قامشلو/ دعاء يوسف
كاتب وجد في هموم أمته، وقضايا شعبه، والوضع الصعب، الذي يعيشه أبناء وطنه، الدافع الذي يحثه علی الكتابة والنشر، حاملاً هموم وطنه، وحب لغته الأم علی كاهله أينما ذهب، ليرحل صانعاً إرثاً ثميناً من المؤلفات الكردية.
لكل أمة كُتّاب، ومشاهير دأبوا علی الكتابة، والنشر بنطاق واسع، لتحدي الاضطهاد والغبن، اللذين تُلاقيهما شعوبهم، كل بأسلوبه، وبوسيلته التي يرغب، ويجتهد فيها؛ كي يحسن التعبير، ويضع يده علی الجرح والألم، والكاتب محمد سيّد حسين من مدينة قامشلو، كان من بين هؤلاء الاشخاص، الذين اتخذوا الكتابة وسيلة لهم؛ ليعبروا عما في داخلهم من مشاعر وأحاسيس.
وتميز الراحل خلال حياته بعشقه الكبير للغة الكردية، فألف العديد من الكتب المميزة بين الشعر، والرواية، والرأي، وكان حريصاً علی ضرورة تمسّك الشعب الكردي بلغته، معتبراً أن اللغة الكردية، هي هوية الكرد بشكل مباشر، فتميزت لغته الكتابية بقوتها، نتيجة عمق تجربته، وثقافته، وغزارة معجمه اللغوي، فأبدع في الفكر، والتفكير، والأداء والتبصر، والبصيرة وواقع الحال.
حياة الكاتب
ولد محمد سيّد حسين سيتي في قرية تل عربيد بريف قامشلو سنة 1943، وبدأ الكتابة باللغة العربية، ولكن كتاباته لم تبصر النور لمدة، ورغم حرمانه من اتمام دراسته العليا، استمر في الكتابة، والتجوال في عوالم الثقافة والأدب.
وللتعرف علی رحلة الأديب، كان لصحيفتنا “روناهي” لقاء مع الابن البكر، للكاتب محمد سيّد حسين “رشيد محمد خليل“، والذي حدثنا عن حياة الكاتب: “والدي عاش ظروف حياة صعبة، في قرية نائية، وعانی من الفقر، الذي كان يسود المنطقة، فلم تكن في عونه تلك الظروف؛ ليكمل تعليمه، وبالرغم من ذلك، برعت أنامله بالكتابة في اللغة العربية، فولدت عنده حس الأديب ممتلكاً الإبداع، حاملاً حب القلم والكتابة في روحه”.
ڕغم منعه من تعلم لغته الأم، شق طريقه بحثاً عنها، فعاصر الشاعر جكرخوين، الذي كانت له علاقة متينة مع والده السيد حسين، فكان بمثابة الأب الروحي للأدب الكردي في قرية الكاتب: “لقد ترك أثره في روح أبناء أعمامي، فحفظوا قصائده عن ظهر قلب، وتجمعاتهم في القرية، تتمحور حول الشعر، ومسابقات لحفظه، وهذا ما جعل والدي، وأعمامي يعيشون في بيئة أدبية كردية قوية، وهذه الأمسيات كانت أدبية شفهية كون الكتابة باللغة الكردية صعبه فيما يتعلق بهم في ذلك الوقت”.
واهتم الكاتب بلغته الأم ليطورها، وغرف من منهلها بالقراءة وبالتعلم، ليغوص في بحار العظماء، مثل رشيد كرد، وجلادت بدر خان، وأوصمان صبري وكل من كتب باللغة الكردية، والمراجع الكبيرة ملايي جزيري وأحمدي خاني وهذا ما أشار إليه ولده رشيد محمد خليل معلقاً علی الأمر: “من يريد أن يخوض غمار اللغة الكردية، عليه أن يمر بهم ليفهم اللغة، ويعرف معانيها، وقواعدها”.
وتطرق خليل أن والده ترجم كتاباته كلها، التي كتبها بالعربية إلی الكردية، فناضل بقلمه، وفكره في سبيل قضايا وطنه، وكتب بلغته الأم، رغم ما كانت تعانيه المنطقة في ذلك الوقت.
جذور الوطن في الغربة
سافر الكاتب قسراً بسبب سوء الأوضاع الاجتماعية، والسياسية في المنطقة، وهذا ما أطلعنا عليه ولده رشيد محمد خليل: “كوني أعيش في جمهورية التشيك من 34 سنه، أسكنت والدي بقربي، ولكن أبي عد العيش خارج الوطن بمثابة سجن يفتك بروحه، فجذوره التي امتدت في وطنه لم تهتز، ورغم اغترابه لم ينقطع عن الزيارات، فيأتي كل فترة إلی مدينته، يتناول تلك الجرعة من الهواء التي تمده بالحياة”.
وحظيت مدينة قامشلو بالقدر الأكبر من قلب الكاتب محمد سيّد حسين، لتجدها تتوسط قصائده ورواياته، وكان دائم القول: “الوطن ليس تلك الأُسرة، التي نرتبط بها، بل هو أسمی من ذلك؛ أنه الأرض، والشجر، ونسمات الهواء التي تداعبنا، فشمس وطني مختلفة”.
سحابة الموت
تنوع الكاتب في كتاباته، فثابر علی ما يكتب، لتكون كتبه وسيلته، في تحدي الظلم الذي تعرض له شعبه، فكان قاصاً، وروائياً وشاعراً راسماً الأدب الكردي بكل ألوانه، وله مؤلفات كثيرة منها: الوطن جنتي، وإضاءات في الاتجاهات الأربعة، كردستان قصيدتي، صدی الحقيقة، وخريف الدموع، وغيرها الكثير.
ليكتب قلمه اثني وعشرين كتاباً، وثق فيها الحقيقة، كروايته سحابة الموت، والتي انطلق فيها من هموم شعبه، والأزمات التي تعرض لها، وعانی منها، وحرمان الشعب من ثقافته ولغته، فجسد لنا في كتابه هذا، انتفاضة آذار سنة 2004، وبهذا الخصوص قال رشيد: “والدي حاول توثيق التاريخ في روايته، فاقتفی أثاره، وبحث بين خفاياه، ليسرد القصة علی لسان شبان عاشوا الاڵام الواقعة، وما عاناه الشعب الكردي وقتها لتستيقظ أذهانهم الغافلة، فيسردونها بينهم، وسعت تلك الحادثة لتقطيع أوصال التآلف والمحبة بين شعوب المنطقة”.
وعن تنوع الكاتب في أعماله، وخوضه في مجال الرواية، والشعر، والقصة، والمقالة، بين خليل أن والده حاول إيصال اللغة الكردية للعالم، فكان عليه أن يغوص في أعماقها، ويغرف منها المعاني، والمرادفات الغنية، وتاريخ الكتابة باللغة الكردية، التي عانت القمع والمنع: “حمل والدي مسؤولية اللغة الكردية علی كاهله، فعمل علی النهوض بلغة كردية فصيحة، فصنع قاموساً يحمل قرابة ستة آلاف كلمة بخط يده، وسوف يطبع قريباً”.
كتبه لجميع من يعشق القراءة
والكاتب محمد سيد الحسين، كان دائم القول لابنه: أن أفضل هديه قد تحصل عليها، هي شخص قارئ لكتبه بشغف: “كتب والدي مكتوبة بالكردية القوية، فقراءه من الوسط الأدبي العتيق، ووزع كتبه بشكل معنون، فأرسل كتبه لأشخاص عرف، أنهم سيقدرونها”.
وعن الكتب التي طبعت للكاتب قال خليل: “طبعت الطبعة الأولی من كتبه في جمهورية التشيك، ولكنا شعرنا أنه من الأفضل طباعتها في دور النشر الكردية، وأنجز منها عشرة كتب، إلا أننا عانينا من بعض المشاكل في وصول الكتب، فلم تصل حتی اڵان، ولكن من عشق القراءة سيصل إليها”.
اختتم رشيد محمد خليل حديثه: “والدي لم يبع كتابا يوماً، بل عاش بمبدأ أن الكتاب يجب أن يصل للقارئ، دون سعر يدفعه ثمن لقراءته، وبقيت هذه المهمة علی كاهلنا، ونسعی جاهدين لتحقيقها”.
ليودعنا صاحب الحس الكردي العالي الكاتب محمد سيّد حسين، وهو في عمر يناهز الثمانين عاماً في 11/2/2022 ويدفن في قريته تل عربيد، رحل تاركاً خلفه ثمار عشقه للغة أحبها.[1]