لماذا لم يقم صلاح الدين دولة كردية؟
يعتبر التاريخ أحد أهم أعمدة بنيان الأمم وإذا ما أردت أن تهدم بنيان أمة أو تضعفها شككها في تاريخها ثم شوه تاريخها ثم اجعل أبناءها يحاربون تاريخها ويسبون ويشتمون عظمائها وقادتها التاريخيين الذين جلبوا المجد والعز لتلك الأمة حتى لا يقتدي أبناء الأمة بهم ويعيدوا مجدهم وعزهم الذي لا يغيب عن بال أعداءهم. إن أعداء الأمة الكردية لا يريدون لأبنائها أن يدرسوا تاريخهم ويأخذوا الدروس والعبر منه، ولأنهم يعجزون عن ذلك في بعض الأحيان يقومون بتشويه هذا التاريخ في عقول أبناء الأمة حتى يولد لديهم كره تجاه بعض المراحل التاريخية وحقد على بعض الشخصيات التي قدمت للكرد والمسلمين والبشرية الإنجازات العظيمة.
الإنسان بطبيعته إذا كره إنساناً وحقد عليه لا يقتدي بأي شيء أو فعل يخص ذلك الإنسان بل ويصبح كل جميل يصدر وصدر من ذلك الشخص قبيحاً في عينيه حتى يصل به الأمر أن يحارب أفعال وأقوال ذلك الشخص حتى لو كانت صحيحة وصائبة وهذا بالضبط ما حصل مع بعض الكرد الذين لعب الأعداء بعقولهم عبر الإعلام والكتب ومواقع التواصل الاجتماعي وبوسائل أخرى. من الشخصيات الكردية التي قدمت الأعمال والأفعال العظيمة للكرد والبشرية صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ورضي عنه.
صلاح الدين تلك الشمس المشرقة التي لا يغيب نورها عن سماء تاريخ وحاضر ومستقبل الكرد ذلك الإنسان الذي لا يأتي به التاريخ إلا نادراً ذلك المقاتل العادل الشجاع الشهم الزاهد الكريم الطيب المحب المسامح العامل الذي توفي ولم يكن في خزينته سوى سبعة وأربعين درهماً ولم يترك وراءه قصوراً ولا ملايين الدراهم لم يترك وراءه سوى عمله وأفعاله العظيمة وسمعته الطيبة وتاريخه المشرف. صلاح الدين ذلك الشخص الذي يمثل عهده إحدى اللحظات النادرة والمثيرة في التاريخ البشري كما يقول هاملتون. هذا الإنسان يستحق منا أن ندرس تاريخه وحياته ونقتدي به ونمشي على خطاه إذا ما أردنا العزة والتمكين ويا عجبي من بعض أبناء أمتي يهدمون تاريخهم وبنيانهم بأيديهم وهم لا يشعرون.
من الأسباب أو العوامل التي جعلت بعض الكرد يكرهون صلاح الدين الأيوبي
إن الحكم على أحداث التاريخ بمفاهيم الحاضر أو قياس الأحداث التاريخية بمقاييس الحاضر خطأ كبير يقع فيه البعض عمداً أو جهلاً فالصواب والحق والعدل أن نقيس الأمور التاريخية بمقياس الماضي
1. حرمان الكرد من حقهم الطبيعي في إقامة دولتهم مطلع القرن العشرين فقد شكلت القوميات الكبيرة في المنطقة دول قومية خاصة بهم ولم تنصف الكرد حتى بعد أن منعوهم من إقامة دولتهم أسوة بباقي الشعوب فاضطهدتهم وحاربت ثقافتهم ولغتهم وزجت بأبنائهم في المعتقلات وفعلت بهم الويلات.
2. الظلم الذي وقع على الكرد باسم الإسلام وحملات الإبادة الجماعية التي حصلت بحق الكرد وحملت أسماء من القرآن الكريم كحملة الأنفال التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الكرد وبذلك حصل رد فعل لدى بعض الكرد على هذه الأفعال التي لا يرضى به الله ولا الرسول والإسلام منها بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
3. محاولة الأعداء تشويه صورة صلاح الدين والرموز الكردية الإسلامية في عيون وعقول الكرد حتى يتوه الكرد وحتى تتحول بوصلة القدوة عندهم من رجال عظماء كصلاح الدين إلى بعض الشخصيات التي لم تقدم للأمة سوى الكلام الذي يؤخر ولا يقدم. من المعلوم أن قادة الحركة التحررية الكردية كانوا من الشيوخ وأهل العلم والدين عبر التاريخ منهم على سبيل المثال الشيخ الشهيد سعيد بيران والشيخ الشهيد قاضي محمد والشيخ محمود الحفيد وغيرهم رحمهم الله ورضي عنهم. اتخاذ مثل هؤلاء قدوة للشباب الكردي خطر على العدو ففكرهم ووصاياهم وأفعالهم وأقوالهم توجب على الكرد الوحدة والتآخي والعمل معاً والتعاون والنضال لنيل الحقوق والحرية ولذلك حرص العدو على محاولة تشويه صورة هؤلاء الرجال العظماء في عيون وقلوب وعقول الشباب الكردي حتى لا يتخذونهم قدوة.
4. بروز الأحزاب الشيوعية ضمن الحركة الكردية التي انضم إليها بعض الشباب الكردي وللحق أقول إن هذه الأحزاب لم تفرض على أتابعها كره الشخصيات الكردية الإسلامية ولكن البيئة التي دخل فيها الشباب الكردي والمناخ العام ضمن هذه الأحزاب مهد لمثل هذا الأمر.
لماذا لم يقم صلاح الدين دولة كردية
undefined
إن الحكم على أحداث التاريخ بمفاهيم الحاضر أو قياس الأحداث التاريخية بمقاييس الحاضر خطأ كبير يقع فيه البعض عمداً أو جهلاً فالصواب والحق والعدل أن نقيس الأمور التاريخية بمقياس الماضي وليس الحاضر فلكل زمان مقياس وميزان خاص به. إننا إذا ألقينا نظرة سريعة على تاريخ العالم من خلال الكتب المحققة نرى أن العالم في زمان الدولة الأيوبية وصلاح الدين لم يكن يفكر بالدولة القومية ولم يكن صلاح الدين ليفكر بتفكير الحاضر والظروف والزمان والأفكار والعالم كان غير الذي نعيشه الآن.
صلاح الدين رحمه الله بحسب ميزان ومقاييس زمانه فعل للكرد عملاً عظيماً وتصرف تصرفاً صحيحاً وقام بالأفعال النبيلة وحرر الناس من الظلم والجبروت وكان معه الكرد ولم تذكر كتب التاريخ أن كردياً أعترض على أفعاله أو طالب بغير ما قام به صلاح الدين فكان كل الكرد معه وقد مكن الكرد ومن معهم من باقي الأقوام لحكم مساحات شاسعة ودول كثيرة من العالم وجعلهم سادة وقادة في الدنيا وجعل لهم مكانة وسمعة وصنع لهم تاريخاً مشرفاً يمدحه العدو قبل الصديق قديماً وحاضراً ونشر العدل والمساواة في ربوع البلاد.
إذا تصفحنا كتب التاريخ نجد أن أول من تكلم عن الدولة الكردية في العصور الحديثة من الكرد هو الأديب والشاعر الكردي أحمدي خاني وهو المولود في عام 1650 أما صلاح الدين فقد ولد عام 1138 وبحساب الرياضيات فإن الفرق الزمني بين الرجلين العظيمين هو حوالي 500 عام، فهل يجوز أن نحكم على أفعال رجل بمقاييس ومفاهيم وأفكار تم وضعها وطرحها بعد 500 عام من الفترة التي عاش فيها؟
صلاح الدين رجل عظيم وقدوة حسنة جعل للكرد والمسلمين تاريخاً مشرفاً ومشرقاً وحفر اسمه واسم قومه وأمته في صفحات التاريخ الباقية ما بقيت الدنيا ونحن إذا أردنا العزة والتمكين والتحرر علينا بالاقتداء به وبغيره من قادتنا الذين كانوا نبراساً ينير دروب الكرد المظلمة عبر التاريخ. ومن يظلم الكرد باسم الإسلام فالإسلام والله والرسول وصلاح الدين وكل حر بريء من أفعالهم الإجرامية الظالمة وسيكون الإسلام خصمه يوم القيامة ولو كان صلاح الدين رحمه الله حياً لكان أول من يحاربهم ويقف في وجه أفعالهم.
[1]