ماجد محمد زاخوي
مدرس مساعد في قسم التاريخ/ کلية الآداب/ جامعة زاخو
محاضر في الکلية العسکرية الثانية/ زاخو
ورد في مجلتکم الغراء، في عددها (140)، مقالة للسيد الدکتور (سعد سعيد الديوه جي)، بعنوان: (لا تسيئوا لتاريخ الشعب الکوردي)، وانتقد (الديوه جي) في مقاله هذا، ما جاء في کتاب: (الفرسان الحميدية 1891-1923 دراسة تاريخية تحليلية)، لمؤلفه: (ماجد محمد زاخوي)، حول الفرسان الحميديين.. وحاول الأستاذ الفاضل (الديوه جي) أن يقوم بعملية ذر الرماد في العيون، فاتهم صاحب ذلک الکتاب تارة بأنه أجحف بحق الفرسان الحميديين، وتارة بأنه ألقى باللوم على الحميديين، على مشارکتهم في مذابح الأرمن في سنوات 1894-1896، وفي سنة 1915-1916، وتارة أخرى بأن معلومات الباحث مضللة، وإلخ...
هنا نريد، کصاحب مؤلف (الفرسان الحميدية1891-1923)، أن نقول، ونذکر للسيد (الديوه جي)، جملة من الأمور، راجياً أن يقبلها برحابة صدر،
وأن لا يعتقد بأن الرد على کلماته تأتي للدفاع عن النفس، أو أن صاحب الرد تأثر بما کتبه (الديوه جي)، أو أنه نادم على تأليفه لکتاب (الفرسان الحميدية)، على شاکلته، وبما فيه، وکما هو.
أخي (الديوه جي)، إن هذا المؤلف: (الفرسان الحميدية)، کان أطروحة ماجستير، قدمت إلى (کلية الآداب/ جامعة الموصل)، سنة 2006، وقد نوقشت علمياً من قبل أساتذة أجلاء کفوئين، مختصين بالتاريخ العثماني، ومررت من تحت أصابع ذهبية للأستاذ المشرف عليها، صاحب العقل النير، والخلق الرفيع، صديق الشعب الکوردي، الأستاذ (عبد التواب أحمد سعيد)، الذي علمنا، هو ورفيقه الأستاذ الدکتور (غانم الحفو)، أسس کتابة التاريخ، وکيف يجب أن نتعامل مع التاريخ، بعيدا عن العواطف المزيفة، وکيف نحق الحق، ونزهق الباطل، وکيف ننصر المظلوم، ونحاسب الجلاد، في محکمة التاريخ.. وبسبب المستوى الرفيع لأکاديمية هذين الفاضلين، وسداد رأيهما، وفهمهما العميق للتاريخ، وإنارتهما الدرب للأجيال، کنا نشعر أحيانا - نحن طلبة الدراسات العليا، أيام الدراسة- أن أفکارهما، ومناصرتهما للشعوب المظلومة، وتحليلهم للتاريخ، بمنتهى الرصانة العلمية، لم يکن محل ترحاب من قبل أغلب زملائهم المؤرخين في (جامعة الموصل).
أخي (الديوه جي)، أعلم حضراتکم، وکل من ليس على دراية بأوليات التاريخ، وکيفية کتابته، وکل من لا يعرف تاريخ الشعب الکوردي، أن تاريخ هذا الشعب ناصع البياض، ولا تشوبه شائبة، لکن تتخلله أحيانا - شأنه شأن تاريخ شعوب الأرض قاطبة- فترات أساء إليها أناس لا محل لهم ولا شأن لدى الشعب الذي أسيء إليه. ولقد حکم الکورد، في حقب تاريخية، شعوبا أخرى، في مراحل معينة، فأثبتوا للکل بأنهم رجال حکم وإدارة وعدالة، وعلى سبيل المثال: حکمت الأسرة الأيوبية الکوردية شعوبا إسلامية عديدة، في مرحلة تاريخية، وأثبتت الأيام، وشهد التاريخ، أنها کانت الفترة الذهبية التي مرت بها تلک الشعوب، رغم قساوة الفترة، والهجمات العنيفة التي انطلقت من (أوروبا) على العالم الاسلامي باسم الدين، فکانت الأسرة الأيوبية بمستوى المسؤولية، فوحدوا العالم الإسلامي، وتصدوا للأوروبيين، وأداروا الدولة، وحققوا النصر، وحافظوا على العرض والأرض، ثم نشروا العدالة، ونصروا المظلوم، وحرروا أولى القبلتين، ولأجله سطرت صفحات تاريخهم بحروف من ذهب.. وفي تاريخ (إيران) أيضا، حکم الکورد الزنديون - لسنوات - شعوبها، وکانت بحق أهدأ وأجمل فترة مرت بها تلک الشعوب، في تاريخ إيران الحديث، حيث استقرت الأوضاع، وازدهر الاقتصاد، وانتشرت العدالة، وتقدمت العلوم والآداب والفنون، وتنفس الناس الصعداء، فأثبت الکورد مرة أخرى، أنهم رجال حکم وتدبير وإدارة وعدل، ولذلک امتلأت المکتبات بالأوراق التي کتبت عنهم، وعن عدالتهم، وکفاءتهم، وشجاعتهم، وجدارتهم..
ولهذا نقول للأستاذ (الديوه جي): نحن نفتخر بتاريخنا، ما دام مثل هؤلاء موجودين فيها.. ولا حاجة للشعب الکوردي ب(الفرسان الحميدية)، وأمثالهم، کي نفتخر بهم. ولأننا نفتخر بتاريخنا، أستاذي (الديوه جي)، آثرنا أن نسلط الأضواء في کتابنا: (الفرسان الحميدية)، على المسيئين في تاريخنا، ولتاريخنا، لکي يبقى نظيفا کما هو، إذ لا يجوز أن أوازي بين (الأيوبيين) و(الزنديين)، مع الفرسان الحميديين، الذين تدافع عنهم أخي (الديوه جي)، بسبب قلة درايتکم بتاريخ هذه المؤسسة، وبتاريخ الکورد عامة، وليس منطقيا أن يعلمنا غيرنا بمن هو مسيء أو مصلح في تاريخنا، فنحن أهل مکة، وأدرى بشعابها. أخي (الديوه جي)، لقد اتهمتم الباحث بالإتيان بمعلومات مضللة في کتابه، وحقيقة لا نعلم ما هو المضلل فيها؟ وليکن معلوما عند حضراتکم أن الباحث الذي انتقدته، ضحى بالغالي والنفيس، بغية تقديم مادة غنية بالمعلومات التاريخية الموثقة، وبالأدلة القاطعة، وبالاعتماد على وثائق کان يستحيل على أصحاب النقد حتى معرفة مکان تواجدها. واعتمدنا على دراسات ورؤى مختلفة، لجميع الأطراف المعنية، فاعتمدت الدراسة على المصادر الکوردية والترکية والأرمنية والعربية والروسية والفارسية والإنکليزية، والأهم من ذلک کان حصولنا - وبشق الأنفس- على وثائق من الأرشيف العثماني حول المذابح الأرمنية، وأبطالها، وصرفنا من المجهود ما يکفي لفک هذه الوثائق المشفرة، بغية الوصول إلى هدف نبيل، وهو بيان الحقيقة التاريخية، وخدمة للتاريخ الکوردي، وتاريخ الإنسانية.
أخي الکبير الأستاذ (الديوه جي)، إن الأطروحة التي انتقدتموه: (الفرسان الحميدية)، قومت علميا، قبل مناقشتها من قبل أحد فطاحلة التاريخ، ورموزه، وهو الأستاذ الدکتور (خليل علي مراد)، الذي أشاد بطريقة کتابتها، ورشحها مشکورا للمناقشة العلمية، ونالت رضى الأساتذة المناقشين المؤرخين، وحاز صاحبها على تقدير جيد جدا عال.
ولذا، فإني أعتقد جازما أن حضراتکم لم تقرأوا سوى صفحة، أو اثنتين، من الکتاب الذي انتقدتموه، فبنيتم انتقادکم استناداً على ما جاء في الصفحتين.. أخي الکريم، يرجى أن لا تنتقدوا فقط لأجل النقد، وأن لا تروجوا للمبدأ المشوه: (ولا تقربوا الصلاة)، وأدعوکم لقراءة الأطروحة کلها، وبشکل جيد، لاستيعاب ما فيها، وفهم ما بين سطورها.
أخي الدکتور (الديوه جي): إن جل غايتي من کتابتي حول الفرسان الحميديين، کان عکس ما تصورته حضرتکم، والغاية کانت فصل حفنة من المرتزقة المأجورين، المخدوعين بالمال والرتب والمناصب، عن تاريخ الأمة الکوردية الشجاعة.. أخي العزيز، إن من تحب أن تدافع عنهم من الحميديين، کانوا مساندين للدولة العثمانية، في وقت کان الشعب الکوردي المسلم، والمسالم، في أدنى مراتب التهميش والبؤس في معادلة تلک الدولة، حتى وصلت بهم الحالة من البؤس في أحايين أضطر فيها الأب لأن يعطي بناته لجابي ضرائب العثمانيين، لعدم امتلاکه قروشا عثمانية، لکي يدفع الضرائب المتعددة الدنيئة للعثمانيين، وبأسماء ما أنزل الباري بها من سلطان.. لقد وقف من تدافع عنهم، أخي الکريم، مع العثمانيين، الذين قاتلوا وقتلوا علماءنا وشيوخنا وقادتنا الشرفاء، المجاهدين في سبيل الحق، ضد الطغيان، مطالبين بأبسط حقوق الکورد.. وقفوا کعائق کبير أمام الحرکة القومية والدينية الکوردية، الرافضة للظلم والطغيان وعبادة العباد، مطالبين بالعدالة والإنصاف.. لقد شقوا وحدة الصف الکوردي، عندما وقفوا مع الجلاد، ضد المثقفين والمتنورين الکورد.. لقد زرعوا الفرقة بين الکورد، عندما وقفوا ضد الکورد العلويين، وأمعنوا في بعض عشائرهم المناضلة قتلا وتمثيلا، في وقت کان الکورد بأمسّ الحاجة لرص الصفوف.. لقد رضوا بأن يکونوا آلة بيد الاتحاديين الأتراک، الذين کانوا يقولون جهارا: إن کعبتنا هي طوران، وسنجعل من الطورانية دينا لنا بين الأنام.. لقد جرحوا الشعب الأرمني، في وقت وقف الشعب الکوردي، وأصر على تضميد جراحهم.. لقد شوهوا اسم وسمعة الکورد في أوروبا، في وقت کان الکورد بأمسّ الحاجة إلى الدعم، ومن أي طرف کان، للخروج من تحت الاستبداد، ونصرة الدنيا والدين.. لقد شارکوا بفعالية کبيرة في حرب الاستقلال الترکية، بزعامة (مصطفى کمال أتاتورک)، ليدور عليهم الکماليون، وعلى شعبهم - بعد ذلک-، وليصبح الشعب الکوردي بعد ذلک غريبا على أرضه، وفي موطنه، مجردا من أتفه الحقوق، وفي الدرک الأسفل من سلم الشعوب في ترکيا، عقابا لإحسانهم.. لذا نقول لحضراتکم: إن هؤلاء الذين تحبونهم، خدعوا، بمختلف المقاييس، وفي مختلف المراحل التاريخية.. فهل تريدون أن ندافع عن المخدوعين في تاريخ شعبي؟ وهل تريدون منا أن نفتخر بمثل هؤلاء؟ أم تريدون أن يکون الکوردي دائما حصان طروادة، کالحميديين، يخدم غيره، ليکون وبالا على شعبه؟ ثم لماذا التباکي على الحميديين؟ فإن کان من منطلق ديني، يا دکتور، فالإسلام الحنيف براء منهم، ومن أعمالهم.. وإن کان دفاعکم عنهم من منطلق أنهم وقفوا مع الدولة العثمانية المسلمة، عندها نسأل: إذاً لماذا جعلتم، أنتم الأخوة العرب، من شريف مکة المرحوم (الحسين بن علي)، الذي ثار على العثمانيين سنة 1916، ثائرا عربيا مجاهدا، و مناضلا ضد الطغيان، مطالبا بحقوق العرب من العثمانيين؟ أم تطبقون مبدأ (انصر أخاک ظالما أو مظلوما)؟ ثم لماذا تطلقون کلمة المذابح على قتل، أو استشهاد، حوالي 2000 من الأخوة العرب اللبنانيين، من قبل الإسرائيليين سنة 1982 في( صبرا وشتيلا )، ولا تأبهون، أو تنکرون، قتل مئات الآلاف من الأرمن سنة 1915، وترفضون إطلاق کلمة المذابح على أحداث مروعة تعرض لها هؤلاء، ليدفعوا جريرة قادتهم، الذين أساؤوا التقديرات، وأرادوا تشکيل دولة في مناطق نعتبرها کبد کوردستان، وعرضوا شعبهم للانتقام، نتيجة سياساتهم الخاطئة، وجريرة مروجي الطورانية الترکية، من الذين تعمقوا في التعصب العرقي، ففقدوا صوابهم، وعميت أبصارهم، وجريرة الفرسان، الذين رضوا أن يقولوا لأسيادهم: (سمعا وطاعة)؟!.. ما هذه المعايير المزدوجة؟!.. أم تريدون أن تجعلوا من أراذل القوم قدوة لنا؟!.. أم تريدون أن ياتي مؤرخون في المستقبل القريب، ليدافعوا عن (فرسان صلاح الدين)، وما قاموا به في ثمانينات القرن الماضي، ليصبحوا أبطالاً في تاريخنا؟
مع فائق شکري وتقديري للأخ الدکتور (سعد سعيد الديوه جي)..[1]