تأريخ إنتاج و إستخدام الأسلحة الكيميائية - القسم الثاني
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 1562 - 2006-05-26 - 09:50
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
اليابان هي الدولة الوحيدة التي إستخدمت أسلحة كيميائية في ساحات الحرب في الحرب العالمية الثانية و التي كانت ضد الصين. الألمان إستخدموا السيانيد و ربما مواد كيميائية أخرى في معسكرات الإعتقالات الجماعية التي أنشئوها في تلك الفترة. القصف الألماني في عام 1943، للباخرة الأمريكية جون هارفي التي كانت ترسو في ميناء باري الإيطالي، و المحملة بألفين قنبلة محشوة بمادة كبريت الخردل، زنة كل قذيفة كانت مائة باوند (حوالي 45 كيلوغرام)، أدى الى قتل أكثر من ستمائة عسكري و أعداد غير معروفة من المدنيين. إصابات العسكريين كانت ناجمة عن التسمم الجهازي و إمتصاص الجلد لمادة الخردل و كذلك تعرض البحارة للمياه الملوثة بهذه المادة السامة أثناء محاولتهم العوم في مياه البحر طلباً للنجاة من مأساتهم، بينما كانت إصابات المدنيين ناتجة من إستنشاقهم لدخان الخردل.
لم يتوقف تطوير و تخزين و إستعمال الأسلحة الكيميائية بإنتهاء الحرب العالمية الثانية. مصر إستعملت على الأرجح، قنابل الخردل خلال إشتراكها في الحرب اليمنية في سنة 1963، و التي إستمرت حتى سنة 1967، في مساندتها لجنوب اليمن ضد القوات الملكية اليمنية في شمال البلاد. إستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1975، مواد كيميائية (مبيدات مكافحة الأدغال) تسبب سقوط أوراق الأشجار و مواد لتفريق تجمعات الشغب في فيتنام و لاووس. الأمريكيون إدعوا أن إتفاقية منع إستعمال الأسلحة الكيميائية لم تتضمن منعاً لإستخدام مواد مسببة لسقوط أوراق الأشجار أو مواد للتحكم في تجمعات الشغب. خلال أواخر السبعينات و بداية الثمانينات من القرن الماضي، كانت هناك أخبار تتحدث عن إستخدام أسلحة كيميائية ضد مهاجرين كمبوديين و ضد قبائل همونغ في وسط لاووس. أُتُهم الإتحاد السوفيتي السابق بإستعمال أسلحة كيميائية أثناء حربها في أفغانستان.
خلال الحرب الإيرانية- العراقية، و التي دامت لمدة ثماني سنوات، إنتشرت بشكل واسع، أنباء إستعمال العراق لأسلحة كيميائية ضد الإيرانيين، و التي قادت الى التحقيق من صحة تلك الأخبار من قبل الأمم المتحدة. الأمم المتحدة أقرّت في تحقيقها إستعمال الخردل المُنفّط (كبريت الخردل السام مخلوط مع النفط) و مواد كيميائية عصبية. بإستمرار الحرب بين العراق و إيران، بدأ النظام العراقي بإستعمال الأسلحة الكيميائية للأعصاب، الأكثر تطايراً. من المرجح أن إيران بدورها قد إستعملت أسلحة كيميائية على نطاق محدود في محاولة منها للرد على الهجمات العراقية الكيميائية.
بعد التأكد من إمتلاك العراق لأسلحة كيميائية، أخذت قوات التحالف الدولي، التي إشتركت في تحرير الكويت، تأخذ إستعدادات كبيرة لمواجهة هجمات عراقية كيميائية محتملة. هذه الإجراءات تضمنت خطة مكثفة للوقاية من الأسلحة الكيميائية العراقية، التي كانت الحكومة العراقية قد تلجأ إلى إستخدامها، و التي هددت بها قبل إندلاع حرب تحرير الكويت، إلا أنها لم تنفذ تهديدها أو كانت غير قادرة على القيام بذلك. بعد تحرير الكويت، إكتشفت لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة مواد كيميائية للأعصاب و من مادة الخردل، مخزونة في محافظة المثنى، التي تبعد حوالي ثمانين كيلومتراً عن شمال غربي بغداد. إن هذا الإكتشاف تم بعد وقف إطلاق النار في شهر شباط سنة 1991.
هناك دول أخرى تمتلك أسلحة كيميائية، مثل البلدان التي إنفصلت عن الإتحاد السوفيتي السابق و ليبيا (قبل تدميرها) و فرنسا. هناك أربع و عشرون دولة أخرى في العالم، لها القدرة على إنتاج أسلحة كيميائية هجومية. إنه من الصعب التأكد من مدى تطور إنتاج أسلحة كيميائية في هذه الدول لأنه في كثير من الأحيان، المواد المستعملة في إنتاج الأسلحة الكيميائية هي نفسها المستعملة في إنتاج المبيدات الكيميائية المستخدمة في مكافحة الحشرات و القوارض، بالإضافة الى مواد مصنعة أخرى لأغراض مدنية.
بالنسبة الى نصيب الشعب الكوردي من التعرض للأسلحة الكيميائية، فأن إسم هذا الشعب إقترن ببشاعة الأسلحة الكيميائية بعد مأساة حلبجة. يتذكر العالم ضحايا الكورد بسبب هذا السلاح المحرم دولياً كلما يدور الحديث حول الأسلحة الكيميائية في المحافل الدولية و في الأوساط الشعبية. يخبرنا التأريخ أن أول إستعمال للسلاح الكيميائي في كوردستان في العصر الحديث، كان الهجوم الكيميائي الذي قامت به الطائرات البريطانية ضد قوات الشيخ محمود الحفيد. هذا القصف الكيميائي تم بأوامر من وزير المستعمرات البريطانية آنذاك ونستون تشرشل. بعد أن بدأت الأوساط العالمية تهتم بالقضية الكوردية و أنباؤها تتصدر الصحف و الفضائيات العالمية بعد إنتفاضة عام 1991 ضد النظام البعثي العراقي و الهجرة المليونية الكوردية الى الجبال بعد فشل الإنتفاضة المذكورة، عرض التلفزيون البريطاني في عام 1992 برنامجاً وثائقياً عن إستخدام القوات البريطانية لأسلحة كيميائية ضد الثوار الكورد المنضوين تحت قيادة الشيخ محمود الحفيد لإخماد نار الثورة الكوردية. في البرنامج الوثائقي المذكور، أُجريت مقابلات مع الثوار المشتركين في تلك الثورة و الذين أُصيبوا بالسلاح الكيميائي البريطاني. تضمن البرنامج أيضاً لقاءات مع الطيارين البريطانيين المشتركين في تلك الحرب التي جرت ضد الكورد.
القوات التركية هي الأخرى إستخدمت أسلحة كيميائية ضد الثوار الأكراد خلال ثورة درسيم في الإقليم الشمالي من كوردستان، التي إندلعت في عام 1936. الصحيفة التركية (كوروكلو) نشرت في عددها 1083 الصادر في الثالث عشر من أيلول سنة 1938 خبر هذا الهجوم الكيميائي. المصادر تذكر أيضاً بأن الإتحاد السوفيتي السابق كان قد إستخدم مواد كيميائية مهيجة للرئة ضد ثوار الكورد من رجال القبائل في كوردستان خلال العقد الذي تلا الحرب العالمية الأولى.
في منتصف شهر نيسان عام 1987 تعرض وادي باليسان الواقع في محافظة أربيل، الى هجمات بالأسلحة الكيميائية من قبل الطائرات العراقية و التي أدت الى إصابة حوالي 360 شخصاً من أهالي قرية شيخ وسمان. عندما تم نقل المصابين الى مستشفى أربيل من قبل السلطات العراقية، بدلاً من تلقيهم العلاج، نُقِلوا الى سجن أربيل من قبل رجال الأمن العراقي، و إختفت آثارهم بعد نقلهم الى خارج مدينة أربيل.، حيث تم قتلهم لإخفاء آثار جريمة النظام العراقي البعثي البائد عن الرأي العام العالمي و العراقي.
بينما كان الشعب الكوردي يتهيأ لإستقبال العام الجديد و الإحتفاء بعيد نوروز، قامت الطائرات العراقية في السادس عشر من آذار عام 1988 بقصف مدينة حلبجة بغاز السيانيد و الخردل و الذي أودى بحياة أكثر من خمسة آلاف شخص و الذين كان أكثرهم من النساء و الأطفال و كبار السن و جُرِح أكثر من خمسة آلاف آخرين. بهذا العمل الوحشي الجبان إرتكب النظام البعثي العراقي جريمة نكراء سجلها التأريخ في صفحات سجله الأسود الى جانب جرائمه البشعة الأخرى من عمليات الأنفال الوحشية و المقابر الجماعية.
خلال عام 1988 إستمرت القوات العراقية في إستخدامها الأسلحة الكيميائية ضد الكورد. خلال الفترة بين الحادي و العشرين و السادس و العشرين من شهر آذار، قامت الطائرات العراقية بإسقاط مواد كيميائية سامة على قرى في منطقة قره داغ، مسببة قتل خمسة و سبعين مواطناً كوردياً و جرح أكثر من مائة آخرين. في شهر آب من نفس السنة، إستعملت القوات العراقية مادة الخردل ضد قوات البيشمه ركه في سيدكان و ضد قرى تابعة لأقضية زاخو و العمادية في محافظة دهوك و ضد قرى أخرى في محافظة أربيل. هذه الهجمات أدت الى قتل أكثر من خمسمائة شخص و جرح أكثر من ثلاثة آلاف آخرين. نتيجة القصف العراقي بمادة الخردل و الفسفور الأبيض لمناطق عديدة من كوردستان في الحادي و الثلاثين من آب و الأول و الثاني من أيلول عام 1988، فقد أكثر من عشرة آلاف شخص حياتهم و أصبحوا ضحية السلاح الكيميائي العراقي. أخيراً قامت القوات العراقية البعثية بقصف قرى تابعة لمحافظة كركوك بالأسلحة الكيميائية في الخامس عشر من تشرين الأول (أوكتوبر) في نفس السنة، مخلفة أكثر من ثمانية و أربعين قتيلا.ً
كما تناقلت الأ خبار مؤخراً (قبل حوالي شهر)، عن قيام القوات التركية بقصف الثوار الأكراد في الإقليم الشمالي من كوردستان بأسلحة كيميائية، مؤدية الى فقدان إثني عشر مقاتلاً كوردياً لأرواحهم.
المصادر
Zajtuchuk, Russ and Bellamy, Ronald F. (1997). Medical Aspects of Chemical and Biological Warfare. Borden Institute, Walter Reed Army Medical Center, USA.
USA MRICD (1999). Medical Management of Chemical Casualties Handbook, First Edition, U.S. Army Medical Research Institute of Chemical Defense.
Patriotic Union of Kurdistan (?). Silence is Complicity. (In Kurdish).
نەبەز، جەمال (1984). بيری نەتەوەیی ی كوردِی نە بیری (قەومیەت)ی رۆژهەڵاتی - نە بیری (ناسێۆنالِزم) ی رۆژاوایی یە. بنكەی چاپەمەنی ئازاد. (كتاب صادر باللغة الكوردية).
[1]