هل دخلت كوردستان في متاهة المعلوم؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6338 - #01-09-2019# - 16:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
كان الامس هو اخر يوم من شهر الاب ( لا يمكن ذكره بتاريخ و يومه شهره لخطورة ردود الافعال المتوقع حول التسمية مهما كانت)، نعم مرت علينا ذكرى اليمة و محزنة حصلت فيها عملية عسكرية مبنية على عقلية و سلوك و اسس فكرية غير متوقعة و قد تبنيت كل شيء من اجل الحزب حتى على حساب الانسان ذاته، و انها عملية و ثمرة عقلية غير مسبوقة بهذا الشكل في تاريخنا و ربما في اي بلد و مرحلة كانت مهما كانت الدواعي و الاسباب و العوامل ورائها فلا يمكن التوقع ان تدعو عدوك الشرس المفترس الطاغي الخطير ان يساعدك على حساب ارض و كرامة و عزة و دم الشهادء التي سالت على يده و وصل الى استعمال افتك الاسحلة بما فيها الكيمائية ضدك انت، و من دون خجل تفتخر بما اقدمت عليه و تدعي بانك استخدمته لتحقيق هدف حزبي على حساب تاريخك و سيادتك و تاتي بالحجج الواهية غير المعقولة كما هو من ينافسك ايضا لكل ما تقدم عليه.
هنا لا اريد ان ابرّء الجانب المقابل في تلك المعادلة التي مد يده الى عدو خارجي اخر ل لشعب و لكنه بشكل و طريقة ربما يعتبرها هو محترمة و ليست خارج المعهود و لم يصل الى دعوته بشكل مباشر لتصفية الحسابات مع منافسه بسواعد العدو بنفسه كما حدث في 31 اب، نعم ساعده العدو بشكل غير مباشر او متدخلا بقوته و ما يمتلكه كدولة من الامكانيات العسكرية و المادية في الصراع الذي كان قائما في تلك المرحلة الا انه لم تصل الحال الى ان تسبقه قوات العدو في احتلال مدينة و البرلمان كمؤسسة معنوية تصل الى حد القداسة لكوردستان التي لم تشهد في تاريخها ان تحكم نفسها ككيان منذ ان قسمت بين دول المنطقة و جلبت معها جراء تلك الحالة الكثير من الويلات على ابناءها.
كانت 31 من اب انعطافة تاريخية خطيرة من باب الخيانة على الساحة السياسية الكوردستانية و توالت بعد ذلك ردود الافعال و احدثت شرخت كبيرا و خدشا و جرحا كبيرا في التاريخ الكوردي الحديث على الرغم من عدم خلو تاريخ الثورات الكوردستانية من افعال و احداث مخزية على ايدي قادتها نتيجة الواقع المزدري و ما استوجبت حالهم على التنازلات او ما فرضته المعادلات السياسية و تلاعبت بهم الدول التي انقسمت كوردستان عليها و لكنها لم تصل الى ما صول اليه هذا الاخير. و من المؤكد انه للقوى العظمى يد فيما جرى نتيجة ما شاهدناه من مواقف مختلة او متذبذبة ازاء ما حدث في هذه المنطقة بالذات، و ما صدر من القرارات و بالاخص فيما يخص كوردستان و الهجرة المليونية بعد تحرير الكويت و الانتفاضة الكوردستانية و اتلحرب الداخلية، الا ان اكبر الانعطافات هي ما حدث في 31 من اب و لم تدخل هذه القوى لمنعها، اي بعدما وصل الصراع الداخلي الى ما يعلمه الجميع و اثبتت امورا كثيرا و منها تقسيم جزء من كوردستان الى جزئين فعليا على الارض و دخلت القضية الكوردستانية و ما و صلت اليه الى متاهات مجهولة و مظلمة جدا و نحن نلمس اثارها البارزة المتكررة حتى اليوم و بعد اكثر من 13 عاما. و ما لم يتحدث عنه احد ان الصراعات التي حدثت و ادخلت القضية الكوردستانية الى المازق الخطير كانت على ايدي الحرس القديم و ما فعلوا في صراعاتهم في وقت داكن من تاريخ الثورة الكوردستانية و الصراع الخفي و العلني الذي بعث اخطر ما يمكن ان يحدث في اية ثورة و هو الانقسام الفكري السياسي من القاعدة الى اعلى الهرم. انها متاهة حقا لا يمكن ايجاد الحلول وايجاد المخرج و البديل لحد الان، و الاحرى فانه لا يمكن ان نجد الحلول الا بتنظيف الساحة من العقليات التي تدير كوردستان و هي المتاثرة بتلك العقلية او حاملة لصلبها و ان كان حاملوها من الجيل الجديد و فان عقلهم المتوارث من تلك القيادات و عوائلهم و شللهم و دوائرهم الذين يحكمون الناس اليوم ايضا دون ان يرى احد في الافق نورا، لا بل نرى قيادات شابة يفكر و يصارع و يتحرك و كانه من ذلك الجيل نفسه او اخطر و الذي قسم كوردستان اكثر و ادخلها في المتاهة التي تعيش فيها منذ الانعطافة الخطيرة بل منذ اكثر خمسين عاما.
المتاهة العميقة التي ليس لها النهاية، هي على الصعيد العقلي الفكري التي اثرت على الاجيال و اثبتت في عقولهم و فرض عليهم نوعية التعامل مع التاريخ و تجسيد انكر التوجهات و العقائد السياسية في اذهان من يتعاطى مع السياسة سواء من المقربين لهم من المتنفذين على الساحة السياسية طوال هذه العقود او على الناس الموالين لهم بشكل عام، و ما جرى طوال هذه المدة على ايدي هؤلاء كان اخطر من مما اقترفته الاعداء ضد الشعب الكوردستاني المسالم.
لو اراد اي مخلص لهذا الشعب ان يفكر في كيفية اخراجه من هذه المتاهة التي ادخلته فيها من لم يقدّر الظروف العامة سياسيا و ثقافيا و فكريا، و كان نتاج عملهم هو ما فرضته النرجسية و الطمع الشخصي في المراحل السابقة و توارثته اجيالهم المتحكمين بمصير كوردستان لحد هذه الساعة، و ان البديل للمراقب المخلص لابد ان يفكر فيه هو الثورة في الوقت المناسب لها، و لكن هنا يمكن ان تنعكس الثورة ضدا عليه ايضا ان لم يقدر الوضع العام و ما يمكن ان يفعله المتربصين في اية لحظة يمكن ان يستغلوه، كما حدث بعد عملية الاستفتاء .
يمكننا ان نقول ان الشعب الكوردستاني قد اجبر علي الادخال الى متاهات متتالية على يد قادته بانفسهم بدءا من اواسط الستينات و حتى اواسط التسعينات ( اي من 1966- 1996) و الصراع الدامي و الحروب الداخلية التي ازدادت من حلكة المتاهات و انسداد النوافذ التي كان من الممكن الخروج منها. و الثورة المطلوبة هي التي يمكن ان تزيح المتوارثين لرؤس تلك العمليات بين تلك الفترة بشكل كاسح و احلال البديل العقلاني العصري الخبير العالم بخفايا الامور التي اثرت على وضع الكورد و لم يلتفت الى كل ما فرضته تلك الصراعات و التحديات و ما افرزته تداعيات الدماء التي سالت بايديهم هم بعيدا عن الاعداء.
و اننا نتاكد و نلمس ما يحدث و يؤكد لنا ان متاهتنا تطول مسافة و زمنا و لم نجد من المنقذ لحد الساعة، لا بل من المتوقع ان يزداد التعقيد و تغلق الطرق التي من الممكن سلكها اليوم على ايدي الوارثين هؤلاء . فيزديون المتاهة اكثر ظلاما و يضعون العقبات امام الخيرين ما يجعلهم يتياسون من التدخل و يفقدون الامل في ايجاد الحلول والعمل و تبقى الحال كما هي عليها ربما لاجيال مقبلة ايضا. ان ما يمكن ان نجده هنا هو اختلاف متاهة الكورد عن الاخرين وهو ان المتاهة في اي مكان اخر تكون معلومة البداية و الباني و المرحلة و الاسباب والدوافع للدخول فيها و كما هو السائد في اكثرها تكون على ايدي مجهولة في اكثر ما يحدث و يصيب شعب ان يدخل في متاهة في بقاع اخرى من العالم باي شكل كانت. و ان اكثر المتاهات كانت على ايدي مجهولة او ما تعرف بمتاهة المجهول سواء شخصا كان او اي شيء اخر، اما ما دخلت فيها كوردستان فانها دخلت في متاهة المعلوم و هو من نتاج العقلية القيادية الكوردية الساذجة و صراعاتهم على اسس مقرفة و قذرة.[1]