عبدالله طاهر برزنجي المبدع باللغتين الكرديّة والعربيّة
إعداد: جلال زنگابادي
×××
شاعر، قاص، ناقد، مترجم وصحافي
ولد سنة 1957 في كركوك
يكتب باللغتين العربية والكردية ويترجم عن اللغات: العربية والكردية والفارسية.
خريج قسم اللغة العربية في كلية اڵاداب - جامعة السليمانية، 1980
أسس مع الناقد صلاح حسن پالَوان مجلة (پڕۆژه = المشروع) النقدية باللغتين العربية والكردية في مطلع 1992.
عمل رئيسا لتحرير ومستشارا لعدة مجلات وصحف أدبية.
من مؤسسي مركز گلاوێژ الأدبي والثقافي.
يعمل رئيسا لتحرير مجلّة (گه لاوێژی نوێ = گلاوێژ الجديدة) الصادرة باللغتين الكردية والعربية
خبير في مركز الدراسات الكردية التابع لجامعة السليمانية.
ترجم إلی الكرديّة مختارات للشعراء :
ادونيس وشوقي ابي شقرا وأنسي الحاج وجان دمو وسركون بولص ورفعت سلام ومحمد آدم و عباس بيضون وأمجد ناصر وسنية صالح ومحمد الماغوط
نشر الكثير من القصائد والمقالات والتراجم في مجلات: الأقلام، الطليعة الأدبية، نزوی، أفكار و....
أصدر ثلاثين كتاباً، منها:
1.(الولي) مجموعة أقاصيص قصيرة جداً /2000 السليمانية
2.(أرواح في العراء) انطولوجيا الشعر الكردي الحديث / ترجمة وتقديم 2008 بيروت
3.(أسمال) قصائد جان دمّو
4. (من ثقب الباب) مختارات للشاعر شمس لنگرودي إلی اللغة العربية، في 2009.
ترجمت قصائد إلی اللغة الفارسية.
أشرف علی لجان التحكيم في العديد من المهرجانات الأدبية، وقام بتقييم عشرات الكتب.
شارك في مهرجان(شعراء إيران والعالم) في طهران وشيراز وأصفهان، حيث ألقی بضع قصائد باللغتين العربية والفارسية، في 2010.
×××××××××××××××××××××××××××××××
(قصص)
الزهو
حين انتهی من وضع آخر نقطة علی الحرف الأخير شعر بزهو كبير. لم يجد في البيت أحدا يتلو له القصيدة.. كان قلبه يطفح بالفرح.. انتعل حذاءً، بدون أن يصلح هندامه هرع نحو الزقاق. قرر أن يقرأ القصيدة لمن يلتقيه، لا بد أن يَشعر أحد ما بهذا الزهو والانتصار. نادی علی رجل مسن فلم يجد أذناً صاغية. أجال بصره، فسقطت نظراته علی شلة من الأطفال كانوا يلعبون تحت شلال المطر النازل من السماء. توقف بينهم، نظروا اليه في ريبة ودهشة واستهزاء.
- اسكتوا... اسكتوا، سأقرأ لكم شعرا.
- أي شعر، اعطنا شيئا، فلوساً.
- أعطيكم أنصتوا...
بدأ بقراءة أسطر، نفد انتظار الأطفال. مدوا اياديهم.
- أعطنا وإلا..
أخرج حفنة من الفلوس.
- خذوها ولكن عليكم الإصغاء.
نثر الفلوس علی رؤوسهم فتفرق الأطفال تحت قطرات المطر. في أسف شيعهم ببصره.. كان زهوه يتكاثر.. ألفی رجلاً ضامراً يتمشی علی الرصيف فقفز إليه وأوقفه.
- أصغ إلی سأقرأ لك شعرا.
- أي شعر أنا جائع.
- أعطيك فلوساً شريطة أن تصغي.
اخرج دراهم عدة ووضعها في كف الرجل. حين كان في بحبوحة وغمرة الحماس انتبه فجأة إلی النعاس الذي بدأ يثقل عين الرجل فربت علی كتفه.
- انتبه أنا علی وشك الانتهاء.
- الجوع ينهش بطني.
امسك بياقة الرجل وألح عليه كي يقف غير انه تحرر من ثقل يده فانحرف مبتعداً عنه. بدأت البرودة تسري في جسد حماسه. تلفت يمنة ويسرة، شمالاً وجنوباً فلم يعثر علی أذن تصغي... انحرف عن الرصيف ليحتمي عن المطر بغصن شجرة واقفة بشموخ، كور الورقة في كفه. نبهته سقسقة عصفور، رآه يتأمل علی غضن متمايل. اغتنم الفرصة وراح يردد علی مسامعه ما تبقی من الأسطر وسلم من الممحاة المائية..
الولي
-1-
حين ارتفع صوته واشتد هذيانه لم تجد أمه بداً من إيقاظه.
-2-
هزت كتفيه عدة مرات، اختلط الشخير بالصياح. راحت الأم تقلل من حدة انتهارها إياه. بغتة هب مذعوراً، كانت عيونه منتفخة. فركهما، ابصر بوضوح صورة والدته. هدأت من روعه وشرعت تمرر كفها علی رأسه وعينه، جلبت له قدحاً من الماء.
- ما الذي دهاك كان صياحك عالياً؟ هل كان جاثوماً أم ماذا؟
- لا لم يكن جاثوماً ولا..
- وماذا رأيت إذن؟
- مجموعة من رجال الشرطة صادفتهم مراراً في السوق.
لم تدع أن يكمل حديثه. راحت تهرول مبتسمة في الغرفة. تحير الولد أمام تصرفها المفاجئ، كفت عن القفز وقالت له فرحة:
- سيلقی ابني الخير والبركة، رجال الشرطة والأمراء خير وبركة في النوم. انهم أولياء الله.
- أولياء؟
- أجل أولياء. انه مجرب ويقره المفسرون والمعبرون. قم وتحرك قليلاً قم حتی اعد لك قليلاً من الشاي، قم يا ابني قم.
كانت آثار النوم بادية عليه، قام بصعوبة، بدأ يذرع الغرفة جيئة وذهاباً. فكر في ما جری في النوم، قارن بين وجوه الرجال القبيحة وبين وجوه الأولياء. أرهق فكره ليقتنع بتأويل الوالدة.. وكلما بلغ حدود الإقناع كانت صورة رجال النوم تتسمر أمام عينيه وتعكر عليه التفكير. جلس علی الكرسي قليلاً ثم قام من مكانه. اقترب من النافذة. أطلق العنان لعينيه كي تتسلقا الجبال المقابلة للبيت. سحب خيوط رؤيته ورماها نحو أسفل النافذة وكأنه قد رمي من جبل شاهق انزلق قلبه، سقطت نظراته علی رهط من رجال الشرطة كان يتقدمهم شرطي بدين، علی حين غرة استغاث صوته بأمه.
- ذاك هو، رجل الحلم هو بعينه.
هرعت أمه وقالت:
- الولي، ألَم أقل؟
لم يمكث لحظة للرد علی والدته. انتعل حذاءً وفتح الباب ليقفز من الجدار نحو الشارع الفرعي، لكنه رأی ما لم يتوقع، كان سطح البيت محاطاً بغابة من البنادق والبساطيل والوجوه السود.
أغمض عينه. رويدا رويدا بدأ يضيع بين ظلام أجمات تلك الغابات.
حالة
عند الأصائل يخرجون من بيوتهم، يجمعون الصخور والصفائح ليتخذوا المجلس عليها. يسندون ظهورهم إلی الجدران وكأنها أصبحت حالة دائمة يتجاذبون أطراف الحديث، قد يضرب أحدهم علی الوتر الحساس بإشارة صغيرة من يده إلی الجبل فيهيمن علی الجو خشوع وصمت مطبق. فجأة يغورون في أعماقهم وتتداعی الذكريات متموجة في أذهانهم. يقودون وعيهم إلی ما وراء الجبل حيث يقبع أعز ما لديهم، منهم من يتذكر لقاءا ليلياً مع فتاة، منهم من تحيا في أذنه أصداء أغنية كان يرددها في الحقل، شابات ترقص أمام عتبة أعينهن عروس الثلج وقامات الأشجار وباقات النرجس، جدة هرمة تشم عبيراً ضائعاً لقلادة كانت تصنعها من قشور البرتقال لابنتها اليتيمة. طفل صغير يلقي كلاب الذهن فينتقي من الأيام يوماً فارق فيه القرية النائمة تحت سفح الجبل. فجأة تقطع أشجار تداعياتهم أربا أربا ً. تهدر أصوات مرعبة. يدنو من منازلهم الصفيحية حفيف أقدام يميزونه بيسر. موقنون أن الأرض تشاركهم في مقته. يتفرقون علی أثرها كقطيع تحدق به الذئاب. منهم من يهرع، ومنهم من يمنعه الخجل من توسيع خطواته فيبقی لتشبع كتفه من اڵام تحدثها ثقوب.. بعدئذ يندسون في غرفهم اڵايلة للسقوط، خلال الكوی والثقوب يدفعون خيوط نظراتهم نحو قمة الجبل ويهبطون بها الی القرية المضببة الغائمة تقاسيمها وإلی موهن من الليل تظل قلوبهم وآذانهم وعيونهم متجولة في تلك البقعة المندرسة التي تجرع مرارة الوحدة في السفح الثاني للجبل.
قرار
نزع الطبيب نظارته ووضعها بهدوء علی المنضدة، قرب الكرسي المتحرك من الشاب. في البدء تحاشی النظر الی عينيه. كان يتوخی الدقة في مصارحته بالنتيجة.
- خيراً دكتور..
الطبيب قرأ التلهف في نظرته البائسة لمعرفة النتيجة. كانت عين الشاب تستجدي كلمة.
- قل شيئاً يا دكتور.
- أحياناً يصعب علي إطلاع المريض علی النتيجة.
تململ الطبيب في مجلسه وأردف قائلاً:
ولكن الأمانة الصحية تفرض علي أشياء هي علی النقيض من تكويني العاطفي.
- دع العاطفة لشأنها.
- المرض متمركز في لسانك وللقضاء عليه ولئلا يسري إلی موضع آخر ينبغي أن نقصه.
أطرق الشاب هنيهة ثم رفع عينيه وتطلع إلی الخارج عبر النافذة، أعاده الطبيب إلی حاله وشرع يوضح:
- وفي الحالة هذه ستحرم إلی الأبد من الصوت والكلمة. باختصار تقطع صلتك مع عالم المحادثة.. ماذا تقول أتوافق؟
حدق الشاب في وجه الطبيب وعاد يعلق بشيء من التهكم.
- أي عالم أو حديث تقصد!!
- إذن موافق؟
- نعم كل الموافقة.
- أقطع لسانك؟
- اقطعه.
- والكلمة، وعالم المحادثة؟
- اقطعه يا دكتور.. اقطعه ففي عالم أصم سيان بين أن تملك لساناً أو تفقده.
. من موسوعتي القادمة (معجم الساردين الكرد العربفونيين..)
منقول من صفحة الأستاذ جلال زنكبادي[1]