المسرح الكردي ما بين شكل فرجوي وطقس ديني.
الباحث: #عبد الناصر حسو#
شكل المسرح حقلاً فكرياً يستطيع مؤدّيه توظيف كامل ملكاته الجسدية والفكرية والعاطفية على الخشبة التي تجيز نقل تلك الملكات إلى المتلقي بغاية نقد الواقع والتحريض على التغيير بلغة مفتوحة على المنحى الدرامي أو الساخر.
لم يظهر المسرح لدى الكرد إلا في فترات متأخّرة من العصر الحديث، وبشكل تجارب ارتبطت بالحالة السياسية, ومنْ عمل في المسرح لم يكن سوى استحقاق فردي على مسارح الدول التي يُقيم فيها الكرد. لكن إلى أي مدى عمِل رواد المسرح الكرد ومتى يمكننا تأطير ظهور المسرح الكردي، نصاً وإخراجاً؟
$ثمرة الصيغة الأرسطية المعدّلة$
في معرض حديثه عن المسرح الكردي يؤكّد الكاتب المسرحي عبد الناصر حسو وجود مسرح كردي وإنْ لم يكن ذات فعالية مؤثرة في حياة المجتمع الكردي، كما لم يكن للمسرح الكردي حضور قوي وذلك لأسباب عديدة يذكرها حسو بأن “معظمها سياسية وأيضاً منع الكتابة باللغة الكردية وعدم وجود أمكنة (صالات) للعرض من قبل الدول الغاصبة لكردستان وغيرها التي لا تتعلق بالجانب الإبداعي أو الفني. ومن جانبٍ آخر فإن وجود المسرح الكردي متأثر بالمسارح المجاورة ومرتبط به كون كتّابه وممارسيِه درسوا وتعلموا ومارسوا فنون المسرح الأرسطوطاليسي – الصيغة المهيمنة حتى الآن- على مسارح العالم منذ أكثر من 2500 عام، رغم تحويرها وتطويرها ومرورها بثورات فنية”.
والمسرح الكردي هو ثمرة هذه الصيغة الأرسطية المعدّلة. لذا فالمسرح الكردي موجود منذ مئة عام تقريباً حسب حسو، وإن “كنا لم نستطع أن نحدد تاريخ ميلاده بدقة تامة. ومثل كل البدايات، يختلف الباحثون حول تاريخ ولادته؛ ففريق من الباحثين في المسرح الكردي يقول إنّ أول نص مسرحي كردي كان (صدفة الموت) للكاتب الكردي أبو زيا محمد توفيق عام 1872م. وآخرون يقولون إنّ أول مسرحية عرضت في أربيل عام 1905م. ومعظم الباحثين يتفقون على أنّ أول نص مسرحي كردي كان (مم آلان) للكاتب عبد الرحيم رحمي هكاري عام 1919م، ثم تتالت كتابة النصوص المسرحية الكردية متباعدة نوعاً ما مثل (كوجك الكذاب) للكاتب عرب شمّو الذي يعتبر أباً للرواية الكردية عام 1931م. ومسرحية (الحب والوطنية) للكاتب أبو بكر هاوري عام 1933م. ومسرحية (الزمن الغابر) للكاتب أحمد مرادي عام 1934م.
وإذا اعتبرنا أنّ تاريخ المسرح هو تاريخ العروض المسرحية، فأعتقد أن أول عرض مسرحي كان بعنوان (العلم – الجهل) للكاتب سعيد تقي الدين أعده وأخرجه فؤاد رشيد بكر ضمن النشاط المدرسي في مدينة السليمانية عام 1925- 1926م. ورغم ذلك فالعروض كانت تعاني من تهميش وأحياناً ملاحقة من قبل الحكومات للأسباب التي ذكرتها في البداية. وتتالت العروض المتباعدة كلما تسنّى للمسرحيين الكرد الفرصة في تقديمها.”
$الأشكال الفرجوية تمظهرات مسرحية$
لكن يجد عبد الناصر أن المسرح الكردي في أرمينيا كان منتظماً ومتطوراً وأكثر إنتاجاً ووعياً لمفهوم المسرح لوجود النظام الشيوعي الذي كان يفسح المجال ويدفع المثقف الكردي لتقديم عروض باللغة الكردية، فيذكر مثال أن “فرقة الكز اشتهرت بعروضها التي كانت تضاهي بعض العروض الأوروبية، أما فيما يتعلق بالأشكال الفرجوية التي رافقت وجود الإنسان الكردي منذ آلاف السنين على شكل طقوس دينية واجتماعية وقومية، فهي موجودة لدى جميع الشعوب على شكل تمظهرات وحساسيات، وقد تتكرر هذه التمظهرات مثل إعادة طقس كاوا الحداد في عيد نوروز وطقوس دينية مثل الطوافات الإيزيدية أو على شكل مناسبات في الأفراح الاجتماعية مثل موسم الحصاد وجمع المحصول وصيد الحيوانات ومقاومة قساوة الحياة والصراع مع الوحوش والطبيعة القاسية وغيرها من المناسبات مثل الأفراح والأحزان”.
ويتحدث حسو عن تجربته المسرحية ودوره في مدى تقديم الثقافة الكردية أدباً وفناً وتراثاً مادياً عبر المسرح العربي والغربي، معتبراً أن شخصيته هي نسيج ثقافي عالمي ” أول نص مسرحي كتبته كان باللغة الكردية في عام 1989م بعنوان (أحلام العجائز) وكان من الممكن أن أخرجه في إطار الفرق الكردية التابعة للأحزاب الكردية في حلب آنذاك، لكن ولأسباب عديدة لم ير النور. كما امتنع صديق لي من قامشلو عن إخراجه لأسباب أمنية لأنني كنت قد أعتقلت”.
$الأمن سبّب رقابة ذاتية$
(وأجد نفسي عبارة عن نسيج ثقافي ومعرفي من فقه تيرا وأحمد خاني وأرسطو وشكسبير وبريخت وتشيخوف ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وسعد الله ونوس وغيرهم وهذا واضح في العديد من المقالات والدراسات التي كتبتها وحتى في النقاشات اليومية، وقد جلب لي هذا النسيج بعض المتاعب لدرجة كان معظم رؤساء أقسام الثقافة في الصحف أصدقائي ينصحونني أن هذا المقال قد يجلب لي ولهم متاعب أمنية إن كان المقال يلامس جزءاً يسيراً من شخصية درامية ما، حتى أصبحت أنا رقيباً على نفسي ورغم ذلك كان لابد أن يتجاوز خيالي بعض التابوهات، فمثلاً امتنع مدير تحرير ملحق الثورة الثقافي عن نشر مقال حول عرض (شجرة الدر) لأنني اعتمدت فيه على ثقافتي ومفهومي عن دور الكرد بشكل كبير، وتكرر الأمر في مقال آخر عن رواية للكاتب وليد إخلاصي (الحروف التائهة) عندما توسعتُ في شخصية رشيد كرد الشيوعي مقارنة بالشخصية البعثية التي يصبح ضابطاً. وقدمت جزءاً من هذا التناسج في الثقافة البصرية في بعض العروض التي كنت فيها دراماتورجاً أو معداً مسرحياً وخاصة في عروض الأطفال.
وكتبت مسرحية حول الاقتتال الكردي – الكردي في تسعينات القرن الماضي ومن محاسن الصدف قدمتها فرقة المسرح العسكري في إحدى القطعات العسكرية على أن الاقتتال هو بين الأخوة العرب).
$آمال مستقبلٍ واعد$
يتأسف المسرحي عبد الناصر لعدم مشاهدته لأي عرض مسرحي كردي خلال السنوات الخمس الأخيرة في روج آفا، لكنه ومن خلال ما اطلع عليه عبر الوسائل الإعلامية يرى بشائر أمل لمستقبل الحركة المسرحية في روج آفا، فيقول: (صراحة لم أشاهد عرضاً مسرحياً كردياً واحداً خلال السنوات الخمس الأخيرة في روج آفا، وما شاهدته واطلعت عليه من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لا يمكن أن أتحدث عنها لأنها مصورة بكاميرا على شكل تلفزيون، وهذا يفقد الكثير من سمات المسرح، لكن أعرف أنّ هناك نشاطاً مكثفاً، وهناك فرق مسرحية تحاول جاهدة أن تقدم الأفضل لإرساء قواعد هذا الفن من خلال التدريبات وورش العمل والندوات والمهرجانات، وهذا يبشر بمستقبل الحركة المسرحية الكردية في روج آفا، أتمنّى أن يكون الحضور المسرحي الكردي في روج آفا قوياً في المهرجانات العربية والعالمية للاستفادة وتبادل الخبرات، كما أتمنى أن يكون هناك برامج زيارات بين الفرق في روج آفا للاطلاع على تجارب بعضهم، رغم أنه لا يوجد أي تعاون مسرحي بيني وبين المسرح الكردي في الوقت الراهن في روج آفا، ولم يطلب أحد مني المساعدة أو الاستشارة في هذا المجال).
ويرى عبد الناصر أنه من الضروري للمسرحي أن يعمل بمكونات العرض المسرحي جميعها ليكون على دراية عميقة تُحقّق نجاح العرض، فقد عمل كممثل ومعد ومخرج مساعد ودراماتورجيا ومنسق ديكور طيلة عمله في المسرح، فيقول: (وفيما بعد عندما كتبت عن العروض كنت ملماً بجميع هذه العناصر وإشكالياتها، فقد كنت أول من سلط الضوء على عناصر العرض من الديكور والأزياء والإضاءة في قراءاتي النقدية ودراساتي حول المسرح).
$تدخل الأحزاب منع التطور$
ويشير المسرحي عبد الناصر حسو أن تدخل الأحزاب في العرض المسرحي من الناحية الفنية والفكرية أدى لعدم تطور الفرق المسرحية “هناك العديد من الفرق المسرحية الكردية في روج آفا منذ ثمانينات القرن الماضي قدمت عروضاً مسرحية كردية في مناسبات قومية واجتماعية أو في رحلات خاطفة بعيدة عن أعين رجال الأمن، وغلب على هذه العروض طابع الرقص الشعبي والغناء القومي، في حين أن عروض عيد نوروز لم تخرج عن موضوع كاوا الحداد، وأحياناً عن موضوع ظلم الآغا، ومعظم أعضاء الفرق ينتمون إلى إحدى الأحزاب الكردية، التي تتدخل في الأمور الفنية والفكرية، وهذا سبب آخر لعدم تطور هذه الفرق”.
لذا إذ ما حاولت هذه الفرق أن تستقي من التاريخ الكردي أفكاراً ومواضيع فيجد عبد الناصر أنه تاريخٌ غني بالأفكار والمواضيع المسرحية مبيناً أنه (يمكن تحويل أي موقف في التاريخ والحاضر إلى عرض مسرحي، لكن المهم أن يمتلك المرء ذهنية درامية متفتحة، وهناك الكثير من الأشكال التراثية الشعبية للكرد والحاملة لبذور الدراما الفنية بهدف الاستفادة منها، فالمخزون الكردي والذاكرة الجمعية الكردية غنية بهذه الأشكال الفرجوية التي رافقت مسيرة الإنسان الكردي حتى وصلنا إلى ما بعد الحداثة وما بعد الدراما وإلى ما بعد البعديات في نظريات التلاقي والتلاقح الحضاري. يمكن استخدام مصارعة الديكة في مشهد ما أو حتى مصارعة كبشين مثلاً).
[1]