اعلنت تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15 اذار منذ عام 1927 ، ومنذ ذلك التاريخ عمل الجانبان العراقي والتركي على اقامة تمثيل دبلوماسي بينهما مستعينين ببريطانيا وكانت تركيا هي السباقة الى ذلك ، فقد اتصل السفير التركي في لندن بالحكومة البريطانية وابلغها رغبة حكومته في تعيين قنصل تركي عام لها في بغداد ومعرفة موقف الحكومة العراقية ازاء ذلك.
وجاء رد الحكومة العراقية ان يكون التمثيل الدبلوماسي بينهما بدرجة (وزير مفوض) بدلا من (قنصل عام) وطلبت من بريطانيا مواصلة مساعيها لتحقيق هذا الامر، رغبة في اعطاء العلاقات المستوى الدبلوماسي الذي تستحقه من الاهمية.
ووافقت تركيا على اقتراح العراق وتم تعيين وزيرين مفوضين في كل من انقرة وبغداد في ايلول عام 1929 مثل العراق في هذا المنصب (صبيح نشأت) ومثل تركيا فيه (طاهر لطفي).
واثر تزايد نشاط الحركات الكردية على الحدود العراقية التركية وصل الى انقرة في 10 -07- 1930 وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية نوري السعيد اجرى خلال هذه الزيارة التي استغرقت عشرة ايام مباحثات مع رئيس الوزراء التركي عصمت اينونو ووزير الخارجية توفيق رشدي اراس. تركزت هذه الزيارة على النقاط الاتية:
اولا: بحث قضية الامن على الحدود العراقية التركية طبقا لما جاء في بنود المعاهدة الثلاثية لعام 1926 حيث تعهدت تركيا بأن لانترك مجالا لتمادي عناصر الفساد والتمرد في المناطق الجبلية العراقية المتأخمة لتركيا، وايدت تركيا استعدادها لتحشيد قوات تركية على الحدود اذا ما رغب العراق قيام بحملة تأديبية ضد المتمردين الاكراد.
ثانيا: بحث قضية النفط حيث اوضح نوري السعيد بأن الثروة في انتاج النفط العراقي يشكل للعراق فائدة اكبر من الفائدة التي تحصل عليها تركيا بكثير.
ثالثا: بحث امكانية عقد اتفاقية اقتصادية بين البلدين.
واشار مصطفى كمال اتاتورك عند افتتاح مؤتمر حزب الشعب التركي 10 -05- 1931 قائلا ان العلاقات بين تركيا والعراق جارية بأخلاص وهي تستند الى رغبتها بالسلم والتعاون.
وجاءت زيارة الملك فيصل الاول الى تركيا في 6 تموز 1931، بدعوة رسمية من الرئيس التركي، لتضفي المزيد من الاهمية لبناء علاقات متطورة بينهما.والتي عبر عنها الرئيس التركي اتاتورك عند استقباله الملك فيصل الاول في انقرة بقوله :ان جميع المقتضيات الجغرافية، وضرورات المصالح المادية والمعنوية تحتم التعاون بين الاقطار العربية وتركيا، ولعل البيان المشترك الذي صدر في 13 تموز من العام نفسه قد عبر عن التغير الواضح في السياسة التركية تجاه العراق بتأكيده على اتفاق الطرفين في الشروع بعقد اتفاقيات تجارية، ومعاهدات للصداقة وحسن الجوار، والعمل بأستمرار على حفظ الامن والنظام على حدودهما.
وهكذا يتضح بأن تغيرا واضحا اخذ يطفو على سطح السياسة الخارجية التركية تجاه العراق بعد حل معضلة الموصل، التي كانت يشكل حلها المفتاح الرئيس لبيان طبيعة العلاقات بين البلدين.
جاءت وفاة الملك فيصل الاول المفاجئة في عام 1933 لتزيد الامور سوءا وتعقيدا فقد ترك رحيله فراغا في حياة العراق السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
راقبت تركيا تطورات الوضع الداخلي في العراق عن كثب وابدت عدم ارتياحها لما جرى هناك وحاولت التدخل عن طريق المشورة وابداء الرأي لاقرار هذا الوضع فخلال جلسة خاصة عقدت في انقرة بين الرئيس التركي مصطفى اتاتورك وكل من نوري السعيد وزير الخارجية وناجي شوكت وزير العراق المفوض في انقرة جرى الاتفاق فيها على ان يتعاون نوري السعيد مع ياسين الهاشمي لاقرار الوضع السياسي الداخلي في العراق.على الرغم من ان العراق قد اعلن بأن سياسته اتجاه تركيا لن تتغير. وكما بينتها برقية الحكومة العراقية الى الحكومة التركية التي اكدت فيها ان مايهم العراق في سياسته بالدرجة الاولى تطمين رجال تركيا والرأي العام بأن العراق ، صديق تركيا، ولايؤثر أي تبدل حكومي في العراق على هذه الصداقة المستندة الى الحسابات الاخوية المتقابلة، واتفاق مصالحهما المشتركة في السياسة الدولية.
ونظرا لعدم الاستقرار في العراق وانتشار الفوضى السياسية التي ادت الى قيام بكر صدقي بالانقلاب في 29 تشرين الاول 1936، وهو اول انقلاب عسكري في تاريخ العراق المعاصر، فقد ابلغ وزير الخارجية التركي توفيق رشدي اراس وزير تركيا المفوض في بغداد ان الحكومة التركية تهتم في ظل الاضطراب السياسي التي يمر بها العراق بمسألتين هما استقرار الاوضاع السياسية في العراق اولا والاحتفاظ بصداقة بريطانيا ثانيا.
ويبدو ان عدم الاستقرار السياسي الذي شهده العراق في اعقاب الانقلاب لم يؤثر في التقارب العراقي-التركي، اذ شهدت هذه المرحلة تبادل الوفود والزيارات الرسمية وبخاصة زيارة وزير الخارجية العراقي ناجي الاصيل الى تركيا في 21 -04- 1937، لبحث عدد من القضايا المشتركة من بينها تحديد احكام الفصل الثاني من المعاهدة العراقية-التركية- البريطانية الموقع عليها في 5حزيران 1926 والتي تؤكد تحديد الحدود النهائية بين البلدين ، وابدت الاوساط السياسية والصحافة في تركيا اهتماما بأجتماع وزير الخارجية العراقي مع الرئيس التركي مصطفى كمال مشيدة بتوجيهات السياسة العراقية وعلاقات الصداقة بين البلدين.
وبدورها قامت تركيا بأرسال وفد برئاسة وزير الخارجية توفيق رشدي اراس بزيارة العراق في 22 حزيران 1937 وجاء في البلاغ الرسمي الذي صدر بعد انتهاء مباحثاته التي شملت اجتماعه مع بكر صدقي في التأكيد على متانة العلاقات الثنائية وتطابق سياستها ازاء القضايا المختلفة والتعبير عن رغبتهما في ان تسود علاقات حسن الجوار بينهما وبين الدول المجاورة لهما.
وخلال هذه المرحلة حصل تطور سياسي اساسي قد تم الاعلان عنه وهو التوقيع على ميثاق (سعد اباد) ، في 8-07- 1937 بين تركيا والعراق وايران وافغانستان.
ومن جانبه امتدح الرئيس التركي مصطفى كمال اتاتورك ميثاق (سعد اباد) وذلك بوصفه الميثاق بأنه خطوة مهمة جديدة في سياسة الصداقة والتقارب التي تتبعها الخارجية التركية ازاء الدول الشرقية لها تأثيرها في قرار السلم ونتائجها المستقبلية الطيبة على الدول الموقعة عليه.
وفي الوقت الذي استعدت فيه تركيا لاستقبال بكر صدقي لحضور مناورات الجيش التركي وردت الانباء عن اغتياله في مطار الموصل في 11-08- 1937.
وقد ابدى وزير الخارجية التركي خلال لقائه بوزير العراق المفوض في انقرة الخشية من ان يؤدي هذا الحادث الى تخلي حكمت سليمان عن الحكم وتردي علاقات البلدين، وكان رد المسؤول العراقي بأنه لايعتقد ان تأتي الى العراق اية حكومة تغير سياستها الودية تجاه تركيا.
الحرب العالمية الثانية
حين اندلعت الحرب العالمية الثانية في الاول من ايلول 1939 كان نوري السعيد رئيسا للوزراء، ويبدو ان اختياره لهذا المنصب لايخلو من تأثير بريطانيا وذلك كونه من المتحمسين لسياسة التقارب مع تركيا التي تريد بريطانيا جذبها للوقوف الى جانبها في هذه الحرب، اذ اقترح نوري السعيد على مجلس الوزراء قطع العلاقات الدبلوماسية مع المانيا واعلان الحرب عليها الا ان مجلس الوزراء اكتفى بقطع العلاقات فقط.
اما تركيا فقد اتخذت موقفا مغايرا فهي لم تقطع علاقاتها مع المانيا ولم تعلن الحرب عليها ، وفظلت الحياد لانها لاتريد تكرار مأساة الحرب العالمية الاولى وماجرته من ويلات عليها فضلا عن رغبتها في الحفاظ على المكاسب التي حققتها التجربة الكمالية.وهذا مااوضحه وزير الخارجية التركي شكري سراج اوغلو عند مقابلته وزير العراق المفوض في انقرة عن موقف بلاده من الحرب بالقول اذا ما واجهت تركيا تهديدا لامنها فسوف تضطر الى الدخول في الحرب الى جانب احد الطرفين المتحاربين.
الا ان تطورات الصراع الدولي اثناء الحرب وما افرزته من مشكلات اقتصادية دفعت كلا من العراق وتركيا الى التشاور والتفاهم والتعاون من اجل تأمين حاجتها للوقود في ظل ظروف الحرب واحتمالات انقطاعه، ايدت تركيا رغبتها في شراء النفط ومشتقاته من العراق وطلبت من وزير العراق المفوض في انقرة ان يخبر حكومته عن الالية التي يقوم بواسطتها تنفيذ ذلك في حالة موافقتها على الطلب التركي.ورغبة من الحكومة العراقية بتطوير علاقاتها مع تركيا اعلنت موافقتها على الطلب التركي مما جعل الرئيس التركي عصمت اينونو يعبر عن ارتياحه لهذه الخطوة التي تدل على الصداقة الوثيقة التي تربط العراق وتركيا اما رئيس الوزراء التركي رفيق صايدام فأبدى سروره لموافقة الحكومة العراقية على تنفيذ الطلب التركي.
وفي اذار 1940 شكل رشيد عالي الكيلاني وزارته الثالثة والتي ورد في منهاجها الوزاري مسألة تقوية صلات التعاون مع الدول الداخلة في ميثاق سعد اباد. ولم تمر مدة طويلة على تشكيل الوزارة حتى اقترح نوري السعيد الذي شغل وزارة الخارجية فيها اثناء اجتماع مجلس الوزراء في 25 حزيران 1940 قطع علاقات العراق بأيطاليا، الا ان الوزارة رفضت اقتراحه لكونه سابقا لاوانه. ولان العراق لم يستشر دول ميثاق سعد اباد وبخاصة تركيا. التي يهم العراق معرفة موقفها.
وبناء على ذلك قرر مجلس الوزراء العراقي في 19 -06- 1940 ارسال وفد الى انقرة يضم كل من نوري السعيد وزير الخارجية وناجي شوكت وزير العدلية لمعرفة وجهة نظر الحكومة التركية تجاه تطورات الحرب وقد اجتمع الوفد في 25 من الشهر نفسه بالرئيس التركي عصمت اينونو ووزير الخارجية شكري سراج اوغلو وبعد مناقشات مطولة بين الوفد العراقي انطباعاته عن موقف تركيا في الاحداث.الا ان تركيا نصحت العراق ان يحذو حذوها فلا يقدم على قطع علاقاته الدبلوماسية مع ايطاليا او يعلن الحرب عليها.
غير ان تطورات الاوضاع في العراق سارت من سيء الى اسوأ بعد اعلان العراق انتفاضته في نيسان –مايس 1941، التي اسفرت عن الاحتلال البريطاني للعراق في 29 مايس في العام نفسه.
وجدت تركيا في انتفاضة العراق نيسان – مايس 1941 ومحاولة بريطانيا القضاء عليها مايلحق الضرر في مصالحها ذلك لان الساسة الاتراك اكدوا بأستمرار ان استقرار الاوضاع السياسية في العراق امر يهم تركيا لذا اتخذت الحكومة التركية قرارا بالوساطة بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية لايقاف النزاع المسلح.
على اثر ذلك قابل جواد اوستن وزير تركيا المفوض في بغداد وزير خارجية العراق موسى الشابندر وعرض عليه وساطة بلاده فوافق عليها مجلس الوزراء العراقي في 5 مايس 1941 وعهد الى ناجي شوكت وزير الدفاع بالسفر الى تركيا لبحث مسألة الوساطة فوصلها في الثامن منه.
وفي التاسع من مايس من العام نفسه، قدمت تركيا شروطها لانهاء الحرب العراقية- البريطانية وهي:
1. عودة القوات العراقية المحتشدة في اطراف الحبانية الى مواقعها الاصلية.
2. اعتراف بريطانيا بحكومة رشيد عالي الكيلاني.
3. تحرك القوات المرابطة في البصرة الى المواقع المقررة لها دون تأخير.
4. موافقة الحكومة العراقية على زيادة القوات البريطانية في القواعد العسكرية المسموح بها وفقا لبنود المعاهدة العراقية البريطانية لسنة 1930.
الا ان بريطانيا رفضت هذه الشروط ، واصرت على مواصلة الحرب، حتى انتهاء حكومة الانتفاضة نهائيا، ولعل هذه الوساطه كانت اخر نشاط للسياسة الخارجية التركية تجاه تطورات الاوضاع السياسية في العراق.
اتبعت تركيا بعد انتهاء الحرب مباشرة سياسة التقرب من الغرب على اثر ازدياد الضغط السوفيتي الموجه ضدها، خاصة بعد مطالبة الحكومة السوفيتية اشرافها على المضايق التركية (البسفور- والدردنيل) واعادة ولايتي قارص واردهان وتعديل معاهدة مونترو. الا ان الحكومة التركية رفضت تلك المطالب وابدت استعدادها للمقاومة حفاظا على امنها واستقلالها. وبادرت الحكومة التركية الى دعوة عبد الاله الوصي على عرش العراق ونوري السعيد لزيارة تركيا في 15-07- 1945، وخلال المباحثات عرض عصمت اينونو وبشكل رسمي فكرة تشكيل حلف شرق اوسطي ينسجم مع سياسة بريطانيا والولايات المتحدة، لان الاتراك لم يعد بمقدورهم الاعتماد على دول البلقان للوقوف ضد الاتحاد السوفيتي، لكون اغلبها واقعة تحت تأثيره، ولكون وجود القواعد البريطانية في العراق يزيد من اطمئنان تركيا في حالة تعرضها لهجوم سوفيتي.
وفي المقابل قدم نوري السعيد مسودة اتفاقية اولية مقترحة بين العراق وتركيا لتحديد الموضوعات التي ستغطيها المباحثات المقبلة بعد ان ينتهي العراق من اجتماعات جامعة الدول العربية في القاهرة وتشير مقدمة المسودة الى ان العراق بصفته عضوا في الجامعة المذكورة وموقعها على ميثاق سعد اباد يقترح ارتباط تركيا بصورة تامة بجامعة الدول العربية لتشكيل كتلة شرق اوسطية.
واثر عودة الوفد العراقي الى بغداد اطلع مجلس الوزراء على ملخص المباحثات التي جرت بين الوصي عبد الاله والرئيس التركي عصمت اينونو، وقرر تأليف لجنة لتهيئة المشاريع المدرجة في ملخص المحادثات المذكورة وتعيين نوري السعيد رئيس مجلس الاعيان رئيسا للجنة المذكورة، على ان يمنح الصلاحيات منها انتخاب اعضاء اللجنة ومخابرة الدوائر المختصة في جميع الوزارات واتصال برجال الحكومة التركية وباقي حكومات اعضاء جامعة الدول العربية وحكومات دول ميثاق سعد اباد في عواصم بلادهم او بالسلطات المخولة في حق المداولة.
سارع نوري السعيد في اعداد الدراسات وقدمها الى رئيس الوزراء حمدي الباجة جي، وقد اقر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 22 -01- 1946، تخويل اللجنة المؤلفة برئاسة نوري السعيد الموفدة الى تركيا المذاكرة حول النقاط:
1. التعاون في الامور الاقتصادية والمالية والتجارية بصورة عامة.
2. التعاون في تنظيم وتحسين طرق المواصلات ووسائل النقل.
3. التعاون في الامور الثقافية.
4. التعاون في السيطرة واستغلال مياه نهري دجلة والفرات لما فيه منفعة الطرفين.
بدأت المفاوضات العراقية التركية في 5 -03- 1946 وقد افتتح الجلسة الاولى شكري سراج اوغلو رئيس وزراء تركيا وتبادل الجانبان الاحاديث الودية واكد على وجود المصالح المتماثلة وقد ترأس الوفد العراقي نوري السعيد رئيس الوفد بينما ترأس الوفد التركي فريدون اركين السكرتير العام لوزارة لخارجية التركية.
وبعد اطلاعه على مسودة المعاهدة المقترح توقيعها بين العراق وتركيا قرر مجلس الوزراء العراقي تضييق صلاحيات نوري السعيد رئيس الوفد العراقي المفاوضات، وعدم السماح له بتوقيع معاهدة سياسية مع تركيا فوجهت اليه برقية مستعجلة الى انقرة، ورغم ذلك فقد اخبر مجلس الوزراء في بغداد انه يأخذ المسؤولية على عاتقه مستندا في ذلك الى مساندة ودعم الوصي عبد الاله وبريطانيا ليبرم الاتفاق مع تركيا بالشكل الذي يراه مناسبا .
وفي المقابل لم يكن من مصلحة الغرب فتور العلاقات العربية- التركية لان ذلك يؤثر سلبا على خططه في اقامة مشاريعه الدفاعية في المنطقة وحماية امن (اسرائيل) وبخاصة انه يدرك اهمية الدور الذي تضطلع به تركيا في هذا المجال، لذلك نصحت الولايات المتحدة تركيا بضرورة العمل على تحسين علاقاتها مع الاقطار العربية.
رفض العراق ودول الجامعة العربية الاخرى مشاريع الاحلاف الغربية بما في ذلك مشروع (الدفاع عن الشرق الاوسط) الذي طرحته الدول الغربية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) مع تركيا في 13 تشرين الاول 1951. ومهما يكن من امر فأن موقف العراق الرسمي تجاه المشاريع الاحلاف الغربية كان حتى عام 1955 متوافقا مع بقية الاقطار العربية الرافضة لمشاريع الاحلاف الغربية.
ايقنت الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة فشل سياسة الاحلاف والمشاريع الغربية بسبب رفض الاقطار العربية الانظمام اليها وعليه قام جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة بزيارة الى العراق وعدد اخر من اقطار الشرق الاوسط في مايس 1953 وبعد اطلاعه على رأي حكوماتها رأى ان منظمة الدفاع عن الشرق الاوسط تصلح للتطبيق في المستقبل اكثر من صلاحيتها في الوقت الحاضر، وان الاقطار المحيطة بالاتحاد السوفيتي تدرك الخطر الشيوعي ولها رغبة مهمة في ايجاد منظمة للامن الجماعي ولكن ينبغي ان لاتفرض مثل هذه المنظمة من الخارج، بل يلزم لها ان تنمو وتزداد الرغبة لها من الداخل بدافع المصير المشترك والخطر العام).
وهكذا بدأت الخطوة الاولى لتنفيذ خطة دالاس عن النطاق الشمالي بعقد الميثاق التركي الباكستاني في 2نيسان 1954، وفي الوقت نفسه بدأ نوري السعيد بميل لفكرة عقد الاحلاف الدفاعية واهمية تنظيم التعاون مع الدول الغربية بعد توليه رئاسة الوزراء في 3-08- 1952 وقد اثبتت الاحداث ان نوري السعيد قد سعى الى وضع اقتراحه موضع التنفيذ عندما عقد ميثاق التعاون المتبادل مع تركيا في عام 1955.
اخذ نوري السعيد بعد تأليفه وزارته بالسعي الجاد على الصعيدين الداخلي والخارجي لعقد الميثاق مع تركيا، وقام بزيارة تركيا في طريق عودته الى العراق قادما من لندن في بداية تشرين الاول 1954 ، مبديا رغبة حكومته بالانظام الى الحلف التركي- الباكستاني واجرى مباحثاته مع عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في 12 -11- 1954 تناولت قضية الدفاع عن الشرق الاوسط وعلاقة الدول العربية والعراق بالميثاق التركي – الباكستاني.
وفي نهاية المباحثات اتفق الجانبان العراقي والتركي على الامور التالية:
1. ان السلامة الاقليمية لكل من تركيا والعراق حتم قيام التعاون بينهما والحل الامثل بالنسبة للاقطار العربية هو الارتباط مع كل من ايران وباكستان.
2. القيام بمحاولات لاقناع مصر بالانضمام الى الميثاق العراقي- التركي المقترح.
3. استمرار الاتصال بين تركيا والعراق على الترتيب لمباحثات كاملة مع سوريا وايران وباكستان.
4. يكون دور العراق في الحلف المقترح القيام بالاتي:
أ . حماية الممرات الشرقية ضد الهجمات البرية للعدو.
ب. حماية ابار النفط من الغارات الجوية والذرية.
ج. تسهيل وتأمين وصول المساعدات الضرورية لتركيا.
5. انجاز الاجراءات ضد الدعايات الشيوعية التي تستهدف منع التعاون بين العراق وتركيا.
6. تأكيد الحاجة المتبادلة لاتمام التعاون الاقتصادي والثقافي بين الدولتين وفقا للمعاهدة المعقودة بينهما عام 1946.
وادلى عدنان مندريس تصريحا بهذه المناسبة قائلا ان تركيا مستعدة لاعطاء كافة انواع الضمانات وذلك بعدم اتخاذ أي خطوة تتعارض ومصالح هذه الدول.
واتماما للمحادثات التي جرت بين العراق وتركيا في استانبول قام وفد تركي يضم (32) عضوا وبرئاسة عدنان مندريس رئيس الوزراء بزيارة العراق في 6 كانون الثاني 1955 ، وخلال المباحثات قدم نوري السعيد تفاصيل وافية عن الميثاق الذي يفكر به. اما الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الطرفين فقد تضمن تعهد العراق وتركيا على صد أي اعتداء يقع عليها سواء من داخل المنطقة او خارجها.
حاولت دول الجامعة العربية وبخاصة مصر ثني العراق عن عقد اتفاقه مع تركيا ، بتأكيدها ان مايفعله نوري السعيد لايتفق مع اللياقة الا ان الاخير تجاهل هذه المعارضة واصر على توقيع الميثاق مبررا ذلك بالقول ان العراق مجاور لدولتين غير عربيتين بينه وبينهما حدود طويلة مشتركة وتربطهما به مصالح مشتركة اقتصادية واجتماعية ودينية وتاريخية الامر الذي يحتم عليه التعاون معهما لسلامة جيرانه مبينا ان سلامة تركيا وايران بسلامة العراق.
وجاءت الخطوة الاولى نحو تحقيق مشروع الدفاع عن الشرق الاوسط على اثر زيارة عدنان مندريس الثانية الى بغداد يوم 23-02- 1955 وبعد مباحثات قصيرة بين الطرفين تم التوقيع على (ميثاق التعامن المتبادل بين العراق وتركيا) يوم 24-02- 1955 الذي نصت مادته الاولى على تعاون الدولتين لغرض صيانة سلامتهما والدفاع عن كيانهما وارفقت بالميثاق كتب متبادلة تعهد فيها الجانبان على التعاون الوثيق في اتخاذ كافة الاجراءات التي تضمنت تنفيذ قرارات الامم المتحدة حول فلسطين ونصت على انه تأمينا لحفظ السلم والامن في منطقة الشرق الاوسط، فقد اتفقا على العمل متعاونين تعاونا وثيقا من اجل وضع مقررات الامم المتحدة بشأن فلسطين موضع التنفيذ.
ايد مجلس الامة العراقي يوم 26-02- 1955 هذه الاتفاقية اما في تركيا فقد وافق المجلس الوطني التركي الكبير وتم اقراره بصورة مطلقة.
وبعد توقيع الميثاق بأيام قليلة قام جلال بايار رئيس الجمهورية التركية بزيارة للعراق للمدة من 5-10 اذار 1955 ورد الملك فيصل الثاني ملك العراق الزيارة في 26-06- 1955 وخلال الزيارتين تبادلت الكلمات بين الطرفين التي عبرت عن قناعة الحكومتين لما توصل اليه واعتبار ذلك خطوة جديدة في تاريخ العلاقات الودية بين القطرين الجارين.
عن رسالة ماجستير للطالبة الهام عبد الحسين.[1]