أهم إنجازات ثورة 19 تموز وخطوات الشعب التاريخية
مما لا شك فيه أن سنة 2011 كانت سنة الأحداث وحراك الشعوب نحو الخطوة المصيرية وخلق انتفاضة للتحرر وتحقيق الديمقراطية، حيث استحقت تسميتها بربيع الشعوب بحسب وصف قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان للمرحلة في الشرق الأوسط. وخلال مسيرة 8 أعوام من التضحيات والحراك الشعبي كان للكرد وثورتهم الأحقية في أداء الدور الطليعي لتحرير الشعوب من خلال تنظيمهم وفلسفتهم.
في هذا الملف المكون من أربعة أجزاء والذي يحمل عنوان أهم إنجازات ثورة 19 تموز وخطوات الشعب التاريخية سوف نسرد ونُذكًر بخطوط عريضة، الخطوات التاريخية للشعب وما حققته ثورة 19 تموز من انجازات على الصعيد الاجتماعي والتنظيمي والسياسي ومقتطفات من تلك الانجازات، إلى جانب الدور الذي لعبه في إحياء الإرث الثقافي والهوية الاجتماعية للأعراق والأديان التي تعيش عبر التاريخ على أرض روج آفا والشمال السوري.
من ثم يليها ملف خاص في الجزء الثالث عن دور المرأة في قيادة الثورة وما حققته خلال ثورة 19 تموز للمرأة السورية بشكل خاص والعالم بشكل عام، لننهي الملف في جزئه الرابع بسرد مراحل تطور مؤسسة الحماية في الشمال السوري ودورها في الدفاع عن مكتسبات الثورة المحققة.
قبل الانطلاقة.. ميراث من النضال الطويل مهد للانبعاث
إن أساليب الأنظمة الحاكمة في الاستبداد والديكتاتورية وسلب الشعوب كافة حقوقها في العيش الكريم والحر أوصلتهم إلى طريق مسدود لا يُمكًنِهم من الاستمرارية في كبح إرادة شعوبهم، لذلك جاءت الانتفاضة وأعُلن عن ربيع الشعوب في الشرق الأوسط.
إلا أن معظم الشعوب لم تمتلك ذاك الميراث الكافي من النضال التنظيمي سوى أنهم يهدفون لنفض الاستبداد والظلم عن كاهلهم، بعكس الشعب الكردي الذي يملك ميراثاً يمتد لعقود طويلة من الثورات والتنظيم الاجتماعي والنضال ضد الاستبداد والتسلط، فاستحق أن يؤدي الدور الطليعي في هذا الربيع وينجح في تخطي أصعب مراحله ويصل بالشعب الكردي ومن تكاتف معهم إلى الحرية والديمقراطية.
فلم تسلك حركة المجتمع الديمقراطي، التي تولت دفة قيادة الشعب في روج آفا، الطريق الذي سلكته الأحزاب والتنظيمات والحركات الأخرى في سوريا والجوار حينما انتفض الشعب، بل اتخذت من تنظيم الشعب ووضع استراتيجية على كافة الصعدة أساساً لها بعيداً عن العاطفة الموجودة في الشارع آنذاك، لأن منظور الحركة في الثورة كان مختلفاً عن الآخرين الذين يرون في الثورة تغيير حاكم بحاكم وسلطة بأخرى، بل رأت الحركة في الثورة تغييراً في النظام الحياتي للمجتمع على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ككل وإيجاد البديل المناسب بما يتناسب مع وضعه وظروفه ويحقق طموحاته.
فقد مهدت للتنظيم العسكري بعد انتفاضة قامشلو 2004، فشكلت لجان شعبية للحماية بداية 2011 وفق متطلبات المرحلة لتتطور فيما بعد إلى وحدات حماية الشعب، التي أثبتت جدارتها في المنطقة، من ثم جعلت الأخيرة نفسها قاعدة رصينة ومتكاملة لبناء مؤسسة عسكرية متينة متكاملة لشعوب الشمال السوري كقوات سوريا الديمقراطية اليوم، وفق مبدأ الدفاع المشروع للشعب ضد أي انتهاك واعتداء من الخارج يهدف للنيل من وجودهم.
كما ووافقت على مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وفق مبدأ أخوة الشعوب منذ 2007، لتبدأ الحركة في 2011 بتشكيل اللجان والمجالس الشعبية وجمع الشعب تحت سقفها وتعزيز التكاتف والوحدة.
19 تموز 2012 استعادة مكتسبات الشعوب المضطهدة وحمايتها
لم يكن مضمون الثورة حينذاك عند الكرد يقتصر على تحرير مؤسسات معينة تابعة للدولة في روج آفا فقط، بل كان الغاية الأساسية هي رفع الاستبداد والاضطهاد وإعادة حقوق الشعب المسلوبة، لذلك سارع الحراك الجماهيري الذي قادته حركة المجتمع الديمقراطي في عقد اجتماعات موسعة ومصيرية مع المكونات المختلفة في كل قرية وبلدة ومدينة بغاية تشكيل مجالس شعبية يمثل كل مكون نفسه بإرادته ويتحرك للبدء ببناء مؤسساتهم ذاتياً على كافة الأصعدة.
فشكلت لجان العدل لحل القضايا الاجتماعية بعيداً عن مؤسسة الدولة الاحتكارية، واتحدت النساء من كافة المكونات في كل حي وقرية وبلدة لتشكلن مجالسهن الخاصة ومشاريعهن الاجتماعية والاقتصادية بعيداً عن استغلال مؤسسات السلطة، كما اجتمع المثقفون والمعلمون والفنانون والأطباء والحقوقيون والرياضيون والشبيبة وغيرهم من فئات وشرائح المجتمع المهمشة في المنطقة ليشكلوا البنى الأولية والأساسية لاتحاداتهم ونقاباتهم بعيداً عن سلطة الدولة بما يتناغم مع متطلبات الشعب التواق إلى حقوقه وحريته في البناء والتعبير.
بعدها جاء يوم 19 تموز من عام 2012 كيوم الانطلاقة والاعلان عن الثورة وتفعيل البديل الذي صنعه الشعب لنفسه من نظام اجتماعي متكامل بدلاً من مؤسسة الدولة الهشة والاحتكارية المتسلطة على كدح الشعب، لتكون أول ثورة في الشرق الأوسط، ضمن ربيع الشعوب، تتحرك وتثور بشكل مغاير تماماً عن الثورات الأخرى وحتى عن السورية نفسها.
الإعلان عن الإدارة الذاتية وتتالي الانتصارات على الصعيد الاجتماعي والسياسي
إن آلية سير النظام الاجتماعي تمت في البداية من خلال العمل على القاعدة والخلية الصغرى في تنظيم المجتمع إلا وهي الكومين واللجان المنبثقة منها، نحو المجالس الشعبية من ثم مجلس الشعب لغربي كردستان كبرلمان يمثل ارادتهم السياسية، حيث كانت خطوة صائبة وناجحة بشكل يبني الثقة الكاملة لدى المكونات بالتكاتف والعمل بإرادتهم في بناء نظامهم المجتمعي على كافة الاصعدة، بحيث تكون أخوة الشعوب والمساواة في الحقوق مبدأ أساسياً في أي خطوة تنجز.
ووفق هذه الاستراتيجية دخلت الثورة في مرحلة جديدة وتم الإعلان لأول مرة في تاريخ سوريا عن المجلس التأسيسي العام للإدارة المرحلية المشتركة المكون من 82 عضواً ممثلين عن كافة المكونات والأديان الموجودة في الشمال السوري، وانبثاق هيئة متابعة لصياغة وكتابة مختلف المشاريع والوثائق اللازمة للتنظيم بشكل توافقي ليتمخض عنه فيما بعد قرار تشكيل المقاطعات الثلاثة ( الجزيرة – كوباني – عفرين ).
وضمن هذه الخطوة تم ولأول مرة في المنطقة وبشكل ديمقراطي وتوافقي صياغة مشروع للإدارة المحلية وإعداد وثيقة للعقد الاجتماعي والنظام الانتخابي بما يتناسب ويرضي كافة المكونات مع فتح المجال لأي قوى وتنظيمات جديد الانضمام إليها بعد موافقة المجلس.
ونتيجة لهذه الخطوات التاريخية تتالت الانتصارات الاجتماعية والسياسية للإدارة الذاتية وذاع صيتها في المنطقة والعالم. فمن الداخل كان تشكيل الهيئة الكردية العليا بتاريخ 24 تموز 2012، بمثابة النجاح في تحقيق الوحدة السياسية للشعب الكردي في الداخل، وكذلك بناء الإدارة الذاتية بشكل تدريجي وإعلانها بشكل رسمي وبقرار تاريخي في المقاطعات الثلاثة بداية 2014 كان المنقذ للشعوب كافة في روج آفا لتمثيل إرادتهم والدفاع عنها، لتتوالى من خلال هذه الخطوات الانتصارات الدبلوماسية والتعريف بالحقوق والمكتسبات في الشمال السوري للعالم أجمع.
كما أدرجت عام 2015 اللغة والمنهاج الكردية لأول مرة في تاريخ روج آفا وسوريا ضمن المدارس وبشكل تدريجي في المقاطعات الثلاث، إلى جانب فتح العشرات من المعاهد والأكاديميات العلمية والتأهيلية للأدب واللغة الكردية والعلوم الاجتماعية، إضافة إلى فتح مراكز الثقافة والفن لإحياء التراث والفلكلور لدى الشعوب القاطنة في كل بلدة ومدينة من روج آفا.
إعلان المجلس التأسيسي للفدرالية الديمقراطية وانتصارات دبلوماسية..
بعد تتالي الانتصارات العسكرية والاجتماعية في شمال سوريا عموماً وتكاتف الشعوب بشكل أكبر حول مبادئ ثورة 19 تموز، كان لابد من وضع الحل السياسي الشامل للأزمة السورية وانقاذ الشعب من براثن الحرب الطاحنة، فجمعت الإدارة الذاتية ممثلين معارضين من جميع مكونات سوريا ومن كافة المحافظات لأول مرة ضمن مؤتمر سوريا الديمقراطية في 8-9 كانون الأول من عام 2015 ليعلنوا عن مجلس سوريا الديمقراطية، الذي كان له صدى اقليمي ودولي كبير.
وبعد نقاشات موسعة بين كافة القوى المشاركة في الإدارة الذاتية لروج آفا ومناطق شمال سوريا المحررة جديداً، جاء مشروع إعلان المجلس التأسيسي لفدرالية الشمال السوري بتاريخ 17 آذار عام 2016 الذي شكلته مكونات المنطقة لبلورة ورقتهم السياسية في حل قضايا وطنهم وشعبهم بعد تجربة 5 سنين من التنظيم والنضال، لتليها فيما بعد الكشف عن العقد الاجتماعي للفيدرالية بتاريخ الأول من شهر تموز عام 2016 والمؤلف من 85 مادة.
وفتحت الإدارة الذاتية الديمقراطية ممثلياتها في 8 دول وفدراليات حتى الآن وهي كل من ( روسيا- فرنسا- ألمانيا- السويد- هولندا- لوكسمبورغ- بلجيكا وإقليم جنوب كردستان)، وتبنت الاشتراكية الدولية، التي تضم 100 حزب عالمي، نظام الفدرالية المعلن في الشمال السوري ببيان رسمي.
غداً: شعوب عريقة تحيي ثقافتها من جديد على أرضها التاريخية بفضل 19 تموز[1]