ترجمة/ بهاءالدين جلال
البروفسور ادموند غريب الذي يعمل الآن باحثاً رفيعاً في مركزمصطفى بارزاني داخل مركز السلام بالجامعة الأمريكية في واشنطن ،ويعمل ايضاً في دراسة القضية الكوردية على الصعيد العالمي،كما هواستاذ في التأريخ وسياسة الشرق الأوسط لدى قسم السياسة الدولية بالجامعة ذاتها فضلاَ عن عمله في الفترة الماضية استاذاً للعلاقات الدولية و العراق والقضية الكوردية والأعلامية بجامعتي جورج تاون وايلوت،البروفسور غريب هو مؤلف كتاب(الحركةالقومية الكوردية و القضية الكوردية في العراق) وهو أحد مؤلفي كتاب حرب الخليج،وللحديث عن الأوضاع الراهنة في سوريا و التحولات التي تطرأ بعد سقوط نظام الأسد ،اتصلت به (كولان) و اجرت معه هذا اللقاء:
* يُلاحظ أن الأوضاع السورية تتأزم يوماً بعد يوم،والمواقف الأقليمية و الدولية غامضة جداً، ماهي قراءتكم لهذه الأوضاع؟
- في البداية أتفق معكم بأن الأوضاع في سوريا في غاية التعقيد،وهي لاتشبه الأوضاع في المناطق الأخرى التي شهدت الربيع العربي،وهذا التعقيد يعود الى اسباب عدة،منها الموقع الجغرافي و الجيوسياسي و تحادد سوريا مع دول مهمة في المنطقة وهي لبنان و اسرائيل و الأردن و تركيا و العراق،وهذا يعني أنّ أي حدث يقع في سوريا ينعكس على تطورات تلك الدول،وذلك لوجود نقاط مشتركة من حيث المكونات الطائفية و العرقية و الدينية وما يتعلق ايضاَ بالمجموعات الفكرية و السياسية،وما يحدث الآن في سوريا ينعكس سلباً على تلك الدول منها انجرارها الى ازمات و حروب اهلية داخلية، السبب الأخر هو ما يتعلق بالأوضاع الداخلية في سوريا و وجود المعارضة في الداخل ضد نظام الأسد، بسبب تورطه في الفساد و الجرائم،وبالرغم من ذلك لاتزال هناك مجاميع تؤيد النظام،وهذا يعني وجود انقسام كبير في سوريا،على عكس ما لاحظناه في ليبيا و مصر وتونس،حيث كان فيها تأييد عارم للمعارضة بالمقارنة مع ما يحدث في سوريا حيث الضعف في التنظيم و التوحيد،هناك سبب آخر أدى الى تأزم الأوضاع وهو التدخل الخارجي، حيث نسمع منذ فترة طويلة بأن النظام السوري على وشك السقوط وكان هناك توقّع بسقوطه في غضون اسابيع أوأشهر قليلة,ولكن قد مرت اكثر من سنة ونصف و لايزال النظام قائماً،والأوضاع تتجه نحو المزيد من التعقيد،وهناك صراع كبير بين النظام والمعارضة حيث تقوم الأخيرة بالسيطرةعلى مزيد من المناطق وتلتحق بها مجاميع مسلحة من خارج حدود البلاد و تضم مجاميع راديكالية و علمانية وقومية،ولكن ليست هناك قيادة موحدة و متحدة للمعارضة في سوريا بل هي عبارة عن بعض المجاميع المسلحة،كما يوجد نوعان من المعارضة احدهما في الداخل و الآخر يقيم في الخارج ما ادى الى ظهور نوع من القلق بين المكونات الدينية والقومية والعرقية ، من بينها الكورد و السنة و العلويين والمسيحيين والدروز والأسماعيليين،كما أنّ غالبية المواطنين الكورد قلقون من تصاعد نفوذ المجاميع الراديكالية الأسلامية مع وجود مجاميع أخرى تؤيد المعارضة القومية أو العلمانية، وفيما يتعلق بالتدخل الخارجي فلاشك أنّ بعض القوى الخارجية ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وجهات أخرى دعتْ القادة السوريين الى التخلي عن السلطة،و إنّ وجود قوى أخرى تدعم النظام السوري زاد من تعقيد الأوضاع و تصاعد وتيرة الأشتباكات اليومية بين المعارضة و قوات النظام،وبالتالي ادى الى أنْ تتجاوز الأوضاع على حدود النطاق المحلي و الأقليمي لتتجه الى صراع دولي،وكل هذه الأبعاد للقضية جعلت الأمور اكثر تعقيداً و تجاوز الأزمة أصعب،كما نجد أنَ الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تتردد في التدخل العسكري، وذلك لعدة اسباب ،الأول عدم وجود رغبة حقيقية لدى تلك الدول على التدخل،وذلك بسبب التكاليف التي تحملتها في الحربين العراقية و الأفغانية فيما يتعلق بالتضحيات و بالنفقات المالية،مع وجود اختلاف في الأراء بين الأمريكان حيث يعتقد البعض منهم أنَ التدخل في سورياً عسكرياً يعجّل من سقوط النظام و ينهي الصراع والأضطرابا ت في فترة أقل،ولكن هناك مجاميع تؤيد المعارضة في سورية ولكنها لاترغب في التدخل العسكري،ومن بينها رئيس اركان الجيش الأمريكي وبعض كبارالقادة العسكريين و لقد حذر بعض المسؤولين الرسميين من أنّ اقامة منطقة منع الطيران على غرار ماتم في ليبيا والتي طالبت بها المعارضة و بعض الدول الأخرى ليست سهلاَ،وذلك لأنّ سوريا تمتلك نظاماَ قوياَ لدفاعاتها الجوية،كما أنّها دولة صغيرة ما تضطر امريكا الى تحطيم الدفاعات الجوية السورية و الأنظمة الصاروخية،وهذا ما يؤدي االى وقوع مزيد من الضحايا بين المدنيين،كما يعدّ مسألة حساسة جداً من الناحية السياسية و تتمخض عنها نتائج و تداعيلت خطرة جداَ،ومن جهة اخرى فإنّ عدم اقامة منطقة منع الطيران سوف يعقّد الأمور اكثر بحيث يمتد الى صراعات اكبر من اجل التدخل،ولكن قد لايحدث ذلك قريباً،وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل امريكا غير متحمسة للتدخل فضلاَ عن عدم وجود رغبة كبيرة لدى الرأي العام، وكذلك تداعيات احداث ليبيا في مقتل السفير الأمريكي و بعض المسؤولين الأخرين والتظاهرات التي عمت ليبيا مؤخراً،ومن المحتمل أنّ بعض المجموعات التي تقود المجاميع الراديكالية الدينية تشكل مصدر قلق لبعض المسؤولين الأمريكان،وهذا يعني أنّ هؤلاء القادة قلقون من الدعم و التدخل لصالح تلك المجموعات التي تناهض الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
* ما حقيقة علاقة الأوضاع في سوريا بالأنتخابات الأمريكية ، وعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الملف السوري الاّ بعد انتهاء تلك الأنتخابات،وهل من المعقول ربط مصير شعب بأنتخابات دولة؟
- في الواقع أنّ ما يحدث داخل الولايات المتحدة الأمريكية له تأثيرات كبيرة على الذين يؤيدون التدخل وكذلك على الذين يقفون ضده،هناك من يعتقد أنّ التدخل في سوريا لن يخدم المصالح القومية الأمريكية ، في حين أنّ آخرين يفضلون هذا التدخل أو استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الأطراف التي تناهض النظام القمعي في سوريا،والى جانب ذلك هناك دول أخرى ترفض التدخل في سوريا ومنها روسيا و الصين و ايران،التي تبدي قلقها بأستمرار ازاء أي تدخل خارجي في الشأن السوري وتدّعي أنّ ذلك سوف يعتبر خرقاَ للقوانين الدولية و ميثاق الأمم المتحدة كما يؤدي الى تأزيم الأمور اكثر،وللولايات المتحدة مصالح خاصة حيث انها الآن في حرب مستمرة بأفغانستان ومن هذا المنطلق فهي تراعي وجهات نظر روسيا و الصين،وهنا أُؤكد ايضاً أنّ التدخل في سوريا ينعكس سلباً على أمن و استقرار المنطقة برمتها.
* ما هي اكبر التحولات التي سوف تعقب سقوط النظام،وهل يستفيد منها الكورد ؟
- وكما اسلفتُ هناك قوى مختلفة في المنطقة لها مواقف خاصة ازاء سوريا،وكل يقيّم المسألة من منظوره،حتى أنّ مواقف الكورد غير موحدة،حيث أنّ بعض الكورد في سوريا يناهضون الحكومة التركية و قلقون حول مايحدث داخل سوريا و السياسة التي تتبعها تركيا حيال الكورد في ذلك البلد،كما
أنّ هناك غيرهم من الكورد يؤيدون المعارضة السورية و يشاركون في نشاطاتها،إنّ الظروف الحالية في المنطقة أوجدتْ فرصاً جديدة للكورد،ولكن في الوقت ذاته سببت لهم المخاطر حيث أنّ العديد من المحللين أشاروا الى أنّ ما يجري في سوريا لايؤدي فقط الى تعزيز احلام الكورد في سوريا،بل حتى بالنسبة للكورد في تركيا و المناطق المجاورة،وهذا هو سبب ابداء القلق لدى المحللين الأمريكيين حول مايحدث مستقبلاً في تركيا،لآنّ عدد الكورد في تركيا يفوق عددهم في الدول الأخرى،وهذا يؤدي بالنتيجة الى تزايد الطلب على منحهم حق الأدارة الذاتية،اذاً سوف يصبح هذا ربيعاً كوردياَ بقدر ما يصبح ربيعاً عربياً،وهذا هو دليل على التقدم الذي تشهده المسألة الكوردية حيث امتدت الى مسائل كبرى في القرن الحادي و العشرين،في الحقيقة هناك قضيتان رئيستان تواجهان جهود التطور الديمقراطي و تحقيق الأنفتاح الأكثر في المنطقة،و هما القضية الكوردية و القضية الفلسطينية و اللتان تدومان لفترة اطول لحين حلهما بصيغ سلمية و عادلة،أي بشكل تتم فيه مراعاة المصالح الكوردية في كوردستان،سواء في سوريا أو في العراق أو في ايران،لقد تحدث بعض المحللين عما يحدث في سوريا بأنه لايؤدي فقط الى تعزيز احلام الكورد في سوريا،بل حتى بالنسبة للكورد في تركيا و المناطق المجاورة.[1]