روناهي/ آزاد كردي
يحمل عيد النوروز الذي يأتي في 21 آذار بجعبته مظاهر الطبيعة بأسمى معانيها كالسلام والخير والعطاء وتبدل الطبيعة، في المقابل تغنّى الأدباء والشعراء بالنوروز، فحظيَ بكثير من الاهتمام والذِكر في عيون الفن والشعر.
ويحظى الاحتفال بعيد النوروز بمكانة مرموقة عند شعوب المنطقة عامة- والكرد خاصة، فالأمر في هذه الأيام مع انتشار فلسفة الديمقراطية مختلف، إذ يتشارك في الاحتفال العرب والتركمان والشركس وغيرهم، ويزخر تاريخ الشعوب وخاصة الموروث الأدبي بمدى التفاعل الثقافي والحضاري الذي كان قائماً بين العرب والكرد في تعبيرهم عن يوم النوروز.
ويشكّل عيد النوروز مادة خصبة في الأدب والفن حيث ذُكِر في العديد من القصائد الشعرية والنثرية، وعبّر أصحابها عن جمال الطبيعة إذ من الممكن أن تكون موضوعاً خصباً للدراسة والبحث والتحليل، ويعبّر النوروز عن معاني المحبة ولقاء الأحبة حيث تتصافى فيه القلوب، فيتبادلون أجمل الهدايا التي تزيد العيد بهجةً وحبوراً. ويعتبر الحجاج بن يوسف الثقفي أول من قدم هدايا النوروز في الإسلام، فقد أهدى أحمد بن يوسف الكاتب إلى المأمون سفطاً من الذهب فيه عود هندي في طوله وعرضه، وكتب معه:” هذا يومٌ جرت فيه العادة بألطاف العيد والسعادة”.
أما في الشعر، فالنوروز هو عيد الطبيعة، والطبيعة إذ تكشف عن محاسن وجهها، وتبدي طرائف شتى من ظواهرها الجميلة، ونظم الشعراء العرب في قدوم النوروز قصائد في مدح خليفة أو تهنئة أمير من أجل تمكين الصلة وتوطيد أواصر الصداقة، ومن ذلك قول أبو تمام:
قد شرد الصبح هذا الليل من أفقه
وسوّغ الدهر ما قد كان من شرفه
سبقت إلى الخلق في النوروز عافية
بها شفاهم جديد الدهر من خلقه
وقد اتخذ الشعراء في العهد العباسي من هذه المناسبة فرصة سانحة للتعبير عن سعادتهم بهذا اليوم، فقد هنأ الشاعر الشريف الرضي بهاء الدولة بالنوروز في قوله: “وأنعم بذا النوروز زوراً نازلاً ومنتظره آل بويهٍ أنتم الأمطار والناس الخضره“.
كما وأظهر النوروز الولاء ووجه المقارنة بين الممدوحين ومظاهر الطبيعة عبر استذكارهم بعطاء الطبيعة في إشارة إلى دفع الممدوح ليمثل بالطبيعة، فيجزل العطاء للشاعر، كما فعل البحتري بمدحه الهيثم الغنوي:
“أتاكَ الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحُسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبّه النوروز في غسق الدجى
أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما”
وهنّأ ابن الرومي عبيد الله بن عبد الله بمناسبة عيد النوروز فأنشده:
“كأنَّها هو في الأسبوع واسطة
في سمطِ دُرِّ يحل جيد حسناء
ما طابق الله نيروز الأمير بهِ
إلا لتلقى فيه كلَّ ساء“
وأشار الشعراء إلى إشعال النيران ليلاً ابتهاجاً بيوم النوروز حيث تُصنع الحلوى وتضاء الأسواق، ومن هؤلاء الشاعر أبي الحسن محمد بن عبد الله السلامي حيث يذكر في قصيدة النار وما تعنيه من قيمة في هذا اليوم، إذ قال:
“لا زلت أشتاق ناراً أوقدت لهباً حتى ظننت عذاب النار قد عذُبا“.
وفي الأدب العربي الحديث، برز النوروز رمزاً كفاحياً وتحررياً للشعوب ضد الاستعمار وأعوانه، ومن هؤلاء الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته (وحي النوروز)، داعياً إلى تكاتف الشعبين الكردي والعربي ضد مخططات الاستعمار في المنطقة، واصفاً إياه بثورة للفقراء العرب والكرد الكادحين على الظلم فيقول:
يا شعب كاوه سل الحداد كيف هوى
صرحٌ على الساعد المفتول ينهارُ
وكيف أهوت على الطاغي يداً نفضت
عنها الغبار وكيف أنقضَ ثوار
والجاعل الكير يوم الهول مشعله
ينصب منه على الآفاق أنوارُ“[1]