إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الثاني)
د. مهدي كاكه يي
تمّ ذكر تأريخ إمارة بابان لأول مرة من قِبل شرفخان بدليسي (1543 – 1604 م) في كتابه المعنون (شرفنامه) الصادر في سنة 1596 ميلادية باللغة الفارسية1. الكتاب يتحدث عن تأريخ الإمارة إبتداءاً من ظهور حُكم إسماعيل الصفوي (1501 – 1523 م).
حسب المعلومات الواردة في كتاب شرفنامه، فأن إنشاء إمارة بابان تمّ قبل ظهور الدولة الصفوية، إلا أنه لا توجد معلومات في المصادر التأريخية عن هذه الإمارة قبل القرن الحادي عشر الميلادي.
يذكر شرفخان بدليسي في كتابه أنه عندما تمّ تأسيس الدولة الصفوية، كان الأمير بوداق إبن عبدال حاكم البابانيين والذي كان يحكم المنطقة المحصورة بين كركوك وشارباژێر وأنه المؤسس الرئيس للإمارة البابانية، وهو من أطلق إسم بابان على منطقة نفوذه. كما يذكر بدليسي بأنّ الجد الأكبر للأسرة البابانية الحاكمة هو (بابا قباد). يشير بدليسي أيضاً إلى إحدى الحروب التي خاضها والده (الأمير شمس الدين) جنباً إلى جنب مع القوات البابانية بأمر من السلطان العثماني في القرن السادس عشر من الألفية الثانية والذي يؤكد على أن البابانيين كانوا قبل هذا التاريخ من ذوي النفوذ والسلطة في المنطقة.
في سنة 1686 ميلادية أي حوالي 70 سنة بعد شرفخان بدليسي، أصدر كاتب كوردي آخر كتاباً بإسم (نور الأنوار). كان إسم الكاتب هو (سيد عبد الصمد توداري) وكان من مدينة (مريوان) الواقعة في شرق كوردستان. يذكر هذا الكاتب في كتابه المذكور بأن الأمير خالد أحمد باباني كان حاكم إمارة بابان في سنة 1276 ميلادية2. كما أنه، نقلاً عن كتاب (تذكرة الأجناد في محاربة الأتراك والأكراد)، يذكر (سيد عبد الصمد توداري) بأن الأمير حمزة باباني سيطر على كل من آمد (ديار بكر) وحلب عن طريق الحرب. كما أنه يقول بِأن العرب والأتراك قاموا بمحاربته و في هذه الحرب، كان (حمدون بگ) يقود الجيش الباباني الذي أوقف القتال وسلّم القوات البابانية للقوات المُعادية لقاء مبلغ كبير من المال. حينئذ إضطر الأمير حمزة أن يهرب مع 12 شخصاً من أنصاره الى مدينة مريوان وهناك بدأ يجمع قوات جديدة. بعد مُضي سنتين، توجّه مع جيشه االجديد الى ساحات الحرب ووصلت قواته الى مدينة بعقوبة، إلا أنه هناك تمّ تسميمه ومات من جرّاء ذلك2.
يتبين مما سبق أن هناك معلومات موجودة في هذا الكتاب عن إمارة بابان وأمرائه لفترة تبلغ حوالي 250 سنة قبل صدور كتاب شرفخان بدليسي، إلا أن السيد (توداري) لا يتطرق في كتابه الى حدود إمارة بابان.
بعد صدور كتاب (نور الأنوار) للكاتب (سيد عبد الصمد توداري)، لم يتم االعثور على معلومات عن إمارة بابان في االمصادر التأريخية حتى سنة 1820، حيث أنه في ربيع وصيف هذه السنة قام ممثل شركة الهند للشرق، كلوديوس جيمس ريچ (1787 – 1821 م) بِرحلة الى كوردستان وقام بِوصف الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية لسكان إمارتَي أردلان وبابان وجغرافيتهما في كتابه المعنون (رحلة ريج في العراق عام 1820)3. تمّ طبع هذا الكتاب من قِبل زوجة (ريچ) في سنة 1836 في إنكلترا.
رافقت مستر (ريچ) زوجته ومجموعة كبيرة من موظفي ومستخدمي وحُرّاس المُقيمية البريطانية، حيث غادروا مقر عملهم في بغداد في شهر نيسان 1820، متوجهين الى مدينة السليمانية، تلبية لِدعوة الأمير الباباني محمود پاشا. كان الهدف المعلن لِسفرهم هو للترفيه والسياحة، إلا أنّ معلومات أخرى تذكر بأن السبب الحقيقي لهذه الزيارة كان العلاقات السيئة التي كانت قائمة بين والي بغداد (داود پاشا) ومستر ريچ ومحاولة داود پاشا التدخل في شؤون مستر ريچ.
سلك مستر ريچ ومرافقيه طريق دلي عباس- كفري- خورماتو- داقوق- لَيلان- چمچمال للوصول الى عاصمة الإمارة البابانية، مدينة السليمانية، حيث أقاموا في سرچنار لبعض الوقت، للراحة والإستجمام، وتمّ الإحتفاء بهم هناك من قِبل الأسرة البابانية الحاكمة و في مقدمتهم الأمير الباباني محمود پاشا. في 10 مايس سنة 1820 ، إصطحب شقيق الأمير الباباني (عثمان بگ) ضيوفه الى داخل مدينة السليمانية في موكب رسمي بهيج وكانت تعلوه الأعلام ويسير على أصوات الطبول وأنغام الموسيقى.
اقام مستر ريچ ومرافقيه في مدينة السليمانية لأكثر من 3 أشهر لفترتَين، إستمرت الفترة الأولى الى منتصف شهر تموز وبعدها سافروا الى إقليم شرق كوردستان، ضمن إمارة أردلان، وعادوا من هناك الى السليمانية في أواسط شهر أيلول، فأقاموا فيها لغاية 21 تشرين الأول سنة 1820. خلال إقامته في السليمانية، تسنى لِمستر ريچ فرصة للإطلاع على السليمانية والمناطق المحيطة بها ودراسة بيئة المنطقة وتاريخها وحضارتها والحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية فيها وجغرافية إمارة بابان.
المصادر
1. شرفخانى بدليسى (1982). شرفنامه. وەرگێڕانی هەژار، كۆڕی زانیاری كورد، چاپی دوهەم، چاپخانەی جەواهیری، تاران.
2. سيد عبد الصمد توداري (1686). چەمكێكی مێژووی هەورەمان و مەریوان. وەرگێڕانی لە فارسییەوە بۆ كوردی لەلایەن محەمەدی مەلا كەریم 1970. بەغداد.
3. كلوديوس جيم ريچ (2008). رحلة ريج؛ المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان- إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات.
[1]