ولد محمد على عوني عام 1898، في مدينة سيورک 'أکبر محافظة کردية في جنوب شرق ترکيا'، حيث أتم دراسته الابتدائية والثانوية. کان والده عبد القادر عوني مفتيا بسيورک، ولم يتبوأ هذا المنصب الديني الرفيع إلا لأنه ککثير من أجداده، وأفراد عائلته کانوا قد عرفوا طريقهم إلى الأزهر الشريف، الذي کان ولا يزال، يتمتع بمکانة کبيرة في قلوب المسلمين في أنحاء العام الإسلامي وکان کمنارة لانتشار اللغة العربية وعلوم الشريعة والفقه والإسلام السني، خاصة بعد أن حوله صلاح الدين الأيوبي من مؤسسة لتدريس المذهب الشيعي لمؤسسة تدرس مذاهب السنة.
کما أنشأ فيها نظام الأروقة لکل الجماعات والنحل والأثنيات وکان رواق الأکراد من من أهم هذه الأروقة، حيث کان يصرف عليه بسخاء عن طريق الأوقاف التي أوقفها الأمراء والأميرات 'مثل زينب خاتون' عليه، وقد ألغت ثورة 1952 هذا النظام . أرسل الوالد عبد القادر عوني ابنه إلى مصر هربا من بطش واضطهاد السلطات الترکية للطلبه الأکراد، ليکمل دراسته في الأزهر الشريف الذي نال منه شهادة العالمية 'التي تعادل الآن الدکتوراه'.
وبعد تخرجه عين في الديوان الملکي في عهد الملک فؤاد الأول ليشرف على قسم الوثائق والفرمانات الخاصة بتاريخ مصر منذ عهد محمد على باشا والمدونة باللغة الترکية القديمة 'العثمانية'، وأشرف على توثيقها بعد ترجمتها إلى اللغة العربية. کما أنيطت إليه مسئولية الإشراف على ترجمة الوثائق الخاصة بأسرة محمد على باشا. images
کان محمد على عوني يتقن عدة لغات شرقية 'الترکية - الکردية – الفارسية – العربية' کما کان يتقن الفرنسية. وقد مکنته معرفته بهذه اللغات واطلاعه الواسع واتصالاته مع المفکرين والمستشرقين المهتمين بالشرق، أن يصبح من أهم المتخصصين في ترجمة الکتب التاريخية القديمة والتي تستدعي بالإضافة إلى عدة لغات، معرفة کيفية مقابلة الأسماء القديمة للمدن والأشخاص بالأسماء الحديثة، کذلک تحويل التقاويم القديمة في اللغة العربية والفارسية والترکية إلى السنوات الميلادية والهجرية. کان محور اهتمامه عند انتقائه الکتب التي ترجمها أو ألفها، هو التعريف للقارئ العربي بتاريخ الشعوب الأصلية في المنطقة 'العرب - الفرس – الکرد' والتعريف بإسهامهم في تأسيس الحضارة الإسلامية والثقافة العربية.
رکز محمد على عوني على تعريف القارئ العربي عن طريق الترجمة، بثلاثة مؤلفين يعدون من أوائل من سلطوا الأضواء على تاريخ شعوب المنطقة، لقد بدأ اهتمامه بالمؤلف شرف الدين خان البدليسي الذي کتب 'عام 1054هـ - 1597 م' کتابه الشهير 'شرفنامه' باللغة الفارسية، رغم أنه من أصل کردي، لأنها کانت اللغة الأکثر انتشارا، عن تاريخ وماضي الشعب الکردي، وعن الإمارات الکردية التي حکمت منذ صدر الإسلام لغاية تاريخ التأليف. کما کتب عن تاريخ الشعب الفارسي والشعب الترکي. وطبع ونشر کتاب 'شرفنامه' الجزء الخاص بالأکراد، في القاهرة عام 1939 باللغة الفارسية.
وعهد لمحمد على عوني بمهمة تحقيقه والإشراف على طبعه، کما قام بکتابة مقدمته باللغة العربية. imagesوأضاف إليها ترجمته من الفرنسية إلى العربية للمقدمة التي کان کتبها المستشرق الروسي 'ف.فيليانوف' حين طبعت ولأول مرة النسخة الفارسية في
الغرب عام 1860، في سانت بطرسبورج في روسيا، ثم أکمل محمد على عوني هذ بکتابة مقدمة علمية ذکر فيها أحدث الأبحاث التي ظهرت عن تاريخ الشعب الکردي وکردستان. ثم کلفته لجنة الألف کتاب في مصر بترجمة کتاب 'شرفنامه' من الفارسية إلى العربية، وقد نشرت وزارة التربية المصرية عام 1958 هذه الترجمة 'بعد 6 سنوات من وفاته' وأشرف على طبعه وقدم له الدکتور يحيى الخشاب أستاذ اللغة الفارسية في جامعة القاهرة. وقد ترجم إلى اللغة العربية محمد على عوني الجزء الثاني من کتاب 'شرفنامه' الخاص بتاريخ الشعب الفارسي ولم ينشر هذا الجزء بعد. وفي عام 1936، قام بترجمة وتحقيق والتعليق على کتاب 'تاريخ الکرد وکردستان من أقدم العصور إلى الآن' للمرحوم محمد أمين زکي الوزير العراقي الأسبق الذي ألفه عام 1931، وقد استطاع محمد على عوني بفضل الإمکانات المتوافرة له الاطلاع على آخر الاکتشافات الأثرية والأنثروبولوجية..إلخ. إثراء هذا الکتاب القيم بمعلومات جديدة وتوضيحات ومقارنات وحواشي ضرورية ومفيدة للقارئ العربي. وفي عام 1945 ترجم إلى العربية وراجع کتاب 'تاريخ الدول والإمارات الکردية في العهد الإسلامي' ثم ترجم کتاب 'مشاهير الأکراد' لنفس المؤلف. وفي الثلاثينيات ألف بالعربية کتاب 'القضية الکردية' ونشره باسم مستعار 'د. بلة شيرکوه' لکي لا يحرج القصر الملکي الذي کانت له
علاقات جيدة مع ترکيا.
کما کتب محمد علي عوني سيرة الأسرة التيمورية وهي من أصل کردي وتاريخ نزوحها إلى مصر ولم تنشر هذه الدراسة بعد. وعندما خطبت الأميرة فوزية إلى شاه إيران رضا بهلوي، کلف القصر الملکي محمد علي عوني تدريس اللغة والحضارة الفارسية للأميرة فوزية، وقد أعطاها أربعين درسا في الفارسية وقد منحه شاه إيران وساما فارسيا رفيعا تقديرا له علاوة على وسام النيل الذي منح له من مصر. وفي الأربعينيات کلفته لجنة الألف کتاب بترجمة الجزء العاشر من 'سياحة نامة' للمؤلف الترکي 'أوليا شلبي' الخاص بوصف مصر والسودان والحبشة الذي کتبه حوالي عام 1660، ورغم مرور أکثر من نصف قرن على هذه
الترجمة فإنها لم تنشر إلا في بداية عام 2004 عن دار الکتب. وقد کان محمد علي عوني معجبا جدا بهذا الرحالة، وکان مطلعا على کل أعماله، وقد استفاد من وصفه للشعب الکردي ولکردستان 'الذي خصص له مجلدين' ، کما استفاد من وصفه للشعب الإيراني والشعب الترکي. کما شعر بحب وانبهار أوليا شلبي لمصر فأراد محمد علي عوني ورغم مرضه الشديد في آخر أيامه أن يضيف حبه وانبهاره لمصر إلى حب أوليا شلبي لها وترجم هذا العمل الضخم ليتعرف عليه أبناء مصر وقراء العربية بعد أن
قامت بنشره دار الکتب بعد سنوات طويلة من التغيب. تزوج محمد على عوني 'زينب محمد الرفاعي' وهي مصرية من صعيد مصر وأنجب ولدين وبنتا. توفي محمد على عوني في يوليو 1952 ودفن في سفح جبل المقطم في حديقة المغاوري البکتاشية التي تطل على مقبرة المتصوف الإسلامي 'عمر بن الفارض'. وفي السبعينات أهدى أولاده مکتبته القيمة بکتبها النادرة إلى عدد من أساتذة اللغات الشرقية بجامعة القاهرة وأهدوا بعض مخطوطاته ومنها القاموس العربي الکردي إلى المجمع العلمي الکردي في بغداد الذي ألغته الحکومة العراقية قبل نشر القاموس.