نوروز الحدث الفلكي ورأس السنة الايزيدية (الكُردية) الآرية
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7558 - #22-03-2023# - 09:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رأس السنة السومرية البابلية الميدية الايزيدية (الكُردية) الآرية, نوروز هو يوم السنة الجديدة، انه يوم تجدد للحياة, وتذكير جميع الشعوب الآرية في التمسك بالأصل والعادات والتقاليد والطقوس الدينية العريقة, ولا يمكن أن يتخلى عنها الشعوب الآرية، أبدا مهما تغيرت الأفكار والمعتقدات والاديان في الأزمان والعصور, والاحتفال والخروج إلى السفرة في الطبيعة الخلابة إنما هو تعبير صادق للتحرر من القيود ورمز التمسك بالأصل والعادات والرجوع الغريزي لها.
انه تأكيداً وترسيخ للايديولوجية الدينية الايزيدية(الكُردية)الشمسانية لدى الشعوب الآرية، في اليوم الجديد( نوروز) قبل آلالاف السنين في ميزوبوتاميا وقبلها, فيحيونها الشعب الايزيدي(الكُردي) بكل حب وإخلاص في احتفالات جماهيرية كبيرة في كل سنة, يلبسون الزّي الكُردي الاصيل والجميل ويرفضون الملابس االاخرى المقيدة، انها دلالة على التحرر والتمسك بالقديم، رغم الانتقادات والمحولات الجادة لمحو عيد نوروز منذ قرون عديدة، تعطي الانطباع في المحافظة والتمسك بالأصل والجذور القديمة للعقيدة الآرية.
إن اشعال النيران في الأماكن المرتفعة وعلى رؤوس الجبال إيذانا ببدء حياة جديدة في سنة جديدة، نوروز مصطلح كُردي يعني اليوم الجديد, وهو اليوم الأول للعام الشمسي الايزيدي(الكُردي) واليوم الثامن لشهر آذار من التقويم الشمسي(البابلي الايزيدي) ولو أضفنا الفارق بين التقويمين الإيزيدي والميلادي(13) يوما لأصبح (8+13)=21 وهي يوم الاعتدال الربيعي في شهر آذار حسب التقويم الميلادي, وهو اليوم نفسه حسب التقويم الشمسي, الذي يتساوى فيه الليل والنهار. انه اليوم الذي يحتوي على معان كبيرة في المعنى والبعد التاريخي والفلكي لذلك الزمان وكيف وضعوها وفي هذه الفترة بالتحديد. عيد نوروز هو أحد أقدم الأعياد الذي عرفها الشعب المثرائي قبل الميلاد بآلالاف السنين.
ان عيد اليوم الجديد(نوروز) او رأس السنة الجديدة، كان يمارس طقوسه الشعوب الارية, في بداية السنة الشمسية في التقويم الشمسي المستخدم في (سومر و بابل وأكد, واشور وميسوبوتاميا)، وهذا ما يظهر من بدء هذه التقاويم بشهر نيسان وبأعياد رأس السنة لتلك الحضارات مع عيد رأس السنة الكُردية. مع اختلاف بسيط, في بداية شهر نيسان ونهاية شهر آذار، تعتبر الديانة الإيزيدية و المثرائية والزرادشتية هي ديانات الكرد القديمة تمتد جذورها وتربطها نحو الديانات الشمسانية والمثرائية واليزدانية وهي لها علاقة دينية بملاك(خودان) الشمس(شيشم) باعتباره مصدر النور والحياة على كوكب الأرض والكون.
كان السومريون يحتفلون في 21 اذار بعيد (Zag-mug) الذي يعني بالسومرية (ميلاد السنة الجديدة) أي ميلاد يوم جديد، وميلاد الشمس من جديد بعد خلاصها من هيمنة الظلام، لا تزال هذه الكلمة المركبة باقية في اللغة االكُردية (زگماك) التي تعني الام وعلاقتها بالولادة والتكاثر من جهة أخرى، يتبيّن من النصوص السومرية والبابلية بأنّ العيد كان يُسمّى بعيد (أكيتو Akitu) لدى البابليين، وأن السومريين هم أول مَن إحتفلوا بهذا العيد الذي كان يبدأ في الأول من شهر نيسان الذي كان يبدأ في يوم الانقلاب الربيعي في 21 اذار و فيها يتساوي الليل والنهار، وكان ايضاً في الإعتدال الخريفي يحتفلون بِجني المحاصيل الزراعية ويُعبّرون عن فرحهم بِجمع منتوجاتهم الزراعية بعد عملٍ شاق يستمر لأشهر عديدة في حصادها وجمعها وتناولها.
كان العيد هو رأس السنة الجديدة، إحتفاءاً بإنتهاء فصل الشتاء بِقسوته وبرودته وإبتداء فصل الربيع، حيث الشمس الساطعة وتساوي طول الليل والنهار والمناخ المعتدل والطبيعة المكسوة بالخضار والزهور، وتكاثر النباتات، وزقزقة الطيور وتكاثرها، وولادات المواشي والأغنام وتدفق مياه الينابيع. كان يتم إعلان الإعتدال الربيعي من خلال ظهور أول قمر جديد للربيع، كانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً،وهي اجتفلات دينية موسمية ذات أهمية قصوى في تقويم الطقوس الدينية لبلاد ما بين النهرين، لذلك إرتبط عيد (أكيتو) بالإله السومري للقمر نانا (Nanna) المولود من إنليل (Enlil ) و نينليل (Ninlil)، سيّد و سيدة الهواء، حيث كان خصوبة الأرض، و كانت تُقام إحتفالات كبرى لإله القمر (نانا) في عيد أكيتو او اكيتي.
كما هو معروف إن يوم 21 مارس/آذار هو رأس السنة الكُردية في نوروز, يصادف الأول من نيسان حسب التقويم السومري، هذا يعني أن عيد نوروز يصادف يوم عيد (أكيتي) السومري الذي كان يُقام في الأول من نيسان من كل عام حسب التقويم السومري، وبذلك فأن عيد نوروز هو إمتداد لِعيد رأس السنة الايزيدية(سرسال)(أكيتي)، وهكذا فأن عيد نوروز تعود جذوره الى آلاف السنين قبل الميلاد، حيث كان أسلاف الكُرد الايزيديين والسومريون يحتفلون في الربيع (21 آذار) بمناسبة رأس السنة الجديدة وتحرر الشمس تساوي الليل والنهار، والبدء بزيادة طول النهار في هذا اليوم.
إن اسلاف الكُرد الميتانيون بِدورهم، الذين كانوا يعتنقون الديانة الميثرائية اليزدانية، كان عيدهم الرئيسي هو الإحتفال برأس السنة الشمسية، وانقلاب وانحدار الشمس ڤیشوڤا (vishuva) الذي كان شائعاً في معظم الثقافات في العالم القديم.
كان يعتبر هذا العيد عيد رأس السنة الجديدة في الهند في العهود السحيقة في القدم و يصادف 14/15 نيسان/ أبريل، الذي هو وقت قدوم الربيع، حيث الطبيعة الزاخرة بالخضار و الأزهار، إن عيد نوروز له صلة بهذا العيد أيضاً، حيث أنه في يوم نوروز أصبح (ميثرا)(شمش)(شيشم) وهو الشمس حيّاً من جديد، إنه يوم قيامته.
إنتقل عيد رأس السنة أسماءٍ مختلفة جيلاً بعد جيل من أسلاف الكُرد السومريين والخوريين والايزيديين الى أحفادهم، فبقي حياً الى يومنا هذا، حيث كان الآريون الميثرائيون يحتفلون بعيد ميلاد (ميثرا) بإيقاد النيران ليلاً على سطوح الدور، فيرقصون حولها ويقفزون من فوقها إبتهاجاً بهذا اليوم.
إشعال النار في عيد نوروز لا يزال باقياً عند الشعب الكوردي ولدى الشعوبٍ الآرية، وعندما نتحدث عن الديانات الكردية التي هي الجذور التاريخية لعيد نوروز ورأس السنة الكردية والتي قسم من معتقداتها لا تزال باقية في الثقافة والتراث الكُردي، أود هنا أن أذكر بأن الشمس وعدد أشعتها الواحد والعشرين لها أهمية ثقافية ودينية كبرى في العقيدة الدينية اليزدانية (الميثرائية) ولذلك تم إختيار الشمس لتتوسط العلم الكوردستاني بأشعتها الواحدة والعشرين، واليزدانية والايزيدية هي الديانة الأصلية للشعب الكردي.
الشمس هي رمز ملاك الشمس(شمش) (شيشم)(ميثرا)، يعتقد معتنقوا الديانة اليزدانية بأن فترة انتقال الروح تستغرق 21 يوماً فقط، اي أن الروح في العقيدة اليزدانية تنتقل من جسم شخص آخر عند الوفاة من خلال تناسخ الأرواح بعد 21 يوماً من وفاته. لذلك تم إختيار (21) شعاعاً للشمس تتوسط علَم كوردستان، كرمز لولادة الأمة الكُردية وولادة هويتها ونهضتها وحضارتها من جديد.
في العقيدة اليزدانية نجد إن الأشعة الواحدة والعشرين لِشمس العلم الكُردستاني ليست لها علاقة بالتاريخ الميلادي(21)اذار كما يظن الكثيرين من الناس ولا علاقة لها بعيد نوروز وأسطورتها في شخصية كاوة الحداد الاسطورية، وإنما هي رأس السنة الجديدة، الميثرائية تتجسد في الدين اليزداني، حيث أنّ الميثرائية واليزدانية هي ديانة الشعب آلاري القديم جداً، وخي اعتنقته الشعوب والأقوام الآرية قبل أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد.
من الجدير بالذكر أن الديانة الزاردشتية خرجت من الديانة الايزيدية او اليزدانية، لذلك عندما بدأ زرادشت بنشر دينه في كُردستان، لاقى معارضة كبيرة من أهالي المنطقة الذين كانوا يعتنقون الدين اليزداني، فإضطر زرادشت الى ترك منطقته وهي مدينة ورمێ او أورمية وهاجر الى خراسان، حيث قام هناك بنشر تعاليم دينه، لذلك فأنّ الكثير من مبادئ وفلسفة وطقوس الزرادشتية مأخوذة من الدين الايزيدي او اليزداني، وهكذا إن الفرس اعتنقوا الدين الزرادشتي وإستغلوه لأهداف سياسية لاستلام الحكم وبناء دولة لهم ونجحوا في ذلك.
إن الديانات الكُردية القديمة مثل الإيزيدية واليزدانية والداسنية والهلاوية (العلوية) والدروز واليارسانية هي فروع للديانة المثرائية, وأن فلسفة و طقوس وآداب هذه الأديان تكاد تكون متطابقة مع بعضها بإستثناء إختلافات بسيطة, ربما قد حصلت هذه الاختلافات نتيجة للتباعد الجغرافي الذي يعزلهم عن البعض وتشتت معتنقيها بعد الاعتداءات في الحروب وإحتلال بلدانهم واراضيهم، من قبل الامبراطورية الفارسية بقيادة كورش، وسقوط بابل وميديا، وظهور الاديان الكتابية والحركات التبشرية والفتوحات وغيرها من الامور.
عيد رأس السنة الايزيدية (نوروز)وطقوسها يعود تاريخها الى تأسيس امبراطورية ميديا وايديولوجيتها والتي سقطت على يد الملك الفارسي كورش سنة 553 قبل الميلاد، وِبغض النظر عن خلفيات وجذور عيد نوروز فأن نجاح الشعب الكُردي في إيجاد عيد قومي له وجعله رأساً للسنة الجديدة، هو إنجاز عظيم للأمة الكردية، حيث أصبح نوروز رمزاً وطنياً وقومياً يُعبّر عن هوية الأمة الكوردية رغم معارضة العقيدة الاسلامية بشدة لذلك الحدث التاريخي الكُردي الفلكي والعقائدي والديني الاصيل.[1]