كاميران كريم احمد
ازدهرت في كوردستان في الاونة الاخيرة فكرة قديمة – جديدة مفادها: لا مفر من الاصلاح والتغيير، وذلك اثر الانتصارات الانتخابية التي احرزتها حركة (كوران – التغيير) والتي طالت قوى سياسية من بينها حتى الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي لطالما اعتقد الجميع انه بمنأى من اي تغييرات جدية في نهجه وقيادته، اضف الى ذلك مجموعة اخرى من القوى السياسية وخاصة اليسارية التي بدورها اعتقدت زمنا طويلا انها لكونها يسارية وتتعاطى مع قضايا الفكر والسياسة من منطلقات ليست مصلحية وسلطوية ضيقة فانها بالتالي تصلح من حركتها تلقائيا اذ تؤمن بنظرية التغيير الماركسية المستندة الى مطلقية الحركة ونسبية السكون والجدلية في الاشياء وما بينها والتراكم الكمي المؤدي الى نقلات نوعية، وبالتالي الحركة الى امام مكانيا وزمانيا تدفعها قوة المحرك الاساس وهي هنا مجتمعيا (الجماهير)، ويبدو جليا من تطورات الاحداث ان دور ومكانة قوى يسارية مهمة كالحزب الشيوعي الكوردستاني قد تراجعت الى مستويات دنيا مخيفة على عكس المطلوب منها تاريخيا من مهمات اجل واسمى وأقلها ان تقود التغيير برمته وعلى جميع المستويات في المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والانسان ككل، بل جعلت من قوى تقليدية واخرى جديدة ان تضطلع بهذا الدور وتنسحب هي بهدوء كارثي تاركة جمهورها، اصدقاءها وحتى اعداءها يفغرون افواههم عجبا، ومنهم من يشمت انطلاقا من مصلحته واخرون كثيرون يذرفون دموعهم ان علنا او بالسر ويتلفتون حيارى امام وقائع دامغة تؤشر ليوم لا يجدون فيه يسارا او حزبا شيوعيا بالمعنى المليئ للكلمة.
ولنترك هنا القوى الاخرى التي تنادي بالتغيير وحركت نوعا ما عجلاته قدما، ويجب ان نؤشر للقيمة الايجابية لهذا التغيير والاصلاح، ولكن في هذه المقالة نريد ان نسلط ضوءا على ما يهز الحزب الشيوعي الكوردستاني من مشاكل ادت الى اخفاقه او تراجع دوره ومكانته تراجعا لا اتوقع ان يختلف عليه اثنان مهما كان منطلقهما من قياس وتحليل الاحداث.
أين الخلل؟
هل من المعيب ان يكون هناك خلل؟ لا اعتقد، اذ ان من بديهيات العمل السياسي والفكري لاي حزب وفي اي مكان وزمان ان ينطلق ويتقدم وينتكس وينهض من جديد، ولكن المعيب ان لا ينهض من جديد. تؤكد احداث تاريخية ان الحزب الشيوعي مر بأزمات عظيمة وخاصة في مراحل الارهاب السياسي في البلاد واعدام مؤسسه ولاحقا قادته وكوادره في اربعينات وخمسينات وستينات ونهاية سبعينات القرن الماضي وبالرغم من ثقل المواجهة بينه وبين اعدائه الا انه كان ينهض من جديد وفي كل مرة يصبح من القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع والحياة السياسية بل حتى على الصعيد الاقليمي والدولي، ويندر ان وجد حزب في التاريخ مر ما مر به الحزب الشيوعي من اهوال ولكن الاندر هو وجود الحزب ونهوضه من جديد، وتلك وقائع لا تنكر مهما حاول اي باحث او مؤرخ يسجل بدقة وموضوعية مجريات تاريخ هذه البلاد ومنها كوردستان العراق.
اذن ومع الاقرار بوجود ازمة والتأكيد على ضرورتها تأريخيا يبقى ان نتساءل هل سينهض الشيوعيون من جديد؟ وتلك حتما هي المسألة الكبرى. لنا ان نسجل اهم تجليات هذه الازمة وما يمر به الشيوعيون من مشاكل ربما لا ينفردون بها ولكن يجب بل يتوقع بقوة انهم ان اهملوا حلها واتئكوا على وسائدهم يحلمون بامجاد الماضي ويستهلكون الرصيد التاريخي الذي خطه شهداؤهم ومناضلوهم وبيشمركتهم، فسوف تذر الرياح بما تبقى من هذا الرصيد الذي هو ليس ملكهم وحدهم بل ملك الجماهير والكادحين وسائر المضحين والمنادين بغد افضل. وسوف أؤشر في هذه العجالة اشياء ارى من الضروري تتبعها عسى ان اكون قد الممت بمعظمها وان اغفلت فذلك لانني كاتب فرد وللجميع ان يساهم في مناقشة هذه النقاط او غيرها رغبة في الموضوعية والديمقراطية وايضا الجدلية، وهذه الاشياء-النقاط هي: بم تتصف هذه الازمة وفيم تتجلى، مسبباتها ومنابعها واخيرا علاج الازمة من واقع انني مع حلها وليس فقط الاشارة لها.
نعود الى اهم تجليات ازمة الحزب الشيوعي الكوردستاني:
اللا هوية (التمثيل الطبقي)
- ان يصبح اي حزب سياسي بلا هوية طبقية وسياسية وفكرية فانه يغدو عالة على المجتمع وعلى الحراك السياسي ومن الطبيعي ان يتهمش وينزوي ويصبح شاء ام ابى في غياهب النسيان وفي احسن الحالات يصير ذيليا تابعا، ونحن هنا لا نعني او نتكلم عن ارادة الشيوعيين او اليساريين والطبقة الاجتماعية التي يحملون لواءها وعن نوع التنظيم السياسي الذي يرتأونه في هذه المرحلة او تلك بشكل عام، ولكن المقصود هو الحزب الشيوعي الكوردستاني ككيان له وجود قانوني واطار سياسي محكوم ببرنامج ونظام داخلي وتنظيم وقيادة وغيره. فاين يمكن ان نجد الهوية الفكرية والسياسية لهذا الحزب؟ وهل هو حزب فعلا ام جماعة ام حركة ام ماذا؟ ولا اتوقع ان يتشجع احد القياديين في الشيوعي الكوردستاني لكي يقول نحن حزب الطبقة العاملة والكادحين وسائر المثقفين الثوريين ..الخ، لان الهوية الحقيقية لاي احزاب وخاصة اليسارية تتجلى في التغلغل بين الجماهير والدفاع عنهم في كل صغيرة وكبيرة وتعبيرها عن احلامهم ومستقبلهم بفكر ماركسي كمنهج، هو اهم ادواتهم التي يتميزون بها عن سائر القوى والاحزاب، ناهيك عن الروح الديمقراطية في تعاملهم داخليا ومع الاخرين وتفردهم في تحليل الواقع المعيش، والانطلاق من المصلحة الخاصة بطبقتهم الاجتماعية المضطهدة هو الذي يحكم قبل اي شيء اخر مواقفهم وطروحاتهم، وربما من البديهي القول ان دفاعهم المستميت عن مبادئهم وقيمهم التقدمية وانحيازهم التام لقضايا المرأة والطفل والشبيبة والقوميات والاقليات ووجودهم في صدارة واجهات الاحداث والمنعطفات وتصديهم للعدو الطبقي بلا خوف او رهبة (او حسابات) ومهما كانت الصعوبات، كلها تصبغ هويتهم بلونها وتحدد ملامحها وتجعلها بطعم فريد لا يستسيغه من هم على النقيض من اهدافه ومواقفه.
هل البيت من زجاج؟ (التنظيم)
- وتغدو قضية انعدام الهوية الفكرية والطبقية والسياسية لا شيء امام هول المشكل التنظيمي الذي اصبح هو الاخر مجال تندر البعض وسلاحا لدى اخرين لعرقلة الحياة الحزبية السليمة واعاقة التغييرات داخله. ان تقلص العدد الكلي لاعضاء
الحزب (العضو الكامل العضوية حسب النظام الداخلي) والتغييرات السلبية التي طرأت على عمل وقيادة التنظيمات الحزبية بكافة مستوياتها (ولاءات، قرابة، التقريب حسب عدم الكفاءة وليس الكفاءة) وغيرها الكثير جدا من الامثلة والممارسات بل وابرزها هو سياسة التهميش لاعضاء بعينهم وتقزيم امكاناتهم الفكرية والتنظيمية وتجميد اخرين وطرد وابعاد عشرات (ان لم اقل مئات) الكوادر المجربة والجريئة المخلصة، وعزوف مئات اخرين طواعية عن العمل والتقلص الشديد في صلاحيات المنظمات والهيئات على اختلافها لصالح القيادة واحيانا افرادا قياديين وليس كل القيادة بمعنى فردنة القيادة، تضاف اليها مقاطعة تنظيمات بأكملها وهو ما حصل لبعض تنظيمات الخارج كمثل، كلها جعلت الهوة تتسع بين القاعدة والقيادة الحزبيتين. ورغم مرور عشرين عاما على تأسيسه لم يستطع الشيوعي الكوردستاني ان يجدد في عمله الداخلي ورغم علانية وجوده القانوني ونشاطه السياسي والاعلامي فان الطرائق التنظيمية لم تتطور ولم يحسب لها اي حساب ومنها مراجعة اساليب انعقاد بدءا من الاجتماعات والموسعات والكونفرنسات وحتى المؤتمر العام وكذلك افراغها من المحتوى الثوري وجعل الروتين الممل يتحكم بمفاصل الحياة الداخلية الحزبية ما سهل للبعض ان يمرر سياسته واجندته على الحزب واخرون انفردوا بالقرار محليا وقياديا ومنهم من كون جماعته المتعصبة له وجعل من نفسه اغا او ملاكا وصارت مقرات وابنية الحزب مكاتب تدار فيها حتى صفقات تجارية ليس لاثراء مالية الحزب بكل تأكيد. ولم يتم العمل بالنظام الداخلي لاجل حسم قضايا تنظيمات واعضاء ولا الرجوع الى العقل الجمعي او الاحتكام لاي شكل من الاساليب الديمقراطية في حل عشرات الاشكالات وهو ما عطل النظام الداخلي وفرغ وظائفه الاساسية المتمثلة في لحمة وحماية كل كيان الحزب بدءا من الاعضاء العاديين ومرورا بمجاميع خرجت اما من الحزب او اضطرت للخروج عليه (والامثلة كثيرة) وانتهاءا بصيانة وديمومة الماكنة الحزبية اداة الجماهير الكادحة في نضالها. قووا تنظيم حزبكم ... (يوسف سلمان فهد – قالها في اربعينات القرن الماضي)
انا اقود اذن انا موجود .. (العمل الجماهيري)
وفي النتيجة الحتمية لانعدام الهوية الواضحة للشيوعيين الكوردستانيين والخلل الكبير في حياتهم الداخلية تراجعت صلتهم بالناس والفئات المجتمعية وهموهم ومشاكلهم، وهذا ما يسميه الشيوعيون بالعمل الجماهيري (وهو غير موضوعة التمثيل الطبقي) الدم المتجدد لاي تنظيم، سياسي او غيره. ولا اريد الدخول في هذه المقالة لسرد وقائع تاريخية معروفة للقاصي والداني حول صلة الشيوعيين بالجماهير ان على صعيد احتكاكهم اليومي الطبيعي بالناس او على صعيد نشاطهم النقابي والشبابي والطلابي والنسوي بل وحتى الاطفال ناهيك عن تفردهم دون غيرهم بنخب من المثقفين والشعراء والفنانين وذوي الاختصاص والكفاءات وفي مختلف المجالات وفي مختلف الازمنة، اقول ومع الاسف الشديد ان الشيوعيين لا يملكون اليوم اي صلة بالناس ولا ينشطون نقابيا الا ما ندر ولا تشكل منظماتهم الجماهيرية اي ثقل حقيقي كل في دائرة اختصاصها وليس لدى الشيوعيين سياسة واضحة حول العمل الجماهيري واهميته ولا يبالون اليوم حتى بمفردات بسيطة مثل النشاط المطلبي او الندوات النوعية او تشكيل وفد تفاوضي او القيام بنشاط احتجاجيا كان او مؤازرة، هذا اذا اهملنا القول باهمية التظاهرات والاعتصامات وتنشيط النقابات واتحادات العمل ومنظمات حقيقية للمجتمع المدني وليست كارتونية، وغيرها (واصبح من النادر ان تقام حفلات او سفرات او نشاطات ترفيهية او مهرجانات للشعر وغيرها وتلك كان الشيوعيون سباقين في تنظيمها والتي كانوا يولونها اهمية استثناءية لما لها من تأثير ايجابي على صلاتهم بالناس). ويوما
بعد يوم يجد الشيوعيون انفسهم وحيدين تاركين ساحات النشاط لغيرهم والذين بدورهم يبادرون اول ما يبادرون الى الالغاء التام لدور الشيوعيين والانفراد بالجماهير ومطالبهم وتقليص المكاسب واحدا تلو الاخر، وهنا الطامة الكبرى حين تلتفت الجماهير يسارا فلن تجد من يؤطر مطالبها ويقودها نحو تحقيقها. وصار من الطبيعي ان يذهب كوادر وكفاءات وشخصيات شيوعية مرموقة الى احضان قوى سياسية اخرى تستعين بهم في مختلف المجالات ولكل من هؤلاء اسبابه ودوافعه ومبرراته.
السباق نحو عقل ووعي الناس (التثقيف والاعلام)
- في خضم صراع الشيوعيين مع اعدائهم كانوا لا يتوقفون لحظة عن تطوير الجوانب الفكرية والتثقيفية للاعضاء والكوادر والقياديين وكانت تدور بينهم انفسهم (معارك) فكرية لا تنتهي بينما (حربهم) الفكرية مع الاخرين كانت سمة ملازمة لنشاطهم، وهذه جعلتهم من ارفع الفئات المثقفة في مجتمعهم، اذ كان الفكر والثقافة هما المحرك الاساس لحركتهم وتميزهم وصمودهم. ان العمل الاعلامي كان يناط به ارفع الادوار وكانت حركة التثقيف لا تهدأ ولا هوادة فيها (بدءا من الخلايا الحزبية وحتى بالسجون في عمق الصحراء وانتهاء بالجبال التي لفها زمهرير وعواصف الثلوج القاسية، كان بعض الحلقات التثقيفية في احد السجون يحوى دروسا للغة الفرنسية). واليوم لا ابالغ حين اقول انني التقيت كثيرين من الشيوعيين وخاصة الشبيبة لا يعرفون ومنذ زمن طويل معنى التثقيف (؟!) ولم يجر اي قيادي او اي كادر في الشيوعي الكوردستاني حلقة تثقيف واحدة في اي من الهيئات الحزبية القاعدية او الاعلى ربما لسنوات، اما بسبب عدم وجود سياسة وفكر واضحين او بالاحرى وجود ضبابية في هذا الشأن كما اسلفنا، ولا توجد مدرسة حزبية رغم علانية عمل الحزب وقانونية نشاطه وظروف امنية وفنية مناسبة في الاقليم، وليس لدى الشيوعي الكوردستاني خطة تثقيفية او برامج تأهيل الكادر الحزبي او الجماهيري او الاختصاصي. وينزوي عشرات الكوادر المجربة في بيوتهم مهمشين ولا تتم الاستعانة بهم في هذا المجال او في غيره. وانعدمت ثقافة القراءة والمناقشة في التنظيمات الحزبية سوى ان يبادر الاعضاء من تلقاء انفسهم للتثقيف الذاتي ولكن دون توجيه او متابعة. ولا يشكل اعلام الحزب اي اضافة جدية في العمل التثقيفي، وربما ينفرد الاعلام في الشيوعي الكوردستاني بخاصية نادرة وهي تفريخ الكوادر الاعلامية لكي يكبروا وينشطوا في اعلام الاحزاب الاخرى وخاصة السلطوية، ناهيك عن ركاكة المشروع الاعلامي للشيوعي الكوردستاني كما ونوعا وعدم مجاراته الاحداث في الاقليم بل انه في اغلب الاحايين ينحاز للسلطة وعلى الضد من وظيفته الاساسية، وتتم عملية تفريغ المحتوى الثوري للاعلام بمنهجية وذلك عبر ضبابية طروحاته ونزوعه الى التهدئة و(التوازن) كانعكاس مباشر للا هوية التي ابتلي بها الشيوعيون الكوردستانيون. وتمر عملية تطوير الاعلام وخاصة مشروع القناة الفضائية بمخاض طويل عسير ولن يتوقع ولادة كائن طبيعي منه ونأمل انه لن يولد فأرا من هذا الجبل.
الخروج من المولد بلا حمص (في العمل السياسي والوطني والتحالفات)
لقد جفت حلوق المنادين من اعضاء وكوادر واصدقاء الشيوعيين بعقم سياسة التحالفات التي كبلت الحركة الشيوعية في العراق وفي كوردستان بالذات. ان عدم اخذ العبر من دروس التاريخ ولزمن طويل يعتبر ليس خطيئة بل وجريمة خاصة ان تكررت وصارت سمة ملازمة لاي عمل سياسي ناهيك عن ان اخطاء مقصودة بعينها تؤدي الى خسائر كبيرة ولا تغتفر ولها ضحايا والام ونتائج كارثية، هذا ان قللنا من شأن العزلة السياسية ومخاطر الوقوع في احابيل والاعيب السلطة. وتؤكد مجريات الاحداث خلال العشرين سنة الماضية ان الشيوعيين الكوردستانيين كانوا الخاسر الاكبر جراء وقوعهم فريسة اوهام العمل التحالفي الذي ابتعد كل البعد عن مبادئ العمل الوطني السياسي منه او الجماهيري بل ان خسارتهم لم تتوقف عند النتائج الانتخابية الهزيلة الاخيرة ولكن تعدتها الى الهزيمة المعنوية والخوف من عدم استمرار الحزب ونشاطه وانعكافه وربما الغائه من الساحة السياسية، اذ تدور في مختلف الاوساط في الخفاء والعلن احاديث عن عدم اهلية الاحزاب (الصغيرة) للاستمرار وعدم قانونية حصولها على الاجازة الرسمية وبالتالي لا ضرورة لشمولها بالمالية القانونية لانها لا تستوفي الشروط والالتزامات..الخ، لا بل ان بعض الطروحات تذهب ابعد وتقول باختفاء هذه الاحزاب لانها عالة على الوضع السياسي وزائدة عن اللزوم، ولنا هنا ان نتصور مدى ما اوصلته وخطورة السياسة الرسمية للشيوعي الكوردستاني المصبوغة وبامتياز باللاموقف والحياد السلبي والاقتناع المميت ببعض الهبات والاكراميات او وزير او نائب برلماني (كل عن المعنى الصحيح محرف)، وصار الشيوعي الكوردستاني مجرد حزب ينتظر دوره للحصول على ما تجود به السلطة بعد كل انتخابات او تشكيل وزاري او سواها، اما شاكرا او مستاء باستحياء او في افضل الحالات ناقدا ولكن بتردد شديد.
كما جرى اهمال العمل تماما على ايجاد التحالفات الشعبية القاعدية التي هي من اهم اسس التحالفات الوطنية ومنها التحالفات في التيار او الحراك اليساري ان على صعيد قوى سياسية او على صعيد الجماعات او الافراد المتبنين للفكر اليساري بل وحتى العلماني وكثير منهم موجودون في احزاب السلطة او الاحزاب الاخرى (بل جرت معاداة اطراف وقوى يسارية عديدة كقاعدة وليس استثناء) وذلك على اساس برنامج عريض عملي وفكري وجماهيري يضغط على السلطة وينتزع منها مكاسب اجتماعية وسياسية واقتصادية يستفيد منها الناس ويصبح من الصعب على السلطة تمرير سياساتها وخططها دون حساب لقاعدة عريضة من الملتمين حول البرنامج اليساري العلماني التقدمي والمدافعين عنه. بل ان قوى اخرى كانت اكثر دينامية واستطاعت تحقيق خطوات ملموسة في هذا الاطار وسحبت البساط من تحت القوى اليسارية وبالاخص الشيوعي الكوردستاني. بل والاخطر من هذا نجد ان الشيوعي الكوردستاني يهرول ويصل قبل الجميع الى تلبية الحضور في الاجتماعات والندوات والنشاطات التي تنظمها السلطة والبعيدة كل البعد عن فكر الشيوعيين وخططهم لرسم السياسة الوطنية والقومية والاممية الحقيقية، وصاروا ديكورا ملازما لجل هذه النشاطات متناسين ان المطلوب منهم هو مجرد الحضور في سبيل شرعنة مشاريع لا غير ومنها مع الاسف مشاريع مصيرية ومستقبلية خطيرة.
وارجو من القارئ الكريم ان يحكم بنفسه على ما ورد اعلاه حول ازمة الشيوعي الكوردستاني ويسمح لي ان اخرج بنتيجة بديهية واضع لها اطارا تساؤليا يقود الى وضع النقاط على الحروف. والتساؤل هو: هل ما جرى ويجري هو شيء مقصود؟ وهل وراءه اشخاص بعينهم؟
اذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي؟ (العمل القيادي)
فتعالوا معي الى ان نختصر اهم تجل في هذه الازمة الا وهو ازمة العمل القيادي، ولعلي هنا اؤكد انه التجلي الاكبر والاهم لان جميع المؤشرات تؤدي الى ان العمل القيادي للحزب هو المسبب الاساس وهو مفتاح فهم كل ما وصل اليه الشيوعيون الكوردستانيون من مشاكل، اذ ببساطة نقول ودون تعقيد: من اوصل الامور الى هذه الحد؟ هل هو العدو الطبقي؟ هل السلطة؟ ام الاعضاء العاديون والكوادر المخلصة؟ ام الظروف القاهرة؟
لو اسلمنا ان العدو الطبقي او (حلفاء السلطة) لهم دور ما، فذلك شيء موضوعي يجب شكرهم عليه لانهم عملوا حسب سياساتهم ومصالحهم وهم معذورون. ولكن ما دخلهم في التنظيم والحياة الحزبية الداخلية وفكر واعلام الشيوعيين، وهي امور داخلية بحتة؟ هل نسمي ظروف اقليم كوردستان بالظروف القاهرة؟ لا اعتقد. وهل يعقل ان يكون للشيوعيين البسطاء والمناضلين المجربين دور في تخريب سمعة الشيوعية وهم اليوم من اشد المنادين بالاصلاح والتغيير؟ لا بد ان نكون واقعيين ولا نحجز الشمس بغربال: القيادة هي المشكل ولكن كيف؟
تعددت اساليب العمل القيادي وتنوعت في الاحزاب الشيوعية والعمالية والحركات الثورية في العالم وتطورت حسب ظروف كل بلد ومجتمع بل وجرى تغيير كبير عليها وخاصة بعد البريسترويكا كمتلازمة موضوعية لعموم التغييرات السياسية والفكرية لدى هذه الاحزاب، ومنها من حصد نتائج عملية سرعان ما ترجمت الى انتصارات اما انتخابية او في ثقل وزنها في الشارع ولدى الجماهير، كما لاحظنا في جنوب افريقيا والبرازيل وبلدان الربيع العربي كامثلة من عشرات اخريات وفي جميع القارات. وصار من البديهي ان تتصدر واجهة الاحزاب عناصر جديدة بمحتوى اجتماعي وفكري متجدد، رغم ان عشرات القيادات التقليدية استرجعت حريتها وخرجت من السجون واخذت دورها الطبيعي في النضال وتصدرت الجماهير ولم تلوثها لوثة الفساد او المناصب او الدوغما التي لازمت اخرين وجعلتهم منبوذين لدى جماهيرهم رغم تضحياتهم ورصيدهم في النضال في ما مضى. وفي خضم معركة عالمية في زمن العولمة والاقتصاد العالمي الحر والتغييرات البنيوية في المجتمعات وفي جميع انحاء العالم ودون استثناء، وتشمل في ما تشمل الطبقات الاجتماعية ودورها في الانتاج المادي والفكري والتغييرات في القوى المنتجة وترجمة هذه التغييرات الى فعل سياسي، اقول ان معارك فكرية تدور بين الجديد والقديم، بين حاملي لواء الحرية والحقوق الاساسية للانسان وبين من يريدون تقنين هذه حسب ما يرونه من التزامات العولمة وبشكل يحفظ للرأسمال والاحتكار والنخب المالية مواقعها وبالتالي سيطرتها على مقدرات الكوكب ومستقبله. وتبرز في حمى هذه المعارك قيادات شابة يسارية وعلمانية وتتصدى في الميادين وعلى الارض للتحديات العظيمة امامها، ولكن اين الشيوعيون الكوردستانيون من كل هذا؟
اصبح من الضروري ان نفهم حتى ولو متأخرا ان لكل مرحلة ناسها وقيادتها. وان ما يجري في قيادة الشيوعي الكوردستاني لا يمت بصلة بالعمل القيادي السليم لحزب ثوري يؤمن بالتغييرات ليس على صعيد نشاطه وفكره او على صعيد مجتمعه وحسب بل ابعد بكثير واعقد بمراحل مما نتصوره. واما فردنة القيادة فتلك قضية المستوى المتدني في التعامل مع الاشياء والناس والعلاقات لا اريد الخوض فيها. وتعتمد اساليب العمل القيادي على جملة عوامل وعناصر تحددها هوية الحزب السياسي واليات عمله الداخلي ونشاطه الخارجي والتزامه او بعده عن تطبيق نظامه الداخلي والكادر المؤهل واخيرا المرحلة التاريخية واستحقاقاتها.
واتمنى ان اكون قد الممت ببعض خصائص وتجليات ازمة الحزب الشيوعي الكوردستاني وارجو من القارئ العزيز ان يغني ما ورد في هذا المقال، ولي مقال اخر استوضح فيه رأيي المتواضع حول الخروج من الازمة وكيفية ذلك.[1]