يمثّلون مساعدين له. في فروع الديانة اليزدانية (الهلاوية والإيزيدية واليارسانية) أصبح الإله يُدعى (يزدان) و أنّ الملائكة حلّوا محل الآلهة المساعدين لِملِك الآلهة.
بالنسبة للميتانيين، كانت لهم 5 آلهة وهم:
1. آسورا (سوار أو شوار): كان الميتانيون يرمزون لهذا الإله بأعلى منزلة بالنسبة لكل هذه المعبودات في المجمع الديني الميتاني وكان الميتانيون يرمزون له بِقرص الشمس البارز المُجنّح بِجناحَين الذي قلّده بعدهم المصريون والآشوريون(3). من الجدير بالذكر أن الإله الميتاني (آسورا) كان (سورياش) عند الكاشيين و(آسوارا) في نصوص الكتاب الهندي المقدس (ڤيدا) وأنه (آهورا) المذكور في الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا) و(آوور أو هور أو خور) الكوردي. في فروع الديانة اليزدانية، يُمثّل (يزدان) هذا الإله الميتاني.
2. (إندراIndra ): وهو ملِك الآلهة. كان إلهاً للآريين قبل أن يكون إلهاً في الهند. إنه إله هندو-أورو پي وإبن عم الإله الألماني (ووتان Wotan) الذي هو مُماثل لأب الآلهة الإسكندناڤية (أودين Odin) وملِك الآلهة اليونانية (زيوس Zeus) وملِك الآلهة الرومانية (جوپيترJupiter). يرمز (إندرا) الى إكتمال الإنسان الأسمى وأن سلاحه هو البرق.
3. (ڤاروناVaruna ): تبعاً للمعتقدات الميتانية، فأن الدنيا قد خُلِقت من قِبل الإله (ڤارونا) وهو الذي يحميها. يقوم هذا الإله بالحفاظ على النظم الأخلاقية ويبارك مَن يحافظ عليها و يمنحه الهِبات. (ڤارونا) هو إله الماء والمحيط السماوي، وهو كذلك إله القانون للعالَم الواقع تحت الماء(a). يمتلك (ڤارونا) جوانب ألوهية شمسية، ومع ذلك، بِعكس (ميثرا)، فهو مرافق لليل، بينما يرافق (ميثرا) ضوء النهار. في الديانة الزردشتية ، ڤارونا هو أحد أسماء ال(101) ل(آهورا مزدا) الذي يعني المُنقِذ من الشر(a).
4. أشڤين Ashvins (ناساتيا Nasatya و (داسرا Dasra): الإلاهان (أشڤين) هما إلهان توأمان أحدهما إسمه (ناساتيا) والثاني إسمه (داسرا). في الكتاب المقدس الهندي (ريگڤيدا Rigveda)، كلمة (ناساتيا) تعني (رحيم أو نافع) و كلمة (داسرا) تعني (مانح التنوير الروحي). في الأساطير الهندوسية، هذان الإلاهان هما إلاهان ڤيديان وفارِسان توأمان مقدّسان. هذان الإلهان يرمزان الى ضوء شروق الشمس وغروبها. في المعابد الميثرائية نشاهد شُعلتَي الإلهَين الإثنين اللذين يُعرفان ب(الراعييَن)، حيث أن إتجاه شعلة الإله الأول هو نحو السماء الذي هو رمز لشروق الشمس، بينما إتجاه شعلة الإله الثاني هو نحو الأرض والذي هو دلالة على غروب الشمس.
5. (ميثرا Mithra) – كان ميثرا إلهاً هندوآريانياً مُهمّاً، وهو إله الصداقة و السلام والتواصل والنظم والصلح و النور(b).
إسم (ميثرا) في الكتاب الهندوسي المقدس (ريجڤيدا) هو (ميترا) (السنسكريتية Mitrá, Mitráḥ). يظهر كثيراً في النص السنسكريتي القديم ل(ريجڤيدا). الديانة الڤيدية تؤمن بأن الإله (ميثرا) يقود حياة الإنسان إلى السلام و النظام وتحقيق وحدة الإنسانية. (ميثرا) هو إله الخير والبركة وصاحب أعظم قوة، تتصدى للأعمال السيئة التي تظهر بين شعوب الأرض.
إسم (ميثرا) في الديانة الزردشتية هو (ميثرا) (آڤيستا Miθra، Miθrō)، وهو (يازاتا yazata) المذكور في الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا)، والذي يقابله في اللغة الكوردية المعاصرة (مير) و في اللغة الفارسية الجديدة (مهر Mīhr أو Mehr). يتم تقديس (ميثرا) في الديانة الزردشتية، التي تأثرتْ بشكل كبير بالميثرائية، وخاصةً فيما يتعلق بتقديس الشمس.
المصادر
1. الدكتور جمال رشيد أحمد. ظهور الكورد في التاريخ. الجزء الأول، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان، الطبعة الأولى، 2003، صفحة .321.
2. المصدر السابق، صفحة 243.
3. المصدر السابق، صفحة 348.
a. http://www.pantheon.org/articles/v/varuna.html
b. Schmidt, Hans-Peter (2006), Mithra in: Mithra in Old Indian and Mithra in Old Iranian, Encyclopaedia Iranica, New York: iranica.com (accessed April 2011).
[1]