صلاح جلال/ ماجستير أديان [1]
صدرَ كتاب الديانة اليهودية النشأة والتأريخ مؤخرا من تأليف (أ.م.د.ثائر غازي العاني) بطاقة غنية من المعلومات المتوفرة في الأصل والجذور والتأريخ لليهودية، ويحمل نوعاً من الغرابة لما سبقه في الشكل والمضمون. ويشير الباحث في مقدمته إلى أن الغموض ما زال يلف الكثير من جوانب هذه النشأة والكثير من مراحل تطورها. ويحدد سببا لهذه الغموض لا ينحصر في ارتباك المعلومات التي تقدمها المصادر الأصلية كالتوراة والتلمود بقسميه البابلي والفلسطيني، لارتباطهم بمرجعيات بعضها معادٍ وبعضها الآخر صديق لليهود. ويشير بأن مضمون بحثه في حل هذا اللغز، وهو لغز ديانة اليهودية التي خرجت من رحمها ديانات ومذاهب عديدة، ولاسما أن تكون تلك الديانات من أصول رافدينية أو مصرية أم أرمنية أم جزيرة العربية؟.
ويبدأ بتعريف المصطلحات ذات المدلول الديني- التأريخي ومن اولهم الساميون نسبة الى سام الأبن الأول لنوح. وهم من الشعوب التي تضم (شبه الجزيرة العربية والشام وبلاد الرافدين). وتشمل التسمية شعوباً مثل الآشوريين والبابليين والآراميين والكنعانيين والفينيقيين والعموريين والمؤابيين والآدوميين والعمونيين والعبرانيين، كما تشمل جزءاً كبيراً من سكان أسيوبيا فيما بعد، والآ يمثلهم العرب من الناحية الأساسية.
ويكاد يجمع الباحثون على أن شبه الجزيرة العربية هو الموطن الأصلي للساميين، ويعد العرب أكثر الجماعات السامية قرباً مما يمكن تسميته (الخطاب الحضاري السامي الأصل). كما أن اللغة العربية أقرب اللغات الحية إلى السامية الأصلية.
ثانيا: العبرانيون ولهم تسميات كثيرة، لأنهم عبروا مع النبي موسى عليه السلام البحر.
العبرانيون هم خليط من الشعوب الآسيوية السامية القديمة والذين يرجع نسبهم الى سام بن نوح. او يرجع نسبهم الى من يسمون بالعابيرو أو الخابيرو أو الإخلامو، وتبعاً لهذا المفهوم أيضاً فإن العبرانيون لا يمثلون عرقاً أو جنساً بقدر ما يمثلون جماعات مختلطة ولم يقتصر نسبهم على بني إسرائيل كما هو شائع الآن.
ثالثاً: بنو إسرائيل: هو مصطلح يطلق على أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الأثنتا عشرة.
رابعاً اليهود: اسم نسبة الى يهوذا من أبناء يعقوب.
خامسا الموسويون: هم الذين يدينون هم والنبي موسى بدين التوحيد الخالص.
سادساً الهكسوس: هم شعوب بدوية من أصول مختلفة دخلت مصر من الشرق في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر. واستمر حكمهم نحو مائة عام.ويقوم الباحث بشرح نسب بني إسرائيل حسب زعمهم من سيدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب والإسباط، يستدرج بخيوط بحثه بابتداء من الراشد وهو نبي إبراهيم عليه السلام، وهو رشداً في صغره كما قال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ/سورة الأنبياء الآية 51).
ووسع إبراهيم دعوته، فدعا قومه وناظرهم، وكان ممن ناظره في ذلك النمرود، وقص الله علينا في كتابه تلك المناظرة ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ/سورة البقرة الآية 258).
النمرود هو الذي ادعى الربوبية وانه يحيي الموتى، أتاه إبراهيم بحجة لم يجد لها جواباً. ولما دعاه ابوه لحضور عبدِ لهم قال إني سقيم، ثم جعل يضربها ويكسرها حتى جاء على كبيرها، ولما جاء الناس عليه مسرعين، فسألوه (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) (سورة الأنبياء). فأردوا البطش بإبراهيم وعقوبته، ولكن الله ناصر أولياءه ومنجي رسله من كيد الكافرين، قال تعالى (قلنا يا نارُ كوني برداً وسلاما على إبراهيم /سورة الأنبياء الآية 69 -70).
ثم ان نجى إبراهيم خرج مهاجراً إلى أرض الشام بزوجته سارة وابن أخيه لوط، وذهب إلى مصر، ثم رجع إلى بلاد بيت المقدس، وولدت هاجر إسماعيل، فولدت سارة إسحاق على كبر وعقم.
ويؤكد الباحث على ولادة إسحاق وشرح كل حياته ابتداءً ببشرى الملك بولادته الى هلاك قوم لوط (عزاب غيرُ مردودِ).
ومن إسحاق يعقوب من أُمهُ رفقة بنت بتوئيل ناحور بن آزر هو أخو إبراهيم. ويسمى يعقوب (إسرائيل) مصدقاً لقول تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ/سورة آل عمران الآية 93). وإسرائيل هو أبو الأسباط الأثنى عشر، وإليه ينسب شعب بني أسرائيل. ومعناه في اللغة العبرية (روح الله) أو عبدالله أو صفي الله. وعن ابن عباس قال: إن عصابة من اليهود حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا النبي، قال سلوني عما شئتم. قالوا أخبرنا أي طعامِ حرم إسرائيل على نفسه؟ قال هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً وطال سقمه، ونذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه ليحُرم من أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه.ومات يعقوب بعد أن بلغ من العمر 147 سنة ودفن ابنه يوسف في مغارة يحبرون مدينة الخليل مع أبيه إسحاق حسب وصيته. وثم يحتفل الباحث ببحثه بالأسباط ومن أولهم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. ومبدؤها رؤيا رآها يوسف. فأمره أبوه ليكتم رؤياه عند إخوته، وثم نفذوا ما أضمروه في صدورهم، فألقوا يوسف في البئر. فباعوه بقافلة بثمنِ قليل، وفي مصر بيع ذلك النبي إلى عزيز المصر. وثم عقبت امرأة العزيز ولكن يوسف أعتصم بربه والتجأ إليه ولما أدخل يوسف السجن فلبث فيه بضع سنين، حتى أقلقت الملك رؤيا رآها وطلب تعبيرها، ولم يجد من يعبرها له، وتذكر الساقي الملك أمر يوسف وطلب إرساله إلى يوسف في السجن، فخرج يوسف معززاً في السجن فجعل على خزائن المصر. ولما جاءت سنين الجذب، فدخل إخوة يوسف عليه، ثم اعتقل يعقوب وبنوه للحاق بيوسف في مصر ودخلوها آمنيين.
وهذه المرحلة بداية هجرة بني إسرائيل من كنعان إلى المصر ويبدأ تأريخهم. وذلك بسبب تنبؤ يوسف لذلك المنصب الرفيع خلال حكم هكسوس. وعند انتهاء حكم هكسوس قد قاد بني إسرائيل إلى مرحلة من العبودية استغرقت عدة قرون. بسبب توزيعهم أفراداً في أَجزاء مختلفة من مصر وحسب الحاجة للأيدي العاملة. وبعدما اشترك بنو إسرائيل كعبيد في بناء باي- رمسيس بعد طرد الهكسوس من الدلتا نحو 300 سنة رزخ خلالها تحت حكم نحو خمسة عشر فرعون كره كل واحد منهم حد الموت. وفي وقت عودة موسى إلى مصر كانوا منتشرين في كافة البلاد ومجموعة منهم كانت في باي –رسميس.
ثم جاء ظهور موسى عليه السلام وهو بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عيهم السلام.
حيث امتن اللٌه على موسى وأَكرمه بالرسالة وكلمه ربه وأَرسله إلى بني إسرائيل، فأَنتصر اللُه لموسى على فرعون فابتلى فرعون وقومه بسنين ليس فيها زرع ثم اَبتلاهم بالطوفان ثم بالجراد والقمل والدم والضفادع. كان اللُه يستجيب لدعاء نبيه موسى وأَوصى اللُه إليه أَن يكون هو وبني إسرائيل على أَهمية الرحيل وإقامة الصلاة.
خرج بنو إسرائيل من أرض مصر نحو سنة 1446 ق.م وتغربوا في أَرض سيناء 40 سنة مات في نهايتها موسى وتولى يشوع بن نون المسؤولية فدخل بالشعب إلى ارض كنعان نحو سنة 1406 ق.م . وعاش معهم 30 سنة. بدأَ بعدها عصر القضاة خلال الفترة من سنة (1375-1050) ق.م. على مدار نحو 325 عاما. وبدأ عصر الملوك بملك شاؤل أَول ملوك إسرائل (1050-1010)ق.م. أَعقبه داود ثاني ملوك إسرائيل (1010-970) أَعقبه سليمان (970-930). خلال فترة ثلاثة ملوك تبلغ نحو 120 عاما. أَعقبها انشقاق المملكة في بداية عصر رحيلهم إلى مملكة إسرائيل في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب. واَستمرت المملكة الجنوبية خلال فترة من 730-589 ق.م. نحو 334 عاماً. تولى خلالها الحكم تسعة عشر ملكاً. من سلسلة داود. بالاضافة الى مملكة واحدة وهي (عثليا) من نسل عمري ملك إسرائيل، ومن أشهر ملوكهم صلاحاً يوشيا وحزفيا بالاضافة الى ستة ملوك آخرين وهم آسا – يهو-شافاط- يواش- أمصيا-عزريا- ويونام. وظل بني إسرائبيل تحت السبي البابلي ثم فيه أَسر يهود مملكة يهوذا القديم ثم على يد نبوخذنصر الكلداني قام بإجلاء اليهود من فلسطين مرتين في عام 597 وفي عام 586 ق.م. وتكونت مملكة يهوذا وقد انتهت وثم تدمير البيت المقدس الأول في مدينة أًرشليم، عندما انتصر ملك الأخمنيين كورش على البابليين عام 539 ق.م. وسمح لليهود أَن يعودوا إلى أرض إسرائيل وبنوا البيت المقدس الثاني.
عند فتح الأسكندر المقدوني وجيشه بابل عام 331 ق.م. سمح لليهود أن يستمروا بحياتهم الدينية وبقي اليهود في بابل برزوا مع قيام الدولة السلوقية عام 302 ق. م. حتى نهاية الخلافة العباسية في فترة 224 عاما. بعد نصر الأمبراطور الروماني تراجان 98-117.م البرائيين عام 114 م. وحكم بابل لسنوات. وأمر بهجرة اليهود من بابل عندما قاد شمعون بن كوسبا تمرداً مفتوحاً ضد الرومان في أرض إسرائيل هرب تلاميذ الحاخام إشعاعيل الى بابل. وبعد حكم الساسانيين عاش اليهود سلاماً عن حكم الملك شابور الأول 242-272.م. وبعد اندلاع ثورة شعبية واسعة من جانب اليهود على الحكام الرومانيين في مدينة القدس عام 66 ق.م. وثورتهم الأول في عام 73-66 م. بعد موت اسكندر المقدوني ولما كانت حصيلة ضحايا الثورة اليهودية حيث قدرها يوسيفوس بملوين ومأة ألف قتيل من اليهود وتسعين ألف أسير. واسنتطاع القائد الروماني تيتوس دخول مدينة القدس ودمرها بالكامل وأخذ اليهود عبيداً يباعون في روما. وبعدها وقعوا في قتال آخر عندما رفض اليهود النبي المزعوم مزدك عاد الاضطهاد لليهود في بابل تحت حكم الملك هورمير الرابع في 58 م. وادام الباحث خطوط بحثه في الثورات اليهودية وشرح مراحله عبر تأريخ اليهودية في العالم والحركة الصهيونية، وآرائهم وجذورهم حول ظاهرة الشتانت على إنها من علامات اختيار الخالق لليهود. لذا يكون من الهرطقة محاولة بأنهاء حال الشتات بالعودة إلى أرض الميعاد وأنه مصدر عالمية اليهود. وباختصار شديد أن كتاب الديانة اليهودية أثبت بتعمقه ومصداقياته في التواريخ والحوادث وعلميته في أصول البحث العلمي بأنه يستحق منهجيته في الكليات وكان أصبح مصدراً مهماً في مصادر الكتب العربية. ولقد استطاع الباحث أن يوجز لنا تأريخهم وحضارتهم ومعارفهم في كتاب إبداعي على حجم كبير وذات 182 صفحة.
المصدر: الديانة اليهودية النشأة والتأريخ. تأليف (أ.م.د.ثائر غازي العاني) في مكتب الشمس للطباعة الرقمية/بغداد الأعظمية/2018 ميلادي.