حقيقة ثورة غرب كردستان
الهام احمد
مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تعمل عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا لا يزال قيد التنفيذ بأساليب متنوعة ومختلفة، لقد تدخلت بشكل مباشر وعسكرياً في العراق وهذا ما كلفها ثمناً باهظاً تكاد غير قادرة عل النفاذ منه حتى اللحظة، وشكل ذلك وباءا على الشعب العراقي وكافة شعوب المنطقة. ومشاهد العنف التي نراها يومياً في العراق والتي تسفر عن قتلى لا يقل عن عشرات الأشخاص يومياً، هي نتيجة للساسيات التعسفية التي تسيّرها نظم الدول تلك.
وعملت على استغلال الثورات التي قامت في كل من تونس، مصر، ليبيا، وسوريا لصالحها، و دَّالات الثورة التي كان من الضروري أن تضع حملها بشكل طبيعي لكن ومع التدخلات الخارجية تم الإطلاق بعمليات قيصرية وهذا ما أدى إلى قتل الجنين وحرف الثورات عن مجراها الطبيعي، لهذا استلمت المجموعات الارهابية التي هي من صنيعة أمريكا بذاتها زمام الثورة وأطلقتها على رقاب الشعوب المظلومة المنادية بالحرية والديمقراطية.
كافة الشعارات البراقة من الديمقراطية وحقوق الانسان التي تنادي بها الأنظمة الرأسمالية ما هي إلا خداع وديكتاتورية الارهاب التي تطلقها على رقاب الشعوب المضطهدة طمعاً بمواردها النفطية ومنابع غناها. لهذا تحولت اليوم الثورة المنتصرة في كل من مصر وتونس الى صراع داخلي ما بين المجموعات الاسلامية المتطرفة والشعب.
وحسب بعض البحوثات التي أجرتها مراكز البحوث العالمية في سياسات القوى الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا تقول بأن هذه القوى تركز على مسألة إضعاف القوة العسكرية لدى الأنظمة المحلية في الشرق الأوسط. كما هي الحال في مصر حالياً حيث ورط الجيش المصري الذي كان مع الشعب دائما في قتل الجماهير وتجريمه ولإعطائه صفة الإرهاب ويتخلص من هيبته. وهذا ما قام به في سوريا أيضا حيث قام الجيش بقتل الشعب تحت اسم مقارعة المجموعات الارهابية لدرجة وصل هو بذاته الى حد الفناء. هذا ما يتم التخطيط له في ايران وتركيا أيضا.
النظام الرأسمالي الاوروبي المشرف على هذه السياسات حيث يخططها في غرف العمليات الانكليزية والامريكية وتطبخ في مطابخ بعض القوى المحلية كتركيا والسعودية وقطر وتنفذ بأيدي قوى تسمي نفسها بالمعارضة سواء كانت حركة الاخوان أن المتشددين أو الائتلاف والمجلس الوطني، ترتكب المجازر على أيدي القوى المعارضة والأنظمة الحاكمة. ما يفهم من هذه السيناريوهات جميعها أن القوى الرأسمالية تريد التحكم بزمام السلطة في الشرق الاوسط عن طريق وضع اليد على منابع البترول ومصادر المياه وغيرها، وتصرف الملايين من الدولارات في سبيل الحفاظ على هكذا تشكيلات معارضة في المنطقة والتي لا تمثل سوى العوبة بيد القوى الخارجية. لهذا من غير الممكن أن تنتصر هكذا معارضة ومن غير الممكن أن تتوحد أيضا، لأن السياسة المطبقة هي «فرق تسد »، بقدر ما تشتت الصفوف تكون القدرة على التحكم بها أسهل.
كل هذا لا يعني أن الشعب لا يقاوم على العكس، الشعوب هي التي انتفضت وعارضت النظام الحاكم إلا أنه لم يرغب بتحويل وطنهم الى مرتع للمرتزقة والمجموعات الارهابية، وهو ينتظر من ممثليه أن يفعلوا شيئا نافعا له ويمثلوه عن حقيقة. وهو أيضا بتشتت عندما لا يلقى من يمثله ويدافع عنه في المحافل الدولية ويتركه للقدر. هذه صورة طبق الاصل مما نراه في كل من سوريا وغيرها من الدول التي قامت فيها الثورات. فالنظام السوري الذي لم يقبل التغيير منذ البداية ولم يعترف بحقوق المكونات إنما أصر على سياسته الشوفينية والإقصاء لهذا حول البلاد الى خراب ودمار، لكن حاول الشعب الكردي أن يبقي على وجوده والحفاظ على مناطقه ضمن أجواء أكثر سلمية وأمان انتهج سياسة الطرف الثالث في المعادلة، لم يتبع للنظام ولم يتبع للمعارضة التي لم تعترف يوما بحقوق الكرد ووجوده. لهذا حقق ثورته في 19 تموز 2012 وطرد قوى النظام من مناطقه بمشاركة جماهيرية وبسياسة النهج الثالث المتمثل بالحل السلمي والديمقراطية.
إلا أنه ومع دخول ثورة 19 تموز الديمقراطية في غربي كردستان عامها الثاني وفي الوقت الذي كان الشعب الكردي يجهز نفسه لاستقبال هذا اليوم في جو من الاحتفالات الجماهيرية الحاشدة، هاجمت القوى المعادية للثورة مناطق غربي كردستان والقرى الكردية الواقعة في جوار حلب تل عران وتل حاصل بحجة أن الكرد سيقسمون الأراضي السورية عن طريق تشكيل الإدارة الذاتية، علما أن المناطق الكردية تدار من قبل حركة المجتمع الديمقراطي منذ بداية الثورة وحتى الآن. فمشروع الأدارة المحلية الذي طرحه حزب الاتحاد الديمقراطي هو نتيجة حتمية لكل الانجازات التي تحققت في مناطق غربي كردستان.
وهذا الهجوم يعتبر مقصودا من قبل الجماعات الارهابية التي تعمل باسم الاسلام التي حولت الثورة إلى حرب طائفية وتطهير عرقي، يعتبرون قتل الكردي اقتراب من الجنة خطوة أخرى، ظنا منهم أن الكرد كفار وقتلهم حلال.
هذه الهجمات لم تكن الاولى من نوعها التي تحدث على المناطق الكردية إنما بدأت هذه الهجمات مع تحريرها من سلطة النظام البعثي واستمرت إلى فترة دخولنا الذكرى السنوية للثورة. طبعاً اختيار هذا التوقيت لم يأتِ من قبيل الصدفة إنما لها معاني سياسية وتداعيات اقتصادية وفكرية، إنها تهدف إلى ضرب الإرادة الكردية التي تشكلت خلال فترة الثورة بنضال وجهد الملايين من شعبنا المجاهد، وتضحيات المئات من خيرة أبناء هذا الوطن، هذا وكما يبدو أن المخطط تم توسيعه وامتدت أبعاده إلى القوى الدولية الخارجية صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد. وهذه الهجمات في هذه المرة تختلف عن سابقاتها من حيث الكم والنوع، حيث شملت كل المناطق وشاركت فيها كل القوى المعادية للشعب الكردي والثورة السورية، وذلك بدعم إقليمي من )تركيا – السعودية – قطر( ودولي )أمريكا – فرنسا( بشكل واضح وصريح وبمباركة بعض الأطراف الكردية التي تعمل لصالح هذه الأجندات والمؤامرات الهادفة إلى إزالة الوجود الكردي والواقع ضمن إطار الحدود السياسية السورية.
تنظيم جبهة النصرة ودولة الإسلام في العراق والشام وبعض فصائل الجيش الحر هم أداة في هذه الهجمة الوحشية والحرب القذرة ضد الشعب الكردي في غربي كردستان وسوريا، ولكن القوى الأساسية التي توجه وتقود هذه الهجمة هي تلك التي تمكنت من تحريف وتصفية الثورة السورية ولم تناهض البعث الشوفيني في يوم من الأيام كما هو الحال في سياسة النظام التركي وغيرها من الأنظمة والآن تسعى لأن تحول الحرب إلى حرب عرقية بعدما حولتها إلى حرب طائفية في المناطق الاخرى في سوريا، القوى الأساسية التي تدعم هذه الحرب هي تركيا وحليفتها حكومة الإقليم التي تساندها بمواقفها السلبية من الهجوم على الكرد والقوى الخارجية الرأسمالية عدوة الديمقراطية وحرية الشعوب. والسبب الأساسي في الهجمة على غربي كردستان هو تمثيل المجتمع الكردستاني لروح الديمقراطية وعدم تبعيتها لسياسات الدول الخارجية ولا الاقليمية، إنما اعتمدت على ذاتها وقادت الثورة بإرادتها الحرة. هذا وكما أنها غير منفصلة عن الوضع والسياسات التي تواجه بها الحكومة التركية قضية الشعب الكردي، الحرب التي توقفت في شمالي كردستان اشتد سعيرها في غربي كردستان بهدف تصفية الحركة الكردية هنا وترك الحل السلمي في تركيا قيد النسيان، الحكومة التركية ملزمة بخطو الخطوات نحو الحل هناك وإعطاء جواب لمبادرة السلم التي أطلقها القائد عبد الله اوجلان.
والسياسات التي تدار من هولير تفتح المجال أمام تدخلات خطيرة لمناطقنا هذه، الحكومة التركية تفرض الحصار على المناطق الكردية من طرف والمجموعات المسلحة المرتزقة تحاصر من طرف آخر وحكومة الاقليم تغلق المعبر وتستمر بحصارها من طرف ثالث، وجميعها تصب في هدف واحد ألا وهو إضعاف الكرد والنيل من إراته وإجباره على قبول الحل بما يصب في مصلحة القوى المعادية للشعب الكردي، خاصة في هذه المرحلة التي أصبحت فيه القضية الكردية موضع نقاش واسع وجدي فرض نفسها كأمر واقع لا مفر منه في كل من شمال وغربي كردستان.
كثير من القوى التي حاولت أن تخفي حقيقتها خلف ستار الثورة ودعيت بالمعارضة، باعت الثورة وخانت أهدافها على طاولة الحسابات الشخصية والعائلية والمذهبية وابتعدت عن مصالح الشعب خدمةً لمصالح أجنبية، ولكن شعبنا في غربي كردستان تمكن من بناء مؤسساته الديمقراطية وتحرير مناطقه وإدارة نفسه بنفسه بمقاومات عظيمة وبإرادة لا تقهر رغم العراقيل التي تم وضعها في مواجهة حركة التحرير كحركة جماهيرية شعبية والوصول إلى إرادة وقوة لحماية وجوده ومكتسباته وبناء جسور الأخوة بينه وبين المكونات المختلفة للمجتمع السوري، لذا تم استهداف مناطق ومجتمع غربي كردستان بكافة مكوناته من قبل القوى الهمجية المظلمة والمناهضة للثورة. ولكن كل هذه الهجمات والمؤامرات تحطمت ولازالت تتحطم على صخرة مقاومة وحدات حماية الشعب ) YPG ( والقوى الشعبية بدءاً من ديريك حتى عفرين ومروراً بسري كانية وكوباني وكري سبي )تل أبيض(.
عندما رأت هذه القوى مدى انهزامها أمام مقاومة ابطال وشهداء YPG ، بدأو باستعمال أساليب الحرب الخاصة القذرة، وقد كانت مجزرة تل حاصل وتل عران من إحدى حلقات هذه الحرب الهادفة إلى بث الرعب والخوف في قلوب الناس بغية تهجيرهم وإفراغ المدن الكردية من سكانها الأصليين وتنفيذ مخطط التعريب الذي سعى البعث إلى تنفيذه منذ خمسين عاما. ولا شك الهدف الآخر من هذه الحرب القذرة )التفجيرات وقتل المدنيين( هو خلق البلبلة في المدن الكردية وإظهار الثورة بشكل سلبي وخلق التشاؤم وانعدام الثقة في المناطق الآمنة.
وقد كان اغتيال المناضل عيسى حسو وفرهاد وسيدا في قامشلو جزء من هذا المخطط الجبان الهادف إلى خلق الرعب والإرهاب والخوف وزعزعة الثقة بين صفوف الجبهة الخلفية للمقاومة الشعبية بقيادة وحدات حماية الشعب ) YPG ( فاختيار شخصية عيسى حسو عضو لجنة العلاقات الخارجية لم يكن محض الصدفة، إنما استهدفت هذه القوى الظلامية الانفتاح الديبلوماسي والعلاقات الخارجية والداخلية مع القوى والأطراف داخل وخارج سوريا. هذا وكما أستهدفت هذه القوى شخصية كل من المناضلين فرهاد وسيدا نهج الدين الاسلامي الحقيقي، على حد العلم أن نتائج العمل والنضال الذي مارساه الاثنين على صعيد إظهار حقيقة الدين الأصلي وإنقاذه من الزيف والتضليل والتسييس كانت نتائج إيجابية وفي مستويات عالية، لهذا استهدفت القوى الظلامية هاتين الشخصيتين ليفسحوا المجال بالاستمرار في التزييف وخداع الناس.
من هذا المنطلق تحولت هذه المقاومة إلى مقاومة شعبية تشارك فيها كافة مكونات وشرائح المجتمع في كل المناطق بكافة الأساليب الشرعية وكحق للدفاع المشروع عن الوجود والكرامة والشرف والأرض. لقد تحولت المقاومة بكل معانيها إلى معركة الوجود واللا وجود بوعي الشعب الكردي ومكونات المنطقة الديمقراطي وإصراره للعيش بحرية وكرامة على أرضه التاريخية، في جو من التآخي والسلام مع الأخوة العرب والسريان والآشور والأرمن وكافة المكونات والطوائف الأخرى.
هذه المجموعات الأرهابية الحاقدة على الإنسانية والتي تتستر وراء ستار الدين الإسلامي، ماهي إلا وباءً وبلاءً على الدول الأوروبية يصدرونها إلينا عبر الحدود بغية التخلص منها أولا واستخدامها في تصفية وجود الحركات الراديكالية المعادية للرأسمالية واستهداف فكر ونهج الحرية ثانيا.
هناك من يحاول تصوير هذه المعركة وكأنها حاصلة بين PYD والقوى السلفية سعياً منها تصفية جهود ومكتسبات الشعب في الثورة. وتلك هي القوى العميلة غير القادرة على تمثيل ذاتها وتدعي تمثيلها للكرد في المحافل الدولية، وهي الأطراف الانتهازية التي تنتفع من الفراغات وتصعد على حساب جهود الثوار والشعب المقاوم، تلك الشخصيات التي تبحث عن السلطة وتريد الصعود دهسا على جماجم الابرياء من أبناء ذات الأمة.
الحرب الطائفية الدائرة في سوريا ستنتقل الى المناطق المجاورة، منها لبنان وتركيا وإيران والعراق ومن ضمنها حكومة اقليم كردستان، لهذا يعتبر هذا الاقتتال خطير جدا، باعتبارها ليست حرباً بين طرفين، إنما هي حرب تطهير عرقي وطائفي. تحدث بين المجموعات والقوميات. لهذا يتطلب من كافة الأطراف ان تتقرب من الموضوع بحساسية ودقة ومسؤلية تاريخية على عاتق الجميع.[1]