إيمان مصطفى المحمدي
لم يكن طبيعيا أنّ يظل عبء التعليم الجامعي واقعا على عاتق جامعة بغداد وحدها ، ويبقى شمال العراق وجنوبه خلوا من الدراسات العالية، لذلك فكر المسؤولون في انشاء جامعة الموصل ، فكانت اول كلية تفتح في الموصل هي(كلية الطب) التي افتتحت عام 1959،
وكانت تابعة لوزارة الصحة ثم ألحقت بجامعة بغداد عام1960، ولم يكن فيها من اعضاء الهيئة التدريسية الا ثمانية تدريسيين، وبعد دراسة الحاجات الضرورية للبلاد،في ضوء الضرورات الاجتماعية، اتجه الرأي لتوسيع التعليم العالي في الموصل، بافتتاح معاهد وكليات علمية جديدة تكون نواة لتأسيس جامعة في تلك المدينة ففتحت كليتا(العلوم) و(الهندسة) عام 1963، وفي عام 1964 فتحت كليتا(الزراعة والغابات)و(الصيدلة)،وفي عام 1966 بدأت الدراسة في (كلية الدراسات الانسانية) ، وفي عام 1967 فتحت (كلية البنات).
ونظرا للتوسع الحاصل في التعليم الجامعي في الموصل، تأسست جامعة الموصل في الاول من نيسان عام 1967، بعد أن صدر قانون جامعة الموصل ذو الرقم(14) لعام 1967، وأصبح لها كيان مستقل، وضُمَّت اليها الكليات والمؤسسات القائمة في الموصل، والتابعة لجامعة بغداد قبل ذلك، بعد أن وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رفعه الدكتور عبد العزيز الدوري ،رئيس جامعة بغداد يقضي بفك ارتباط كليات الطب والصيدلة والعلوم والهندسة والزراعة والانسانيات ومعهد المحاسبات والمؤسسات الأخرى في الموصل من جامعة بغداد، وربطها بجامعة الموصل وبعد تنفيذ هذا القانون تغير بموجبه اسم (الكليات) الى(هيئات)، فأصبحت جامعة الموصل تتألف من خمس هيئات وكلية واحدة،هي: (هيئة الطب، وهيئة العلوم، وهيئة الهندسة،وهيئة الزراعة والبيطرة ،وهيئة الانسانيات ،وكلية البنات) ، و أختير الدكتور محمود الجليلي ،رئيسا لجامعة الموصل.
وضعت الجامعة شعارا لها،يتألف من هلال مكتوب عليه(وقل ربي زدني علما)،وكتابة هذه الآية نفسها على شعار جامعة بغداد وشعار جامعة البصرة، يرمز الى وحدة هدف الجامعات وعلى جانبيها(1387ﮪ-1967م) تاريخ تكوين الجامعة بالتقومين الهجري والميلادي ولون الهلال برتقالي يرمز الى التقدم العلمي والتقني ، وهو مفتوح من أعلى ليشير الى انفتاح الجامعة على التقدم ووضعت ايضا علما للجامعة، ولونه ازرق سماوي، وفي احدى زواياه شعار الجامعة، تزدان به مؤسساتها في المناسبات ولكل هيئة علم يتألف من علم الجامعة، على أن يكون نصفه الاسفل من لون آخر يرمز الى الهيئة : فالأحمر لون الطب،والأصفر لون العلوم، والبرتقالي لون الهندسة،والأخضر لون الزراعة ،والأبيض لون الانسانيات.
كانت النية متجهة الى انشاء بنايات جامعة الموصل المقترحة في منطقة تدعى ب(منطقة الزكروطية)،تبعد بحوالي عشرين كيلومترا جنوبي مدينة الموصل،حيث خصصت(1700) مشارة لتكون ارض الجامعة ، وبكلفة تقدر بحوالي عشرة ملايين دينار،وبعد دراسة هذا المشروع دراسة مفصلة تبين عدم صلاحية الموقع المختار للجامعة لعدد من الاسباب، لعل اهمها بعده عن مركز المدينة وانعزاله عنها، ولاسيما عن كلية الطب التي ستصبح بمعزل تام عن بقية كليات الجامعة، وإنّ الارض التي اختيرت للابنية تحتاج الى مبالغ هائلة لاصلاحها لتكون معدة للبناء،إذ تمتاز المنطقة بوجود كهف وطبقات ارضية رخوة لايمكن اقامة الابنية الضخمة عليها إلابكلفة مضاعفة ،كما انّ انتقال الجامعة الى هذه المنطقة البعيدة سيؤدي الى ترك الأبنية الكثيرة الى قامت الجامعة بانشائها في موقعها السابق (المجموعة الثقافية)، والتي لايمكن الاستفادة منها في مجالات اخرى الابشكل جزئي فضلاً عن الضرر الذي سيلحق بمدينة الموصل من الناحية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، فمما لاريب فيه أنّ المدينة انتعشت اقتصاديا واجتماعيا وتطورت ثقافيا بوجود العدد الكبير من الطلبة وأساتذتهم فيها.
لهذه الاسباب كلها تقرر العدول عن هذا المشروع، والعمل على تطوير أبنية جامعة الموصل، وانشاء الابنية الجديدة في المنطقة الجامعية (المجموعة الثقافية)،او في موقع كلية الطب، ولاسيَّما أنّ تصميم المدينة الجامعية يقضي بانشاء جسر ثالث في المدينة يربط بين كلية الطب والجامعة .
وضعت التصاميم اللازمة لمشروع المدينة الجامعية، في الجانب الايسر من مدينة الموصل،في المنطقة المعروفة ب(المجموعة الثقافية)، محاطا بأحياء التدريسيين والحدباء والسكر والبلديات السكنية من شماله الشرقي ، ويفصله طريق موصل – دهوك عن حي الشرطة من الغرب، وطريق موصل- قضاء الشيخان عن موقع نينوى الاثري من الجنوب، وقد روعي في هذه التصاميم أن تتناسب وتوسع الجامعة المتوقع في السنوات الخمس عشرة القادمة، اَي أن تتسع الجامعة لاستيعاب (000ر15) طالب وطالبة، مع دور كافية لأعضاء الهيئة التدريسية واقسام داخلية للطلبة.
وقد وضع المشروع موضع التنفيذ عندما تقرر استملاك الاراضي المجاورة للجامعة، وتقدر مساحتها بحوالي الف دونم من الاراضي الصالحة للزراعة والبناء، وقد بوشر فعلا باستملاك هذه الاراضي، كما بوشر بانشاء أبنية جديدة في المنطقة، بينما وضعت التصاميم اللازمة لأبنية أخرى .
أعلن المهندس هشام عبد الرزاق منير، الذي قام بإعداد تصاميم جامعة الموصل، أنّ الكلفة الاجمالية للجامعة تقدرب(14) مليون دينار، منها(10) ملايين للمرحلتين الاولى والثانية، وأنَّ جامعة الموصل قد صممت على اساس استيعاب (000ر15) طالب، على أن يتم انشاؤها في مدة تستغرق ثلاث سنوات على ثلاث مراحل ،الاولى تتسع ل(7000) طالب،والثانية ل (4000) طالب ، والثالثة والاخيرة ل(4000) طالب0وتدخل في الجامعة مباني كليات العلوم الرئيسة ودائرة العلوم الانسانية والعلوم الهندسية ولكل من هذه الكليات أبنيتها الخاصة بها ومختبراتها،على أن تشترك في الاستفادة من الصفوف التدريسية ويشمل التصميم ايضا انشاء مكتبة تحتوي (000 ر750) كتاب، ومبنى للادارة ،وقاعة كبرى للاجتماعات تتسع ل(2000) طالب، وناد للطلبة، وناد آخر للاساتذة، ومجموعة من الملاعب الرياضية، وكلية للبنات.
ويدخل في التصميم أيضا انشاء مرصد فلكي حديث لمتابعة الدراسات الفلكية والطبيعية ، وتشمل المرحلة الاولى من هذا المشروع الضخم انشاء أقسام داخلية تستوعب (2000) طالب في المرحلة الاولى، على ان توسع في المستقبل الى حد استيعاب (6000) طالب0 وقد احتوت المراحل التصميمية لمشروع الجامعة في البداية على التصاميم الرئيسة ،ثم تصاميم الأبنية، وانتهى العمل فيها عام 1967 .
إنّ موقع جامعة الموصل يعدُّ فريداً، فهو يقع على مشارف نهر دجلة الذي يستفاد منه في النواحي الرياضية والترفيهية، وتقوم أمام الارض المخصصة للجامعة جزيرة يمكن الاستفادة منها في بعض الاغراض العلمية للجامعة وقد صمم المشروع على اساس انشاء مدينة جامعية تضم الاقسام الداخلية للطلبة ومساكن الهيئتين التدريسية والادارية .
اصبحت جامعة الموصل عضوة في اتحاد الجامعات العربية ،وحضر الدكتورمحمود الجليلي رئيس جامعة الموصل اجتماع المجلس الذي عقد في أوائل عام 1969 في القاهرة، وتناول في هذا الاجتماع مسيرة التعليم العالي. وفي عام 1970 أسِّست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بموجب القانون ذي الرقم (132) لعام 1970، وأصبحت جامعة الموصل مؤسسة من مؤسسات هذه الوزارة التي سعت الى توحيد مسيرة مختلف المؤسسات العلمية والتعليمية العالية، من خلال نهج عام تضعه الدولة، وتتولى الوزارة تطبيقه وتحقيقه.
عن رسالة ( التعليم العالي في العراق ).[1]