مارك سایكس والقبائل الكوردية
كانت كوردستان مقصدا لرحلات العديد من الإنكليز ، لاسيما في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، وكان أولئك الإنكليز خليطا من العسكريين والدبلوماسيين والمبشرين والمنقبين عن الآثار الذين سعوا إلى خدمة المصالح والسياسة البريطانية في المنطقة .
إن أولى رحلات الإنكليز إلى كوردستان في القرن التاسع عشر كانت تلك التي قام بها الكابتن ( النقيب ) جون مكدونالد كينير {1813-1814} ، وكان الدافع لتلك الرحلة جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات في إطار مساعي الإنكليز لمواجهة ما سمي بتهديد الهند من جانب روسيا القيصرية .
وقام المقدم وليم هيود برحلة من بغداد إلى السليمانية عبر كفري وإلى أربيل ثم الموصل سنة 1817 ، وقدم وصفا دقيقة للمناطق التي زارها . وفي سنة 1818 ، قام بورتر Borter برحلة من بغداد إلى كفري وإلى كركوك والسليمانية ، وفي سنة 1820، قام المقيم السياسي البريطاني في بغداد كلوديس جيمس ريج برحلة إلى كوردستان واستغرقت رحلته سنة كاملة ( نيسان 1820- آذار 1821 ) ، وعقد صلات مع بعض زعماء القبائل والوجهاء الكورد ، كما أنه جمع معلومات مفصلة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عن المناطق التي زارها .
وخلال الخمسة عشر عامة التالية لرحلة ريج ، قام عدد من السياسيين والعسكريين الإنكليز بزيارة السليمانية وزاخو وعقرة والزيبار لجمع المعلومات ، أمثال الضباط رولنصون والضابط ميللينجن .
وفي سنة 1834 قام جيمس بيللي فريزر برحلة إلى كوردستان ، بعد عودته من مهمة دبلوماسية من إيران ، وقام بمسح جغرافي شامل للمناطق التي زارها ، وبعد عامين زار شل J. Sheil ، القائد الثاني للبعثة العسكرية الإنكليزية في إيران ، زاخو وعقرة والزيبار وبحركه وأربيل وكركوك والسليمانية . وقام وليم فرانسيس انیسورث W. F. Ainsworth سنة 1837 وهو جراح وجيولوجي ، برحلة كلف فيها بكتابة تقارير عن أحوال الكورد ، وفي سنة 1847 ، وأثناء قيام اللجنة الرباعية المشكلة من ممثلين عن كل من بريطانيا وروسيا وتركيا وإيران التحديد الحدود بين الدولتين الأخيرتين ، استغلت بريطانيا أعمال اللجنة لإجراء مسح كامل للمناطق الكوردية التي لم يصلها الإنكليز سابقا.
ونشط الإنكليز بعد الحرب الروسية العثمانية (1877 - 1878 ) وعودة التهديد الروسي ، وظهور الخطر الألماني في بغداد ، فقام العقيد مايلز S. K. Miles ، القنصل البريطاني العام في بغداد بجولات في أطراف الموصل ، وقام خلفه بلودان T. Ploeden برحلة إلى السليمانية وكويسنجق وأربيل والموصل حتى سنة 1881.
وفي الأعوام 1887، زار العقيد تويدي Tweedie ، القنصل البريطاني العام في بغداد مدن أربيل وشنگال ( سنجار ) ، وجاء بعده النقيب ماونسل F. R. Maunsel الذي زار دهوك وأميدي ( العمادية ) والزيبار وأربيل في الأعوام 1881 و 1892 وأكد ماونسل عن أهمية النفط المستقبلية ووجوده في المنطقة .
تضاعف اهتمام بريطانيا بكوردستان منذ السنوات الأولى للقرن العشرين ، وكان ذلك نتيجة لاكتشاف النفط والاهتمام البالغ الذي أولته لما بين النهرين ، حيث كانوا يريدون أن يتخذوا منها ومن كوردستان قاعدة مهمة لبث نفوذهم في الشرقين الأدنى والأوسط ، والحفاظ عليه فيهما ، وفي هذه الآونة كان عدد الإنكليز الذين يوفدون إلى كوردستان ويتجولون فيها في ازدياد ، وكان يعينهم على دراسة حياة الكورد وتفهم أوضاع بلادهم من كل الوجوه ، إن بعضهم كانوا قد تعلموا اللغة الكردية ، ورحلة الميجرسون ، في مطلع القرن العشرين ، المعروفة وكتاباته ودراساته للحياة الكوردية والوضع في كوردستان ، نماذج جلية في هذا المضمار . ومع أن الإنكليز كانوا يولون أهمية أكثر لكوردستان الجنوبية (العراق ) ، مما كانوا يولونه لأجزاء كوردستان الأخرى ، إلا أنهم لم يغفلوا تلك الأجزاء أيضا ، ولذلك فقد كان عدد كبير من الرحالة والموظفين الإنكليز يصلون سرة أو جهرة في سنوات ما قبل الحرب العالية الأولى ، إلى المناطق الأكثر أهمية في كوردستان ، بل وصل بعضهم إلى زوايا في تلك المناطق لم تطأها قبلهم قدم أي أجنبي ، ففي أثناء رحلة الميجرسون قام الموظف السياسي البريطاني مارك سايكس برحلة طويلة خلال السنوات ما بين 1899-1906 ، في كوردستان الشمالية ، ودرس عن كثب حياة عدد كبير من القبائل والعشائر والطوائف الكوردية ، وأمعن النظر في حياة المناطق التي تقطنها تلك القبائل من مختلف الوجوه . فكانت المعلومات التي جمعها في رحلته ، مفيدة لكل الأشخاص والجهات التي كانت تولي الاهتمام لكوردستان ومستقبلها. مارك سايكس (1879-1919 ) سياسي وضابط بريطاني ، تولى مناصب عديدة من بينها ، ملحق فخري في السفارة البريطانية في استنبول ( 1905-1906 ) وضابط في هيئة الأركان العامة ( 1915-1916) وسكرتير لجنة الدفاع الإمبراطوري ، وسكرتير سياسي لوزارة الحرب (1916-1919} ، ونائب مستشار للشؤون العربية والفلسطينية في وزارة الخارجية البريطانية سنة 1918، كما حضر مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 وقد ارتبط اسمه باتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 .
أظهر سايكس اهتماما بالرحلات إلى الشرق ، وكان يريد أن يخلف لنفسه شهرة تضاهي تلك التي أحرزها جورج كرزون .G .Curzon من رحلاته إلى بلاد فارس وجولاته في الولايات الآسيوية من الدولة العثمانية بين سنة 1988و 1906 . وقادته تلك الرحلات والجولات إلى أصقاع مختلفة من كوردستان العثمانية ، فزار أربيل وكركوك والسليمانية والموصل وجزيرة بوتان ( ابن عمر في المصادر الإسلامية وكويسنجق وزاخو وآميدي ( العمادية ) ودوكان ، ومناطق بارزان وزیبار و وان وآرارات . ونشر تفاصيل تلك الرحلات والجولات في ثلاثة كتب هي :
1- عبر خمس ولايات تركية Therough Five Turiksh Provines ( لندن 1900 ) .
2- دار الإسلام ، سفرة عبر عشر من ولايات تركيا الآسيوية Dar AL - Islam Ajorney Therough of the Asiatic Provines of Turikey ( لندن ، 1904) .
3- الإرث الأخير للخليفة The Caliphs Last Heritah لندن ، 1915 ) .
كما نشر بحثا بعنوان « سفرات في شمال ما بين النهرين » Journey in North Mesoptamia في المجلة الجغرافية Geographieal Journal المجلد 30 لسنة 1907.
أما البحث الحالي ( موضوع الترجمة ) عن القبائل الكوردية في الإمبراطورية العثمانية ، فقد نشر أصلا في مجلة العهد الأنثروبولوجي الملكي :
Journal of The Royal Anthropological Institut
المجلد ( 39 ) السنة 1908 ، ثم وضعه ملحقة الكتابه « الإرث الأخير للخليفة » .
المهم في الأمر ، أن سایكس كان من دعاة تعزيز النفوذ البريطاني في كوردستان والمنطقة ومواجهة النفوذ الألماني المتنامي في الدولة العثمانية ، وكان يرى أن العشائر الكوردية يمكن أن تشكل خطأ دفاعية ضد أي غزو روسي محتمل للدولة العثمانية ، كما اهتم بالإدارة العثمانية وجمع معلومات كثيرة عن العشائر الكوردية ، استفادت منها بريطانيا عند دخولها أراضي الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى .
الدكتور #عبدالفتاح علي البوتاني#، 10.10،2001. [1]