الأزمة السورية تدخل عامها الرابع عشر.. الأسباب قائمة لاستمرار المعاناة (2)
يحيى الحبيب
في ظل فشل المجتمع الدولي في حل الأزمة السورية، وعلى وقع تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي للسوريين في مناطق حكومة دمشق، تتجه الأزمة السورية للاستمرار، وما يؤكد ذلك، عودة الاحتجاجات والحراك الشعبي في الجنوب السوري وفي السويداء تحديداً.
في هذا الجزء الثاني من تقرير الأزمة السورية، نسلط الضوء على فشل الاجتماعات والمنصات الدولية بتقديم حلول للأزمة السورية، بالإضافة إلى مسارات التقارب بين دمشق والاحتلال التركي، والتطبيع العربي مع حكومة دمشق، إلى جانب التدهور المعيشي في مناطق حكومة دمشق، وما تسبب ذلك باندلاع الحراك الشعبي مجدداً.
اجتماعات ومنصات لم تقدم شيئاً للسوريين
تعددت المبادرات الدولية بشأن التسوية السياسية للصراع في سوريا دون أن تسفر أي منها عن حلّ سياسي، ومن ثم، فإن بقاء الصراع واستمراره حتى تتبلور وتنضج عوامل التسوية السياسية أصبح أمراً واقعاً يعكسه تعامل القوى الكبرى مع الأزمة.
ولم تتمكن محادثات جنيف التي تخلى خلالها كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي مستورا كمبعوثين للأمم المتحدة عن مهامهم، ليتسلم فيما بعد غير بيدرسون؛ المهمة التي لم تتوصل إلى نتائج ملموسة حتى الآن، على الرغم من أن كل جولة تنتهي بجملة من القرارات لا تطبق على أرض الواقع.
حيث بدأت الجولة الأولى، في #30-06-2012# ، بناء على دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا كوفي عنان، ومجموعة العمل من أجل سوريا، لكنها فشلت لعدة أسباب؛ أهمها عدم دعوة ممثلي الشعب السوري واختلاف الأطراف المعنية بالأزمة على تفسير بنود الاتفاق.
كما عقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري، في #30-01-2018# ، وسط مقاطعة غربية وعدد من الأحزاب والكيانات السياسية الفاعلة على الساحة السورية، وبحضور عدد من ممثلي المرتزقة المرتبطين بتركيا وممثلي حكومة دمشق.
وبعد أكثر من عام ونصف على المشاورات، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في #23-09-2019# ، تشكيل ما تسمى اللجنة الدستورية التي تقرر تشكيلها في مؤتمر سوتشي برعاية روسية تركية وإيرانية، وتحولت جنيف إلى مقر لاجتماعات اللجنة الدستورية.
وعلى مدار نحو أربع سنوات من عمر اللجنة، وثماني جولات من اجتماعاتها، لم تفلح أطرافها الثلاثة، حكومة دمشق وما تسمى المعارضة والمجتمع المدني، بكتابة مادة دستورية واحدة، وكان من المقرر أن يزور المبعوث الأممي غير بيدرسون دمشق، في النصف الأخير من شباط، لمناقشة عقد جولة جديدة لهذه اللجنة.
الحراك الشعبي ينطلق مجدداً من الجنوب السوري
ومع نجاح مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، حاول أهالي السويداء السير على نفس الطريق، وتمكنوا إلى حدٍ ما من تحجيم دور قوات حكومة دمشق وسلطاتها، إذ امتنع شبان المنطقة من الالتحاق بالعسكرية الإلزامية، وشُكلت قوات محلية وبعض المجالس والمكاتب السياسية، وتسبب ذلك بحدوث صدامات بين أهالي السويداء والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق.
وشهدت المنطقة في تموز 2018، هجوماً دامياً نفذه مرتزقة داعش إذ خطفوا 36 مدنياً بين نساء وأطفال وأوقعوا أكثر من 250 قتيلاً، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتتهم شخصيات وقوى من السويداء حكومة دمشق بالوقوف وراء الهجوم، بعد أن تغاضت عن تسيير المرتزقة لأرتال من ريف دمشق إلى المنطقة بعد أن انسحبوا من هناك؛ إثر تقدم قوات حكومة دمشق، ما دفع الكثير للحديث عن صفقة بين دمشق وداعش.
وأخذت المظاهرات في السويداء طابع الاستمرارية، كما تزامن ذلك مع إعلان قوى المجتمع المدني وحزب اللواء السوري، تشكيل لجان إدارة محلية تقوم بعمل بعض المؤسسات الخدمية، ويتحدث القائمون على هذا العمل بأن ذلك يعد تمهيداً لتطوير الحراك وتنظيمه بشكل أفضل خلال الفترة المقبلة.
تقارب بطيء بين دمشق والاحتلال التركي
شهدت الأزمة السورية منعطفاً مهماً خلال عام 2022، إذ وعلى الرغم من سنوات العداء بين دمشق وأنقرة واحتلال الأخيرة لأراضٍ سورية عديدة، انطلق مسار تقارب بين الطرفين وذلك بعد قمة طهران التي حضرها ممثلو أستانا في #19-07-2022# ، ليجتمع رئيسا روسيا وتركيا في موسكو بتاريخ 6 آب وكشف رئيس دولة الاحتلال، رجب طيب أردوغان، أن نظيره، فلاديمير بوتين، عرض عليه خلال المحادثات حل الأزمة، بالتعاون مع حكومة دمشق، واجتمع فيما بعد وزراء دفاع روسيا وتركيا ودمشق في موسكو، إلا أن هذه الاجتماعات؛ لم تأخذ طابعاً سياسياً حتى الآن، ويجري الحديث عن صعوبة إكمال مسار التقارب بين الطرفين خلال الظروف الحالية.
تطبيع عربي مع دمشق بدون نتائج
خلال السنوات الأخيرة من الأزمة السورية، سعت روسيا لفك العزلة العربية المفروضة على حكومة دمشق، وركزت محاولاتها على دول الخليج والأردن؛ ونتيجة لذلك كانت هناك اتصالات مع الأردن والإمارات وزار بشار الأسد، #18-03-2022# الإمارات في أول انتقال له لبلد عربي منذ الحرب السورية التي اندلعت عام 2011.
هذا المسار تسارع بعد الزلزال المدمر الذي وقع #06-02-2023# ، حيث أجرت معظم الدول العربية اتصالات مع حكومة دمشق وأرسلت المساعدات الإنسانية، كما زار الأسد سلطنة عمان للمرة الأولى، كما أن المساعي الروسية تكللت بالنجاح في إعادة حكومة دمشق إلى الجامعة العربية، لكن دون أي انعكاس لذلك على الواقع السوري، وخاصة من الناحية السياسية والاقتصادية، حيث يرى مراقبون أن دمشق لم تكن قادرة على إرضاء الدول العربية، وخاصة فيما يتعلق بتقليص التعاون مع إيران، إلى جانب المعارضة الأميركية لهذا التقارب.
التدهور المعيشي والاقتصادي يزيد معاناة السوريين
على الرغم من مساعي حكومة دمشق لفرض سيطرتها على المناطق السورية وتطبيع علاقاتها مع الخارج، إلا أنها فشلت في تخفيف معاناة السوريين المعيشية والاقتصادية التي باتت تثقل كاهلهم، ومع مطلع عام 2023 بدأ سعر الليرة السورية مقابل الدولار عند حدود 7000 ليرة، واستمر عند هذا المستوى بانخفاض طفيف طيلة الربع الأول من العام ذاته، لتبدأ الليرة بالانهيار منذ أيار؛ حيث انخفضت قيمتها من 8500 وصولاً إلى 10 آلاف مقابل الدولار منتصف تموز، لتواصل انهيارها وصولاً إلى ما يقارب 15 ألف مقابل دولار واحد.
وعمقت حكومة دمشق من هذه المعاناة عبر اللجوء إلى رفع أسعار المواد الاستهلاكية والخبز والمحروقات والمواد الغذائية والأدوية، وشهدت شوارع المدن السورية تحت سيطرة حكومة دمشق بما فيها شوارع العاصمة أزمة محروقات وخبز وغيرها.
[1]