ياقو بلو.. الموهوم بانتسابه إلى الهوية الآشورية البائدة 4-5
محمد مندلاوي
في شق الثاني من سؤاله، يقفز الأستاذ ياقو فوق حقائق التأريخ و يلغي الآلاف من المصادر التاريخية القديمة و الحديثة التي تتحدث عن الأمة الكوردية كإحدى الأمم العريقة في بلاد بين النهرين و كوردستان، حيث يتساءل ياقو متحدياً : كما أنه من المعروف يا سيد مندلاوي أن يكون هناك آثار حقيقية تثبت قدم استيطان القوم في المنطقة التي يقطنوها لآلاف السنين، وأنا أتحداك سيدي أن تأتي بأثر كوردي واحد في العراق عمره قرون معدودة وليس آلاف السنين، ويضيف، مثلاً معروف أن الأكراد اعتنقوا الإسلام من أمد طويل جداً جداً، وهؤلاء كما يفرض شرع الإسلامي يستوجب أن يكون لهم دور عبادة عامرة تليق بما ذكرته من مجدهم التليد، و أنا أتحداك سيدي أن تشير لي إلى أساسات مسجد واحد عمره عدة قرون ليس إلا. انتهى اقتباسنا في هذه الفقرة من كلام الأستاذ ياقو. أقول لك بكل هدوء و دون تعصب، أنا قبلت التحدي. قبل كل شيء، أود أن أوضح لك أن الشخص الذي يتحدى، يجب أن يكون ملم بجانب كبير بتلك المادة التي يتحدى بها الآخر. أنك تطالبنا أن نذكر لك أساسات مسجد بناه الكورد قبل عدة قرون، نحن نقول لماذا نبدأ كلامنا عن المساجد، و أساسات المساجد فقط، دعنا نتحدث عن تاريخ العراق و التسميات الكوردية لمعظم مدنه، لقد وضحت في سياق مقالي، بالاستناد على ما كتبه المؤرخون العرب و الأمم الأخرى، ماذا يعني اسم العراق ومن أين جاء، و وضحت أيضاً ماذا يعني اسم بغداد، أرى لزامن علي أن أزودك بمعلومة أخرى من أهم قاموس عربي، و ضعه الأستاذ العلامة بطرس البستاني (1819- 1883)م المسمى بقاموس محيط المحيط الذي يضم بين دفتيه مليون و ثلاثمائة ألف كلمة. لنرى ماذا يقول هذا العالم عن اسم بغداد: بغداد و بغداذ و بغذاد و بغدين و بغدان ومغدان: كلها اسم مدينة السلام، وهي فارسية معناه عطاء صنم، لأن بغ صنم، وداد وأخواتها عطية، قال الأزهري أحد علماء اللغة: الفصحاء يقولون بغداد، بدالين، وقالوا بغ صنم، وداد بمعنى عطاء، و حرفوه عن الذال إلى الدال لأن داذ بالفارسية معناه أعطي، و كرهوا أن يجعلوا للصنم عطاء و قالوا داد. لقد وضحت في المقال السابق معنى كلمة بغ حيث أنه الإله في الديانات الكوردية القديمة، للتأكيد على أن بغداد و الكثير من التسميات الأخرى في العراق ذات جذور كوردية إلا أنها حرفت و نسبت إلى شعوب أخرى، بهذا الصدد يستحسن أن نقرأ رأي أحد العلماء الكبار وهو العلامة مصطفى جواد (1904- 1969)م حيث يقول في كتابه (أصول التاريخ): أن العرب تعودوا أن يطلقوا كلمة فارسي على كل من سكن شرق العراق. انتهى الاقتباس. ولا ننسى أن موطن الكورد هو في العراق وشرقه، و الفرس لا يسكنوا في شرق العراق، بل موطنهم هو إقليم فارس، وعاصمته شيراز، هذا الإقليم يقع في جنوب غرب إيران و يبعد عن بغداد بأكثر من ألف وثلاثمائة كيلو متر. إن اسم بغ لا يزال موجود في التراث الكوردي. و أيضاً كاسم يطلق على موقع أثري في أكبر مدينة كوردية متاخمة للحدود العراقية اسمها كرمانشاه و اسمها القديم كارمسين وفي العربية القديمة (قرمسين) في هذه المدينة يوجد موقع أثري فيه آثار السلالة الساسانيين و ما قبلها و فيه أيضاً تمثال ل(هرقل) وهو متكئ على وسادة وبيده قدح و بجانبه لوحة رخامية مدون عليها كتابة باللغة اليونانية. هذا الموقع الأثري اسمه بغستان - بيستين أي مكان الإله بغ - الذي جاء أعلاه كاسم لعاصمة العراق- و استان مكان موطن مثل كورد ستان كورد اسم الشعب و ستان الموطن المكان. جاءت في (دائرة المعارف الإيرانية) للعلامة (علي أكبر دهخدا) المسمى ب(لغت نامه دهخدا) ص (4889): عند هجوم سرجون الثاني ملك آشور في (714)ق.م. على مناطق الميديين –الكورد- ذكر منطقة ((بيت بغي)) وترجم إلى ((بيت إلي)) يعني ((بيت الله)). يقول الدكتور (رشيد ياسمي) الأستاذ في جامعة طهران في كتابه (الكورد وعلاقاتهم العرقية والتاريخية)ص (57): في زمن الكاسيين – الكيشيين كان يوجد مكان – في كوردستان- يسمى بيت بغائي و في اللغات السامية ترجموا الاسم إلى بيت إلي الذي يعني بيت الإله. و في نفس المصدر صفحة (39) يقول الدكتور (رشيد ياسمي) من إحدى الشواهد التي توضح انتماء الكاسيين – الكيشيين للعرق الهندوأوروبي أن اسم الرب عندهم هو (بوغاش) لاحظ الاسم (بوغ، اش) نفس اسم بغ تقريباً. و هذا الاسم لا يزال موجود و يتداول في اللغة الكوردية و في الشعر الكوردي. عند الكورد مطرب مشهور اسمه (عزيز ويسي) له أغنية حديثة مطلعها (بغ بغ، بغ بغ، له ى ليوه - أي الله الله من هذه الشفايف). بما أن هذه الكلمة قديمة جداً لربما حتى الشاعر الذي كتب القصيدة لا يعلم ماذا تعني، مجرد و جدها تتداول في اللغة الكوردية بهذه الصيغة للتعبير بالإعجاب عن شيء جميل جداً. هذه الخصوصية تمتاز بها اللغة الكوردية دون سواها من اللغات الأخرى حيث أنها تحتفظ لليوم بتلك الكلمات القديمة منذ أيام سومر و ما تلاه، حيث تحول الكثير من أسماء الآلهات بعد ذبول تألقها و قدسيتها إلى أداة للتعبير عن أشياء جميلة ورائعة أو تحول كاسم إلى إنسان ذو جاه، كما في اسم بغ الإله الذي تحول إلى بگ - بيگ أي سيد صاحب نفوذ. وفي بعض اللغات الآرية لا يزال بغ هو اسم الإله، على سبيل المثال في اللغة الروسية بوگ يعني الله، كذلك في اللغة السلوفينية أيضاً بوگ – Bog وعند الأوكرانيين بوگ و في اللغة الكرواتية بوگ - Bog الخ. في الحقيقة أنا لا أحبذ أن يكون بغ اسم الله إذا قلنا أن اسم الله هو اسم للخالق العظيم، من المرجح أن بغ هو اسم الآلهة يتضح أنها من الأخطاء الشائعة التي شاعت بين الناس. أما عن الساسانيين و أصلهم الكوردي لقد شرحنا في مقالنا السابق ( ادعاءات النساطرة الآثوريون بين وهم الانتساب إلى الأشوريين وخيال الانتماء إلى العراق 3-9) بالتفصيل عن انتمائهم للشعب الكوردي، واستندنا على الوثائق الفارسية نفسها، وما بناء المدائن المسمى بطاق كسرى إلا أثر تاريخي كوردي. بهذا الخصوص يذكر المؤرخ العربي الإسلامي ياقوت الحموي (1179- 1229م) في كتابه الشهير (معجم البلدان) اسم سبعة أحياء في عاصمة الإمبراطورية الساسانية (المدائن)، و ذكر من ضمن هذه الأسماء اسم حي (كوردآباد - الحي الكوردي). نقول للأستاذ ياقو أن هذا الحي الكوردي لقد وجد في المدائن التي تقع ثلاثين كيلومتر جنوب بغداد، قبل (2000) سنة من الآن. تجنباً للإطالة لا أتطرق في هذا المقال للأسماء الكوردية لمدن العراق الأخرى. دعنا نعود إلى سؤالك الذي طرحته و تحديتنا به و أني اذكره لك مجدداً : أن الأكراد اعتنقوا الإسلام من أمد طويل جداً جداً، وهؤلاء كما يفرض شرع الإسلامي يستوجب أن يكون لهم دور عبادة عامرة تليق بما ذكرته من مجدهم التليد، و يضيف و أنا أتحداك سيدي أن تشير لي إلى أساسات مسجد واحد عمره عدة قرون ليس إلا. سأجيب على سؤالك الذي تتحدانا به، وأني أعلم، أنك ككاتب و شاعر تعلم جيداً أن الظروف العصيبة التي مر بها الشعب الكوردي منذ (الغزو) العربي الإسلامي للعراق قبل أكثر من (14) قرن إلى نهاية حكم المقبور اللعين صدام حسين، ولا ينكر هذا إلا جاحد، وأعمى البصر و البصيرة. ثم دعنا نسألك، أليس أنت تعتبر نفسك من متصيدي الأخطاء، نود هنا أن نوجه لك سؤلاً، كيف عرفت أن الكرد اعتنقوا الإسلام من أمد طويل جداً جداً؟، حيث تكرر كلمة جداً مرتين لإصرارك و تأكيدك عليها، بلا شك انك قرأت هذا في كتب التأريخ، كيف اعتنق الشعب الكوردي الدين الإسلامي، و في أية سنة، و في أية بلاد كانوا؟، لماذا لا تذكر ماذا قال هذا المصدر؟ و أين كان الكورد عندما اعتنقوا هذا الدين، الذي فرض عليهم بحد السيف؟، لقد أوقعت نفسك يا ياقو في ورطة، لا تستطيع الخروج منها إلا باعتراف صريح منك، تقول لنا أين كان الكورد عندما فرض عليهم الدين الإسلامي؟، أنا من الذين يلحون على هذه النقاط الحساسة، فلذا أني أطالبك بأن تقول لنا أين قرأت هذا النص التاريخي عن اعتناق الكورد للدين الإسلامي في أي مصدر أذكر لنا اسم المصدر، وأذكر لنا اسم البلاد التي كانوا فيها إبان اعتناقهم للدين الإسلامي؟، أين كانوا، في الهند أو الصين، أم موصل و خانقين و مندلي و جلولاء؟، أنت مطالب يا ياقو أن تبرز لنا مصدرك التاريخي كما نحن نفعل في ردنا على مقالك و مقالات غيرك حيث لا نذكر شيء تاريخي إلا بمصدر موثق، مما شك فيه أنك قرأت هذه المعلومة في كتاب تاريخي، كما أسلفنا أعلاه، وإن أهم مؤرخي العرب في صدر الإسلام ذكروا الكورد في كورستان و العراق إبان (الفتح) الإسلامي منهم المؤرخ و المفسر الطبري الذي عاش بين سنة (838- 923)م له عدة كتب عن تاريخ المنطقة وشعوبها من أهمها (تاريخ الأمم و الملوك) بعشرة أجزاء. المسعودي (896-975)م، مؤلف كتاب (مروج الذهب و معادن الجوهر). الحموي (1179- 1228)م مؤلف كتاب (معجم البلدان) بثمانية أجزاء. ابن خرداذبه (820- 912)م. ابن خلدون توفى ( 1406)م. ابن خلكان (1211-1282)م. ابن بطوطة (1304- 1377)م قال ابن بطوطة في كتابه الشهير رحلة ابن بطوطة : إن مدن موصل وماردين و سنجار هي مدن كوردية. ابن الأثير (1160- 1233)م. (ابن حوقل) جغرافي ومؤرخ عاش في القرن العاشر الميلادي من أهم وأشهر أعماله كتاب صورة الأرض. (القلقشندي) (1355- 1418)م صاحب الكتاب الشهير صبح الأعشى. (المقريزي) (1364- 1442)م. (البلاذري) ميلاده (279) هجرية. هذا الأخير له كتاب تحت عنوان فتوح البلدان على اقل تقدير كتبه قبل (1150) سنة ذكر المؤرخ في هذا الكتاب الشهير أحداث و معارك عن (فتح) (الموصل) في ص (407) نقلها لنا مظفر إسماعيل زيد في مقال مطول عن تاريخ الكورد يقول: فتح الموصل (عتبة بن فرقد السلمي)، وخرج أكراد نينوى لقتال المسلمين. وكانت مدينة الموصل قبل الفتح الإسلامي لها سنة (637)م بليدة ضئيلة القدر قليلة العمران قوامها محلتان : يسكن احدهما المجوس الأكراد الذين كان معظمهم على هذا الدين حينذاك وسكن المسيحيون المحلة الأخرى ومعظمهم من الأكراد اليعاقبة. ويقول البلاذري أيضاً، ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين، فقاتله أهل (نينوى)، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح المرج وقراه، وأرض باهذرة،و باعذرى،والحنانة، و المعلة، و دامير، وجميع معاقل الأكراد. و يضيف في صفحات أخرى من كتابه فتوح البلدان حدثني أبو رجاء، عن أبيه،عن مشايخ شهرزور قالوا: شهرزور و الصامغان و درآباد من فتوح عتبة بن فرقد السلمي. فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقاً. انتهى الاقتباس. أيعرف الآن الأستاذ ياقو أن منطقة شهرزور هذه الذي زعم أن الكورد لم يستوطنوها إلا منذ (قرنين) نقرأ أن البلاذري يذكرها و يذكر أهلها الأكراد قبل (14) قرن من الآن. بعد هؤلاء المؤرخين، جاء المستشرقون و المؤرخون الغربيون، كتبوا عن تاريخ الشرق و شعوبها، منهم مستر (لوسترنج - Lestrange) الذي يقول في كتابه الشهير (بلدان الخلافة الشرقية) (The Lands of The Eastern Caliphate):إن أهالي الموصل في القرن الرابع الهجري كانوا أكراداً. وشاطره العلامة النمساوي (فون هامر – Von Hammer) في كتابه المعروف (الدولة العثمانية) The Ottoman Empire)) وأكد بأن نفس أهالي الموصل أكراد يتكلمون الكوردية. في مقال للأستاذ (مظفر زيد) ينقل عن كتاب للأستاذ (جواد الملا) نقلاً عن المستشرق (نورمان) (Norman Orientalist) في كتابه (تاريخ الشرق القديم) ((History of The Middle Old : إن منازل الشعب الكوردي تمتد من الخليج – الفارسي- إلى بحر قزوين ومن بحر الأسود إلى ساحل بحر الأبيض المتوسط باتجاه أضنه و أسكندرون بخط مستقيم إلى الموصل ومنها بخط مستقيم آخر إلى بدرة و زرباتية شرق بغداد. ومن مدن الكوردية العريقة في شرق بغداد مدينتي و مسقط رأسي مندلي التي جاءت ذكرها في كتب التاريخ العربي في صدر الإسلام باسم بندنيجين ذكرها العلامة (محمد أمين زكي) في كتابه (خلاصة تاريخ كورد و كوردستان) صفحة (135) ما يلي : في سنة (397)هجرية، (1007) ميلادية أرسل بهاء الدولة – بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة ولادته (972) وفاته (1013) حكم من (990) إلى (1013)- جيشاً على أكراد (بندنيجن - مندلي) ودارت بينهم رحى معارك دموية أسفرت عن اندحار جيش بهاء الدولة واغتنم الأكراد أموالاً كثيرة. ويضيف المترجم في الهامش وهو- العلامة محمد علي عوني (1898- 1952)م كان مترجم للغات الشرقية في الديوان الملكي في مصر و مشرف على مكتبة القصر الملكي في القاهرة- عن ابن الأثير مجلد (9) ص (71) تحت عنوان ((ذكر الحرب بين عسكر بهاء الدولة و الأكراد))، في هذه السنة – 1007 ميلادية- سير عميد الجيوش عسكراً إلى البندجين مندلي بقيادة قائد من الديلم. هدفي من الإشارة البسيطة إلى مدينة مندلي، هو أن يعرف هؤلاء، أن عمر الكورد في مدن كوردستان والعراق، من عمر أرضها و جبالها، لأنهم خلقوا وجبلوا مع تراب هذه الأرض. هل لاحظت يا أستاذ أن الأكراد يحاربون و يدافعون عن مدينتهم مندلي قبل أكثر من (1000) سنة؟. و هذا السلطان الذي حارب الكورد في مندلي هو السلطان الثالث من (بني بويه) الذين حكموا العراق، وهم أحد عشر سلطانا، حكموا بين سنوات (932- 1056) ميلادية. طالبتنا أن نذكر لك بعض المساجد ودور العبادة، لا بأس نذكر لك عدداً منها و من أشهرها، لربما نذكر لك مسجد هنا أوهناك تقول لنا أنه غير معروف ولا أعلم أين يقع، فلذا سنذكر لك أهم و أشهر المساجد، على سبيل المثال وليس الحصر، مرقد الإمام الشيخ (عبد القادر الگيلاني) (رض) (470- 561) هجري ألقابه تاج العارفين و محيي الدين و شيخ الشيوخ يذكر أنه قد تاب على يديه أكثر من مائة ألف من القطاع الطرق و الشقاوات، واسلم على يديه ما يزيد على خمسة آلاف يهودي ونصراني. يقول الباحث (جمال الدين فالح الگيلاني) في كتابه الإمام عبد القادر الگيلاني تفسير جديد: إن الشيخ عبد القادر تلميذ (الإمام الغزالي) وله دور كبير في إعداد جيل (صلاح الدين الأيوبي) الذي حرر القدس. أما عن أصل و قومية (عبد القادر الگيلاني) يقول العلامة العراقي الدكتور (مصطفى جواد) في كتابه أصول التاريخ : أن من أهم الشخصيات الإسلامية الكوردية الإمام عبد القادر الگيلاني المولود في قرية الگيل بين جلولاء وخانقين، وصلاح الدين الأيوبي المولود شمال تكريت و الإمام ابن تيمية المولود شمال سورية، هذا الكلام صدر من شخص يعتبر مرجع لا يختلف عليه اثنان.و أيضاً طريقة الشيخ عبد القادر الگيلاني المسمى ب(الطريقة القادرية) نسبة لاسمه لها حضور دائم في كوردستان منذ قرون خلت، ولها عشرات الآلاف من المريدين في كوردستان، أتلاحظ يا أستاذ أن عمر مرقده الذي أصبح مسجداً حدود (1000) سنة ويشهد على كورديته عالم من أعلم علماء العراق و العالم الإسلامية؟. هناك مسجد آخر في بغداد يسمى جامع شيخ عمر(عمر السهروردي) المتوفي (1234) ميلادية، و الشارع المحاذي لمسجده أخذ اسمه من اسم المسجد، حيث يسمى شارع (الشيخ عمر). و هناك مسجد آخر عريق يقع في هولير (أربيل) لم يبقى منه سوى نصف منارته و أصبحت مع القلعة تشكلان هوية مدينة هولير حيث تسمى هوليري قلا و منارة أي هولير القلعة و المنارة. بنيت هذه المنارة التي كانت جزأ من مسجد في زمن السلطان (صلاح الدين الأيوبي) الذي كانت مساحة دولته تمتد من هولير (أربيل) إلى ليبيا و من أخلاط إلى اليمن على ساحل المحيط الهندي، شيد هذا المسجد الأمير مظفرالدين كوكبري صهر صلاح الدين الأيوبي، وأميره على هولير، أربيل، أي تاريخ بنائه يرجع إلى أكثر من ثمانية قرون. أود هنا أوضح نقطة مهمة، وهي، ليست الأبنية فقط تخلد الشعوب، هناك أعمال أخرى أهم منها و تبقى خالداً أبد الدهر، إلا وهي كتب التاريخ و دواوين الشعر، دعني أنقل لك أبيات من قصيدة ذكرها ياقوت الحموي (1179- 1228) م في كتابه الشهير معجم البلدان عن الشاعر (أنوشروان البغدادي) المعروف بشيطان العراق عاش هذا الشاعر قبل أكثر من (1000) سنة زار إربل أربيل و كتب قصيدتين الأولى هجا فيها أهل إربل و في الثاني عدل عن هجائه و مدح أهل إربل، أربيل، هولير، يقول:
هذا وفي البازار قوم إذا ... عاينتهم عاينت أهل البلا
من كل كوردي حمار ... ومن كل عراقي نفاه الغلا
و الكرد لا تسمع إلا جيا ... أو نجيا أو نتوا زنكلا
كلا و بو بو علكو خشتري... خيلو و مبلو موسكا منكلا
ممو و مقو ممكي ثم إن ... قالوا بوير كي تجي قلت لا. إلى آخر القصيدة
ويقول في قصيدته الثانية:
قد تاب شيطاني و قد قال لي ... لا عدت أهجو بعدها إربلا
كيف و قد عاينت في صدرها ... صدراً رئيساً سيداً مقبلاً.
ثم أكملها بأبيات أخرى في مدح إربل و أهلها، أتلاحظ يا أستاذ ياقو هذه القصيدة مثبتة في مصدر معتبر، فيها ذكر الكورد و مدينتهم أربيل؟، أما كلام الشاعر الذي أساء إلى الكورد فهو ليس موضوعنا الآن. هناك مئات المساجد القديمة الأخرى في كوردستان، كذلك مئات التكاياه و المراقد و الخوانق هذه الأخيرة منتشرة في أنحاء كوردستان منذ قرون عديدة هي عبارة عن دار للعبادة بنى منها صلاح الدين الأيوبي العشرات في سوريا ومصر وإحداها إلى اليوم شامخة في دمشق،و تسمى (خانقاه الصلاحية) نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، تستقطب الزوار المحليين و السواح الأجانب كمعلم أثري و تاريخي. وفي كوردستان توجد مراقد قديمة جداً، منها غير إسلامية، مثل معبد (لالش) المقدس، الذي ضارب جذوره في عمق التاريخ، و حضرتك يا ياقو تزعم أن الإزديين ليسوا كورداً، كأنك تقول بني يعرب ليسوا عرباً، يا أستاذ لدى الإزدية كتابان دينيان مقدسان كما الأناجيل عندكم، اسمهما (جلوة) و(مصحفي رش) مدونان باللغة الكوردية، كذلك جميع الأدعية و الصلوات الإزدية تتلى باللغة الكوردية، بل أزيدك من الشعر بيت، عند الإزدية، أن الله يتكلم اللغة الكوردية. أبحث ودقق يا أستاذ ثم أطلق العنان للسانك، حتى لا تصبح ضحية لمعلومات خاطئة. أثناء بحثنا في كتاب ياقوت الحموي المذكور أعلاه، وجدناه يذكر معبد لالش المقدس المزار الأعظم للإخوة الإزديين، ويذكره بصيغة ليلش يقول: قرية في أللحف من أعمال شرقي الموصل منها شيخ عدي بن مسافر شيخ الأكراد و إمامهم، وفي صفحة أخرى في كتابه يذكر الحموي مدينة كوردية أخرى من توابع موصل وهي العقر:قلعة حصينة في جبال موصل أهلها أكراد خرج منها طائفة من أهل العلم. إبان عمليات الأنفال سيئة الصيت سنة (1987)، هدم الجيش العراقي مسجداً في دوين في منطقة دشتي حرير التابعة لمحافظة أربيل وعثر داخل جدار المسجد على (قرآن) تاريخ كتابته يرجع إلى زمن الخليفة (عمر بن الخطاب). لنفترض جدلاً يا سيد ياقو أن الكورد لم يبنوا مسجداً ولا دور للعبادة الإسلامية و يشتاقوا إلى دينهم الزرادشتي القويم، لأن الإسلام كما جاء في الحديث منحهم هذا الحق، أن يبقوا على دينهم الزرادشتي، جاء هذا في حديث (عبد الرحمن بن عوف) قال النبي محمد (ص) (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) لذا كانت دور العبادة الزادشتية وبيوت النار المقدسة موجودة في العصر الإسلامي الأول، ثم تغيير نظرة الإسلام له فيما بعد، سأذكر لك بيت شعر ذكره ياقوت الحموي في كتابه المذكور أعلاه عن بيت النار الزرادشتي في أربيل، رغم أن الشاعر أساء الأدب إلا أني أذكره كسند تاريخي يؤكد على وجود الكورد في هذه المدينة، يقول ياقوت الحموي أنشدني (عبد الرحمن بن المستخف) شعراً فيها فقال:
إربل دار الفسق حقاً فلا ... يعتمد العاقل تعزيزها
لو لم تكن دار فسوق لما ... أصبح بيت النار دهليزا.
لاحظت يا أستاذ،إن الشاعر العربي يذكر بيت النار الكوردي في إربل قبل (1000) سنة؟. و تقديس النار كانت سائدة في الديانة الزرادشتية التوحيدية عند الكورد قبل الديانة المسيحية بسبعة قرون.
يا أستاذ أنت في ردك على مقالنا ركزت على نقطة، وهي، أن نأتي لك بتاريخ مسجد في كوردستان شيد قبل عدة قرون ، و نحن ذكرنا لك من خلال المصادر عدد من المساجد الإسلامية التي تاريخها يعود إلى ضعف التاريخ الذي طلبته منا. دعنا الآن نكرر عليك السؤال الذي وجهناه لك أعلاه وهو عن تاريخ اعتناق الكورد للإسلام، أنت مطالب أن تذكر لنا من خلال المصادر تاريخ و مكان مواجهة الكورد للغزاة العرب المسلمين ومن ثم اعتناق الكورد لهذا الدين؟، سؤالنا محدد و واضح؟، ابحث جداً جداً وأعلمنا، نحن ننتظر منك الجواب.
[1]