ثورة 19 تموز
بين المأمول والواقع على الأرض.
#بير رستم# (أحمد مصطفى)
رغم إننا لا نؤمن بمقولة الثورة والثورات كثيراً، لكن ذاك ما تم الإصطلاح عليه من قبل القائمين على الإدارة الذاتية وبالتالي فإن إستخدامنا للمصطلح هو من باب الإشارة والتعريف بالموضوع حيث مجتمعاتنا الشرقية ما زالت تتخبط في حالة الفوضى والحروب الوجودية وهو بعيد عن إنجاز ثوراته الحقيقية في هذه المرحلة التاريخية، كون الثورات تحتاج إلى نضج فكري مجتمعي ونهضة ثقافية حضارية تؤسس لها إقتصاد وطني حقيقي وهذا ما نفتقر إليه في الشرق عموماً وعلى الأخص أبناء الشعب الكوردي والتي لها بالتأكيد أسبابها الخارجية المتعلقة بظروف الإحتلال وتقسيم كوردستان بين عدد من الدول الغاصبة، كما لها أسبابها الداخلية وذلك من بيئة وطبيعة المجتمع القبلي والحياة الزراعية القروية التي لا تساعد على التأسيس لتنمية إجتماعية تشكل الوعي الفكري القادر على إنجاز ثورته الإجتماعية ولذلك يمكننا القول؛ بأن ما يجري في سوريا والمنطقة عموماً هو إعادة فرز قوى مجتمعية جديدة لتقاسم النفوذ والسلطة مع قوى مجتمعية قديمة تسيدت المشهد السياسي لقرن كامل وبإستفراد سياسي أسست لديكتاتوريات أيديولوجية عسكرية قوموية، كما في سوريا والعراق وتركيا أو مشايخ وحكومات ثيوقراطية دينية قوموية مثل إيران والسعودية.
إذاً وبقناعتي؛ ما زالت المجتمعات الشرقية تحتاج إلى روافع ثقافية مجتمعية وإقتصادية تنموية لتنجز ثوراتها الحقيقية القادمة، أما مرحلياً فربما لن يتعدى توزيع للأدوار وتقاسم للسلطة داخل هذه الجغرافيات التي قد تشاهد بعض الإنزياحات في الحدود الداخلية والخارجية .. لكن ورغم ما سبق وبخصوص ما يعرف إصطلاحاً ب(ثورة 19 تموز) فبقناعتي أن الكورد قد حققوا بعض المكاسب التي ترتقي للمنجز التاريخي وذلك على الرغم من إدراكنا بان لا منجزات في ظل الحروب الداخلية وأن أكبر إنجاز في هكذا ظروف عصيبة؛ هو أن تحافظ قدر الإمكان على السلم الأهلي وحياة المواطنين والمناطق التي هي تحت إدارتك الذاتية .. وهكذا فيمكننا تلخيص وإختصار أهم منجزات الكورد وإدارتهم الذاتية بما يلي:
أولاً – الحفاظ على المناطق الكوردية بعيدة قدر الإمكان عن دائرة الصراع والحرب الأهلية وذلك على الرغم من كارثة كوباني.
ثانياً – إدارة المناطق الكوردية ضمن توافق عرقي أقوامي حافظ على السلم الأهلي.
ثالثاً – تشكيل بعض الإدارات والمرافق التي تهتم بحياة المواطن من معيشة وتعليم وأمن وذلك رغم الإمكانيات القليلة.
رابعاً – بناء قوات عسكرية “وحدات حماية الشعب والمرأة” كقوة عسكرية تدافع عن وجود شعبنا ومناطقنا ضد هجمات القوى التكفيرية.
خامساً – التعريف بالكورد من خلال التأكيد على إنه بعيد عن ثقافة التشدد الديني وإن مشاركة المرأة في الحياة المدنية والعسكرية أعطى للكورد وجهاً حضارياً مشرقاً لدى الرأي العام العالمي مما أكسب القضية الكوردية تعاطفاً دولياً.
سادساً – القيام بعدد من الفعاليات والنشاطات الديبلوماسية للتعريف بالكورد وعدالة قضيتهم وبالتالي مشاركتهم في رسم سياسات سوريا القادمة.
سابعاً – الإهتمام بالثقافة الكوردية وجعل اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية الأولى في التعليم والتي سوف تؤسس شخصية كوردية مستقبلاً مع الجيل الناشئ.
وهكذا وكما لكل قضية جوانبها المشرقة فكذلك لها جوانبها المظلمة والظليلة حيث وللأسف؛ فإن شعبنا وحركتنا السياسية لم تقدر على أن تتوافق على مشروع سياسي وبالتالي فإن الحركة والمجتمع ما زال يعاني من شرخ في بنيته وهذا ما يضعف موقف شعبنا ضمن المعادلة السياسية السورية، كما إنها تسببت إلى حد كبير في هجرة العديد من أبناء شعبنا إلى الشتات ودول الجوار رغم معرفتنا بأن ظروف الحرب والمعيشة والفوضى وغياب الأمن ومؤسسات التعليم وغيرها قد ساهمت جميعاً في هجرة مواطني الكانتونات والإدارة الذاتية، لكن وللأسف فإن الخلاف السياسي بين كل من المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي والتي تقود العملية السياسية في مناطق الإدارة الذاتية قد خلق شرخاً إجتماعياً إن لم يتم تداركه ومعالجته من خلال توافق سياسي وتشارك في إدارة العملية السياسية في مناطقنا، فقد نشهد مستقبلاً عدداً من الأزمات الداخلية وصراعاً كوردياً – كوردياً وبالتالي نعيد تجربة بلدان المنطقة العربية و(ثوراتهم) _أو بالأحرى_ صراعاتهم الداخلية وما يلحقها من كوارث مجتمعية ثقافية وإقتصادية ولذلك نأمل من فريقي الصراع الكوردي، تدارك هذه القضية الإشكالية كي لا نشهد المزيد من الكوارث الوطنية.[1]